فى ذكرى الدكتور سندرسن
باشا
د.سعد الفتال
سندرسن باشا هو من اهم شخصيات القرن العشرين في العراق خاصه فى المجال الطبى.
وعند سرد تاريخ الطب الحديث لابد ان يذكر دوره المتميز فهو احد مؤسسى اول كليه الطب فى العراق وأول عميد لها حيث اصبحت بجهوده كليه
مرموقه ومتطوره فى فتره قياسيه وجعلها على غرار الكليات العريقه من حيث المناهج والتدريس والشهره بالاضافه الى كونه طبيبا خاصا للملك فيصل الاول
والعائله المالكه آنذاك ومستشارا طبيا ولد الدكتور سندرسن باشا فى سنه من عائله اسكتلنديه عريقه ظهر فيها العديد من الاطباء ,درس وتخرج من جامعه
ادنبره سنه
1891
ومع بدايه الحرب العالميه الاولى
1914 التحق مباشره فى الخدمه العسكريه حيث خدم فى الجيش البريطانى برتبه ميجر فى البحريه على ظهر الباخره
سانت اندرو وهى اصلا باخره للنقل ثم طورت الى مستشفى للاغراض الحربيه وقد قضى حوالى خمس سنين بالاضافه الى عدد من البواخر ولذلك كان يكنى نفسه
السندباد فى كثير من رسائله الشخصيه.
وفى سنه 1918وصل مدينه البصره
على ظهر الباخره مينيتوكا وأنتقل الى العمل مع القوات البريه البريطانيه وقد لعب دورا هاما فى تاريخ
العراق الطبى والسياسى حتى تقاعده فى سنه 1946 .وفى بدايه عمله فى العراق عين مساعدا اداريا فى القسم الطبى المدنى الملحق بدائره الامور الطبيه
العسكريه البريطانيه ولكن رغبته فى العمل الطبى كانت سببا فى انتدابه الى مدينه الحله لتنظيم حمله ضد وباء مرض الطاعون وقد ذكر فى مذكراته ان الدكتور
كامبل وهو ايضا من خريجى جامعه ادنبره قد أنشا المقر الصحى اثناء وجوده فى مدينه الحله,بعدها قرر الدكتور سندرسن اعتزال العمل الادارى فى الجيش
البريطانى والاستمرار فى خدمه اهالى مدينه الحله واصبح رئيس لصحه مدينه الحله ,واثناء خدمته هناك انتقل الى بيت كبير كان عائدا الى موظف تركى سابقا
واتخذه مستشفى محلى وقد اشتمل الطاقم الصحى على مساعد جراح هندي اسمه سيكال سنغ وصيدلى وأستحدثت غرفه للعمليات فى زاويه من فنار الدار وأحيطت بها
حصران من القصب.ومن خلال عمله فى الحله تعلم اللغه العربيه وابدى الدكتور سندرسن اهتماما بالطفيليات مثل الانكلستوما والديدان المعويه التى
كانت منتشره بين الفلاحين وقدم بحثا فى اجتماع الجمعيه الطبيه البغداديه.عاد الى بغداد وعين مدير مستشفى العزل لمقاومه وباء الجدرى.
فى سنه 1920 تزوج من الزى مون غافن حيث كانت تعمل معه كممرضه
معه.عاد الى بلاده المملكه المتحده لاكمال دراسته حيث حصل على شهاده دبلوم فى الامراض المتوطنه من جامعه لندن وبعدها قدم اطروحته فى موضوع الطفيليات
والانكلستوما وحصل على شهاده الدكتوراه في الطب من جامعه ادنبره بألاضافه الى شهاده عضويه كليه الاطباء الملكيه من جامعه ادنبره ولتكريمه لخدماته فى
المجال الطبى منح شهاده الزماله من نفس الجامعه.وبعد رجوعه للعراق عين اولا في مصلحه السكك الحديديه ثم انتقل الى المستشفى العام الجديد وبعدها الى
المستشفى الملكى اى المجيديه وفى نفس الوقت فتح عياده خاصه فى شارع النهر قرب اوروزدى باك حيث فاقت شهرته كاول طبيب أجنبى حاصل على شهادات عليا فى
الطب بين الاوساط الشعبيه وذلك لمهارته المهنيه. وبعد ان اثبت جدارته فى العمل اصبح طبيب الملك فيصل الاول الخاص وطبيب العائله المالكه المؤتمن
بعد الدكتور أمين معلوف.
وهو الذى قام بتشخيص
التهاب الزائده الدوديه عند الملك فيصل الاول حيث قام الدكتور الجراح أبراهام باجراء العمليه فى غرفه فى القصر الملكى آنذاك . وقد ادرك حاجه البلاد
الى عدد كبير من الاطباء وذلك لكثره الامراض وعدم وجود الوعى الصحى بين الاهالى ولذلك كان من اشد المتحمسين لفكره انشاء كليه طبيه في العراق وله
الفضل فى اقناع الملك فيصل الاول والمسؤولين الكبار لتأسيس الكليه وحاجه العراق الماسه اليها,وفى سنه 1926 قرر العوده مع زوجته آلزى الى بريطانيا
وأخبر كلا من الملك فيصل والمندوب البريطاني السير هنرى دوبس حول نيته وبعدها قام بزياره مديريه الصحه العامه وأخبر الدكتور هالينان الذى عليه
بالبقاء فى العراق وثم استدعى الدكتور حنا خياط الذى اكد له بان موضوع تاسيس الكليه قد تمت الموافقه عليه وانه من اقوى المرشحين لعماده الكليه
الطبيه,ولكنه قدم الى بريطانيا لقضاء اجازته وفى خلال هذه الاثناء تلقى خبر تعيينه عميدا لكليه الطب فى بغداد.
لم تكن المهمه بالبسيطه حيث لاتوجد بنايه خاصه للكليه ولا توجد برامج للتدريس
ولا حتى مدرسين بالاضافه الى معارضه بعض الجهات المسؤوله والطبيه لفكره الكليه الا انه تمكن وبجهوده المستمره فى الوصول الى غايته فى تاسيس الكليه
وتذليل كل الصعاب التى واجهت المراحل الاولى والنجاح فى تأسيس الكليه وكيانها.
لقد تم اختيار بقعه من الارض مجاوره للمستشفى الملكى تابعه لمديريه الاوقاف العامه لغرض بناء الكليه مقابل مبلغ مع
بدل ايجار سنوى قدره عشره بالمائه من كلفه البناء حيث تعاون مع المهندسين المعماريين لوضع مخطط لبنايه الكليه وما تحتويها من قاعات ومختبرات ومتاحف
ولكن المهندس الئيسى المسؤول كان المهندس المعماري البريطانى الجنسيه الميجر ولسن والذى كان يشغل مدير الاشغال العامه .وفى بدايه الامر اى ما بين سنه
1927 وسنه 1930 استخدم الردهتين العاشره والحاديه عشره من المستشفى الملكى كمكان
مؤقت للكليه
وقد تقدم ثمانين طالبا وتم قبول عشرين منهم فقط وكانت شروط القبول هى ان يكون من خريجي المدارس
الثانويه حيث كان العدد قليل جدا والمدرسين وكذلك موظفى الدوله وقد تم البدء فى الدوام الرسمى فى الكليه فى الثانى من شهر تشرين الثانى 1927 واستمر
الدوام على هذه الحاله حتى اكمال البنايه والافتتاح الرسمى للكليه فى 4-4-1930 تحت رعايه الملك فيصل الاول حيث كان يوما بهيجا حضره رئيس الوزراء عبد
المحسن السعدون والوزراء والمندوب البريطاني وكان الملك فيصل الاول يرتدى الزى العربى وعلى انغام الموسيقى العسكريه. وقد القى فيها العميد الدكتور
سندرسن كلمه استعرض ماتم انجازه من الامال والمستقبل الباهر الذى ينتظر الكليه . لقد نجح تماما فى استخدام الامكانيات البسيطه فى البدء بانشاء
الكليه حيث لاتوجد بنايه مخصصه لها وقله الاستاذه فى مختلف الاختصاصات وقد كان بارعا فى منح الكليه استقلال حال دون تدخل المسؤولين فى وزاره المعارف
فى شؤونها مثل التدريس والقبول والامتحانات حيث استغل نفوذه وبصوره صحيحه وناجحه عند الملك فيصل الاول والمسؤولين لتحقيق النتائج المرجوه لفائده
الكليه ومنتسيبها وطلابها.
عين استاذا للطب الباطنى وبدأ بالتدريس
منذ البدايه لطلبه الصف الثالث والرابع
فى الكليه الطبيه وكذلك رئيس الوحده الباطنيه الاولى فى المستشفى الملكى واستمر فى التدريس حتى تقاعده فى سنه 1946,وفى السنين الاولى قام كذلك
بتدريس ماده الفسيولوجى لطلبه الصف الثانى لعدم وجود الكادر المتخصص. كان يلقى المحاضرات من دفتر مكتوب ومنقول من عده كتب طبيه اهمها كتاب برايس للطب
الباطنى حيث اصابته عوامل القدم والتمزق تدريجا وكان يرتدى الروب الجامعى الاسود اثناء القاءه المحاضرات.لقد احرزت الكليه سمعه طيبه بين الاهالى
والمسؤولين حيث انه نجح فى ارساء تقاليد سارت عليها الكليه لسنوات طويله حيث كان حازما فى اداره الكليه وصارما فى تطبيق نظامها والتقيد بالسلوك
الجامعى والذى ينص بمنع الطلاب من الاضراب والاشتغال بالسياسه والى عدم الطعن فى المعتقدات والاديان ولم يسمح بالمحسوبيه فى التدخل فى اداره شؤون
الكليه والطلبه,كذلك اكتسبت الكليه سمعه طيبه ومرموقه اقليميا ودوليا. كذلك كان يدعوالطلاب بالاهتمام بالمظهر الخارجى والالتزام بالقيافه اللائقه
والتحلى بالاخلاق الرفيعه خاصه فى التعامل مع المرضى واحترامهم,ومن الجدير بالذكر بان زوجته الزى هى التى صممت درع الكليه,والزى الموحد بالاضافه الى
رباط العنق وقد تمت الموافقه عليه بسرعه واستمر فى استعماله لعدة سنوات والتى عندها مثل هذه القابليه لابد ان تكون لها موهبه فنيه لعمل كل هذه
التصاميم.
والدرع يتالف من خطين يلتقيان فى خط واحد يمثلان نهر دجله والفرات والتقائهما فى شط العرب مع ثور مجنح
على كل جهه يرمزان الى تاريخ العراق الحضارى وفى الاعلى كتاب مفتوح الذى يدل على بدايه الكتابه فى العراق وعلى الكتاب حيه ملتفه عليه حيث تمثل
العلاج بالادويه والعقاقير حيث كان سم الحيه يستعمل كعلاج لبعض الامراض وقد اضيف التاج الملكى فى اعلى الدرع بعد صدور الاراده الملكيه باضافه كلمه
الملكيه الى الكليه الطبيه.وبالنسبه الى اللباس الموحدالذى يشمل ستره زرقاء اللون وعلى صدرها الايسر شعار الكليه المذهب وكذلك سروال او تنوره رماديه
اللون مع ربطه عنق زرقاء اللون موحده بين الطلاب والطالبات.وكان العميد سندرسن باشا يؤكد الاهتمام باللياقه لتميزيهم عن بقيه الطلبه. كذلك كان يشجع
الطلبه على ممارسه الرياضه والمنافسه بينهم وأسس ملعب للتنس وكتب عليه قطعه العقل السليم فى الجسم السليم وقد اهتم كذلك بلعبه الطائره والسله
وعلى ارضيه الكليه وكانت زوجته الزى فى نهايه كل موسم للرياضه ترعى المبارة النهائيه وتوزع الجوائز والكؤوس للفائزين. وفى بدايه السنه الاولى كان
ينظم حفله شاي فى بيته المجاور للكليه ودار التمريض الخاص حيث يقوم هو وزوجته بضيافه طلاب الصف الاول وبعض طلاب الصفوف المنتهيه يقدم فيها الشاى
وبعض المعجنات ويتم خلالها تعارف لطلاب وتبادل الخبرات فيما بينهم .
وقد اتخذ العميد سندرسن بيتا قريب من الكليه ويقع
خلف دار التمريض الخاص القديم حيث اختار المكان المناسب لبناء البيت والمحاط بحديقه واسعه تضم مجموعه من النخيل ولذلك اسمى الدار النخل,وفى احداث
حركه 1941 أتخذها العقيد صلاح الدين الصباغ مقرا لقيادة الجيش وقد اتخذتها وزاره الصحه دارا للمرضات البريطانيات وأخيرا اتخذت مديريه للصحه العامه
وبعدها ازيلت البنايه لاكمال توسيعات مدينه الطب. حصل العميد سندرسن على لقب الباشا لمساعدته فى نقل الشريف حسين والد كلا من الامير عبد الله حاكم
الاردن والملك فيصل الاول حيث كان الشريف مصابا بجلطه دماغيه مما اقعده فى الفراش وقد كان منفيا فى قبرص وبعدها نقل الى عمان الاردن وقد كرم الامير
عبد الله الدكتور سندرسن بمنحه وسام الاستقلال ولقب الباشا .
أستمرت العماده الاولى من ايلول 1927 حتى ايلول 1934 وجاء بعده الدكتور حنا خياط فى العماده الثانيه من ايلول 1934
الى مايس 1936 حيث عين الدكتور أحمد قدرى عميدا للكليه وهو الثالث من مايس 1936 الى تشرين الاول 1937والعميد الرابع الاستاذ الدكتور هاشم الوترى من
تشرين الثانى 1937 الى كانون الثانى 1939 بعدها عين الاستاذ الدكتور صائب شوكت بمنصب العميد من ايلول 1939 الى حزيران 1941,وقد استلم الدكتور سندرسن
باشا العماده مره ثانيه ما بين كانون الاول 1942 ومايس 1946.وفى هذه الفتره كانت احداث الحرب العالميه الثانيه لازالت جاريه حيث كثر انشغاله فى
الامور السياسيه خاصه علاقته بالسفاره البريطانيه كمستشار والبلاط الملكى كطبيب للعائله المالكه ولذلك كان اهتمامه بالتدريس قليلا وقد اولى
سكرتيرالعماده السيد فرج عبد الاحد اداره شؤون الكليه الطبيه.
لقد ساعد على تدريب الاطباء العراقيين المتميزين من الجيل الاول امثال الدكتور ناجى مراد والدكتور ابراهيم الحيالى
والدكتور عبد الجبار العمارى والدكتور محمود الجليلى. وفى سنه 1945/1946 طلب من الحكومه العراقيه رسميا عدم تجديد عقده حيث غادر العراق بعد اجرائه
الامتحانات النهائيه فى سنه1946 وقد اقامت عماده الكليه الطبيه والهيئه التدريسيه حفله توديعيه على شرفه فى فندق ريجينت بالاس مساء يوم 24/5/1946
وتحت رعايه رئيس الوزراء السيد حمدى الباججى حضرها الساده الوزراء واستاذه الكليه وزوجاتهم مع بعض الطلبه وقد القى الاستاذ هاشم الوترى كلمه اثنى
فيها على الجهود التى بذلها فى انشاء وخدمه الكليه.
كذلك شارك فى الحفل الدكتوره ملك غنام
والدكتور ناجى مراد والذى كان مساعده فى الردهه السابعه وقد تم شرب نخبه والدعوه الى مستقبل تملؤه السعاده والصحه والنجاح للجميع وقدمت له الدكتوره
ملك غنام وهى اول طبيبه عراقيه تخرجت من الكليه الطبيه العراقيه هديه الكليه الطبيه وهى عباره عن قفه مصنوعه من الفضه الخالصه ومطعمه بالمينا
تثمينا لما قدمه من خدمه للكليه الطبيه.وقد القى الاستاذ سندرسن باشا كلمه قال فيها انه فخور بكونه الاب المؤسس لعماده الكليه الطبيه في العراق
واردف قائلا بانه يشعر باطمئنان البال بانجاز مافكرت به وهو تخريج ما لايقل عن 500طبيب عراقى ومما قاله بان طبيب يدعى ابن سينا ذهب سنه 930 والان ابن
سندر سيذهب غدا,بعدها غادر العراق مع حاشيه الملك فيصل الثانى حيث كان طبيبه الخاص لعلاجه من نوبات الربو الصدريه . لقد عمل خلال سنين خدمته
كطبيب,استاذ وعميدا للكليه مرتين بالاضافه الى كونه مستشارا طبيا لعده مؤسسات صحيه فقد كان مفتشا للصحه العامه ومستشار وزاره الشؤون الاجتماعيه وكذلك
المستشار السياسى للسفاره البريطانيه والطبيب المؤتمن عند العائله المالكه . لقد وضع الكليه على المسار الصحيح من اداره وتدريس ونظام واختيار الطلبه
والاستاذه وبذلك نجح فى اقامه صرح طبى وعلمى متميز فى داخل العراق وكذلك اقليميا ودوليا حيث ساعد على تدريب اطباء اكفاء لايزال البلد يفتخر بهم. بعد
عودته الى بريطانيا استقر فى مقاطعه سوسكس وكان فى بيته ساقيه وضع فيها القفه العراقيه التاريخيه وفى البدايه حضر عدة اجتماعات حول العراق خاصه بعد
احداث ثورة 14 تموز 1958 .
وفى سنه 1967 توفيت زوجته
آلزى ولقد ذكر بان لهم طفلين قد توفيا صغارا ولم يكن من يرثهما, وفى السنوات الاخيره من عمره دأب على تاليف كتاب سماه عشرة الاف ليله وليله وهى
تقريبا الفتره التى قضاها فى العراق حيث سرد فيها الكثير من الامور السياسيه والاداريه والقليل من الامور الطبيه وقد نشر الكتاب فى سنه 1973 وقدمت له
الرحاله الشرقيه فريا ستارك. توفى الاستاذ الدكتور سندرسن باشا فى 20/11/1974 عن عمر يناهز 83 سنه حيث ترك بيته الى جمعيه خيريه للاطفال وذلك فى ذكرى
اولاده الصغار وقد جرت مراسيم تعزيه فى احدى الكنائس فى20/1/1975