-
اولا: ان النصر والهزيمة ليست من علامات
الحق والباطل، بمعنى آخر، فليس كل منتصر على حق، كما انه ليس كل مهزوم على باطل، وانما الحق والباطل يقاس بعلامات اخرى، ولذلك فعندما سال
الطاغية يزيد الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام عن المنتصر في كربلاء، اجابه بقوله {اذا اذن المؤذن فستعرف من المنتصر}.
ولو كان الانتصار والهزيمة من علامات الحق والباطل لكانت قريش على حق عندما هزمت المسلمين في معركة احد، وان معاوية على حق عندما هزم جيش امير المؤمنين في معركة صفين بمكره وخداعه،
وان يزيد على حق عندما صفى اهل بيت رسول الله (ص) عن بكرة ابيهم في كربلاء في عاشوراء، وان الطاغية الذليل صدام حسين على حق عندما هزم الكويتيون واحتل بلادهم وان آل سعود على حق عندما
يقتلون ويدمرون بلاد المسلمين بفتاواهم التكفيرية واموال البترودولار الحرام والاعلام الطائفي التضليلي الحاقد، عندما يوظفون كل ذلك لتجنيد الشباب المغرر بهم في التنظيمات الارهابية
لتقتل وتدمر وتفجر في الاتجاهات الاربعة من الكرة الارضية.
ابدا، فمقاييس الحق والباطل تختلف اختلافا جذريا عن كل هذا، الامر الذي اشارت اليه زينب عليها السلام.
-
ثانيا: استمرارك على الخطا،
ومواصلتك السير في طريق الانحراف لا يعني ان الله تعالى لا يقدر عليك، او انك صاحب حضوة عنده او انك عظيم الجاه والسلطان والقوة والمنعة لا يقدر عليك حتى رب العزة، ابدا، فلقد تمادى
الطاغية الذليل بجرائمه وواصل قتله للعراقيين بكل السبل والوسائل، حتى اذا جاء وعده اخذه المنتقم الجبار اخذ عزيز مقتدر، فاستخرجوه من بالوعة تافهة كان يختفي فيها من دون ان تنقذه من
وعد الله تعالى لا امواله ولا جيوشه ولا قصوره ولا كل ما ملك على مدى نيف وثلاثين عاما.
وان على من استخلفه الله تعالى على راس السلطة في بغداد بعد هلاك الطاغية الذليل، ان يتذكر جيدا بان الاستمرار في سرقة المال العام وسحق كرامة المواطن العراقي بالمحاصصة والحزبية
الضيقة والمحسوبية والرشوة وغير ذلك من الطرق التي تضيع الفرصة على من يستحق، وان الاستمرار بتقسيم الكعكة من دون النظر الى مصالح الناس، وان مواصلة عملية سرقة اللقمة من افواه
المحرومين والايتام وكبار السن، وان التصدي لمسؤولية المكان غير المناسب، ان كل ذلك لا يعني ان الله تعالى غافل عنهم او انه لا يقدر على اخذهم كما اخذ الطاغية الذليل او ان لهم كرامة
عند الله وان العراقيين اهون من ان ينتقم لهم رب العزة، ابدا ابدا، فان {الله يمهل ولا يهمل} وحذار ان جاء موعدكم، فعندها لا تستاخرون ساعة ولا تستقدمون، و {لات حين مندم}.
-
ثالثا: ان الله تعالى يزين الدنيا بعين
الظالم ليستدرجه، فتستوسق له الامور وتتسق الظروف ليظن بان الله تعالى غافل عما يفعل الظالمون، ناسيا الظالم او متناسيا بان ذلك استدراج
الهي يجب عليه ان لا يسترسل معه او يطمئن اليه، فهو جرس انذار، والا فان اخذ الله تعالى اخذ عزيز مقتدر لا يرده شئ.
وان على من هو في السلطة في العراق اليوم، ان لا يغفل عما يضمر له استرساله مع الظلم، وان لا يظن ابدا بان الله غافل عما يفعل الظالمون، وان لا يتصور بان اليوم ليس له ما بعده، بل ان
عليه ان يستذكر جبروت الطاغية الذليل الى جانب مصيره الاسود ليتيقن بان ذلك ممكن التكرار مع كل ظالم، صداما كان ام هداما، (اسلاميا) كان ام (علمانيا) شيعيا كان ام سنيا، عربيا كان ام
كرديا ام تركمانيا، مسلما كان ام مسيحيا، افنديا كان ام معمما، مدنيا كان ام عسكريا، رجلا كان ام امراة، فدعوة المظلوم مستجابة ولو بعد حين، فالحذر الحذر من الاسترسال مع الظلم،
وقديما قال الشاعر:
فالظلم ترجع عقباه الى النـدم |
|
لا تظلمن اذا كنت مـقتدرا |
يدعـو عليك وعين الله لم تنم |
|
تنام عينك والمظلوم منتبه |
ايها الظالمون، ساذكركم عندما يحين اجلكم، وساذكركم عندما تخرجون من البالوعات بلحاكم المغبرة تشبهون بذلك صورة الطاغية الذليل.
احذركم العبث بحقوق الناس، واحذركم العبث بثقة الناخب، واحذركم العبث بتوكيله لكم لتتبوأوا مقاعدكم هذه.
-
رابعا: لم تخف زينب شيئا من الحقيقة،
سواء كانت لها ام عليها، فعندما تحدثت في مجلس الطاغية سعت بكل ما اوتيت من حكمة وبلاغة وقوة منطق، الى ان تنطق بالحقيقة، فهي، مثلا، لم تخف مشاعر الغضب على الطاغية وفعلته الشنيعة،
كما انها لم تخف حقيقة ان الباطل انتصر على الحق في تلك البرهة الزمنية، لماذا؟ لانها لم تكن بحاجة الى ان تكذب او تخفي ما تراه حقيقة، سواء كانت لها ام عليها، كونها صاحبة رسالة
حقيقية تتجلى فيها الانسانية والدين والاخلاق، من جانب، ولكونها متيقنة من ان المستقبل سيكون لصالحها ولصالح رسالتها هذه من جانب آخر.
ولقد تجلى هذا اليقين بقولها للطاغية {فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا}.
تاسيسا على هذا الوعي الزينبي فان على المسؤول الذي يتصدى لموقع ما ان يتعلم كيف يصدق الحديث مع الناس، فيتحدث عن المشاكل التي تواجهه كما يتحدث عن النجاحات التي يحققها، من دون
مبالغة، فالمسؤول غير مجبر على الكذب ابدا، ولا يظنن احد منهم بان الناس لا تعرف الحقيقة او انه قادر على ان يضحك عليهم او يعمس عليهم الخبر الصحيح، ابدا، فالناس تراقب وتتابع وتطالع
وتعرف الامور جيدا ربما اكثر من المسؤول نفسه، فلماذا الكذب؟ ولماذا الحديث عما لم ينجزه المسؤول؟ ولماذا يطلق المسؤول الوعود الكاذبة التي يعرف هو نفسه قبل غيره بانه اعجز عن ان يفي
بها، ولاي سبب كان؟ ولقد قال امير المؤمنين عليه السلام {المسؤول حر حتى يعد} فمن الافضل للمسؤول ان لا يسمع منه المواطن عبارات (السين والسوف) وانما يتحدث عن عمله عندما ينجح ويتكلم
عن انجازه عندما ينتهي منه، ولقد قال امير المؤمنين عليه السلام {وقد ارعدوا وابرقوا، ومع هذين الامرين الفشل، ولسنا نرعد حتى نوقع، ولا نسيل حتى نمطر}.
ان كل ما يريده المواطن من المسؤول هو ان يصدق معه الحديث والوعود، فيخبره بعجزه اذا فشل في انجاز ولا يخفي عليه الحقيقة اذا اخفق في تحقيق الهدف المرجو منه، فالمواطن قد يغفر للمسؤول
فشله او اخفاقه ولكنه لم ولن يغفر له كذبه ابدا.
-
خامسا: ليس من العيب ان تكون مظلوما،
وانما العيب كل العيب في ان تسكت على الظالم عندما يتجاوز على حقوقك ويسحق كرامتك ويصادر حريتك ويسرق اللقمة من افواه اطفالك وعائلتك.
وما هو اكثر من ذلك عيبا عندما تلوذ بالصمت وانت ترى الظالم يبذل كل جهده من اجل تضليل الراي العام لتجنيده لصالح سياساته الظالمة من خلال قلب الحقائق، اذا به المظلوم وانت الظالم، اذ
ينبغي عليك ان تصدع بالحقيقة ولا تسكت على مثل هذا التضليل، بل يجب عليك، والحال هذه، ان تصدق الحديث لتكشف عن الحقيقة فتنور الراي العام، وهذا بالضبط ما فعلته زينب الكبرى بنت امير
المؤمنين عليهما السلام.
لقد سعى الظالم الى تضليل الراي العام فصور السبط بانه خارج على امام زمانه فاستحق القتل، اما زينب فقد تصدت لهذا التضليل عندما وقفت في مجلس الطاغية تشرح الحقيقة لمن القى السمع وهو
شهيد، اما الذين منحوا عقولهم اجازة مفتوحة واستبدلوه بحجر اصم فليس لهم عند زينب ما يقنعهم بالحقيقة لانهم كالانعام بل هم اضل.
لقد صدحت زينب بالحقيقة في ظرف زماني ومكاني كان يعد الانفاس على الناس فيقمع حرية الراي ويقطع رقاب من يشكك فيما يقوله الطاغوت، وفي الاثناء كان يقف خلف الظالم جيش من وعاظ السلاطين
ومن اصحاب الاقلام الماجورة التي باعت دينها بدنيا غيرها، فكانت، مثلا، تتهم كل من يسعى لقول الحقيقة بشتى التهم لاسقاطه وتاليا لتصفيته جسديا، لان الطاغوت يرتعد من الحقيقة ويخاف
الخبر الصادق ويخشى التحليل المنطقي للامور، ولذلك فليس في العالم حاكم فاسد يقبل ان يقول له احد من رعاياه ان فوق عينيك حاجب ابدا.
فهل استسلمت زينب لجو الارهاب والتخويف والقتل؟ وهل خافت من التسقيط وربما التصفية الجسدية فابتلعت الحقيقة واحتفظت بها لنفسها؟ ابدا، بل انها قالت الحقيقة كاملة غير منقوصة ما تسبب
بانقلاب الامور راسا على عقب ولغير صالح الظالم.
ولا زال هناك الى الان من يمارس سياسات التسقيط والتشهير الاموية ضد كل من يريد ان يعترض او يراقب او يحاسب، ففي العراق الجديد يحتفظ بعض المسؤولين بالتهم جاهزة ضد كل من يسعى لممارسة
النقد من اجل الاصلاح، فمن يحتج على السرقات المنظمة للمسؤولين تحت عنوان (منافع) الرئاسات وما اشبه من هذه العبارات الشيطانية يقولون عنه بانه من ايتام النظام البائد، ومن يعترض على
الفساد المالي والاداري يتهمونه بالارتباط بالاجنبي، واذا اعترض احد على ضعف الاداء الحكومي وفشل الوزارات في تنفيذ اهدافها المرسومة، قيل انه ممن يحن الى الماضي، وهكذا، ولكن، هل
ينبغي ان تثنينا مثل هذه التهم الرخيصة والجاهزة عن ان نصدع بالحقيقة ونقف بوجه الظالم؟ بالتاكيد كلا، فلو كان هذا هو الطريق الصحيح والسليم لاستسلمت زينب وهي في مجلس الطاغوت وللاذت
بالصمت، ولم تنبس ببنت شفة، فهل فعلت زينب ذلك؟ كلا والف كلا، بل انها تصدت لمسؤولية القول والبيان من دون ان تاخذها في ذلك لومة لائم، فليس المهم ان يقبل او يرفض الظالم ما اقوله،
وانما المهم ان يرضى ضميري بما اريد قوله.
علينا ان نتعلم الصدق في كل الاحوال من زينب، فاذا تسنم احدنا موقع المسؤولية، فليتعامل معه بصدق واخلاص، واذا عارض احدنا او انتقد او رفض فليعارض وينتقد ويرفض بصدق، فلا يمارسن احدنا
السلطة لاغراض شخصية او حزبية او طائفية او مناطقية، وانما لاغراض المصلحة العامة، من خلال العمل على تحقيق مصالح الناس والبلاد بلا تمييز، كذلك، فلا يمارسن احدنا لعبة المعارضة
لاغراض شخصية ضيقة وانما من اجل تحقيق المصلحة العامة، وبكل ذلك سنكون صادقين مع انفسنا ومع الناس ومع اهدافنا وقبل كل ذلك مع الله تعالى وعندها سينزل علينا النصر المؤزر، اولم يقل
امير المؤمنين عليه السلام {فلما راى الله صدقنا انزل بعدونا الكبت، وانزل علينا النصر}؟ فبالصدق فقط ينزل النصر وتتحقق الاهداف النبيلة، وبه حققت زينب نصرها المؤزر على الطاغية
الطليق بن الطليق يزيد بن معاوية ابن هند آكلة الاكباد.
-
سادسا: ان الظالم يمتلك عادة كل اسباب القوة
التي لا يوفر منها شيئا لتحقيق النصر على المظلوم، فهو يمتلك الاعلام والسلطة والفتوى التكفيرية والمال الحرام الذي يشتري به الضمائر الميتة والقلوب الفارغة من تقوى الله تعالى، وبهذه
الوسائل يجيش الجيوش لياخذ اقطار الارض على المظلوم، وان امام هذه الحقيقة يقف المظلوم امام مفترق طرق، فاما ان يستسلم للطاغوت فيركع له ويقبل بسلطته الظالمة، ويصدق دعايته الرخيصة،
او ان يتصدى للظالم واعوانه وادواته القاهرة، باللسان على الاقل وبالبيان الذي تكون شفرته احد من السيف القاتل، وهذا ما فعلته زينب، عندما وقفت في مجلس الظالم لتقذفه بكلماتها حمما من
نيران الدنيا قبل الاخرة.
-
سابعا: اخيرا، فلقد صدقت زينب
عندما قرات المستقبل ببصيرة واعية ونظرة ثاقبة، فقالت تخاطب الطاغية يزيد بن معاوية
وهل رايك الا فند وايامك الا عدد وجمعك الا بدد يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين |
فلكم بذل الطغاة واذنابهم من جهود عظيمة لمحو ذكرى الطف العظيمة وتحريف مسارها وقلب حقائقها؟ فهل نجحوا
بمساعيهم تلك؟ ابدا، فلقد رحلوا جميعهم ويرحلون ويبقى الحسين الشهيد منارا لكل الاحرار في العالم.
ولذلك اقول لمن لا زال يظن ان بامكانه ان يمحو ذكرى الدم الكربلائي المتدفق على طول الزمان والمكان: وفروا جهودكم من اجل القضايا المهمة، ولا تضيعوا اموالكم بما لا يمكن تحقيقه، فالى
متى تصرفون الملايين على الاعلام لاطفاء نور عاشوراء؟ والى متى تبذلون جهدكم العظيم لتحجبون نور كربلاء؟.
لقد راى العالم اجمع كيف تنتشر كربلاء في مختلف مناطق العالم وتتسرب اليها انوار عاشوراء بلا استئذان، اتعرفون لماذا؟ لان الحسين السبط بعين الله تعالى، اولم نقرا في الزيارة الشريفة
{السلام عليك يا ثار الله} وهل يمكن لاحد ان يقضي على هذا الثار بفضائية او بصحيفة او حتى بملايين الفضائيات والصحف والاذاعات؟ ابدا، وصدقت زينب عندما قالت لابن اخيها الامام السجاد
متحدثة عن ابيها عن جدها رسول الله
وليجتهدن ائمة الكفر واشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد اثره الا ظهورا، وامره الا علوا |
وهذا ما يلمسه العالم على مر التاريخ، فلمحاولات قتل ذكرى عاشوراء اثر عكسي دائما، وما تركيا هذا العام
الا الشاهد على ما قالته زينب عليها السلام.
ان انتشار عاشوراء في العالم لا يعود فيه الفضل الى احد ابدا، فالفضل في ذلك كله لله تعالى الذي اراد لهذا الحدث وهذه الدماء ان ينتشر نورها ليعم العالم، وما ذلك على الله ببعيد،
ولذلك فلا يبذلن احد جهده لمواجهة ما يسميه بالمد الشيعي، لانه معجون بدم الحسين عليه السلام، ودم الحسين عليه السلام لا يمكن لاحد ان يتصدى له كائنا من كان، لانه من نور الله تعالى
ونور الله لا يطفأ ابدا وصدق العزيز الجبار الذي قال في محكم كتابه الكريم {يريدون ليطفؤوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون} ومن لا يصدق ما اقول فليجرب وان قيل {من
جرب المجرب ندم}.