الشرعية في الاسلام، كيف يجب ان ينظر اليها؟
آراء الكاتب
د. عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com
كلمة مشروعية مشتقة من الفعل شرع يشرع اي اذا سار فيه وملكه اي ما شرع الله من شريعة الصوم والصلاة والحج والزواج وما امرالله
به الناس كما في قوله تعالى الجاثية 18:
ثم جعلناك على شريعة من الامرفأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون |
وقوله تعالى:
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا |
والشرعية هي الطريق والمنهاج في الدين، والشرعة والمنهاج هي السبيل والسُنة.
على
هذا الاساس فالشريعة هي النظام او المنهج الواضح الذي يرسم او يسن للناس في شئونهم (ابن منظور كلمة شرع). وبهذا المعنى يفهم قول الامام
الشافعي الا سياسة الا ما وافق الشرع (ابن القيم، الطرق الحكيمة). اي المنهج والنظام الذي اختارته الجماعة وأتفقت عليه وأرتضته لنفسها ميراثاً او أكتسابا ً لصالحها وخدمة شئونها، لذا
قيل (لاسياسة الا ما وافق الشرع)، اي كل شيىء لم يخالف به الشرع فهو صحيح. هنا ثبتت السياسة الاسلامية، هي ما تقره
الشريعة. وانها منها بمنزلة الجزء من الكل. وهي في الاسلام المبدأ الاعلى
والمنطق الاسمى الذي يتوج النظام الاسلامي وهو التضامن في تنفيذ ما أمر اللهُ به.
وفي الوقت الحاضر اصبح لها معنىً عريض ومكانة عظيمة، فهي تدل على سيادة
القانون في الدولة. ولربما كانت جزءً من مصطلح الايديولوجية، اي المبدأ
والعقيدة والفلسفة التي يقوم عليها النظام المعاصر في بلد معين، ولربما استعملت الشرعية بمعنى مطابقتها الفعل او العقد او القرار
لنظام قانوني صحيح، فيكون شرعياً بهذا.
لا
يستطيع اي باحث جاد ان يتعرض لمعطيات دولة من الدول في النظام او القوانين، في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية لبلد معين سواءً كان
هذا في الماضي او الحاضر، مالم يدرس ويبحث ويسلط الضوء على المنهج او الشريعة، او طبيعة الفلسفة والقوانين التي كانت تحكم ذاك النظام، او هذه الدولة،
في هذه الحقبة
او تلك، لاننا لا نستطيع ان نتفهم كيان أسمه نظام أو دولة مالم نتلمس وضوع معنى دقائق تلك الفلسفة او المعتقدات التي ارتضتها الجماعة لتكون لها قانوناً.
وواضح ان الحكم في الاسلام اساسه
التراضي، والتراضي جزء من السياسة الاسلامية وعلاقته بمبدأ الشورى واضحة، والرضى عن المُولى يأتي عن طريق توليته وحقه الشرعي، ثم يكون المُولى أهلاً للحكم،
لان الخلافة او الرئاسة في
المفهوم الاسلامي تمثل السلطة التي تقوم نيابة عن الشرع القرآني، بالنظر في مصالح المسلمين، حتى يعتبر الرئيس الحاكم الاعلى للدولة الاسلامية ويجب طاعته بشرط ان لا يخالف القرأن
والسنُة.
لذا تعددت الاراء في موضوع الحكم وشرعيته لكنها كلها تصب في قالب واحد هو العدل ورضا الناس عن المُولى.
لذا اعتبرت رئاسة
الدولة في نظر الاسلام واجب ومسئولية، لا يجوز ان يتقدم لشغلها الا من يجد في نفسه الشروط المطلوبة في هذا المنصب،
وتقع الأهلية المعرفية في المقدمة،
فهي ليست منصباً تشريفياً،
بل هي
عمل وجهد ومسئولية وعطاء، وهي بنفس الوقت مسئولية دينية امام الله لتحقيق العدالة في المجتمع..
لذا وضع لها طريق الاختيار مرافقا له الكفاءة ولمقدرة في تنفيذ اوامر الشرع بعيدا عن
المحاباة والعاطفة. فأذا توافرت الشروط وجبت البيعة او التنصيب لهذا المنصب الخطير.
لذا ظلت الشرعية موضع الاختلاف في اختيار من تريده الامة خليفة او رئيسا لها.
هنا اختلفت الاراء بعد ظهور المذاهب في الاسلام منها من يقول بوجوب أهل الحل والعقد في اختار المنَصب والثاني بعهد الامام السابق والثالث وهم الشيعة العلوية التي تقول
ان عليا له وحده الحق في لقب أمير المؤمنين.
بعد
هذا العرض السريع نقول ان الشرعية اكتسبت في عهد الخليفة الاول بمبايعة السقيفة له، فحصل الاعتراض، لعدم اشراك غالبية
المسلمين فيها ولانها قامت على السرعة في العمل. وفي عهد عمر (رض) استعملت التوصية من الخليفة الاول رغم ان الرسول (ص) كان يعلم كل الصفات الحميدة في ابي بكر لكنه لم يوصِِ به, واستمر
الحال في عهد عثمان (رض) وتغليب الرأي الاموي ثم في عهد علي بن ابي طالب (ع) الذي رفض البيعة في المقدمة بأعتبارها مصدر قلق الامة بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان بيد المسلمين
انفسهم وتلك كانت بادرة خطيرة تعرض لها النظام الاسلامي في عهده..
وبعد ان طعن الخليفة الرابع طعنة الموت سئل الامام علي لمن يبايع فقال (لا أأمركم ولا انهاكم) وبنظري ان النص جاء باهتاً لان
العلويين لا يؤمنون الا بهم خلفاء للمسلمين بوجب الحق الشرعي من الرسول كما يعتقدون.. لذا ظل خلفاء بني امية يتعايشون مع دستور شرعي لا يعترف بشرعيتهم الاموية في احتكار السلطة والثروة
والمعرفة واحتكار الجيش والمال لتثبيت اركان الدولة.
وحين سقطت الدولة الاموية جاء العباسيون يتلمسون الشرعية بأي ثمن لتحقيق أهدافهم، لذا ضيقوا على العلويين ونكلوا بهم بقساوة اكثر
من الامويين لانتزاع الشرعية منهم عن طريق الوصية التي ضمت في طياتها العلم اللدني على حسب ادعائهم لنقل السلطة الشرعية لهم ولم يتمكنوا من اقناع الراي العام بهم، لذا بقيت دولتهم
فاقدة للشرعية الدينية اوقل امتدادا للدولة الاموية.
ولعل هذا السر في المحنة الثقافية القاسية التي ما زلنا نعايشها، وعلامتها اننا متورطون في لغة بعيدة عن الواقع ..
فالاسلام الحق - بالفهم الصحيح لمصطلحاته – يعيش في لغة الناس، وليس في واقعهم، ويا لها من محنة نعايشها من عصر معاوية الاول.
واليوم بين الذهب والسيف فتح المجال لمجتمع الاهواء الفردية - التي رافقتها تنمية دائمة لمجتمع النفاق – وبالبطش
تارة واعطاء الامتيازات المتزايدة للقوى التي تحمي الحكم تارة اخرى، ولم يتجرا احد على رد كلمة الحاكم او حتى تذكيره بسلف الامة، ولأضفاء الشرعية الدينية على قراراته لا قرارات
الامة بعد تشاور وعزم واجماع كان لابد لها من تخلق لنفسها درعا من العلماء والفقهاء الذي يفتون بالحق لكنها لم تتمكن، حتى صار السيف مصلطاً على كل معارض يحاول ان يستدل بالقرآن على
فساد الحكم او على جهل الرئيس فأستخدموا خطئاً (وأطيعوا أولوا الامر منكم)على نحو يتضارب مع كل ابعاد الاية المنهجية، فساعدهم في ذلك الانحطاط التدريجي في اللسان العربي هذا اللسان
بذاتيته المتفردة، فبدأت أسوأ مراحل الانشاء العربي على حد قول الاستاذ ابراهيم الغويل في مجلة مستقبل العالم الاسلامي. واستمرت تتناقلها الاجيال من جيل الى جيل حتى أصبح الخطا حقيقة
في نظرهم، فكيف الامر بنا لارجاع الصحيح .فهل حكامنا اليوم قد أكتسبوا الشرعية ومنهج
الطريق، الجواب تجده فيما خططوا له من خطأ، وما زالوا يعانون منه من واقع. ومالم يلتزم الحاكم بالشرعية فسوف يبقى في موضع الشك والريبة.
Back
to Home