Back
to Subject-Page
الرجم في الاحاديث
آراء الكاتب
د. أحمد صبحي منصور
Ahmed Mansour <mas3192003@yahoo.com
جاء في موطأ مالك رواية محمد بن الحسن الشيباني بتعلىق وتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف تحت عنوان
باب الرجم ورقم 693 الحديث التالى (اخبرنا مالك، حدثنا يحيى بن سعيد انه سمع سعيد بن المسيب يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى اناخ بالابطح، ثم كوم كومة من
بطحاء، ثم طرح عليها ثوبه، ثم استلقي ومد يده الى السماء، فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فأقبضني الىك غير مضيع ولا مفرط، ثم قدم المدينة، فخطب الناس، فقال: يا ايها
الناس: قد سننت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة، وصفق بأحدى يديه على الاخري، الا ان لا تضلوا بالناس يمينا وشمالا، ثم اياكم ان تهلكوا عن اية الرجم،
ان يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم الرسول (ص) ورجمنا، واني والذي نفسي بيده: لولا ان يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما
البتة، فانا قد قرأناها، قال سعيد: فما انسلخ ذو الحجة حتي قتل عمر.!!) انتهي (ص 241 من موطأ مالك. ط2. المكتبة العلمية)
لنناقش هذا الحديث في روايته وسنده.. وفي نصه ومتنه ومحتواه..
من حيث الرواة:
مالك بن انس لم يكتب هذا الحديث، لأن مالك لم يكتب الموطأ، ولكن مالك كان يروي الاحاديث ويسمعها منه تلاميذه، ثم يكتبونها، ولذا تعددت روايات الموطأ حتي بلغت نحو عشرين نسخة مختلفه،
ومنها نسخة او رواية محمد بن الحسن الشيباني القاضي العباسي المتوفي سنة 189. أي بعد مالك بعشر سنين...و منهج محمد بن الحسن الشيباني في كتابه الموطأ ان يقول
(اخبرنا مالك) ثم يذكر الرواة نقلا عن مالك، كما جاء في حديث الرجم (حدثنا مالك، حدثنا يحيى بن سعيد، انه سمع سعيد بن المسيب يقول …)
بمعني اخر فان محمد بن الحسن الشيباني يزعم او يدعي ان مالك اخبره شفهيا بهذا الحديث بسنده ورواته، وايضا بنصه ولفظه... ثم بعدها قام بتسجيل هذه الرواية
الشفهية كتابة، والله تعالى هو وحده الاعلم اذا كان مالك قد حدثه فعلا بذلك ام لا...
وبالتالى لابد ان يكون محمد بن حسن الشيباني صادقا وثقة حتي نصدقه في ان مالك قال تلك الاحاديث فعلا ومنها حديث الرجم، فهل كان الشيباني يتمتع بالثقة والتصديق من علماء عصره؟. ان محقق
كتاب الموطأ برواية محمد بن الحسن الشيباني يدافع عن الشيباني، وهذا منتظر منه بالطبع، يقول (وكل ما وجه من الطعون في محمد بن الحسن (الشيباني) مردود. وقد طعن ابن معين والعجلي في
الشافعي: بأنه ليس ثقة. وابن عدى في ابي حنيفة، وابو زرعة في البخاري: لقوله بخلق القرآن. ويحي بن سعيد في ابراهيم بن سعد، والنسائي في احمد بن صالح، واحمد بن صالح في حرملة، ومالك في بن
اسحاق … وما من عالم من العلماء الا وقيل فيه شئ من ذلك) (مقدمة الموطأ ص 24).
ونكتفي بهذا الاعتراف في اتهام ائمة الحديث والفقه لبعضهم البعض، مما ينفي عنهم العصمة والتقديس التي اضافها عليهم المتأخرون في عصور التخلف، ويبقي علىنا ان نناقش موضوعيا حديث الرجم في
الموطأ بعد ان عرفنا ان مالك لم يكتبه، وانما رواه عنه الشيباني المتهم في صدقه، والذي يحتاج للدفاع عنه بحجة ان غيره من كبار الائمة كانوا ايضا متهمين، مع ان الخطأ لا يبرر الخطأ..
نتابع الإسناد الذي يكتبه الشيباني يقول (اخبرنا مالك، حدثنا يحيى بن سعيد انه سمع سعيد بن المسيب يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى.. الخ..)
اذن مالك اخبر الشيباني شفهيا بأنه سمع يحيى بن سعيد الذي توفى بعد ذلك يقول ان سعيد بن المسيب الذي توفي بعد مولد مالك بسنة واحدة يقول كذا وكذا عن عمر بن الخطاب في خلافته أي قبيل وفاة
عمر بعام..
ولكن ليس صحيحا ان يروي سعيد بن المسيب حديثا عن عمر بن الخطاب، لأن سعيد بن المسيب كان عمره
عامين حين قتل عمر بن الخطاب، فكيف روى طفل صغير حديث عن عمر، وهذا ما اشار الىه المؤرخ ابن سعد في الطبقات الكبري، وهي اكبر واقدم مصدر تاريخي لدينا، يقول ابن سعد في ترجمته الطويلة
لسعيد بن المسيب (روي انه سمع من عمر، ولم ار اهل العلم يصححون ذلك) ولذلك فان ابن سعد تجاهل حديث الرجم في ترجمته لسعيد بن المسيب ورواياته الفقهية، وقد بلغت نحو عشرين صفحة من القطع
الكبير (الطبقات الكبري 5/ 88: 106)
ثم ان سعيد بن المسيب بسبب اضطهاده من خلفاء عصره فقد اشتهر بالاعتزال والابتعاد عن المشاكل،
وقد رفض عقوبة السكران، اذ سئل عن السكران: هل يذهبون به الى السلطان – فقال ان استطعت ان تستره بثوبك فافعل. ثم مالبث ان جعلوا (حدا) للسكران ونسبوه الى عمر بن الخطاب، بمثل ما فعلوا
حدا للرجم ونسبوه ايضا الى عمر.. اذن يستحيل ان يكون سعيد بن المسيب راويا لهذا الحديث عن عمر..
بل ايضا يستحيل ان يقول عمر هذا الحديث، وهنا ندخل في مناقشة متن الحديث..
من حيث المتن:
1- يلفت النظر ان الموطأ في رواية محمد بن الحسن الشيباني يحتوى على احاديث مختلفة، منها المنسوب للنبي عليه السلام، ومنها المنسوب للصحابة (مثل حديث الرجم
المنسوب لعمر) ومنها ما يسنده الشيباني الى مالك، ومنها ما ينسبه الشيباني الى غير مالك، ولذلك قالوا ان الشيباني سمع الموطأ من مالك في ثلاث سنين، اكثر من سبعمائة حديث، هذا مع ان مجموع
احاديث الموطأ كلها (1008) في رواية الشيباني. ومن الطبيعي ان تتناقض الاحاديث في المتن خلال الموضوع الواحد، ونكتفي هنا بمثال محدد وشديد الايحاء: تحت عنوان (باب الوضوء من مس الذكر) أي
عورة الرجل، اتي الشيباني بـ 18 حديثا.. بدأ بحديثين يؤكدان على ان مس الذكر ينقض الوضوء، ثم 16 حديثا بعدها تؤكد كلها ان مس الذكر لا ينقض الوضوء..!!
2- ومن ناحية احاديث الرجم بالذات نجد فيها نوعا من التناقض... ففي الحديث الخاص بموضوعنا المروي عن عمر ينسبون فيه آية للرجم
تقول (الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البته) ومعلوم ان مصطلح الشيخ والشيخة لا يفيد الاحصان او المحصن والمحصنة، فقد يصل الانسان الى مرحلة الشيخوخة دون
زواج او احصان، وقد احس محمد بن الحسن الشيباني بهذا القصور في المعني فاستدرك يقول تعلىقا على حديث اخر في رجم الزناة من الىهود (الحديث رقم 694) (قال محمد: بهذا كله نأخذ، ايما رجل
مسلم زنى بامرأة وقد تزوج قبل ذلك بامرأة حرة مسلمة وجامعها فعليه الرجم، وهذا هو المحصن، فان كان لم يجامعها ولم يدخل بها او كانت تحته امة (جارية) او يهودية او نصرانية لم يكن بها
محصنا ولم يرجم، وضرب مائة، وهذا كله قول ابي حنيفة والعامة من الفقهاء).
ان الشيباني (وهو تلميذ لأبي حنيفة واحد الشيخين في المذهب الحنفي) يضع
تحديدا فقهيا وتصحيحا لحديث الرجم المروي عن عمر والذي يتضمن عبارة (الشيخ والشيخة اذا زنيا.. الخ) وبهذا التحديد والتصحيح يكون المحصن الزاني المستحق للرجم ليس هو مجرد الشيخ والشيخة
ولكنه الذي تزوج بامرأة مسلمة حرة، فاذا تزوج بجارية او يهودية او نصرانية فليس متزوجا فقهيا كاملا او ليس محصنا، وبذلك ينجو من الرجم، وعليه فأنهم يعتبرون الزواج من الروسيات او
الاوربيات (زواج نص ونص..!!) والمهم انها وجهات نظر لبعض الفقهاء وليست تشريعا الاهيا، بل تتناقض مع التشريع الالهي كما سنوضح فيما بعد.
3- وهناك ماهو اخطر في هذا الحديث، انه يتهم عمر بالترويج للاحاديث، ويتهم النبي عليه السلام بأنه ترك اية قرآنية لم يكتبها، ويزعم ان عمر هو الذي يسن السنن
ويفرض الفرائض ويترك الناس على السنة الواضحة، وانه مثل النبي يخطب الناس حجة الوداع قبل موته ويوصيهم ولكن بحديث الرجم، ويقول ذلك في صورة دفاعية مسبقة تنبئ عن وجود جدل حول موضوع
الرجم، لذلك جعلوا عمر في هذه الرواية يتصدي لمنكري حديث الرجم حتي لا يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله … ثم يذكر العبارة الركيكة (الشيخ والشيخة اذا زنيا..) ويجعلها آيه قرآنية، كما
لو ان الله تعالى لم يذكر في كتابه الكريم قبيل وفاة النبي واكتمال القرآن باياته وسورة (الىوم اكملت لكم دينكم، واتممت علىكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا:
المائدة 3).ثم لا تخلو الرواية من التناقض في قوله (لولا ان يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها) فكيف يعتبرها آية ثم يعتدها زيادة في كتاب الله يمتنع عن اضافتها الى
القرآن.
4- ونحن نرد على هذا الحديث وغيره بما جاء في كتب التراث نفسها..
روي احمد ومسلم والدارمي والترمذي والنسائي عن ابي سعيد الخدري قول الرسول (لا تكتبوا عني شيئا سوي القرآن، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه) واخرج الدارمي –
وهو شيخ البخاري- عن ابي سعيد الخدري انهم (استأذنوا النبي في ان يكتبوا عنه شيئا فلم يأذن لهم). والرواية عن ابي سعيد الخدري تقول: استأذنا النبي (ص) في الكتابة فلم يأذن لنا.
وروي مسلم واحمد ان زيد بن ثابت – احد مشاهير كتاب الوحي – دخل على معاوية فسأله عن حديث وامر انسانا ان يكتبه، فقال له زيد: (ان رسول الله امرنا الا نكتب شيئا من حديثه)، فمحاه معاوية.
وقد وردت احاديث تفيد الاذن بالكتابة، مثل (اكتبوا لأبي شاه) وما ورد ان لابن عمرو بعض كتابات
وادعية في الحديث، ولكن المحققين من علماء الحديث رجحوا الاحاديث التي نهت عن كتابة الحديث خصوصا وانه لا يعقل ان ينهي النبي عن شئ ثم يأمر بما يناقضه. ثم وهذا هو الاهم فأن النبي عندما
مات لم يكن مع الصحابة من كتاب مدون غير القرآن الكريم مما يدل على طاعة الصحابة للنبي في عدم تدوين شئ غير القرآن.
وبعضهم حاول التوفيق والمواءمة بين الاحاديث التي تنهي عن كتابة غير القرأن وبين الاحاديث التي
تفيد كتابة بعضهم بقوله بأن المراد حتي لا تلتبس الاحاديث بالقرآن. وهذه حجة لا تستقيم مع اعجاز القرآن الذي يعلو على كلام البشر والذي تحدي به الله تعالى العرب فعجزوا عن الاتيان بسورة
من مثله، وذلك القرآن المعجز للعرب كيف يخشي احد عليه من ان يختلط به شئ اخر؟..ذلك القرآن المحدد بالسور والايات المرقمة كيف يمكن ان يختلط به غيره وقد ضمن الله تعالى حفظه الى قيام
الساعة؟
ان الثابت ان الرسول لم يترك بعده سوي القرآن..
والبخاري يعترف بأن النبي ما ترك غير القرآن كتابا مدونا، يروي ابن رفيع: دخلت انا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل: اترك النبي من شئ؟ قال ما ترك الا ما بين
الدفتين. أي القرآن في المصحف. قال (ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه، فقال (ما ترك الا ما بين الدفتين) [ البخاري 6 / 234. ط. دار الشعب ].
و مما يؤكد ان النبي نهى عن كتابة غير القرآن ان الخلفاء الراشدين بعده ساروا على طريقه فنهوا عن كتابة الاحاديث وعن روايتها..
فأبو بكر الصديق جمع الناس بعد وفاة النبي وقال: انكم تحدثون عن رسول الله احاديث تختلفون فيها
والناس بعدكم اشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه) وهذا ما يرويه الذهبي في تذكرة الحفاظ. ويروي ابن عبد
البر والبيهقي ان عمر الفاروق قال (اني كنت اريد ان اكتب السنن واني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فاكبوا عليها وتركوا كتاب الله. واني والله لا اشوب كتاب الله بشئ ابدا. ورواياته
البيهقي (لا البس كتاب الله بشئ ابدا) وروي ابن عساكر (ما مات عمر بن الخطاب حتي بعث الى اصحاب رسول الله فجمعهم من الافاق.. فقال: ما هذه الاحايث التي افشيتم عن
رسول الله في الافاق؟.. اقيموا عندي لا والله لا تفارقوني ما عشت.. فما فارقوه حتي مات). وروى الذهبي في تذكرة الحفاظ ان عمر بن الخطاب حبس ابا مسعود وابا الدرداء وابا
مسعود الانصاري، فقال: (اكثرتم الحديث عن رسول الله) وكان قد حبسهم في المدينة ثم اطلقهم عثمان.
وروى ابن عساكر ان عمر قال لابي هريرة: (لتتركن الحديث عن رسول الله او لألحقنك بأرض دوس- ارض
بلاده- وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث عن الاول – أي ابي هريرة – أو لالحقنك بأرض القردة أي ارض اجداده من الىهود.
واكثر ابو هريرة من الحديث بعد وفاة عمر، اذ اصبح لا يخشي احد بعد موت عمر، وكان ابو هريرة
يقول (اني احدثكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر لضربني بالدرة – وفي رواية لشج رأسي – ويروى الزهري ان ابا هريرة كان يقول: (ما كنا نستطيع ان نقول قال رسول الله حتي قبض عمر، ثم يقول ابو
هريرة: فكنت محدثكم هذه الاحاديث وعمر حي؟ اما والله اذن لايقنت ان المخفقة – العصا – ستباشر ظهري، فأن عمر كان يقول (اشتغلوا بالقرآن، فأن القرآن كلام الله).
وقال رشيد رضا في المنار يعلق على ذلك (لو طال عمر (عمر) حتي مات ابو هريرة لما وصلت الىنا تلك الاحاديث الكثيرة). هذا هو موقف عمر من رواية الاحاديث في حياته، ثم نسبوا الىه بعد موته
ذلك الحديث الذي يخالف شرع الله تعالى.
وعموما نكتفي بهذا الاثبات في ان النبي اتانا بالقرآن ونهانا عن غيره، وان كبار الصحابة ساروا
على نهجه في التمسك بالقرآن وحده، حتي ان تدوين تلك الاحاديث المنسوبة للنبي لم يبدأ الا في القرن الثالث، بعد وفاة النبي بقرنين من الزمان.وكان الموطأ اول تدوين منطم للاحاديث.
وهنا نتساءل.. اذا كانت تلك الاحاديث جزءا من الاسلام كما يدعون، وقد نهي النبي عن كتابتها الىس ذلك اتهاما للنبي عليه السلام بالتقصير في تبليغ رسالته؟ وهل يعقل
ان تكون الرسالة الاسلامية ناقصة وتظل هكذا الى ان يأتي الناس في عصر الفتن والاستبداد ليكملوا النقص المزعوم؟
ان الذي نعتقده ان النبي عليه السلام قد بلغ الرسالة باكملها وهي القرآن ونهي عن كتابة غيره، اما تلك الاحاديث فهي تمثل واقع المسلمين وعقائدهم وثقافتهم وتمثل في النهاية الفجوة
بين الاسلام وبين المسلمين، وحد الرجم احد معالم تلك الفجوة، وبدأ الموطأ تلك الاحاديث، ثم بعد ذلك راجت احاديث اخري للرجم في العراق والشام وغيرهما في
القرن الثالث الهجري دونها علماء الحديث مثل البخاري ومسلم، والتوقف معها بالنقد والتحليل لا يتسع له المجال.. ولكن كل تلك الاحاديث الخاصة بالرجم تتناقض مع تشريعات الاسلام في القرآن..
ذلك ان النبي عليه السلام لم يعرف اسطورة رجم الزاني..
قراءة في احاديث الرجم
قبل الدخول في التفاصيل نضع ملاحظات سريعة:
ليس في القرآن من عقوبة للزنا غير الجلد، وليس في القرآن رجم الزاني، مع ان مصطلح الرجم
ومشتقاته جاءت في القرآن في معرض تهديد المشركين للانبياء والمؤمنين (هود 91، مريم 46، الدخان 20، يس 18، الكهف 20، الشعراء 116).
مع اختراع عقوبة رجم الزاني في العصر العباسي الا انها لم تكن محل اتفاق، ويعترف فقهاء السنة
المعاصرون برفض المعتزلة والخوارج لعقوبة الرجم (سيد سابق: فقه السنة 2/ 347، موسوعة الفقه على المذاهب الاربعة 5/ 69 تالىف عبد الرحمن الجزيري).
لذلك كانت بعض روايات اهل الحديث والفقهاء عن الرجم موجهة لخصومهم في الفكر، وابلغ مثل على ذلك
تلك الرواية في الموطأ، والتي جعل فيها عمر بن الخطاب يخطب غاضبا يحذر من انكار حد الرجم، ومن الرواية قوله فيها (ثم اياكم ان تهلكوا عن آية الرجم، ان يقول قائل لا نجد حدين في كتاب
الله، فقد رجم رسول الله (ص) ورجمنا) ومن سياق الرواية نعرف ان هناك من انكر عقوبة رجم الزاني اكتفاء بعقوبة الجلد المذكورة في الكتاب الحكيم.
ولم تنجح احاديث الموطأ بعد موت مالك سنة 197 هـ في اقناع المنكرين لحد الرجم مما حمل البخاري
المتوفي سنة 256 هـ على ان يأتي برواية اخري تقول ان احدهم سأل عبد الله بن ابي اوفي وهو من الصحابة المتأخرين (هل رجم رسول الله؟ قال: نعم، قلت: قبل سورة النور ام بعد؟ قال: لا ادري)
وجاء مسلم بنفس الرواية في اسنادين مختلفين، والمستفاد من الرواية ان اصرار منكري الرجم على الاكتفاء بعقوبة الجلد للزاني لمحصن وغير المحصن حملت رواة الحديث على صناعة تلك الرواية لتمنع
التعارض بين عقوبتي الرجم والجلد.
ولأن عقوبة الرجم عقوبة وضعية او تشريع بشري لم يرد في القرآن وليس له اصل في الاسلام ولم
يعرفه عصر النبوة، فأن الظروف الاجتماعية والسياسية هي المسئولة عن ولادة هذا الحد ونشأته ولصقه بالاسلام عبر مرويات واقاصيص وحكايات لا تصمد للمنهج العلمي او النقد الموضوعي.
ونبدأ باعطاء لمحة سريعة عن الظروف الاجتماعية والسياسية التي نشأ وترعرع فيها حد الرجم
مدرستان متعارضتان: (اهل الفقه والحديث، واهل العقل).
عرف المسلمون منذ القرن الثاني الهجري الخلاف بين المحافظين المتشددين والعقليين المتفتحين..
وتنامي هذا الخلاف من القرن الثالث الى ان انتهي بانتصار المحافظين في القرن الخامس الهجري ليدخل المسلمون مرحلة التقليد والجمود الى ان استيقظوا على مدافع نابليون حين كان شيوخ الازهر
يستعينون على الفرنسيس بقراءة البخاري.
في البداية كانت مدرسة المدينة تمثل المحافظة والتقليد وتعيش في استرجاع امجاد عصر النبوة
والخلافة الرشيدة حين كانت المدينة العاصمة الاولي للمسلمين قبل ان تنتقل عنها الاضواء للشام والعراق. ودارت الحركة العلمية في المدينة حول سيرة النبي ومغازيه وتخصصت في الاحاديث دون
الرأي واعتمدت على اهل المدينة مصدرا من مصادر التشريع، ولأن الحياة الصحراوية تسير على وتيرة واحدة فان التقليد يفرض نفسه، ولكن اضيف عامل سياسي هو رغبة الامويين ثم العباسيين الاوائل
في شغل ابناء واحفاد المهاجرين والانصار عن السياسة حتي لا تعود ثورات الحسين وعبد الله بن الزبير ومحمد النفس الزكية واخيه ابراهيم، ولذلك تم اغراق المدينة بالجواري وشغل شبابها بالمتع
الحسية، وما يرويه الاصفهاني في كتابه الاغاني دليل على حياة المدينة في القرن الثاني للهجرة، وفي مقابل المجون انشغل اخرون من الفقهاء بالتطرف في الانكار على الماجنين، وكان الطريق
الامثل لذلك هو اختراع احاديث الرجم للزاني المحصن التي بدأ بها الموطأ اقدم مصدر فقهي في تاريخ المسلمين.
وفي مقابل المدرسة المحافظة المتزمتة في المدينة اقام ابو حنيفة (ت 150 هـ) مدرسة الرأي في
العراق، حيث جمع ابو حنيفة بين الفقه والفلسفة وعلم الكلام، وحيث رفض الاسانيد التي يخترعها اقرانه من فقهاء الحديث والتقليد. وبعد مقتل ابي حنيفة بالسم انقسمت مدرسته الى:
-
(محافظين) كان منهم محمد الشيباني راوي الموطأ وابو يوسف، وكلاهما خدم قاضيا للدولة العباسية
-
(متطرفين في اسستعمال الرأي الفقهي) الى درجة اختراع فقه الحيل، او التحايل على الاحكام
الشرعية بالاراء العقلية.
ولكن بدخول الثقافات الاجنبية المترجمة الى العصر العباسي تأسست مدرسة جديدة للتجديد العقلي
حاولت التوفيق بين الفلسفات اللاتينية ومدارسها في انطاكية والرها وجندياسبور والثقافة الاسلامية، واثمر هذا التلقيح عن بروز مدرسة المعتزلة او كما يسمون انفسهم اهل العدل والتوحيد.
وأدّى ظهور هذه المدرسة العقلية الى توحيد الفقهاء جميعا في اتجاه واحد ضد هذه المدرسة العقلية
الفكرية، ولذلك:
-
انتقل الاتجاه المحافظ الى المذهب الحنفي،
-
وظهر الشافعي يمزج مدرستي الرأي والحديث معا لصالح التقليد ومدرسة الحديث،
-
وبتوالى القرون صار التجديد الفقهي داخل المذهب الحنفي يجري في اطار تقعيد الثوابت الفقهية
التي ارساها مالك من قبل، وهو زعيم المدرسة المحافظة، وابرز ما يعبر عن ذلك هو الفقيه الحنفي علاء الدين الكاساني ت 587 هـ، في كتابه الفقهي الضخم (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع)..
وبموت الشافعي سنة 204 كانت الفجوة قد اتسعت وتحكمت بين المدرسة العقلية التي اطلق عليها
خصومها الفقهاء اسم (المعتزلة) وبين مدرسة الفقهاء والحديث التي اطلق عليها العقليون (الحشوية) أي الذين يحشون عقولهم بالنصوص دون تعقل او فهم.
واغرم الخليفة المأمون بالمدرسة العقلية وناصرها في قضية خلق القرآن واضطهد من اجلهم المدرسة
الفقهية الحديثة المحافظة وكان زعيمها في ذلك الوقت احمد بن حنبل والمؤرخ محمد بن سعد ت 222 هـ واستمر اضطهادهم طيلة عهد المعتصم ثم الواثق...
ثم مات الخليفة الواثق فجأة سنة 232 اثر وصفة طبية خاطئة في علاج الضعف الجنسي، وكان الذي
يسيطر على خلافته هو زعيم المعتزلة هو ابن الزيات الذي كان يضطهد ولي العهد الذي اصبح خليفته بسرعة تحت اسم المتوكل، فانتقم من ابن الزيات وقتله بعد قصه هائلة من التعذيب،
-
وتحالف المتوكل مع اهل الفقه والحديث الذين اصبحوا اصحاب السلطة في دولته،
-
وبعد ان كان لقبهم الحشوية اصبح لقبهم اهل السنة.
-
وبتأثير نفوذهم اضطهد المتوكل المعتزلة والشيعة واهل الكتاب والصوفية (أي كل الطوائف الاخري)
-
وتنوع الاضطهاد ليشمل القتل ومحاكمات التفتيش
-
وهدم ضريح الحسين في كربلاء،
-
والزام اهل الكتاب بلباس معين للتحقير.
-
وصارت تلك السياسة سنة متبعة فيما بعد. اذ استمر نفوذ اهل السنة،.
-
وقد تأكد التقليد بظهور الامام الغزالى ت 505 الذي وحد بين الصوفية والفقهاء في مواجهة
الفلاسفة والمدرسة العقلية..
وادي هذا الانتصار للمدرسة الفقهية المحافظة الى تقديس الائمة من هذه المدرسة واعتبار احاديثهم
ورواياتهم جزءا من الدين لا يستطيع احد مناقشتها مهما كان فيها من تناقض مع القرآن او مع العقل او مع بعضها. والدليل هو ما يحسه القارئ لما نكتبه في نقد مؤلفات تلك المدرسة المحافظة
وتراثها الذي لا يزال مقدسا حتي الان في القرن الحادي والعشرين الميلادي. ويكفينا اننا نجد عسرا في اقناع القارئ بأكذوبة احاديث الرجم مع وضوح تناقضها مع القرآن الكريم.
منهجين مختلفين للمدرستين:
لم تعول المدرسة العقلية المعتزلية كثيرا على روايات الاحاديث كما لم تركز على الفقه، واخذت اساسيات التشريع من القرآن، لذلك كان رفضهم لحد الرجم الذي لا يوجد في القرن الكريم.
وكانت لهم معاركهم الفكرية الكبري مع المدرسة المحافظة في القضايا العقيدية الخاصة بالله تعالى والقضاء والقدر والسمعيات والميتافيزيقيات. ونكتفي بدليل على منهج هذه المدرسة بما ذكره
الجاحظ المتوفي سنة 255 هـ؟ في رسالة القيان وهو يتحدث عن عدم تحريم النظر الى النساء يقول (وكل شئ لم يوجد محرما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) فمباح مطلق، وليس على استقباح الناس
واستحسانهم قياس..) ثم استدل باخبار الصحابة والخلفاء دون ان يذكر اسنادا. ولا ينسى اثناء حديثه ان يتندر بأصحاب الحديث او كما يسميهم الحشوية فيقول (وهذا الحديث وما قبله يبطلان ماروت
الحشوية من ان النظر الاول حلال والثاني حرام).
وقد عاش البخاري في عصر الجاحظ، اذ توفي البخاري سنة 256 هـ. ومنهج لبخاري - ومدرسة الفقه
والحديث – هو في صناعة رواية واسنادها الى النبي الذي مات قبلهم بقرنين من الزمان، ويتم ذلك الاسناد عبر رواة ماتوا ايضا من قبل دون ان يعرفوا شيئا عما اسند الىهم البخاري من احاديثه
ورواياته. ونعطي لذلك مثلا من احاديث الرجم، وهو احدى الاحاديث المختلفة عن رجم من اسموه بماعز، يقول البخاري (حدثني عبد الله بن محمد الجعفي، حدثنا وهيب بن جرير، حدثنا ابي قال: سمعت
يعلى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما اتي ماعز بن مالك النبي (ص) قال له: لعلك قبلت او غمزت او نظرت، قال: لا يا رسول الله: قال: انكتها؟ لا يكني، قال فعند ذلك امر برجمه) ونحن
نعتذر اذ نضطر لذكر حديث البخاري بلفظه الذي يخدش الحياء، ونعتقد ان النبي عليه السلام لا يمكن ان يقول هذا القول الفاحش لأنه عليه السلام ما كان سبابا ولا فحاشا. ولكن ناخذ من الحديث
دليلا على منهجية الاسناد لدى تلك المدرسة التقليدية، فالبخاري يكتب انه سمع شفهيا ذلك الحديث من عبد الله بن محمد الجعفي الذي كان يعيش في عصر البخاري.. وان ذلك الجعفي كان قد سمع ذلك
الحديث من وهيب بن جرير وهو من الجيل السابق على جيل البخاري، ثم ان وهيب بن جرير قد سمع ذلك الحديث شفهيا من ابيه جرير الذي عاش في اواخر العصر الاموي مثلا، وابوه جرير يزعمون انه سمع
ذلك الحديث شفهيا من عكرمة مولي ابن عباس، ويزعمون ان عكرمة سمعه من سيده ابن عباس، وابن عباس بزعمهم في هذه الرواية يقول انه شاهد وسمع هذه الواقعة وهو بجانب النبي عليه السلام.
والمعلوم ان ابن عباس لم ير النبي ولم يسلم الا بعد فتح مكة، وبعدها رجع مع ابيه الى مكة ورجع النبي الى المدينة حيث توفي، ولذلك يقول ابن القيم الجوزية في
كتابه الوابل الصيب ص 77 (وهذا عبد الله بن عباس مقدار ما سمع من النبي لم يبلغ العشرين حديثا.) وبغض النظر عن الاف الروايات المنسوبة لابن عباس في كتب الحديث، فأن الاسناد الشفهي عبر
رواة مختلفين في الزمان والمكان والظروف لا يستقيم مع المنهج العلمي، اذ كيف نصدق رواية واحدة تنتقل بدون تحريف او نسيان عبر عشرات السنين وعبر عدة اجيال كل منهم يلقيها للاخر شفويا. ثم
كيف نصدق عشرات ومئات الالوف من الروايات المتضاربة والمتناقضة والمنسوبة الى النبي بعد موته بقرون. وعبر اشخاص موتى لم يعلموا بما اسنده اليهم اللاحقون من روايات ولكن المهم ان هذا
الاسناد للنبي هو الجدار الذي احتمي به علماء الفقه والحديث، والذي جعل لارائهم حصانة من النقد، وهو الذي اضفي على ارائهم قدسية، وفي النهاية هو الذي جعلهم ينتصرون على اصحاب المنهج
العقلي الذين كانوا يسندون اراءهم الى انفسهم ولا يتمسحون بالنبي عليه السلام ولا يكذبون عليه.. ومن افظع الكذب على النبي عليه السلام ان تنسب اليه تشريعات تخالف القرآن الكريم. وفي نفس
الوقت ينسبون اليه الفاحش من القول. مثل هذا الحديث السالف.
التشكيك في القرآن:
وبين سطور احاديث الرجم نلمح تشكيكات في القرآن عبر ما نسبوه لعمر (اياكم ان تهلكوا عن آية الرجم.. والذي نفسي بيده لولا ان يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها:
الشيخ والشيخة اذا زنيا … الخ) ومعنى هذا ان في الكتاب ايات لم يكتبها ولم يبلغها النبي عليه السلام، وترك هذا لعمر؟!!!
ويأتي البخاري برواية اخري طويلة يتحدث فيها عن حد الرجم، وبين السطور ينسبون لعمر قوله (ثم
انا كنا نقرأ من كتاب الله ان لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم ان ترغبوا عن آبائكم.. الخ … الخ) ومعنى ذلك ان هناك آيات من القرآن لم تتم كتابتها واعلن عمر عنها فيما بعد..
التناقض في الروايات:
والتناقض سمة اساسية من سمات الاحاديث، ويظهر التناقض في احاديث الرجم على نوعين، تناقض جزئي في التفصيلات الخاصة بالرواية الواحدة، وتناقض اساسي بين الروايات المختلفة.. ومن هذا
النوع الاخير حديث جاء به البخاري عن احدهم اعترف للنبي بالزنا فاعرض عنه النبي الى ان حضر الصلاة فصلى مع النبي، ثم قام للنبي ثانيا يعترف له ويطلب اقامة الحد عليه، فقال له النبي: الست
صليت معنا؟ قال نعم، قال: فان الله غفر لك ذنبك..) أي ان الصلاة تغفر الذنب وتمحو عقوبة الرجم، وهذا ما يتناقض مع الاحاديث الاخري التي تنضخ بدماء الضحايا من المرجومين حسب زعمهم.
وبينما تؤكد احاديث البخاري والشافعي ومالك على ان المحصن عقوبته الرجم فقط نجد مسلم يروي
احاديث مكررة يؤكد فيها ان النبي قال (البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة، ثم والرجم..) وعبارة (البكر بالبكر والثيب بالثيب) غير مفهومة، وقد تمت صياغتها على مثال
تشريع القصاص (كتب عليكم القصاص في القتلى: الحر بالحر والعبد بالعبد والانثي بالانثي: البقرة 178) ولكن الخطورة في ذلك الحديث انه يجعل عقوبة الزاني المحصن مائة جلدة قبل ان يقتل رجما،
وهذا ما يتناقض مع الاحاديث الأخرى.
تأثر اللاحقين بموطأ مالك في احاديث الرجم:
نقل الشافعي روايات مالك، واضاف رواية اخري ليست مذكورة في رواية الشيباني تفيد بأن عمر رجم في خلافته زوجة اعترفت بالزنا، وانتهى الشافعي الى ثبوت الرجم بالكتاب والسنة وفعل عمر،
مع انه لم يذكر اية قرآنية، وتحاشى ذكر الجملة المضحكة التي تقول (الشيخ والشيخة، اذا زنيا فارجموها..)(الأم للشافعي 6 / 142: 143) وجاء البخاري ايضا برواية تقول ان على بن ابي طالب في
خلافته رجم امرأة يوم الجمعة على ان ذلك سنة النبي، والواقع ان البخاري ومسلم اعتمدا اساسا على الموطأ وقاما بالبناء عليه وتصحيح رواياته وزيادتها..
لقد قام البخاري ومسلم بنقل بعض روايات الموطأ حرفيا مع اختلاف جزئي في الاسناد احيانا، مثل
حديث ان رجلين اختصما الى النبي حيث زنى ابن احدهما بزوجة الاخر حين كان يعمل اجيرا لديه، وتقول الرواية ان النبي حكم بجلد الابن مائة جلدة وتغريبه عاما، وبرجم الزوجة بعد اعترافها.
وهناك رواية اخري نقلها البخاري ومسلم عن الموطأ. وهي مجئ اليهود للنبي ليحكم بينهم في رجل وامرأة زنيا وانهم اخفوا عن النبي حد الرجم الموجود في التوراة واحكامها، وقد كشف لعبتهم عبد
الله بن سلام، وحكم النبي برجم الرجل والمرأة.. وهذه الرواية تتناقض مع القرآن، لأن الرجم ليس من تشريعات التوراة الحقيقية، حيث يقول تعالى عن التوراة واحكامها (وكتبنا
عليهم فيها ان النفس بالنفس.. المائدة 45) أي لا يجوز قتل النفس الا قصاصا فقط، وعليه فلا يجوز قتل النفس بغير النفس.
وقام البخاري ومسلم بنقل بعض روايات الموطأ بعد تحسينها وتلخيصها او الزيادة عليها..
فالمعروف ان المؤرخ محمد بن سعد اعلن في كتابه (الطبقات الكبري) في ترجمة سعيد بن المسيب ان ابن المسيب لم يلق عمر بن الخطاب، حيث مات عمر وابن المسيب كان طفلا في الثانية من عمره، لذلك
قام البخاري ومسلم بتلافي هذا الخطأ، اذ اسندا الرواية نفسها وروايات اخري اكثر تفصيلا ليس الى سعيد بن المسيب ولكن الى عبد الله بن عباس. ولكن لم يكن في ذلك تجديد او ابتكار. لأن مالك
ذكر في بداية حديثه عن الرجم اول رواية وهي الحديث رقم 692 واسندها الى ابن شهاب الى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس وذكر قول عمر (الرجم في كتاب الله عز وجل، حق على من زني
اذا احصن من الرجال والنساء، اذا قامت عليه البينة او كان الحمل او الاعتراف) ثم جاء مالك بعدها بحديث رقم 693 وهو الذي يحوي خطبة عمر المزعومه والتي يذكر فيها الجملة القائلة (الشيخ
والشيخة اذا زنيا..)
وجاء البخاري فاستعمل نفس الرواة والاسناد في الحديث رقم 692 للموطأ وذكر صيغته ثم اضاف حديثا
اخر مطولا فيه خطبة طويلة لعمر، بينما قام مسلم بتلخيص الحديثين (692، 693) من الموطأ في حديث واحد. وبنفس الاسناد لابن عباس.
وهناك رواية اخري في الرجم في الموطأ تحت رقم 692، وهي رواية ساقطة بكل المقاييس لأن مالك
يرويها عن ابن شهاب (الزهري) الذي يروي الحديث بنفسه، مع ان ابن شهاب الزهري كان من التابعين ولم ير النبي عليه السلام ولم يدرك عصره، ومع ذلك نقرأ في الموطأ الاتي (اخبرنا مالك، اخبرنا
ابن شهاب ان رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله (ص) وشهد على نفسه اربع شهادات، فأمر به فحد. قال ابن شهاب: فمن اجل ذلك يؤخذ المرء باعترافه على نفسه.)
وجاء البخاري بعد مالك بنصف قرن فتلافي الخطأ واصلح الاسناد، فقال: حدثني الليث حدثني عبد
الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن ابن المسيب وابي سلمة ان ابا هريرة قال: اتي رسول الله (ص) رجل من الناس في المسجد فناداه يا رسول الله اني زنيت، يريد نفسه، فأعرض عنه النبي.. الخ الى ان
يقول (فلما شهد على نفسه اربع شهادات دعاه النبي وقال: أبك جنون؟ قال لا.. الى ان ينتهي الحديث برجم الرجل المجهول.. ثم تتوالى روايات اخري في نفس الموضوع بتفصيلات نعرف ان الرجل المجهول
اسمه ماعز. وانه فر من الرجم ولكنهم طاردوه حتى قتلوه..
ثم يأتي مسلم بعد البخاري فيضيف تفصيلات اخري نعرف منها انه اسمه ماعز بن مالك من قبيلة اسلم
وانه كان يتخلف عن الغزو ليزني مما جعل النبي يخطب غاضبا قائلا: فما بال اقوام اذا غزونا يتخلف احدهم عنا له نبيب كنبيب التيس، على ان لا اوتي برجل فعل ذلك الا نكلت به) ويقول مسلم انه
ما استغفر له. ثم تأتي رواية اخري تجعل النبي يستغفر لماعز وانه قال ان توبة ماعز تكفي أمة بأكملها – وهنا تناقض جزئي بين روايات مختلفة في موضوع محدد.
ونفس الحال مع حديث المرأة التي اعترفت بالزنا ورجموها بزعمهم..
نجد البداية بسيطة في الحديث رقم 696 في موطأ مالك يرويه مالك عن يعقوب بن يزيد عن ابيه عن عبد الله بن ابي مليكة، ان امرأة اتت الى النبي فأخبرته انها زنت وهي حامل، فقال لها
اذهبي حتي تضعي فلما وضعت اتته فقال لها: اذهبي حتي ترضعيه، فلما ارضعته اتته فقال لها ": اذهبي ختي تستودعيه فاستودعته، ثم جاءته فأمر بها فأقيم عليها الحد.
هذه القصة الدرامية المحزنة اهملها البخاري واحتفل بها مسلم فألحق قصتها بقصة ماعز في رواية
طويلة مؤثرة، ثم افرد لها رواية اخري، واعطى مسلم تلك المرأة اسما هو الغامدية، وفي رواية اخري قال انها من جهينة.
والقصة كفيلة بتشويه الاسلام وسيرة النبي عليه السلام، فالقصة تقول ان المرأة جاءت للنبي تعترف
بالزنا وتطلب منه ان يطهرها بالرجم، وتعبير التطهير بالموت مصطلح مسيحي ليس له اصل في الاسلام، واعترفت بأنها حبلي، فأمهلها النبي – فيما يزعمون – الى ان تلد، فلما ولدت جاءت بالصبي في
اللفائف، فقال لها اذهبي فأرضعيه حتي يفطم ويأكل الطعام، ثم جاءت له بعد فطام الطفل، فأمر بالطفل فكفله رجل من المسلمين، ثم امر بحفر حفرة لها الى صدرها، وامر الناس فرجموها، فأقبل خالد
بن الوليد بحجر فرمي به رأسها فتطايرت دماؤها على وجه خالد فشتمها خالد، فقال النبي " انها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ".
هذه القصة المؤلمة حيكت خصيصا للاجابة على سؤال فقهي، هو اذا كان حد الزنا هو الرجم، أي الموت،
وليس الجلد كما في القرآن، فكيف اذا كانت الزانية المحصنة حاملا من هذا الزنا او من قبله؟ وهل يحكم عليها وعلى مولودها بالموت؟ لذلك جاءت الفتوي في هذا الحديث بإمهال المرأة الى ان تضع
وليدها وتفطمه، وكأنهم بذلك قد اراحوا ضمائرهم حين يكفل الطفل اخرون بعد اعدام امه في تشريع ليس له اصل في القرآن او في الاسلام، ولم يعرفه الرسول عليه السلام.
وفي تفصيلات قصة الغامدية التي هشم خالد بن الوليد رأسها بحجر ثم شتمها، يروي صانع القصة ان
النبي قال لخالد وهو يعاتبه – فيما يزعمون – " لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ". وصاحب المكس هو من يجمع الضرائب عند المنافذ التجارية. او بتعبير عصرنا هو رجل الجمارك. وقد ورد
هذا المصطلح في الانجيل مقترنا بالظلم " المكاسون " او " العشارون:. وهو مصطلح ساد في الشام قبل الاسلام وبعد الفتوحات الاسلامية، حيث اقتضت الظروف السياسية والاقتصادية وجود موظفي
الجمارك. وهو مالم تعرفه الجزيرة العربية مطلقا قبل الاسلام او في عهد النبي عليه السلام، ولم تعرفه اللغة العربية حينئذ، وليس من مصطلحات القرآن، مع احتواء القرآن على الفاظ غير عربية،
أي ان هذا الحديث قد تم اختراعه في عصر الخلفاء غير الراشدين، حيث عم الظلم واصبح صاحب المكس ممثلا لظلم الدولة. ويستحق ان يتطهر بالقتل، مثل بطلة " فيلم" " الغامدية " …!!!؟؟
التطبيق التاريخي لحد الرجم:
ولكن ظلت هذه الروايات مجرد اقاصيص مؤلمة، اذ لم نجد في روايات التاريخ العباسي الموثقة ما يؤكد تطبيقها.. ولنأخذ على ذلك مثلا بتاريخ المنتظم للمؤرخ الحنبلي الفقيه المحدث ابن
الجوزي..هذا وقد راجعنا اجزاءه كلها (18 جزءا) فلم نجد فيه حادثة واحدة تفيد تطبيق حد الرجم..
مع عنايته الفائقة بالتفصيلات الفقهية التاريخية واحتفاله باخبار الفقهاء والمحدثين والوقائع الشرعية، اللهم الا حادثة يتيمة تعتبر دليلا لنا، وهي ان يهوديا زني بمسلمة مفهوم انها محصنة،
وكان اليهودي يعمل كاتبا لاحد اصحاب النفوذ واسمه ابن خلف. فقام صاحب الشرطة بضرب اليهودي عقابا له، فغضب ابن خلف وضرب صاحب الشرطة بحضور اليهود في يوم جمعة، فاشتدت ثورة الناس على
ماحدث. وكان ذلك في بغداد سنة 336 (المنتظم 13 / 374) ولو كان هناك تطبيق لحد الرجم لاصاب اليهودي والمرأة.
وفيما عدا ذلك نتعرف على تفصيلات كثيرة من المنتظم عن محنة ابن حنبل وصحبه في موضوع خلق القرآن
وابتداء نفوذ الفقهاء والمحدثين منذ عصر المتوكل الذي اضطهد خصوم الفقهاء (المنتظم جـ 11) وعلى النقيض من ذلك نجد تطبيقا لحد الردة، وهو حد مخترع ايضا، ولكن تم تنفيذه لظروف سياسية، وكان
ذلك تعبيرا عن تأثر السلطة العباسية بنفوذ الفقهاء، فقد قتلوا احد الشيعة لأنه يدعو الى مذهبه، وقال قبل ان يقتلوه: كيف تقتلوني وانا اقول لا اله الا الله (المنتظم (17 / 39) وقتلوا ابن
فقعس لأنه يشتم السلف وكان ذلك في رمضان 258 (المنتظم 12/136). ولذلك يقول ابن الجوزي عن اخر شيوخ المعتزلة في القرن الخامس الهجري وهو ابو يوسف القزويني ت 488 انه احد شيوخ المعتزلة
المجاهرين بالمذهب الدعاة له، له تفسير القرآن في سبعمائة مجلد، وكان يفتخر ويقول: انا معتزلي، وكان هذا جهلا منه لأنه يخاطر بدمه في مذهب لا يساوي " (المنتظم 17 / 21-) وذلك دليل على
اضطهاد المعتزلة وقتها.
والمستفاد من ذلك ان الفقهاء في عصر سطوتهم ركزوا على تطبيق حد الردة المزعوم في اضطهاد خصومهم
الصوفية والشيعة والمعتزلة، دون اهتمام بتطبيق حد الرجم.. وظل هذا ساريا الى ان ظهر محمد بن عبد الوهاب في نجد والتجأ الى العينية وحاكمها عثمان بن معمر، وفي حوالى منتصف القرن الثاني
عشر الهجري قام ابن عبد الوهاب برجم امرأة اعترفت له بالزنا وارادت ان تتطهر طبقا لاسطورة الغامدية.. وبرجم هذه المرأة شاعت سطوة ابن عبد الوهاب في نجد ودخل في دعوته كثيرون..
ولذلك فان التيار السلفي الوهابي في عصرنا البائس يضع نصب عينيه تطبيق الحدود.. الحدود الزائفة مثل الرجم والردة… واذا عرف السبب بطل – يا صديقي –
العجب..
ويبقي السؤال الاخير.. اذا لم يكن تشريع الاسلام وهو مصدر حد الرجم فمن اين جاء؟
هنا ننقل عن البخاري من باب المناقب حديث رقم 3560 يقول "حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها
فرجمتها معهم" أي ان مجتمع القرود في الجاهلية سبق العصر العباسي في تطبيق حد الرجم..
مساء الفل !!!!
ا
حاديث الرجم في كتب اخرى غير الموطأ
حكي مالك قصة اخري رواها ابن شهاب الزهري: ان رجلين اختصما للنبي، وقد زنى احدهما بزوجة الاخر وقد حكم النبي – وفقا لهذه الرواية – بأن يجلد الابن مائة جلدة مع تغريمه عاما، وان
ترجم زوجة الرجل الاخر اذا اعترفت بالزنا.
ونقل الشافعي هذه الروايات عن مالك، واضاف عن مالك رواية اخري – ليست مذكورة اصلا في الموطأ –
تفيد بأن عمر في خلافته امر برجم زوجة اعترفت بالزنا، وانتهى الشافعي الى ثبوت الرجم بكتاب الله وسنة رسوله وفعل عمر، مع انه لم يذكر آية قرآنية، وتحاشي ذكر الجملة المضحكة التي تقول
(الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة).
وفي باب (رجم المحصن) ذكر البخاري احاديث جديدة لم تذكر من قبل، بعضها نسب لعلى بن ابي طالب في
خلافته القيام برجم امرأة على ان ذلك سنة النبي، وحديث اخر عبارة عن سؤال الى احد متأخري الصحابة وهو عبد الله بن ابي اوفي، اذ قيل له: هل رجم الرسول قبل سورة النور ام بعدها؟ فقال: لا
ادري، وهو حديث ينم عن جدل اثير حول افتتاحية سورة النور التي تؤكد على ان الجلد لا الرجم هو عقوبة الزانية والزاني، وتدل على الشك في حكم الرجم بسبب ما جاء في سورة النور، واحاديث اخري
تفيد وقوع عقوبة الجلد لا الرجم على رجل من قبيلة اسلم واخر مجهول، وحديث (ماعز) الذي حقق معه النبي – فيما يزعمون – في كيفية ارتكابه الزنا، وقال له: لعلك قبلت او غمزت او نظرت، فقال
لا، فقال له النبي – فيما يزعمون كذبا – عبارة بذيئة لا نستطيع كتابتها، وامر برجمه، وذكر البخاري صيغة اخري لحديث سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب الذي تعرضنا له، ولكنه نسب هذه الرواية
المطولة لابن عباس.
اما مسلم في احاديثة فقد كرر احاديث البخاري في الزنا والرجم مع زيادة في التفصيلات – وهو
عموما اكثر تفصيلا وتنظيما من البخاري، وقد اضاف مسلم قصة في رجم امرأة قال مرة انها الغامدية، ومرة اخري انها من جهينة، والقصة كفيلة بتشويه الاسلام وسيرة النبي عليه السلام، فالقصة
تقول ان المرأة جاءت للنبي تعترف بالزنا وتطلب منه ان يطهرها بالرجم، وتعبير التطهير بالموت مصطلح مسيحي ليس له اصل في الاسلام، واعترفت بأنها حبلي، فأمهلها النبي – فيما يزعمون – الى ان
تلد، فلما ولدت جاءت بالصبي في اللفائف، فقال لها اذهبي فأرضعيه حتي يفطم ويأكل الطعام، ثم جاءت له بعد فطام الطفل، فأمر بالطفل فكفله رجل من المسلمين، ثم امر بحفر حفرة لها الى صدرها،
وامر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمي به رأسها فتطايرت دماؤها على وجه خالد فشتمها خالد، فقال النبي "انها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له".
هذه القصة المؤلمة حيكت خصيصا للاجابة على سؤال فقهي، هو اذا كان حد الزنا هو الرجم، أي الموت،
وليس الجلد كما في القرآن، فكيف اذا كانت الزانية المحصنة حاملا من هذا الزنا او من قبله؟ وهل يحكم عليها وعلى مولودها بالموت؟ لذلك جاءت الفتوي في هذا الحديث بإمهال المرأة الى ان تضع
وليدها وتفطمه، وكأنهم بذلك قد اراحو ضمائرهم حين يكفل الطفل اخرون بعد اعدام امه في تشريع ليس له اصل في القرآن او في الاسلام، ولم يعرفه الرسول عليه السلام.
وقد بدأ مالك بتدوين اصل هذه الحكاية قائلا ان امرأة اعترفت للنبي بالزنا وانها حامل من هذا
الزنا، فامرها ان تاتي اليه بعد ارضاعه، ثم بعد ان تستودعه عند من يقوم برعايتة، ثم جاءته فأقام عليها الحد، والمفهوم انه حد الرجم، وان لم يذكر انه الرجم. ثم اشعلت هذه الرواية خيال
المؤلفين بعد مالك، حين تكاثرت قصص الروايات عن رجم رجال ونساء، كان من بينهم من اسموه ماعز ومن اسموها الغامدية واطال مسلم في حديث ماعز فوق ما ذكره البخاري واضاف اليه ان الغامدية صممت
على ان يطهرها النبي بالرجم، وذكر القصة التي ذكرناها، ثم اضاف معظم القصة الى امرأة اخري من جهينة..
وفي تفصيلات قصة الغامدية التي هشم خالد بن الوليد رأسها بحجر ثم شتمها، يروي صانع القصة ان
النبي قال لخالد وهو يعاتبه – فيما يزعمون – "لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له". وصاحب المكس هو من يجمع الضرائب عند المنافذ التجارية. او بتعبير عصرنا هو رجل الجمارك. وقد
ورد هذا المصطلح في الانجيل مقترنا بالظلم "المكاسون" او "العشارون": وهو مصطلح ساد في الشام قبل الاسلام، وبعد الفتوحات الاسلامية. حيث اقتضت الظروف السياسية والاقتصادية وجود موظفي
الجمارك. وهو مالم تعرفه الجزيرة العربية مطلقا قبل الاسلام او في عهد النبي عليه السلام، ولم تعرفه اللغة العربية حينئذ، وليس من مصطلحات القرآن، مع احتواء القرآن على الفاظ غير عربية،
أي ان هذا الحديث قد تم اختراعه في عصر الخلفاء غير الراشدين، حيث عم الظلم واصبح صاحب المكس ممثلا لظلم الدولة. ويستحق ان يتطهر بالقتل، مثل بطلة "فيلم" "الغامدية" …!!!؟؟
واخذت هذه القصص والروايات سبيلها للتدوين في كتب الاحاديث اللاحقة لتصبح احد معالم التشريع
للمسلمين، خصوصا وقد احتفل بها الوعاظ والقصاص مع الفقهاء، واصبح الجميع يرددونها على انها "حق" ويؤكد هذا "الحق": التطبيق العملي الذي راح ضحيته رجال ونساء تم قتلهم بتشريع ما نزل الله
به من سلطان.
وندخل بذلك على الحق القرآني الذي ينفي عقوبة الرجم، او ما يسمى بحق الرجم.
أكذوبة الرجم الغت تشريعات القرآن في عقوبة الزنا
عقوبة الرجم للزاني والزانية لم تأت في القرآن، وان كانت قد جاءت في التوراة الموجودة لدينا، وتأثر المسلمون بذلك فأضافوا عقوبة الرجم لجريمة الزنا في حالة الاحصان او الزواج، وقد انشغل
الفقهاء بأحاديث الرجم التي الغت التشريعات القرآنية الخاصة بعقوبة الزنا، بحيث اصبحت تلك التفصيلات القرآنية مجهولة.
وقد جاءت عقوبة الزنا في القرآن على النحو التالى:
الزانية والزاني اذا ضبطا في حالة تلبس، فالعقوبة مائة جلدة امام الناس، بذلك بدأت سورة النور بافتتاحية فريدة ترد مقدما على اولئك الذين يتجاهلون وضوح القرآن وبيان تشريعاته،
يقول تعالى في تلك الافتتاحية الفريدة { سورة انزلناها وفرضناها وانزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون } وبعدها قال تعالى مباشرة {
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين
}.
ومن الصعب اثبات حالة التلبس في جريمة الزنا، ومن الصعب ايضا ان يحدث اقرار بالوقوع في الزنا
ينتج عنه عقوبة الجلد، ولكن من السهل ان يشاع عن امرأة ما بأنها سيئة السلوك، وتتكاثر الشواهد على سوء سمعتها، وحينئذ لابد من عقاب مناسب بعد الاشهاد عليها بأربعة شهود بأنها من اللاتي
(يأتين الفاحشة) ولكن لم يتم ضبطها. وذلك العقاب ليس الجلد، وانما هو عقاب سلبي. يكون بمنعها عن الناس ومنع الناس عنها الى ان تموت او تتزوج وتتوب، يقول تعالى (واللاتي
يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتي يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلا) النساء 15. وبمجرد اعلان توبتها يطلق سراحها او
تتزوج، فقد تخلصت من وصف اللاتي يأتين الفاحشة.
وجاءت تفصيلات القرآن بعقوبة الجارية المملوكة، اذا وقعت في الزنا. فان كانت الجارية تحت سيطرة
سيدها او يجبرها على ممارسة البغاء فليس عليها عقوبة، اذ انها لا تملك حرية الاختيار، يقول تعالى (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة
الدنيا، ومن يكرههن فان الله من بعد اكراههن غفور رحيم) النور 33 واذا تزوجت الجارية وتحررت من سيطرة مالكها ووقعت في جريمة الزنا فعقوبتها خمسون جلدة أي نصف ما على المتزوجات
الحرائر اذا وقعن في الزنا، (فإذا أحصن فان اتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) النساء 25.
وقد تكون الزانية زوجة مطلقة لا تزال في فترة العدة، ومن حق المطلقة في فترة العدة ان تظل في
بيت الزوجية، ولكن تفقد هذا الحق اذا وقعت في الزنا، وحينئذ يكون من حق زوجها ان يطردها، ولكن بشرط ان تكون جريمة الزنا مثبتة حتى لا يتاح لزوجها ان يتجنى عليها بالباطل، يقول تعالى عن
تلك الزوجة المطلقة (لا تخرجوهن من بيوتهن، ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة، وتلك حدود الله) الطلاق 1.
والقرآن يصف الفاحشة بأنها (فاحشة مبينة) أي مثبتة، ضمانا لعدم الافتراء بلا دليل.. وعقوبة
الطرد هنا تضاف الى العقوبة الاخري، وهي مائة جلدة.
وهناك عقوبة اخري لتلك الزوجة المطلقة اذا وقعت في الزنا بعد اتمام الطلاق، وهي انه من حق
الزوج ان يمنعها عن الزواج الى ان تدفع له بعض ما اعطاه لها في الصداق او المؤخر، والشرط ان تكون جريمة الزنا في حقها مثبتة بالدليل، يقول تعالى (يا ايها الذين
امنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها، ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الا ان يأتين بفاحشة مبينة) النساء 19. والعضل هو منع المرأة من الزواج. والقرآن يحرم العضل الا في
حالة المطلقة الزانية.. فيجعل من حق الزوج ان يمنعها من الزواج الا بعد ان تعيد له بعض ما دفعه الىها من مهر.
وفي كل الاحوال فالمرأة الزانية أي التي لا تتوب عن الزنا لا يتزوجها المؤمن، وتلك عقوبة اخرى
اضافية، يقول الله تعالى (الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة، والزانية لا ينكحها الا زان او مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين)النور3.
وتأبى تفصيلات القرآن الا ان تضع عقوبة للزنا في حالة استثنائية ومستبعدة، وهي افتراض وقوع
نساء النبي امهات المؤمنين في تلك الجريمة، وهنا تكون العقوبة مائتي جلدة في تلك الجريمة، أي ضعف ما على النساء الحرائر، وفي المقابل فلهن في عمل الصالحات ضعف ما على المحسنات، يقول
تعالى (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين، وكان ذلك على الله يسيرا، ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين واعتدنا
لها رزقا كريما) الاحزاب 30، 31.
ولأن العقوبة هنا مضاعفة فلابد من كون الجريمة مثبتة، او بالتعبير القرآني (من يأت منكن بفاحشة
مبينة) فالأمر هنا يخص نساء النبي امهات المؤمنين، وهو امر فظيع هائل لابد من التثبت فيه.
والتشريع القرآني المحكم يصف عقوبة الزنا – التي هي الجلد – بأنها (عذاب)، والعذاب يعني ان يظل
الجاني حيا بعده لا يموت بسببه، وبتعبير اخر لا محل هنا لعقوبة الرجم التي تعني الموت.
والقران حين تحدث عن عقوبة الزنا قال (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)، لم يقل الزاني المحصن والزانية المحصنة او غير المحصنة، وانما جاء
بالوصف مطلقا (الزانية والزاني) وقدم الزانية على الزاني لأ المرأة هي العامل الاكثر تأثيرا في تلك الجريمة، بينما قال عن السرقة (والسارق والسارقة فاقطعوا)
لأن الرجل هو الاساس والعنصر الغالب في جريمة السرقة.
والمهم ان عقوبة الزنا مطلقا هي الجلد لا الرجم (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم
بهما رأفة في دين الله، ان كنتم تؤمنون بالله والىوم الاخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) اذن فالجلد هو العذاب.
وفي حالة الجارية التي تزنى بعد زواجها قال تعالى: (فاذا احصن فان اتين
بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من عذاب) أي خمسون جلدة، أي انه وصف عقوبة الجلد للجارية بانه عذاب.. والقائلون بأن التي تتحصن بالزواج ثم تزني تعاقب بالرجم كيف يفعلون مع قوله
تعالى (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) هل يمكن تنصيف الرجم؟ وهل هناك نصف موت؟
وفي حالة نساء النبي يقول التشريع القرآني (يا نساء النبي من يأت منكن
بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين). فوصف عقوبة لجلد بأنه (عذاب) قدره مائتا جلدة، والقائلون بان عقوبة المتزوجة هي الرجم، كيف يحكمون بمضاعفة الرجم لنفس الشخص؟ وهل يموت الشخص
مرتين؟ هل يقتلونه بالرجم مرتين؟
والرجل اذا عجز عن اثبات حالة التلبس بالزنا على زوجته ولم يستطيع احضار الشهود فيمكن ان يشهد
بنفسه امام القاضي انها زانية اربع مرات، ويؤكد شهادته الخامسة بأن يستجلب لعنة الله عليه ان كان كاذبا، وتلك حالة اللعان، ويمكن للزوجة المتهمة ان تدفع عن نفسها عذاب الجلد بأن تشهد
اربع شهادات بالله بأن زوجها كاذب في اتهامها، ثم تؤكد في شهادتها الخامسة بان تستجلب غضب الله عليها ان كان زوجها صادقا في اتهامه لها، يقول الله تعالى (والذين يرمون ازواجهم ولم يكن
لهم شهداء الا انفسهم فشهادة احدهم اربع شهادات بالله انه لمن الصادقين، والخامسة ان لعنت الله عليه ان كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب ان تشهد اربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين،
والخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين) النور 6: 9.
ويهمنا هنا ان الله تعالى وصف عقوبة الزنا بأنها عذاب، فقال (ويدرء عنها العذاب) وهو نفس الوصف
الذي سبق لعقوبة الجلد.. اذن عقوبة الزنية المتزوجة هي الجلد وليس الرجم.
ثم ان تشريعات القرآن في الايات السابقة تعامل المرأة الزانية على انها تظل حية بعد اتهامها
بالزنا واقامة عقوبة الجلد عليها، وكذلك الزاني، فالقرآن الكريم يحرم تزويج الزاني او تزويج الزانية من الشرفاء، فلا يصح لمؤمن شريف ان يتزوج زانية مدمنة للزنا، ولا يصح لمؤمنة شريفة ان
تتزوج رجلا مدمنا على الزنا (الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة والزانية لا ينكحها الا زان او مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) النور: 3، ولو كان مصير الزاني
او الزانية هو الرجم موتا لما كان هناك تفصيل في تشريعات حياته طالما هو محكوم عليه بالموت، ونفس الحال في اضافة عقوبات للمطلقة الزانية باخراجها من البيت ومنعها عن الزواج حتي تدفع بعض
المهر، واذا كان هناك عقوبة الرجم على تلك الزانية المحصنة لما كان هناك داع لتشريع يمنعها من الزواج ثانية، أو يسمح بطردها من البيت في فترة العدة.
واكثر من ذلك..
فالله تعالى يتوعد الزناة بمضاعفة العذاب والخلود فيه يوم القيامة اذا ماتوا على اصرارهم على الزنا، الا من تاب وآمن وعمل صالحا، فاولئك يبدل الله تعالى سيئاتهم حسنات (يضاعف له
العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا، الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) الفرقان: 69، 70. فاذا كان مصير الزاني هو الرجم فلن تكون له
فرصة للتوبة والايمان والعمل الصالح الذي تتبدل به سيئات الزنا الى حسنات. بحيث تخفي عنه صفة الزاني ليحل محلها وصف الصالح عند الله تعالى … ذلك ان الزاني صفة وكذلك الزانية، وهذه الصفة
تلحق بمن اشتهر بالزنا ولم يستطع الاقلاع عنه، فأن اقلع عنه وتاب سقطت عنه تلك الصفة ولحقت به صفة اخري هي التائب أو الصالح، وذلك عند الله تعالى.
ومع هذا البيان الواضح في تشريعات القرآن فان احاديث الرجم والانشغال بها اضاعت تشريعات القرآن
فيما يخص تفصيلات العقوبة في الزنا، او بتعبيرهم "نسختها" وابطلت حكمها، ومع ان عقوبة الرجم لم ترد في القرآن ومع ان العقوبة الواردة في جريمة الزنا تؤكد على الجلد فقط الا ان اقتناع
المسلمين بأكذوبة الرجم جعلته الاساس التشريعي السائد حتي الان في كتب التراث وفي تطبيق الشريعة لدي بعض الدول (الاسلامية). ويكفينا في التدليل على عمق التأثر بذلك التشريع المخالف
للقرآن ان القارئ لنا الان يدهش اشد الدهشة حين يكتشف ان الرجم ليس من تشريع القرآن والاسلام.. ويكفينا في عمق التأثر بذلك التشريع المخالف للقرآن انه على اساسه قتل الالاف رجما وربما
سيقتل مثلهم في المستقبل، وذلك بحكم ما انزل الله تعالى به من سلطان، ويقول تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق) الانعام 151، الاسراء 33،
ويقول (والذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما) الفرقان 68. فلا يجود قتل النفس
الاسلامية الا بالقصاص فقط وهذا هو الحق القرآني..
ان من اعظم الحرمات حرمة النفس البشرية وحقها في الحياة.. ومن اعظم الجرائم ان تقتل تلك النفس الزكية بغير حكم انزله الله تعالى الذي حلق النفس والذي انزل الشرع.
واعظم الجرائم على الاطلاق ان تفتري تشريعا بقتل النفس الزكية، ثم تنسبه الى الله تعالى ورسوله
…(فمن اظلم ممن افتري على الله كذبا او كذب بآياته انه لا يفلح المجرمون، ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل اتنبئون
الله بما لا يعلم في السموات ولا في الارض، سبحانه وتعالى عما يشركون) يونس 17. وحقا ما افظع الافتراء على الله تعالى ورسوله في التشريع في الحدود التي يقتلون فيها البشر خارج
القصاص وفي العقائد (اتخاذ شفعاء من دون الله مع ان الله وحده هو الشفيع وهو الولي وهو النصير).
السيرة العلمية
للدكتور احمد صبحي منصور
لقراءة مقالات قديمة للدكتور احمد انقر هنا