g
الكلمة بحاجة الى تغيير
آراء الكاتب
د. عبد الجبار العبيدي
أستاذ جامعي
jabbarmansi@yahoo. com
الكلمة لها معنىً خاص يختلف عن القول،
فالكلمة هي الجانب الصوتي للسان وهي الجملة المتركبة
في النطق بها كقول المتنبي
وأُسمعت كلماتي من به صَممُ |
انا الذي نظر الاعمى الى آدبي |
اما القول فيختلف عن الكلمة،
فهوالكلام المعروف والمُنطق به سلفاً والمتفيأ
بنفسه، وهو الجزء من الجملة، والفرق
بينهما هو اجماع الناس على ترديد الكلمة مفضلة على القول، كما في القرآن حين نقول كلام الله وليس قول الله، فهنا نعبر عن الكلمة التي تكونُ اصواتاً تامة مفيدة.
لذا فان الكلام هو الجملة المتركبة في الحقيقة كما في قول المتنبي.
وقول كُثَير:
لو يَسمًعونَ كما سَمعتُ كلامَها |
خروا لعزةَ رُكًعاً وسُجُودا |
لذا فالكلمة والقول المقتضب لا تُحزن ولا تمتلك قلب السامع الا اذا طال الكلام
وأمتعَ سامعيه شعراً او نثراً، لان الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير. والكلمة دوما تتكون من الاسم والفعل والحرف. هي لفظة حجازية، وجمعها كلم، تُذكر وتؤنث.
وهي تقع على الحرف الواحد وعلى الحروف المجمعة ذات معنى، وعلى الخطبة او القصيدة الشعرية بكاملها، كما في قول
الرجل او قصيدة الشاعر او خطبة الخطيب. وبالكلمة
تم التوحيد وهي، لا إله الا الله منذ النبي ابراهيم وهي لازالت الى اليوم.
والكلام هو النطق الذي يخرج من الفم وفيه تكمن الفصاحة كما في قوله تعالى
في مخاطبة موسى لاخيه هارون (هو أفصحُ مني لساناً)، لذا فللقول دلالات في الذهن، وهنا
نستطيع ان نفرق بين القول والكلام، فالبلاغة دوما في القول والفصاحة في اللسان. لذا فإن الاصوات الانسانية في فواتح السور لا تعني البلاغة او القول المبهم كما يفسره المفسرون خطئأً،
وإنما هي كلمات جاءت على شكل حروف لها مدلول مادي واضح، كما في قول الرسول (ص)، اعطيت لي فواتح الكلام وجوامعه وخواتمه واختصرت لي أختصاراً، كما جاء عند ابي يعلي في مسنده.
من هنا فان السور القرآنية التي جاءت الحروف اولها، كما في سورة (ق والقرءآن
المجيد) هي جزء من آية وليست آية منفصلة في ذاتها.
اذن ما هي جوامع الكلم
التي تحدث عنها الرسول (ص) وجاءت في فواتح السور، يبدو ان اكثر المفسرين اعتبروها هي البلاغة النبوية. ويبدو ان المفسرين لم يدركوا معنى ما
توصلوا اليه، فلو كانت جوامع الكلم المختصرة هي من بلاغة الرسول (ص) لظن البعض من الديانات الاخرى او حتى من بعض المسلمين ان القرءآن هو من تأليف محمد (ص)، مادام هو من البشر (قل
انما انا بشر مثلكم يوحى اليَ، الكهف 110).
ان مرد هذ الخلاف هوعدم التفريق بين الكلام والقول، فالبلاغة في القول لا في
الكلام، لان الكلام صوت الانسان، والقول هو معنى القول في الذهن.
هنا يجب ان نعلم ان الكلمة الصادرة من اللسان ذات شقين مادي موضوعي،
ودلالي مرتبط بالذهن، لذا فإن الالسن الانسانية لها دال ومدلول..والدال والمدلول بحاجة الى معرفة عميقة في حالة التغيير. لقد مكننا القرآن الكريم من معرفة الحقيقة الموضوعية بعد ان
حولها الى المفهوم العام حين اطلق عليها تسمية الحق ،
بموجب ما ورد في الاية الكريمة:
واذ تتلى عليهم آياتنا قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين، (الاحقاف 7) |
ان التنزيل الحكيم احتوى على القرآن الكريم وهو تصديق الرسالة، وابواب
النزول وهي الاحكام مجتمعة، والقصص وهي الافعال الانسانية الواعية التي حدثت في الازمان الغابرة، التي نبه القرآن الكريم الى أهميتها التاريخية، والسبع المثاني هي علوم النبوة
وهي جزء من القرآن لا كله. لان القرءآن هو الحقيقة الموضوعية وهو الذي فرق بين الحلال والحرام اي بين السلوك الانساني مجتمعاً. وبما ان القرآن احتوى على الايات الحدية والحدودية من
هنا اعتبره الرسول (ص) دستورا للمسلمين، لا يحق لأحدٍ اختراقه ابدا، فقوانينة الزامية التطبيق وليس فيها اختياربين هذا وذاك.يقول القرآن الكريم :
هل ينظرون الى تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا
لنا، (الاية 53 الاعراف). |
فبالكلمة العقلانية تصرف الانسان واستطاع التغلب على الظروف غير المواتية
والتغلب عليها وتركها تشكله كيف كانت . وبالكلمة الطيبة تلين القلوب الغليضة، والقرآن الكريم يقول: كلمة طيبة خيرُ من صدقة يتبعها آذىً. فبالكلمة استطاع القرآن ان يحدد مسارات البشر
واستطاع الانبياء ان يكتبوا وصاياهم ودساتيرهم للناس، وبها الان تنظم اسس الحياة المجتمعية لكل الناس، لذا فأستثمارها هو الهدف من اجل الوصول الى غايات المجتمع في التقدم الحضاري.
ان جميع الاساليب
التي مارسها الغرب ضد نهضتنا وتغلب بها علينا، قدمت الدليل على شدة وعي الغرب للكلمة ومعناها وفلسفتها واستثمارها
علميا وادبيا، حتى جعلونا بنظرهم والاخرين، نحن امة شاخت واستهلكت وفشلت في تحقيق اهدافها النبيلة التي جاء بها القرآن والتي لم تعد فينا الا كلمات نرددها بلا معنى وعادات وتقاليد لا
تنفع لمتحضرين.
وهذا ليس تجنيا منهم علينا، بل هو الواقع الذي يجب ان نعترف به من اجل اصلاح ذات البين فينا.
واذا لم نستطع ان نوظف الكلمة العلمية والادبية لصالح التغيير، سنبقى نحن كمن
فاته القطار وبقي ينتظر في محطة المنتظرين، وستبقى كلمتهم هي الاقوى في كل تغيير.
ان وحدة المعالجة، تساوي وحدة المواجهة. والوحدتان موقف علمي اساسي ينمي
استراتيجية التغيير والبناء، التي تنطلق من ارض الواقع العربي المهان اليوم، الى ارض الواقع التاريخي الموعود، والمتصل عضويا بفاعلية التحليل وابتكار الحلول امام نهضتنا الحديثة
المتعثرة.
ان استخدام الكلمة العلمية الواقعية هي الخطوة الاولى على طريق معرفة الذات كما
استخدمها محمد (ص) لاول مرة مع العرب، مرددا ما جاء به القرآن الكريم (واذا قلتم فأعدلوا ولو كان ذا قربى). والنص لم يكن نصاً عاديا جاء على سبيل العضة والاعتبار، وانما جاء بآية حدية
ملزمة التنفيذ وهي الاداة لتعبيد طريق البناء والتقدم، فعليها تقع مسئولية التغيير الكلي في المجتمع. هذه الكلمة النافذة قد فقدها الانسان العربي اليوم حين تحولت السلطة الى تنفيذ مما
تتطلبه مصلحتها لا مصلحة الجماهير. واصبحنا نعيش في ظل مدنية متقدمة وحضارة متخلفة عن حضارة الاخرين.
لكن الذي يجب ان نقوله ما العمل لتحقيق هذا الهدف انسانيا وليس قصرياً عند
الناس. أرى من وجهة نظري ان لا يمكن ان يحدث ذلك الا بتغيير مناهج الدراسة وخاصة الدراسة الابتدائية في مدارسنا العربية فلم يبقَ لنا الا الطفل في امل التغيير، ومنه سنستعيد
وعىَ التغيير، فقد فسدت مجنمعاتنا من الرأس حتى اخمس القدم، ولا من مصلح لها اليوم في ظل ظروف الفساد الكلي ابداً الا من سيحمل المنهج الاصلاحي الجديد. ولكي يفهم هذا الطفل ان
عدالة السماء مجسدة في عدالة الانسان. لذا على من يكتب اليوم موجها عليه ان ينفض يده من الماضي والخطأ المرتكب الان من سلطة الدولة، ويضعها خلف ظهره ويتفحص الكلمة المكتوبة
ليصل الى الربط بين الفكر والعقل والعلم والنقل، لخلق مشروع حضاري يعادل مصطلح التغيير لدى الاجيال القادمة.
ان الذين يدعون ان العراقيين فسدوا ولاامل فيهم هم المخطئون، ان الفساد مرض
وعلاجه الكي وأستئصاله المشرط، فكل دول العالم فيها الفاسد والصالح، اما ان يصل الفساد فينا مغلفاً بالدين، فهو امر في غاية الخطورة والتدجيل. نعم نحن امام سونامي الكارثة وجهاً
لوجه، فأما الاجتثاث واما الموت، وحتى لا نبقى نتعكز على فساد الماضيين. فبألكلمة المخلصة الواعية نستطيع كشف الاعيبهم، حتى نتجاوز المحنة وننتصر على الفساد والفاسدين.
اما العامل الاخر الذي
يجب دراسته على ضوء ما طرحه القرءآن الكريم وبكل وضوح ليس بحاجة الى تفسير، هو عقدة التخلف في نظرية الجنس وتطبيقاته العملية الذي جعل
المرأة انساناً ناقص الاهلية، فهي لا ربع ولا نصف، بل هي وحدة واحدة متكاملة لا نقص فيها ابداً، وكأن الجنس مقصور عليها لا على الاثنين معاً. لقد زيف رجال الدين المفهوم
القرءآني في التعامل مع الجنس وها ترى الامة الان تتخبط في حلوله ولا من مخرج اكيد. انظر الى الاية (4) من سورة النور بنفسك لترى ما فيها من مرونة للتعامل مع الجنس لحل كل المشاكل
المجتمعية المستعصية علينا اليوم، لان الحرمان الجنسي في مجتمعاتنا هو اصل البلاء والتخريب.يقول القرآن الكريم
والذين يرمون المُحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فأجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا وأولئك هم
الفاسقون |
إذا ادركنا ان العملية الجنسية هي عملية سايكولوجية بحتة، فمن يستطيع منا اثبات
الفعل اثباتا حقيقيا لتطبيق قانون الزنى بحق الناس، الم يكن ذلك امر تعجيزي في اثبات التهمة، ألم يكن ذلك ادراك من الله جلت قدرته بخطورة هذه العملية لجعلها مفتوحة دون اثبات اكيد.
لقد اصبحنا اليوم نتشبث بالمتعة وزواج المسيار والشغار والزواج العرفي وتعدد الزوجات وما يدريك غدا ماذا يبتكرون ويحللون، فلنكن واقعيين في التعامل مع الطبيعة الانسانية، فقد تاخرنا
كثيراً عن العالمين، وحتى لانجد المبررات كالنعامة التي تخفي راسها في الرمال وما تدري ان جسمها في العراء. نحن بحاجة الى علماء النفس والتربويين الاجتماعيين ليضعوا لنا قوانين
الآدميين، فلسنا بحاجة الى تفسيرات رجال الدين الذين لم يعترف القرآن بهم ولم يخولهم حق الفتوى على الناس .
ان إقتراح مشروع حضاري لنا يجب ان يعالج ثلاث قضايا رئيسية في المجتمع هي:
المنهج الدراسي الابتدائي،
وقضية التعامل مع الجنس،
والعدالة الاجتماعية .
وان اية حكومة لا تلفت الى هذا القضايا الاستراتيجية لتضعها موضع الاهتمام
لا يلتفت اليها في اصلاح. ان حالة التنفيذ لهذا المشروع الحيوي الهام سيغير البنية الفكرية والمادية للمجتمع، وينقله من المرض الى الصحة، ومن العوز الى الرفاه، ومن الخوف الى الامان،
ومن الظلم الى العدل، ومن الفرقة الى المساواة، وستختفي الطائفية والمحاصصة البغيضة والعنصرية والتفرقة الانسانية، وننتقل الى الاصلاح والاستقرار والطريق المستقيم.
ان اعادة تكوين الانسان
العراقي في بلدنا العراق وبناء مؤسساته الثقافية والفكرية والتربوية يجب ان يبنى وفق هذه المعايير التي رسمتها عدالة السماء وبشر بها
الانبياء والمصلحين، لا من اجل الانسان الاناني الفاقد لأهلية التغييرالذي أتخذ من المال الحرام قوة في التدمير. لدينا المال، ولدينا الطاقة، ولدينا الكفاءة، ولكن اين مستثمريها
المخلصين.
ان افراد المجتمع يجب ان يعاملوا بالتساوي دون تفريق في توزيع الثروة ونصوص
الدستور امامكم، لا ان توزع الثروة على الحدس والتخمين، وفق نظرية الخطأ المقصود كما في الميزانية السابقة التي كان الاجحاف فيها واضحا واكيداً لفئة على اخرى. ما ضر الحكومات السابقة،
لو اجرت مسحاً لهم وقدمت مائة الف دور لكل عائلة لاعادة حياة المرفهين، لتمتعنا بالرفاه والاستقرار والعيش الرغيد، ان على الحكومة اجراء الاحصاء السكاني الرسمي وليس الاعتماد
على بطاقات التموين التي زيفت في غالبيتها تحقيقا لمنافع المنتفعين.
يا شعب العراق المظلوم الذي تكالبت عليك الامم الظالمة قتلاً وتشريداً لابنائك
واعتداءً على ثرواتك وانت محروم منها، مشرد بين الاعداء والعبيد الظالمين، بيدك المصير اليوم، فلا تخطأ مرة أخرى فلا تعطي صوتك الا للمخلصين، والا ستموت واقفاً مثل النخيل. كن
شجاعا وعن الحق لن نُحيد.
ستبقى الكلمة الحقة التي
نزلت بها رسالات السماء وبها تواصلت الحضارات هي الاساس في كل اصلاح، لذا ان اخطر ما يواجهنا اليوم هي ان وسائل الاعلام صاحبة الكلمة يجب ان
تناط بالمخلصين، لتكون اداة فعالة في توجيه الناس نحو الخط المستقيم، وتنزع من رؤوسهم كل خطأ أرتكب فن السابقين واللاحقين.
بالكلمة العادلة والحق المبين نستطيع ان نحقق الحق المضاع، والامل المرجو،
وبالموقف الشجاع نستطيع رد الحقوق، الم يقل محمد (ص):
ان أفضل الجهاد هو كلمة حق بوجه سلطان جائر |
وليكن العالِم والمثقف والسياسي الحر عنوانا لنا في التغيير، يا رؤوساء الكتل
المخلصين لا ترشحوا للنيابة الا الكفوئين الصادقين فالدنيا لازال فيها الخير والعراق فيه الكثير، ومجلس النواب الجديد المنتخب هو الحل الاكيد، ان على الذين يستخدمون الكلمة عليهم
اليوم اثبات المصير، والا لذهبت خطبهم وكلماتهم في الأثير، والا فان خُليت قُلبت، بعد ان اصبح الخلل يعترينا في كل مفاصل الحياة دون الاخرين، لا وزن لنا في موازين العالمين.
Back
to Home
|