نابغة الخط العربي هاشم محمد البغدادي
وليد الاعظمي
http://www.almadapaper.net/sub/07-1569/17.pdf
http://www.aljeeran.net/wesima_articles/cultureandeducation-20090731-150890.html
نابغة الزمان، تاج بغداد وسراجها الوهاج،
زينة السلف والخلف، عميد الخط العربي، خادم القرآن الكريم. استاذ الجيل ورافع لواء فن الخط العربي. ابو راقم هاشم بن محمد بن الحاج درباس القيسي البغدادي. ولد في محلة خان لاوند ببغداد
سنة 1917م من عائلة فقيرة الحال واسعة الشرف محمودة السيرة.
كان والده يشتغل في علوة الخضراوات ببغداد. اخذ الخط في صباه عن المرحوم (الملا عارف الشيخلي) مدة يسيرة.وكان يستوعب فن الخط بذكاء عجيب. ويقلد خطوط شيخه. وتأثر بالمرحوم الملا عارف.
حتى انه اتخذ في بيته (منضدة صغيرة) ليقلد شيخه حتى في جلسته وهيئته.
ثم انتقل الى المرحوم (الحاج علي صابر) واخذ عنه مدة يسيرة ايضا وكان خطه من الجودة والقبول بمرحلة تقارب خط الحاج علي صابر.
وذات يوم كتب المرحوم هاشم لوحة في غاية الجودة والاتقان. واعتنى بها كثيرا، وقدمها الى شيخه. فأعجب بها، الا ان المرحوم الحاج علي صابر، قد استكثر على تلميذه هذا التفوق، وظن انه قد
نقلها عن بعض لوحات المصريين او الاتراك.. فعاتب تلميذه هاشما، ونصحه ان لا يحاول النقل بعد اليوم.
وعبثا حاول التلميذ ان يقنع استاذه بعدم النقل، وانه على استعداد لكتابة لوحة جديدة بالعبارة التي يختارها الشيخ، وبتراكيب متعددة فلم يفلح. وكان المرحوم الحاج صابر حديد المزاج.
فانصرف عنه المرحوم هاشم.
ومضى يراجع العلامة الشيخ الملا علي الفضلي، الذي كان يدرس علوم القرآن واللغة والعروض واصول الخط العربي في جامع الفضل. وبقي المرحوم هاشم يكتب ويتمرن والملا علي يصلح له ويعجب بخطه
ويشجعه ويوجهه.
حتى منحه (الاجازة) بالخط العربي سنة 1363هـ ـ 1943م.
وكان المرحوم هاشم متعلقا بشيخه يحبه ويحترمه ويبره، ويترحم عليه كلما ذكره ويثني عليه غاية الثناء.
ان الفقر دفع بصاحبنا ان يبحث له عن عمل يدبر به أموره، فاشتغل عاملا في وزارة الدفاع مدة من الزمن.
وفي سنة 1937 عين خطاطا مستخدما في مديرية المساحة العامة. والتقى هناك بحكم عمله مع الخطاطين امثال المرحوم صبري الهلالي وعبد الكريم رفعت وغيرهم.
وبقي هاشم يكتب في الدائرة اثناء الدوام.
وعند المساء يراجع المرحوم الملا علي الفضلي حتى نال الاجازة منه.
وفي سنة 1944 سافر الى مصر، وانتسب الى معهد تحسين الخطوط بالقاهرة وكان قد عرض عليهم (الاجازة) وقدم نماذج من خطوطه، فنالت اعجاب الاساتذة والمشرفين على المعهد.
واتخذت ادارة المعهد قرارا بمشاركة المرحوم هاشم في الامتحان الاخير للصف المنتهي. فحاز صاحبنا (الدرجة الاولى بامتياز). واجازه الخطاط المصري الشهير (سيد ابراهيم) اجازة خاصة وكذلك
المرحوم الخطاط (محمد حسني) سنة 1364هـ ـ 1944م وقد طلبت منه ادارة المعهد ان يبقى في مصر للتدريس في المعهد فأبى.
وعاد الاستاذ هاشم الى بغداد، وهو يحمل معه شهادات التقدير والاعجاب من عباقرة فن الخط العربي..
وفي سنة 1946م افتتح المرحوم هاشم في بغداد (مكتب الخط العربي) بالمشاركة مع (الرسام اوكسن) في محلة السنك ببغداد (شارع الرشيد).
ولم يكتف هاشم بهذه الشهادات الفنية، ولم يشبع نهمه في الخط العربي. وكان طموحا.
فصمم على السفر الى تركيا، لمشاهدة الخطوط الرائعة التي خلفها عظماء الخطاطين الاتراك ايام العثمانيين.
فسافر والتقى بالخطاط العظيم (حامد الآمدي) وهو البقية الباقية من عظماء الخطاطين، كما انه اكبر الخطاطين المعاصرين سنا وفنا.
وعرض على الاستاذ حامد لوحاته. وكتب عنده، فدهش الاستاذ حامد واعجب بخطوط هاشم غاية الاعجاب. فأجازه مرتين، الاولى سنة 1370هـ والثانية سنة 1373هـ وفيهما من الثناء العاطر والاشادة
الكبيرة ما يبين منزلة هاشم وفضله وفنه وكفاءته.
وهاتان الاجازتان كان المرحوم هاشم يعتز بهما كثيرا، وهما معروضتان في مكتبه.
ولما كان الاستاذ حامد قد بلغ من العمر عتيا. وقد بلغ التسعين من عمره او جاوزها. فقد بات المرحوم هاشم اضبط من يكتب (الحرف العربي) في العالم، وعلى يد هاشم انتقلت الريادة والقيادة و
الرئاسة في فن الخط الى العرب بعد ان تولاها الاتراك بما يقرب من خمسة قرون.
بقي الاستاذ هاشم خطاطا في المساحة العامة ببغداد منذ سنة 1937م الى سنة 1960م.
حيث نقل ملاكه الى وزارة التربية، واختير رئيسا لفرع الزخرفة والخط العربي في معهد الفنون الجميلة ببغداد.
والمرحوم هاشم مشهور بغيرته على قواعد الخط العربي،
وضبطها، وعدم التسامح في (تطويرها)، كما حصل التطوير في بيروت والقاهرة وخاصة في عناوين الكتب والمجلات ووسائل الاعلان الحديث.
وكان يعتبر ذلك (جناية) على فن الخط، كما يعده هزيمة من الالتزام في الضبط، والقدرة على الابداع في التراكيب.
وكان يرى محاولات تجديد الحرف العربي او تطويره او اختزاله. بطريق الطفرة. خططا موجهة ضد اللغة العربية والحرف العربي. يتبناها من يحاول فصلنا عن تاريخنا ولغتنا وتراثنا.
ان المرحوم هاشما، قد هيأه الله سبحانه لخدمة الحرف العربي وجماله والابداع فيه. وقد تفرغ للخط بكليته، وليس له هواية او هم سواه. ولا ينظر الى غير الخط ولا يفكر الا فيه. ولا يشبه
الا به. وبقي يتابع سفره الى تركيا كل عام تقريبا. حتى اطلع بنفسه على كافة الخطوط الشاخصة في المساجد والمتاحف والمكتبات والقصور. وصور الكثير منها. وتجول في كافة انحاء تركيا، باحثا
عن التكايا والربط وشواهد الآثار. حتى عثر على بناية (سبيل خانة) بين جبالها. وفيها خطوط فصورها. وعرضها على الاستاذ حامد فاعجب بها. ولم يكن حامد قد شاهدها او سمع بها. واعجب كذلك
بهمة المرحوم هاشم وتفانيه في خدمة الخط وحرصه عليه بهذه الصورة.
وتأثر الاستاذ هاشم كثيرا بالخطاطين الاتراك، وكان يعتبرهم المثل الاعلى في هذا الفن الجميل. وتأثر خاصة بالخطاط (حامد الآمدي) من المعاصرين. والخطاط (راقم) من القدماء، وقد سمى ولده
(راقما) لما يكنه له من الاعجاب والتقدير والاحترام.
تأثر بهذين العلمين في خط (الثلث) واما خط (النسخ) فقد تأثر بخطوط المرحوم (الحافظ عثمان) كاتب المصحف المعروف باسمه، والمرحوم (الحاج احمد الكامل) المعروف برئيس الخطاطين. وهؤلاء
كلهم من الاتراك. ومن الخطاطين العرب الذين تأثر بهم المرحوم هاشم (اسماعيل اأنوري البغدادي) المتوفي سنة 1189هـ.
ومع تأثر الاستاذ هاشم بخطوط الاتراك واعتباره اياهم المثل الاعلى، الا انه بقي محافظا على (القاعدة البغدادية) نتيجة لتأثره الاول بشيخه المرحوم (الملا علي الفضلي).
والمرحوم هاشم هو الخطاط الوحيد الذي
يمزج بين القاعدتين البغدادية والتركية، بصورة محببة عجيبة باهرة، حيث يشيع الانسجام بدل التنافر. ويرى الناظر العارف الى خطوطه. ويراه
ناجحا اتم النجاح في وضع الحرف تارة على قاعدة بغداد وتارة على قاعدة استانبول. وغيره من الخطاطين يعجز عن ذلك.
لقد انعم الله علي بالتعارف مع هذا الفنان العظيم، والرائد الكبير وقد زرته لاول مرة بصحبة اخيه المرحوم (شاكر حمودي القيسي) زميلي في العمل، وكان ذلك سنة 1953م.
وتوثقت علاقتي به. واحببته من كل قلبي، وكنت أزوره في دائرته بالمساحة العامة وفي مكتبه اغلب الاحيان.
وافدت منه كثيرا. وكنت اعتبر تعرفي مع الاستاذ هاشم واخذي عنه الخط العربي نعمة سابغة من الله تعالى وفضلا منه، حيث كتب لنا ان نحظى باعظم خطاط وابرع فنان وان نأخذ عنه.
وكنت لا أمل من السؤال ولا اكف. ولا يمل هو رحمه الله من الاجابة، بتواضع. وسأله عن تاريخ الخط العربي واصوله وتطوره، وعن الخطاطين ودرجاتهم ومنازلهم وطريقة كل منهم. وأساله عن الحبر
والورق والقصب الى آخر ما يتعلق بشؤون هذا الفن الجميل والتراث العزيز الجليل.
وكان رحمه الله يرحب بذلك، ويجيب على اسئلتي. ويمثل لها بالتوضيح امامي ولا ازال احتفظ بمجموعة طيبة من خطوطه رحمه الله.
ثم اشتغلت معه خطاطا في مديرية المساحة العامة ببغداد خلال سنة 1957-1958 وكنت التقي معه يوميا. واكتب عنده ويصلح لي ولاخواني الخطاطين بالمساحة وكانت شعبة الترسيم في المساحة عبارة
عن مدرسة للخط بوجوده رحمه الله.
وكذلك اخذت عنه في معهد الفنون الجميلة. وكانت دروسه رحمه الله عبارة عن ندوة فنية رائعة، تنعقد كل يوم.
وانعم الله علي بصداقة متينة واخوة وطيدة معه رحمه الله دامت عشرين عاما. كنت خلالها اعب من فيض فنونه ودرايته وخبرته.
اصدر المرحوم هاشم مجموعة من خط (الرقعة) اقرتها وزارة المعارف (التربية) سنة 1946م، كما أصدر مجموعته الرائعة (قواعد الخط العربي) سنة 1961م وهي ارقى مجموعة للخطوط العربية ظهرت حتى
الآن في العراق ومصر والشام وتركيا وايران.
ومن آثاره المهمة، التي كان يعتز بها كثيرا (مصحف الاوقاف)
الذي طبعته مديرية المساحة العامة ببغداد لاول مرة سنة 1370هـ باشرافه. ثم طبعه ديوان الوقف في المانيا سنة 1386هـ باشرافه ايضا. وطبعة ثالثة في المانيا سنة 1391هـ وقد بقي رحمه
الله في المانيا سنتين او اكثر للاشراف على طبع المصحف. وقد قام بتذهيبه وترقيم آياته وكتابة عناوين السور والاحزاب والاجزاء والسجدات. كما صنع له زخرفة رائعة (لفاتحة الكتاب واول
سورة البقرة). وقد انتشرت الزخرفة في اوروبا انتشارا هائلا وعرضت في البيوت والمخازن والقاعات. والمصحف المذكور من خط المرحوم الخطاط التركي محمد امين الرشدي كتب سنة 1236هـ، وقد
اهدته والدة السلطان عبد العزيز الى جامع الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي رضي الله عنه.
ومن آثاره السطور في جامع العسافي بالاعظمية وجامع صالح افندي (نفس السطور) وجامع حسيبة الباجه جي في الكرادة الشرقية.
والسطر الرائع الذي كتبه في جامع الامام الاعظم سنة1364هـ بالثلث
سلوه تضرعا وادعوه خفية وبعد استرحموا لابي حنيفة
وكذلك كتب سطور جامع عبد الله لطفي في السليمانية، وسطور جامع عادلة خاتون بالصرافية وسطور جامع الشاوي وسطور جامع سعد بن ابي وقاص مجاور المتحف بالكرخ. وسطور جامع الوزير ببغداد وباب
جامع عثمان افندي وسطر جامع الازبك (بالكوفي) ونفسه في جامع 14 رمضان.
وسطور جامع الشهداء في ام الطبول ومنارة جامع علي افندي. وسطور جامع الاورفه لي ببغداد، وباب جامع المرادية ببغداد.
ومن اروع آثاره السطر المطل على شارع الرشيد في جامع الحيدرخانة وهو بالثلث المحقق. وقد وقف طويلا ينظر اليه عند عودته من المانيا. ومعه نخبة من تلاميذه. وهو يبين له خصائص ومزايا
الخط المحقق.
وكذلك سطوره في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني، في غاية الفخامة والعظمة في حسن التركيب والتداخل بين الحروف. ومن اعظم آثاره اللوحة الكائنة في ظاهرة جامع 14 رمضان من جهة القبلة
والمطلة على حدائق الجامع، وقد صب رحمه الله عصارة فنه وخلاصة اتقانه في سطور جامع المرحوم المحسن الحاج عبد الوهاب النبيه ببغداد.
كما صلح سطر جامع الامام الاعظم في الطارمة (سورة الفاتحة) وهو بخط المرحوم عبد الجبار خان زادة الشيخلي البغدادي.
الى عشرات الجوامع والمدارس والربط في كافة انحاء العراق. زين واجهاتها وطرز محاريبها وقبابها بخطوطه الرائعة الزاهية.
ومن روائع آثار المرحوم هاشم الزخرفة المثبتة في الدينار العراقي الصادر عن المصرف الوطني والدينار العراقي الصادر عن البنك المركزي العراقي، مع العلم انه كتب العملة (التونسية)
و(المغربية) و (الليبية) و (السودانية) اضافة الى المسكوكات العراقية المعدنية الصادرة سنة 1948م و 1959م وهذا ما يدل على ذيوع شهرته في الوطن العربي كله ومركزه الفني وسمعته.
كما كان المرحوم هاشم خبيرا ترجع اليه المحاكم في فحص الخطوط والتواقيع.
ومكتب الاستاذ هاشم كالروضة الغناء انتشرت الورود بارجائها.
فهو مزين بلوحاته الرائعة النفيسة المذهبة والمطعمة ذات الاطر البهية. بالاضافة الى لوحات بعض كبار الخطاطين العثمانيين، الذين يعتز بهم ويعتبرهم المثل الاعلى في الخط العربي.
وقد عرض في مكتبه بعض (الحلي) ـ جمع حلية ـ بخطه وبخط الاتراك القدماء.
والحلية هي لوحة تتضمن كتابة صفة النبي صلى الله عليه واله وسلم كما وصفه الامام علي رضي الله عنه. يتبارى الخطاطون باجادتها والتفنن بتراكيبها وتصميمها والابداع في رصف سطورها،
وتحقيق حروفها.
والحلية عند الخطاطين كالمعلقة عند الشعراء، كما انها المقياس الذي يحاسب عليه الخطاط ولا يحاسب على سواه، ويوجه له المدح والقدح بسببها. ويهيبها الخطاطون. ولا يقدم على كتابتها منهم
الا من آنس من نفسه الكفاءة واللياقة. بحيث يستطيع ان يضيف جمالا وحسنا في تركيبه وان يتحاشى التقليد لمن سبقه الا في حدود ضيقة يضطر اليها الخطاط اضطرارا ولا يملك لنفسه او لقلمه
فكاكا منها.
وقد كتب المرحوم هاشم اكثر من عشر حليات مذهبة ومزخرفة ببراعة تامة. وقد بعثها الى استانبول لتذهيبها. هناك من قبل عظماء المذهبين الاتراك.
ومكتبته في بيته تحتوي على نماذج قيمة لروائع الخطاطين. وفيها مجاميع اصلية باقلام كبار الخطاطين القدماء والمعاصرين الى اعداد كبيرة من اللوحات المطبوعة والمصورة عدا المجاميع
والكراريس والكتب التي تبحث في تاريخ الخط العربي واصوله وآدابه. كما زين بيته بسطور زاهية على الجدران. وكان على صلة دائمة بخطاطي مصر والشام وتركيا وايران.
وعند سفري الى الحج سنة 1963 زودني المرحوم هاشم برسالة الى الاستاذ (احمد ضياء الدين المدني) في المدينة المنورة واوصاني بالاتصال به، للاطلاع على المخطوطات الموجودة في المدينة
المنورة، وشراء ما استطيع منها بأي ثمن كان ويكون الشراء باسم هاشم وهو يحول المبلغ الى هناك. وقد اتصلت بالاستاذ المدني وفرح برسالة هاشم وقام بالواجب واطلعني على كثير من المخطوطات
التركية لدى بعض الاتراك والمجاورين في المدينة. واغلبها مطبوع ومصور وكنت قد رأيت بعضا منها لدى المرحوم هاشم قبل السفر. ثم زرا (الشيخ مصطفى نجاة الدين) وهو رجل تركي فاضل مجاور
للنبي صلى الله عليه واله وسلم وهو صاحب (حدائق الخطوط) وهي سلسلة خطية طبعها في الشام. فاطلعني على مجاميع ضخمة (درج) لكبار الخطاطين الاتراك، مذهبة ومزخرفة في غاية الحسن والجمال
والتنسيق. ومنها ما يمتد الى اربعة قرون او يزيد. وكان الشيخ يعتز بها كثيرا وهو غير مستعد لبيعها. فاتفقت معه على تصويرها.
وقد جلبت منها خمس عشرة صورة الى الاستاذ هاشم عند عودتي من الحج. كما ارسل الاستاذ المدني بعد ذلك مجموعات مصورة كبيرة الى الاستاذ هاشم، وكانت بينهما مراسلة ومودة.
كما زودني رحمه الله بنسخة من كراسة قواعد الخط العربي موقعة بقلمه هدية الى الشيخ محمد طاهر الكردي المكي الخطاط، ونسخة اخرى موقعة الى الحاج محمد بدوي الديراني الخطاط الشهير في
دمشق، وقد سلمتها الى الحاج بدوي عند انتهاء الحج وزيارتي لدمشق.
كما سافر رحمه الله في آب سنة 1963م الى القدس الشريف، واطلع على خطوط (شفيق) الخطاط التركي في قبة الصخرة وصورها لنفسه. وكان رحمه الله ينوي السفر الى مكة المكرمة والمدينة المنورة
ليطلع على خطوط المرحوم (الحاج عبد الله افندي الزهدي) الخطاط التركي الشهير. الا ان اعماله الكثيرة كانت ترهقه ووقته ضيق بالنسبة لآماله وخططه ومشاريعه.
وعند عودته من المانيا حيث اشرف على انجاز طبع المصحف
الشريف، كأروع ما يكون اخراجا وتذهيبا وتزويقا وعناية، فقد حياه الشيخ جلال الحنفي بقصيدة مقصورة رائعة بعنوان (تحية الى عميد الخط العربي)
قال فيها:
ما جل في الابداع عن وصف اللغى |
لك في النفائس هاشم بن محمد |
امسيت فيه وانت اشأى من شأى |
حييت فيك بدائع الخط الذي |
ولأنت في ايامها رأد الضحى |
فلأنت في ليل الفنون لفرقد |
كانت لها في كل سمع قد وعى |
جددت في بغداد سالف سمعة |
فيها لاسباب الحضارة والعلى |
ايام ديوان الخلافة جامع |
يزهى بذوق فيك غض المجتنى |
يزهى بك الخط الانيق وانما |
انجم يبيت الليل مؤتلق السنا
|
الفا على القرطاس ليس كمثله |
في الحرف حيث سواك قد ضل الصوى |
ولقد هديت الى الجمال وسره |
كالمدنف العاني الذي الف السرى |
وغدوت فيه اخا هوى واخا جوى |
بلغت مدى ناهيك عنه من مدى |
في كل ما خطت يمينك آية |
حليتها بحلى حلت بين الحلى |
اذ باركتك مساجد ومصاحف |
عما انتهيت لاوجه من منتهى |
ارئيس هذا الفن غير مدافع |
بسواك تزهر زهرها عطر الشذا |
بك أزهرت دوح الفنون ولم تكن |
ابدا لطوع يديك تنسخ ما تشا |
لم تنب منك يراعة اذ انها |
من خير ما حاز امرؤ من مقتنى |
قلم ابن مقلة قد قنيت وانه |
بك احرف فرقيت اعظم مرتقى |
والى علي بن الهلال تحرفت |
في الفن ذياك الامام المقتدى |
فالبث بحرفك وهو حرف منتقى |
لقد كان المرحوم هاشم وفيا لاصدقائه الخطاطين، وهو على صلة دائمة بهم. مراسلة وزيارة.
وكان يتهادى معهم الحبر والورق والاقلام. ومن وفائه رحمه الله، انه سافر الى الشام بعد وفاة المرحوم الحاج محمد بدوي الديراني، وزاره في قبره ودعا له. ثم كتب لوحة بالمرمر في دمشق
وحفرت على نفقته ووضعها شاهدا على قبر زميله الحاج بدوي.
وكان يبعث برسائل الى الحاج محمد بدوي ويكتبها بالخط الديواني الجميل، وقد رأيت واحدة منها كتبها في المساحة العامة سنة 1957م اعتنى بها عناية خاصة واخرجها اجمل وابهى من تلك الرسائل
التي كان يكتبها باسم الملك فيصل الثاني ويحملها السفراء الى الملوك والرؤساء.
وكذلك كان يبعث برسائله الى الخطاط الشيخ حسن المعروف (بزرين خط) شيخ خطاطي ايران. ويكتبها المرحوم هاشم بالتعليق (الفارسي) فيثير اعجابه وتقديره. وقد زرت الشيخ حسن في طهران في صيف
1966م ولما اخبرته انني من تلاميذ هاشم. قام الشيخ حسن واقفا عند ذكر هاشم، ووضع يديه على صدره وقال: (هاشم استاذ قدير).
ومن وفائه رحمه الله لتلاميذه من خطاطي بغداد المعاصرين، انه كان يكتب البطاقات الشخصية (الكارت) باسمائهم ويطبعها على نفقته ويهديها لهم، ويكتب لبعثهم حتى عناوين مكاتبهم، كما كان
يكتب لهم ما يصعب ويستعصي عليهم من العبارات والتراكيب، ويفرح بذلك. واحيانا يداعب تلاميذه فيكتب لهم اللحة الا حرفا واحدا، ويطلب اليهم كتابته، فتكون اللوحة مشوهة عوراء.
وكان يود لو يواصل تلاميذه الكتابة عليه ويتفرغون لها. ولكن اكثر تلاميذه موظفون، ولهم مكاتب للخط بعد الدوام تدفعهم اليها حاجتهم. فلم يتمكنوا من الاستمرار والمثابرة.
وتلاميذه كثيرون منهم الاساتذة الخطاطون
مهدي الجبوري وصادق الدوري والرائد غالب صبري الخطاط والدكتور سلمان ابراهيم الخطاط والحاج صابر الاعظمي وكريم حسين وعدنان الشيخلي وخالد حسين وعصام
الصعب و اخيه عبد الهادي وفوزي الخطاط وصلاح شيرزاد ومحمد حسن البلداوي، وثابت منير الراوي وعبد الغني عبد العزيز وخطاب الراوي وكاتب هذه السطور الى عشرات الخطاطين الناشئين وعشاق فن
الخط العربي.
الا ان التلميذ الوحيد الذي رافقه بحماس واندفاع، وواصل الكتابة والتمرن عليه، بامعان وفهم ودراية واخلاص، هو الخطاط الاستاذ عبد الغني عبد العزيز.
وقد نال شرف الاجازة منه. وهي الاجازة الوحيدة اليتيمة التي منحها الاستاذ هاشم الى تلميذه النجيب عبد الغني، وهو اهل لها، وقد نالها بجدارة وكفاءة. ونرجو ان يكون خليفة للفقيد من
بعده. وان يفتح الله عليه كما فتح على استاذه هاشم. فيحفظ لنا هذا التراث العزيز. ان الاستاذ هاشم لما سافر الى المانيا سنة 1385هـ خلف تلميذه عبد الغني في مكتبه. وعند عودته من
المانيا، اجازه وذلك سنة 1387هـ.
وعند سفرته الاخيرة سنة 1391هـ خلف في مكتبه تلميذه النجيب الاستاذ صادق الدوري.
وفي ليلة الاثنين 27 ربيع الاول 1939 هـ الموافق 30 نيسان 1973م بعد منتصف الليل احس الاستاذ هاشم بالم في قلبه. ونقله اهله مباشرة الى مستشفى الخيال، وماهي الا لحظات حتى اسلم روحه
الى بارئها.
وقد شيع صباح يوم الاثنين وقد ام المصلين عليه المقرئ الشيخ معتوق محمود الاعظمي امام جامع ابي حنيفة. ودفن في مقبرة الخيزران التاريخية بجوار الامام الشيخ ابي بكر الشبلي الصوفي
الزاهد الشهير.
ولم يعلم بموته رحمه الله اكثر الناس. فلم يحضر الجنازة الا قليل منهم، وقد ذكرنا ونحن نشيعه بجمع قليل الامامين الكبيرين ابي بكر بن دريد وابي هاشم الجبائي، حيث شيعا في يوم مطير ولم
يسمع بموتهما اغلب طلابهما.