Home Next

الشيعة ألد أعداء أنفسهم

آراء الكاتب

الدكتور عبدالخالق حسين

http://www.abdulkhaliqhussein.com/news/342.html

 

لن يستطيع أحد ان يركب ظهرك إلا اذا كنت منحنيا - مارتن لوثر كنك


هذه الحكمة تنطبق على الشعب العراقي وبالأخص الشيعة. فالشعب العراقي منقسم على نفسه ليس طائفياً وعرقياً فحسب، بل وفي عداء مستفحل بين الكيانات السياسية والعشائرية والمناطقية داخل كل مكون، ومستعد للتعاون مع الجهات الخارجية لتدمير بلاده من أجل إلحاق الهزيمة بمنافسيه من الشركاء في الوطن والسلطة، بسبب الأنانية والمصالح الفئوية والشخصية والقيم البدوية والعشائرية السائدة التي أحياها النظام البعثي البدوي خلال 35 سنة من حكمه الجائر متبعاً مبدأ (فرق تسد)، والذي جعل الشعب العراقي غير قابل للحكم إلا بالإستبداد البعثي الصدامي. فكما أكدنا مراراً أن الوحدة الوطنية الظاهرية التي استمرت منذ تأسيس الدولة الحديثة عام 1921 إلى سقوط دولة البعث عام 2003، لم تكن حقيقية اختيارية، بل وحدة مزيفة مفروضة بالقوة من قبل دكتاتورية المكون الواحد. لذلك فضحت الديمقراطية الشعب العراقي وكشفت كل عيوبه و أظهرته على حقيقته. لذلك فمن الصعب جداً تطبيق الديمقراطية في مجتمع بدوي منقسم على نفسه بشتى فنون العداوات. فالعراقيون كانوا في حالة حرب مستمرة مع بعضهم البعض خلال الحكم العثماني، تطورت إلى حروب مع الحكومات العراقية المتعاقبة، وأياً كانت هذه الحكومات.

فمن قراءتي لتاريخ العراق الحديث توصلت إلى استنتاج أن الصراع الطائفي (السني- الشيعي)، هو السبب الرئيسي لعدم استقرار العراق، و ألفتُ كتاباً في هذه الخصوص بعنوان(الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق ). و توصلت إلى أن زعماء الشيعة ليسوا أبرياء في استفحال هذا الصراع وجلب الكوارث على أبناء طائفتهم، لذللك خصصتُ فصلاً كاملا بعنوان(دور فقهاء الشيعة في العزل الطائفي)، إذ وجدت أن زعماء الشيعة، الدينيين والسياسيين، لعبوا دوراً رئيسياً في عزل أبناء طائفتهم، وما لحق بهم من ظلم طيلة تاريخ العراق الحديث وحتى بعد 2003 حيث يحاول أعداء الديمقراطية من المتضررين بها، تشويه صورة النظام الديمقراطي في العراق الجديد لأنه فسح المجال لكل مكونات الشعب العراقي بالمشاركة في الحكم، وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع، ومن هذه المحاولات مثلاً، ما أن يذكروا الحكومة العراقية إلا وأتبعوها بكليشة (التي يهمن عليها الشيعة، والموالية لإيران!!).

وفي هذا الخصوص كتب لي صديق : ((ما يخص موقف بعض السياسين الشيعة فهو ليس غريباً او غير متوقع، فالشيعة، وبالتحديد العراقيين علي مر العصور يقبلون الايدي التي تحاربهم وتذلهم ويحاربون الايدي التي تحررهم لان هؤلاء يعيشون ازدواجية مفرطة، وعقدة نقص كبيرة بين المثالية والنفاق المبطن. يتكلمون عن زهد وتقوي الامام علي، ويعيشون إسراف ونفاق معاوية. لا بد للأجيال الشابة والكوادر المثقفة ان يُخرِجوا العراق من هذا النفق المظلم وإبعاد هؤلاء المنافقين عن الساحة السياسية والدينية والاجتماعية ويلغوا اي دور لهم.)).

أتفق كلياً مع تعليق الصديق، إذ كما تفيد الحكمة: (يفعل الجاهل بنفسه كما يفعل العدو بعدوه). فقد أثبت قادة الشيعة، باستثناء القليل منهم، أنهم فعلاً جهلة، وأوضح مثال هو مقتدى الصدر، قائد ما يسمى بالتيار الصدري، الذي استغل مكانة أسرته الدينية ليكسب شعبية واسعة بين جماهير الشيعة وخاصة الجهلاء منهم. وعندما نصف أتباعه بالجهل ليس تجاوزاً منا، بل السيد مقتدى نفسه وصف أتباعه بالجهل حين صرخ عليهم مرة في إحدى التظاهرات (جهلة جهلة جهلة)، ولعل هذا أصدق ما قاله السيد مقتدى في حياته لحد الآن. لقد ساهم السيد الصدر وتياره بعرقلة العملية السياسية وعدم الاستقرار، فمنذ اليوم الثاني من سقوط حكم البعث، ارتكب جريمة قتل السيد عبدالمجيد الخوئي وإثنين من مرافقيه في صحن ضريح الإمام علي في النجف الأشرف، ثم تأسيسه لجيش المهدي، ورفعه لشعار (كلا كلا أمريكا)، وراحت عصاباته تنشر الرعب بين الناس، وتفرض حكم قره قوش في المناطق الشيعية، والآن يقود ما يسمى بحملة الاعتصامات ضد الفساد.

لماذا الشيعة أعداء أنفسهم؟
أعتقد أن الظلم إذا استمر لعدة أجيال يؤدي إلى تبلد الدماغ وشل العقل، ويصبح جزءاً من تراث المظلومين إلى حد الاعتزاز والتفاخر به. فالشيعة تعرضوا للظلم منذ العهد الأموي و إلى الآن. ولا أجافي الحقيقة إذا قلت أنهم أدمنوا على الحزن، وهذا ما جعل تراثهم الأدبي والفني يتسم بالمآسي، وحتى غناءهم وموسيقاهم يبعث على الحزن وداء الكآبة (الميلانخوليا Melancholy)، فاستطابوا الشكوى والمناحات واللطميات كتنفيس لآلامهم... إلى حد يمكن القول أنهم مصابون بالمازوخية (التلذذ بتعذيب الذات)، فإذا لا يوجد من يعذبهم في زنزانات التعذيب المظلمة، يقومون هم بتعذيب أنفسهم، بلطم صدورهم، وجلد ظهورهم بالسياط، وجرح رؤسهم بالتطبير، حتى أصبحت هذه الممارسات المقرفة جزءً من طقوسهم الدينية، أحاطوها بالقداسة والتبجيل. وفي وقتنا الحاضر راحوا يبدعون طرقاً جديدة من هذه الطقوس مثل الزحف على البطون في مواكب العزاء الحسيني عندما يقتربون من ضريح الإمام الحسين أو العباس في كربلاء. وهذه وثنية بكل معنى الكلمة، لذلك يستغل الداوعش الوهابيون هذه المظاهر المقززة فيصفونهم بالشرك والكفر لتبرير إبادتهم.

لنراجع بإيجاز شديد بعض المحطات التي تكشف لنا دور القيادات الشيعية في تكريس عزل أبناء طائفتهم وحرمانهم من حقوقهم الوطنية، ومعاداة كل من يحاول مساعدتهم وإنقاذهم من الظلم. ففي العهد العثماني، كان الأتراك يعتبرون الشيعة زنادقة ومشركين، منعوهم من التوظيف في الدولة، وحرموا أطفالهم من التعليم في المدارس الحكومية، وفي زمن أحد سلاطينهم (سليم الأول)، ارتكبوا مجزرة رهيبة ضد الشيعة "تقرباً إلى الله في إرهاب أعدائه"، تماماً كما يفعل الدواعش اليوم. ولكن المفارقة أنه عندما جاءت القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى لتحرير العراق من الاستعمار التركي المتخلف ونشر الحضارة الحديثة، ثار الشيعة دون غيرهم ضد الإنكليز فشنوا حرب الجهاد، ومن ثم ثورة العشرين ضد "الكفار" دفاعاً عن "دولة الإسلام"!

ولما تأسست الدولة العراقية الحديثة عام 1921، استجابة لثورة العشرين، منع فقهاء الشيعة أبناء طائفتهم من المشاركة فيها، فأصدروا فتاوى ضد كل إجراء تقوم به الدولة، مثل الانتخابات، والتجنيد الإجباري، بل وحتى ضد إرسال أطفالهم إلى المدارس الحكومية للتعلم. ولذلك استغل الطائفيون من المذهب الآخر هذه النزعة عند الشيعة لعزلهم وتهميشهم وحرمان مناطقهم من العمران.

ثم جاءت ثورة 14 تموز 1958 وقد حاول قائدها الزعيم عبدالكريم قاسم التخلص من الطائفية، فأوصى بعدم التمييز بين أبناء الشعب وخاصة في قبولهم في الكليات العسكرية والأركان والوظائف الخ. وبنى عشرات الأحياء السكنية للفقراء الشيعة الذين فروا من ظلم الإقطاع من الريف إلى بغداد والبصرة، فأحبه هؤلاء وسموه زعيم الفقراء. ولكن مرة أخرى كان رجال الدين الشيعة الذين أصدروا الفتاوى ضده، مثل فتوى السيد محسن الحكيم (الشيوعية كفر وإلحاد)، وكان المستهدف من الفتوى حكومة الثورة وقائدها، بسبب ما أصدرته من قوانين ضرورية للإصلاح الاجتماعي، مثل قانون الإصلاح الزراعي، وقانون الأحوال الشخصية الذي أنصف المرأة، فاعتبروه خروجاً على الإسلام، ثم قانون إلغاء حكم العشائر، وقانون النفط رقم 80، وغيرها كثير.

استغل أعداء الثورة هذه الفتوى من السيد الحكيم، فرشحوه مرشداً لحزب التحرير (إسلامي سني)، ونشروا صوره مع الفتوى في كل المناطق السنية في العراق، وراحت وفودهم تأتي إلى النجف لأداء صلاة الجمعة وراء السيد. إلى أن تم لهم ما أرادوا باغتيال الثورة وقيادتها الوطنية النزيهة في إنقلابهم الأسود عام 1963، ثم انقلبوا على السيد واغتالوا العشرات من أسرته، وجعلوا من العراق أكبر مقبرة لأبناء طائفته.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فالكل يعرف ظلم حكم البعث الصدامي على الشيعة، ففي الانتفاضة الشعبانية (آذار 1991) قتل صدام منهم نحو 300 ألف خلال ستة أسابيع، وملأ أرض العراق بالمقابر الجماعية، وكاد أن يقضي على وجود الشيعة في العراق لولا أن قيض الله لهم أمريكا وحلفائها فأسقطت هذا النظام الجائر، و أقامت النظام الديمقراطي الذي سمح للشيعة أن يأخذوا حقهم في السلطة حسب ما تقره صناديق الاقتراع.
ولكن مرة أخرى، وبدلاً من الترحيب بأمريكا ليستفيدوا من هذه الفرصة الذهبية لصالحهم وصالح كل العراق، تحرك بعض زعماء الشيعة مثل السيد مقتدى الصدر وشكل مليشيات(جيش المهدي) لمحاربة أمريكا وضرب اليد التي ساعدتهم في الخلاص من محنتهم، فرفعوا شعارهم سيئ الصيت (كلا كلا أمريكا...). وشاهدنا في السنوات الأولى بعد سقوط الفاشية كيف تصرف أهالي الفلوجة والرمادي فكانوا يأتون إلى الكوفة كل يوم جمعة بعشرات الحافلات للصلاة وراء السيد مقتدى على غرار (شيم البدوي وخذ عباته)، لدعم التيار الصدري في ضرب العملية السياسية، وإعادة حكم البعث الطائفي المقبور. والجدير بالذكر أن معظم أعضاء التيار الصدري بعثيون شيعة وجدوا في هذا التيار ملاذهم الآمن لمواصلة دورهم التخريبي.
ولما فشلت كل المحاولات لإسقاط العملية السياسية مثل الاعتصامات في المحافظات الغربية التي مهدت لداعش واحتلاله لهذه المناطق، وعزلها عن بقية العراق فيما بعد، طلع علينا مقتدى الصدر ليقود التظاهرات الاحتجاجية بحجة محاربة الفساد، تمهيداً للهجوم على المنطقة الخضراء.

نقول لمن يهمهم الأمر، أن الوضع العراقي معقد جداً، أختلط فيه الحابل بالنابل كما يقولون. نعم، هناك فساد على نطاق واسع، سواءً على مستوى المسؤولين الكبار، أو الموظفين الصغار في عدم تمشية معاملات الناس إلا بعد دفع الرشا، وهناك تململ شعبي واسع من هذا الفساد، لكن تم استخدام مقتدى الصدر كحصان طروادة من قبل نفس الجهات التي خططت وموَّلت الاعتصامات السابقة في المناطق الغربية. وتم توظيف السخط الشعبي ليس لمحاربة الفساد، بل لإرباك الحكومة وإسقاطها، خاصة وأنها تزامنت مع انتصارات القوات الأمنية على داعش. فجاءت هذه الاعتصمات كحبل النجاة لإنقاذ الدواعش من الهزيمة.
 

إن الاعتصامات على أبواب المنطقة الخضراء والتهديد باقتحامها من قبل المعتصمين في حال انتهاء مهلة الـ45 يوما التي حددها زعيمهم مقتدى الصدر دون اي تغيير جذري، هي حلقة من سلسلة من الحلقات التي خططت لها السعودية وغيرها من أعداء العراق الجديد، الغرض منها إسقاط الحكومة و نشر الفوضى العارمة وبالتالي جعل العراق غير قابل للحكم، كتمهيد لعودة البعث لحكم العراق بالقبضة الحديدية وبنسخته الداعشية الوهابية. لذلك لم يجدوا أفضل من مقتدى الصدر ليحقق لهم أغراضهم القذرة التي فشل في تحقيقها الدواعش، تماماً كما استخدموا السيد محسن الحكيم من قبل. والمؤسف أن عدداً من المثقفين، وبنوايا حسنة لمحاربة الفساد، وقعوا في الفخ، فراحوا يروجون لهذه الاعتصامات التي ألبسوها ثوب الوطنية. وهذا تناقض في مواقفهم، فهم من جهة، وكعلمانيين، يناهضون تدخل رجال الدين في السياسة، ولكنهم من جهة أخرى يرحبون باعتصامات يقودها النزق مقتدى الصدر الذي هو أخطر وأجهل رجل دين.

ورغم كل هذه الكوارث، هناك بصيص من الأمل، وهو أن من حسن حظ الشيعة في محنتهم الحالية أن زعيمهم الروحي السيد علي السيستاني يتمتع بالحكمة وصبر أيوب، فلم تهزه المطالبات الديماغوجية الغوغائية، فكان دائماً يدعو أالطائفة إلى ضبط النفس والتحلي بالصبر، ورفض النداءات الصبيانية المشبوهة بإصدار فتاوى الجهاد لمحاربة الأمريكان "المحتل الغاشم" كما يدعون أو الرد على جرائم الإبادة من قبل الإرهاب البعثي الداعشي الوهابي. وأخيراً سمعنا أنه رفض الاجتماع بمقتدى الصدر بمناسبة هذه الاعتصمات المشبوهة، و هذا دليل على أن السيد السيستاني رافضاً لتصرفات مقتدى الصدر، ومن وراءه..
  
 
 

Nextgo to top of page