المسكوت عنه
في سيرة عمر بن الخطاب
في الفكر السني
عناوين للمقال البحثي
الدولة الاسلامية لا يمكن ان تكون غازية محتلة بالقوة لبلاد الاخرين .
عدل عمر تمتع به المسلمون الاحرار فقط ، دون مواطني البلاد المفتوحة .
دولة عمر حين أشرفت علي العالم تعاملت بمنطق العالم وقتها ، منطق الجاهلية والعصور الوسطي وليس منطق الدولة الاسلامية .
كل سلبيات الامويين والعباسيين وحتي العثمانيين بدأت جذورها في دولة عمر .
عمر بن الخطاب : بيانات البطاقة الشخصية والعائلة
اللقب : الفاروق
الكنية : ابو حفص
الاسم بالكامل : عمر بن الخطاب بن عبد العزي بن رباح بن عبد الله بن قرط بن زراح بن عدي بن كعب .
اسم الام : حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم .
اسماء الزوجات والابناء :
1. زينب بنت مطعون : انجبت له عبد الله وعبد الرحمن وحفصة .
2. ام كلثوم بنت جرول : انجبت زيدا الاصغر وعبيد الله .
3. ام كلثوم بنت علي بن ابي طالب وفاطمة بنت الرسول : انجبت زيدا الاكبر ورقية .
4. جميلة بنت ثابت : انجبت عاصم .
5. ام ولد ( جارية ) اسمها لهية : انجبت له عبد الرحمن الاوسط .
6. ام ولد ( جارية ) اسمها فكيهة : انجبت له زينب .
7. ام ولد ( مجهولة الاسم ) انجبت له عبد الرحمن الاصغر .
8. ام حكيم بنت الحارث . انجبت فاطمة .
9. عائكة بنت زيد بن عمر : انجبت له عياض .
تاريخ الميلاد : قبل حرب الفجار بأربع سنين ، وبعد الفيل بثلاث عشرة سنة .
تاريخ اسلامه : في السنة السادسة من النبوة ، وكان عمره ستا وعشرين سنة .
تاريخ تولية الخلافة : يوم الثلاثاء ، 22 جمادى الاخرة سنة 13 .
تاريخ موته : اغتيل صباح الاربعاء 26 ذو الحجة
23 وقيل صباح الاحد اول المحرم سنة 24 .
مدة ولايته : عشر سنين وخمسة اشهر واحدي وعشرون ليلة .
صورته الشخصية : ابيص تعلوه حمرة ، ضخم جسيم ، اعسر ايسر ، اصلع ، ثم تحول لونه الي السواد بسبب جوعه الاختياري لمواساة المسلمين العرب في مجاعة الرمادة .
اهم القضايا في سيرة عمر : المسكوت عنه في تاريخ عمر
مقدمة : في اعتقادنا انه ليس في الاسلام ايمان بشخص ، انما
الايمان بالوحي الذي يصير به النبي مرسلا . وعمر بن الخطاب شخصية تاريخية انسانية ، فيها كل ما في الانسان من ضعف وقوة ، وظلم وعدل ، الا ان التأريخ لعمر وقع بين طرفي نقيض ، فالشيعة لم
يتركوا فيه منقبة حسنة ، بل ملأوا سيرته سبا وذما ، والسنة جعلوه ملاكا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، واتفق الشيعة والسنة معا علي خلق شخصية لعمر من خيالاتهم الشخصية بعيدة
عن التصور الانساني ، وضاعت الشخصية الانسانية الحقيقية لعمر بين هؤلاء وهؤلاء ، ونحاول في هذه الورقة المتعجلة ان نتوقف مع اقدم روايات اهل السنة عن عمر لنخرج منها بالجانب الاخر لتكون
الصورة متوازنة ، مع تأكيدنا علي ان الحقائق التاريخية حقائق نسبية يجوز فيها الصدق والكذب ، وبهذا فهي تختلف عن حقائق القرآن التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، ولأن عمر
ليس من حقائق القرآن وانما هو من حقائق التاريخ ، فكل ما يقال عنه يخرج عن دائرة الايمان ويدخل في دائرة البحث التاريخي .
فتعالوا بنا الي المسكوت عنه في تاريخ عمر مما كتبه مؤرخو السنة .
1. يقول ابن سعد في الطبقات الكبري ان عمر كان يأمر الولاة بأن يوافوه في موسم الحج ، ثم
يخطب في العرب المسلمين فيقول ( ايها الناس اني لم ابعث عمالي عليكم ليصيبوا من ابشاركم " أي اجسادكم" ولا من اموالكم ، وانما بعثتهم ليحجزوا بينكم وليقسموا فيئكم بينكم ، فمن فعل به غير
ذلك فليقم ) فقام رجل فقال ان الوالي فلان ضربني مائة سوط ، فأمر عمر ان يضرب ذلك الوالي مائة سوط ، فتوسط عمرو بن العاص حتي ارضوا الرجل الشاكي بأن دفع له الوالي مائتي دينار بدلا من ان
يضربه الرجل مائة سوط .( الطبقات الكبري 3/211[ .الواضح في الخبر هو ان عمر كان يتحري العدل بين العرب في الامصار المختلفة المفتوحة ، لا فارق بين جندي وقائد ، وهذا شئ جميل.
ولكن المسكوت عنه انه اذا كان الظلم يحدث بين العرب المسلمين بحيث يضرب احدهم الاخر مائة سوط ظلما ، فماذا كانوا يفعلون مع الغلابة ابناء البلاد المفتوحة ؟. اذا
حاولت ان تجد الاجابة .. يقال لك : اسكت هس !!
ومشهورة قصة المصري مع ابن عمرو بن العاص ، حين تسابقا فسبقه المصري ، فاغتاظ ابن عمرو ، فضرب المصري قائلا : كيف تسبق ابن الاكرمين ، فجاء المصري الي المدينة وشكي ابن عمرو واباه
، فأمر عمر بأن يضرب المصري ابن عمرو، وقال لعمرو : ( متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا) . وقد اصبحت تلك المقولة من مآثر عمر ، واصبحت مثلا من الامثال الدالة علي المساواة
والعدل .
وهذا كلام جميل ، وان لم ترد هذه القصة في اقدم المصادر التاريخية الموثقة ، ولكن مع افتراض صحتها ، فأن ذلك المصري الفارس الماهر كان من ابناء الاكابر ، لذلك لم يحتمل الاهانة وسافر علي
نفقته وتحدث بالعربية شاكيا ، او ربما وجد له مترجما ووجد بأمواله من يساعده للوصول الي الخليفة في المدينة ليطلب منه حقه .. فما بالك بملايين المصريين وقتها ( كان عدد المصريين حينئذ
يزيد عن عشرة ملايين [ .
المسكوت عنه هنا هو ملايين الآهات في الريف المصري الناطقة باللغة القبطية ، والتي لا تستطيع التفاهم مع عمر ، ولا تستطيع ان تصل له ، والتي لم يأبه بها احد .
فاذا حاولت ان تعرف حجم الظلم الذي تعرض له اجدادانا المصريون في الدلتا والصعيد في عصر عمر والذي تجاهله الرواة ، يقال لك : اسكت .. هس !!.
وحدثت مجاعة الرمادة في الجزيرة العربية فاستغاث عمر بوالي مصر عمرو بن العاص وكتب له يقول
( من عبد الله امير المؤمنين الي العاصي بن العاصي .. سلام عليك ..، اما بعد فتراني هالكا ومن قبلي ، وتعيش انت ومن قبلك ، فياغوثاه .. ثلاثا[.
وسرعان ما كتب له عمرو ] : لأبعثن لك بعير اولها عندك واخرها عندي [ فبعث له بالطريق البري الف بعير بالدقيق والمؤن ، وبعث له بالطريق البحري عشرين سفينة محملة بالغذاء .
والمسكوت عنه هنا .. كيف تم الاسراع بجمع كل هذه الاغذية من المصريين في
الدلتا والصعيد ..هل بالتبرع عن طيب خاطر .. ام بالمصادرة والضرب ؟ .. اذا حاولت ان تعرف الاجابة قيل لك .. اسكت .. هس !!
ويروي الاحنف في مناقب عمر:] : كنا جلوسا بباب عمر فمرت جارية فقالوا : سرية امير المؤمنين
( أي محظيته ) فقالت الجارية : ماهي لأمير المؤمنين بسرية وما تحل له ، انها من مال الله ، فقلنا فماذا يحل له من مال الله ؟ فما هو قدر الا ان قد بلغت ، وجاء الرسول فدعانا ، فأتيناه ،
فقال ، ماذا قلتم ؟ ( فأخبروه ) فقال : انا اخبركم بما استحل منه : يحل لي حلتان ، حلة في الشتاء وحلة في القيظ ، وما احج عليه واعتمر ، وقوتي وقوت اهلي كقوت رجل من قريش ، ليس بأغناهم
ولا بأفقرهم )( طبقات ابن سعد 3/ 197 .[الواضح هنا عدل عمر في انه لا يميز نفسه عن باقي المسلمين ..
ولكن المسكوت عنه هو حكاية الجارية التي جئ بها ظلما من اهلها الاحرار في البلاد المفتوحة ، واصبحت سلعة تباع وتشتري ، او حسب قولهم وقولها ( من مال الله ) . فاذا
حاولت ان تجد توضيحا قيل لك : اسكت … هس !!
ويقول ابن سعد ان عمر كان لا يأذن للسبي من الاسري من الرجال بدخول المدينة . واستأذن المغيرة بن شعبة حتي سمح عمر بأن يأتي للمدينة ابو لؤلؤة فيروز المجوسي ، وكان من سبي نهاوند
، ويقول عنه ابن سعد ( كان خبيثا ، اذا نظر الي السبي الصغار يأتي فيمسح رؤوسهم ويقول ان العرب اكلت كبدي ..) وفي النهاية قتل عمر انتقاما .
والمسكوت عنه هم هؤلاء الالوف من الصبية والاطفال او الذراري الذين سباهم العرب المسلمون من اهاليهم من ايران والرافدين ومصر ، وفرقوا بينهم وبين اهاليهم وجعلوهم
رقيقا بدون ذنب جنوه هم واهاليهم .. وهل يصح هذا في عدالة الاسلام .. اذا تحدثت تطلب المزيد من المعلومات ، ولم تجد شيئا عنهم وعن آلامهم قيل لك .. اسكت .. هس !!
حسنا .. نحن لن نسكت … ولن نهس !!
سنبحث الموضوع المسكوت عنه .. ليس طلبا للموضوعية العلمية فقط ، ولكن لتوضيح الرؤية الاسلامية القائمة علي القسط والعدل .. ولأن من بين اولئك المظاليم اجدادنا المصريين ، ونكاد
نتحسس صراخهم بين روايات تاريخنا الاسلامي ، تلك الروايات التي تدور دائما حول الحاكم وتترك المظاليم .. و اذا كان الله تعالي يتسامح مع المظلوم اذا رفع صوته جاهرا بالسب واللعن ، بل ان
الله تعالي يحب ذلك ، ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم : النساء 148 ) فكيف صادر اولئك المؤرخون حق اجدادنا في الصراخ .. انحيازا منهم للظالم ؟؟!!
تعالوا بنا الي بداية الموضوع :ماهو حكم الاسلام في الفتوحات الاسلامية ؟
هل الفتوحات العربية في عصر الراشدين تتفق مع تشريعات القرآن للدولة الاسلامية ؟
ان هذه الفتوحات كانت رد فعل لهجوم المرتدين علي المدينة في اول خلافة ابي بكر ، وقد هزمهم ، ثم طارد المرتدين الاخرين الي ان وصل الي اطراف الجزيرة العربية حيث تخوم
الامبراطوريتين الفارسية والرومية . وبعد اخضاع المرتدين اراد ان يتخلص من شوكتهم الحربية بتصديرها الي الهجوم علي ممالك وولايات الامبراطوريتين ،و هكذا بدأت الفتوحات أو الغزوات ،
والويل فيها للمغلوب دولة او شعبا . وكان الشعار المرفوع وقتها لتسويغ الفتوحات هو تخييرهم بين واحدة من ثلاث : اما الاسلام واما الجزية واما الحرب ، وهذا التخيير من جيش يقتحم حدود
الاخرين متأهبا للهجوم عليهم لا يعني سوي اجبارهم علي الاسلام او دفع الجزية مع الذلة والعبودية او الدخول في حرب مع عسكر ( يحبون الموت كما يحب اولئك الناس الحياة ) .. وبذلك اكتسب
الجهاد عند المسلمين معني جديدا يخالف معناه القرآني الذي كانت عليه دولة الاسلام في عصر النبي عليه السلام .
فالجهاد ان تضحي بالمال والنفس دفاعا عن عقيدتك وعن حرية العقيدة لك وللاخرين ، و ليس بأن تقتحم علي الاخرين بلادهم لتجبرهم علي الاسلام والا فالجزية ، والا فالحرب . ان ما كتبوه في سيرة
النبي يؤكد علي الطبيعة الدفاعية للغزوات مع كثرة الاكاذيب في الروايات ، والتي تختلف عن حديث القرآن عن غزوات النبي (ص) ، ثم ان هذه الفتوحات تتناقض تماما مع القرآن في تشريعاته وقصصه .
ان تشريعات الجهاد في الاسلام تبدأ بالكلمة والموعظة القرآنية ، أي الجهاد بالقرآن ( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا : الفرقان 52 ) ويقترن ذلك
بتحمل الاذي . و الطرد ومصادرة المال والهجرة . ثم يضطر المسلمون للدفاع عن انفسهم مخافة الاستئصال ضد عدو يطاردهم حتي بعد هجرتهم ، وحتي لا تنهدم بيوت العبادة لكل المؤمنين من صوامع
لليهود وبيع للنصاري وصلوات لكل صاحب عقيدة ، ومساجد للمسلمين ( الحج 40 ) وفي كل الاحوال فتشريعات القتال في الدولة الاسلامية تدور بين اوامر تشريعية تخضع لقواعد تشريعية ، فالاوامر هي
( قاتلوا ) والقواعد التشريعية هي ( في سبيل الله ) بمعني ان يكون القتال دفاعيا فقط او قتال اولئك الذين يقاتلونكم وبدون اعتداء عليهم ، يقول الله تعالي ( وقاتلوا
في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ) .. ( فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم ، واتقوا الله : البقرة 190 ،
194 ) .أي ان المسلمين حين يعتدون علي من لم يعتد عليهم فانهم لم يتقوا الله .!!
وذلك العدو المعتدي اذا هزمته الدولة الاسلامية فمن حقها ان تجبره علي دفع غرامة حربية هي الجزية ، وذلك عرف مألوف في تاريخ العصور الوسطي ، وفي التاريخ الحديث والمعاصر ، ولنتذكر ما حدث
لألمانيا بعد الحربين العالميتين ، وما حدث مع صدام حسين ، ومن حقها ايضا ان تحصل منه علي غنائم تركها في ميدان المعركة ، ولكن ليس من حقها ان تحتل ارضه لأن
آية الجزية ( التوبة 29 ) بما فيها من اوامر انما تخضع للقواعد التشريعية والمقاصد التشريعية التي تؤكد علي القسط والعدل ، ومعني ان الدولة المعتدية تعطي الجزية بعد هزيمتها أي انها تظل
قائمة علي ارضها وشعبها ومواردها دون ان يحتلها المسلمون ، بالضبط كما حدث حين دفع الروم البيزنطيون الجزية للدولة الاموية والعباسية والعكس ، في اطار الحروب وما تداولوه من نصر وهزيمة ،
وكل من الدولتين كانت في موقعها وعلي حدودها .
ولكن كل ذلك كله يخالف ما جري في الفتوحات العربية في عهد عمر ، لأن عمر بعد ان اسقط الدولة الفارسية فرض علي اهلها الجزية وفرض علي ارضها الخراج ، وهؤلاء الناس ( الغلابة ) لم يحاربوا
احدا ، بل ان الدولة الفارسية نفسها لم تعلن الحرب علي الدولة العربية ، ولم تقتحم الجزيرة العربية ، بل العكس هو ما حدث ، فالعرب المسلمون هم الذين اقتحموا علي الفرس دارهم ، وبعد ان
هزموا الجيوش في مواقع متعددة داخل بلادها ، سلبوا كنوز الفرس في كل مدينة ، واسترقوا الذرية من النساء والاطفال فيما بينهم ، ثم بعدها فرضوا علي المساكين اهل البلاد المفتوحة جزية علي
الرءوس ، ثم ضريبة علي الارض ، ولا يتفق ذلك مع تشريعات القرآن بكل تاكيد .
وما حدث في مصر كان افظع ..
فالفرس كانوا اصحاب الملك ، وكانوا احدي أقوي قوتين في العالم ، لذلك حاربوا دفاعا عن النفس ، اما المصريون فقد كان البيزنطيون يحتلون ارضهم ويضطهدونهم في دينهم ، لذلك عاونوا
العرب في فتح بلادهم نكاية في الروم ، واسهب المقريزي في توضيح انواع المساعدة التي قدمها المصريون لجيش عمرو الضئيل منذ ان نزل الفرما الي ان فتحوا له ابواب الاسكندرية خلسة .. ومع ذلك
كافأهم عمر وعمرو بفرض الجزية عليهم ، وحين ترفق عمرو في تحصيل الجزية من المصريين عزله عمر بن الخطاب وعين مكانه عبد الله بن ابي السرج الذي ارهق المصريين بخراج اكثر وجزية اكبر ، وقال
عمر بن الخطاب لعمرو يعايره ( ان اللقحة – أي الناقة – قد درت بأكثر من درها الاول ) يعني ان البقرة الحلوب قد زاد ايرادها بعد عزل عمرو عنها ، فقال عمرو لعمر ( لأنكم اضررتم بالفصيل )
أي لأنكم اضررتم بولدها ، أي اكلتم حقوق ابنائها واجعتم المصريين .. وهذه هي نظرة عمر وعمرو لمصر والمصريين .. انهم مجرد ماشية !!
لقد اتسعت الفتوحات العربية في عهد عمر فيما بين ( 14 : 23 هـ ) لتمتد فيما بين اصفهان في شرق ايران الي طرابلس ليبيا ، ففي سنة 14 كانت فتوحات دمشق وحمص وبعلبك
وموضع البصرة وهي الابلة ، وفي سنة 15 تمت فتوحات الاردن وانتصر العرب علي الروم في اليرموك ، وعلي الفرس في القادسية ، وفي سنة 16 تمت فتوحات الاهواز والمدائن والانتصار في جلولاء
وهزيمة الامبراطور الفارسي يزدجر وهروبه ، ثم فتوحات تكريت شمال العراق ، ثم تسلم عمر بن العاص بيت المقدس ، وتمت فتوحات قنسرين وحلب وانطاكية ومنسج وسروج وقريقساء ، وفي سنة 18 تمت
فتوحات جندباسبور وجلوان و الرهاد وسميساء وحران ونصيبين والموصل والجزيرة فيما بين العراق وسوريا ،وفي سنة 19 فتوحات قيسارية ، وفي سنة 20 فتحوا مصر غربا ، وتستر في ايران ، وفي سنة 21
فتح الاسكندرية ، ثم في نهاوند في ايران ، وفتح برقة في ليبيا ، وفي سنة 22 فتح اذريبجان والدنيور وماسبذان وهمذان والري وعسكر وقومس في اواسط اسيا ، وفتح طرابلس الغرب في ليبيا .
وفي السنة التي قتل فيها عمر كان فتح كرمان وسجستان ومكران واصفهان سنة 23هـ .
وخلال هذه السنوات العشر سالت دماء مئات الالوف من الابرياء في كل تلك المناطق ظلما وعدوانا تحت اسم الاسلام والجهاد ، وتشتت مئات الالوف من العائلات والاسر فيما بين اواسط اسيا الي
ليبيا ، ونهب العرب كنوز المنطقة بعد المعارك وقسموا بينهم الذرية والنساء .
ونأخذ مثالا علي احدي المعارك التافهة ، والتي سجلها الطبري في اربع صفحات وقام بتلخيصها
ابن كثير في ثلاثة اسطر ، تحت عنون ( خبر سلمة بن قيس الاشجعي والاكراد : بعثه عمر علي سرية ووصاه بوصايا كثيرة ، فساروا فلقوا جمعا من المشركين فدعوهم الي احدى ثلاث خلال ، فأبوا ان
يقبلوا واحدة منها ، فقاتلوهم ، فقتلوا مقاتليهم ، وسبوا ذراريهم وغنموا اموالهم ، ثم بعث سلمة رسولا الي عمر بالفتح والغنائم ) ( تاريخ ابن كثير 7/ 133 ، التفاصيل في تاريخ الطبري 4/
186 : 190 ) لم تكن للاكراد دولة ، ولم تكن لهم علاقة بالعرب من أي نوع . وكل ما هنالك انهم فوجئوا بجيش لا يعرفون لغته يقتحم عليهم ديارهم ، فدافعوا عن وطنهم واموالهم واعراضهم ،
فانهزموا ، وبعد ان قتل العرب ] مقاتليهم ) اخذوا النساء والاولاد والبنات سبيا ، واخذوا الاموال ، وكالعادة بعثوا بالخمس الي عمر ، واقتسموا فيما بينهم الاربعة اخماس من الغنائم المالية
والبشرية . وتخيل نفسك تعيش في قرية ثم فوجئتم بجيش يهزم المدافعين عن القرية ، ثم يستبيح بيوت القرية ويستحل الدماء والاعراض والاموال ويصل الي بيتك ، يأخذ اموالك
، ويأخذ امك وزوجتك واختك وبناتك واولادك ، وقد يقتلك اذا قاومت ، فاذا استسلمت يفرض عليك جزية بحجة انه يحميك !! ثم يفرض ضرائب علي بيتك ، وارضك وانتاجك ، ثم تكون بعدها مواطنا من
الدرجة الثانية ، وذلك تحت لافتة انك اهل ذمة النبي ، والنبي عليه السلام لم يشهد هذه الفتوحات ، ولم يكن يعلم الغيب حتي يعرف ما سيحدث بعده ويضع له تشريعا ، ناهيك ان النبي لا يملك
التشريع ، وانما يتلقي التشريع ، و الا ما كان الله تعالي يقول له ( يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك[.
وسلب الاموال وسبي الذرية لم يكن قاصرا علي البلاد التي يختار اهلها الحرب دفاعا عن انفسهم ، فقد كان يلحق السلب والنهب بالبلاد التي تختار الصلح والجزية ، يقول ابن كثير ( وساق القعقاع
الي حلوان فتسلمها ، ودخلها المسلمون ، فغنموا وسبوا واقاموا بها ، وضربوا الجزية علي من حولها بعد ما دعوا الي الاسلام فأبوا الا الجزية : تاريخ ابن كثير 7/ 71 ) أي تسلموها بدون حرب ،
ولكن علي ان تدفع الجزية ، ومع ذلك فقد سلبوا وسبوا واخذوا الجزية !! . أي ان الهدف الاساسي هو السلب والنهي والاسترقاق بحرب او بدونها . وهذا يذكرنا بتلك المقولة
التي نسبوها لعمر ( متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ) ونري انها رواية كاذبة ..لأن الواقع انهم استبعدوا الاحرار
وفي تاريخ الطبري مئات الصفحات عن القتل والسلب والسبي ، نقتطف هذه الاسطر التي يحكيها احد الجنود العرب وهو " محفز" الذي شارك في موقعة جلولاء سنة 16 هـ ، في ايران ، يقول ( ودخلوا
المدائن ، ولقد اصبت بها تمثالا لو قسم في بكر بن وائل لسد منهم مسدا ، عليه جوهر فأديته ) أي سلمه للجيش .. الي ان يقول ( فاذا امرأة كالغزال في حسن الشمس فأخذتها وثيابها ، فأديت
الثياب ، وطلبت في الجارية حتي صارت لي ، فاتخذتها ام ولد : الطبري [4/ 26 : 27 ) ويذكر الطبري عن غنائم العرب بعد فتح المدائن ما يفوق الخيال ، من الذهب والجواهر وكنوز كسري وعرشه ، حتي
كانوا يجدون بعض البيوت مليئة بالذهب والجواهر ، وجمعوا اطنانا من عطر الكافور وحسبوه ملحا فخلطوه بالطعام فأصبح شديد المرارة ( تاريخ الطبري 3/19 :20 ، تاريخ ابن كثير 7/ 66 : 67 [
ونعود اليك ونطلب منك ان تتخيل نفسك شاهدا محايدا ، تري جيشا يستبيح مدينة آمنة في وطنها لم تعتد مطلقا علي هذا الجيش الذي يعتدي عليها ، ثم الدماء هنا وهناك ،
وبعدها استباحة البيوت وتجميع الاموال في كومة كبيرة ، وتجميع النساء والاطفال والفتيات في صفوف اخري ، ثم يقسم المال اخماسا ، يبعثون بالخمس الي الخليفة ، ويفرقون الاربعة اخماس بين
المقاتلين ، بالعدل والقسطاس ، ثم يلتفتون الي النساء والاطفال ، فيأخذون منهم الاربعة اخماس يفرقونه علي افراد الجيش ، ثم يبعثون بالخمس الباقي منها الي المدينة مع تنفيذ وصية الخليفة
عمر الي امراء الجيوش ، بألا يبعثوا الي المدينة الا بالصبية الصغار . وتخيل ما تسمعه من صرخات الامهات وعويل الاطفال حين تتشتت الاسرة الواحدة ، بين رجال قتلي امام بيوتهم حين
كانوا يدافعون عن انفسهم ، وزوجة قد اخذها فلان ، واخت امتلكها علان ، وصبي صغير يبكي وقد بعثوا به الي المدينة ، واخت له استحسنها القائد فاستأثر بها لنفسه . وما تتخيله هو ما حدث فعلا
وتردد بين سطور التاريخ في الفتوحات . ودين الله تعالي القائم علي القسط والعدل والسلم يأبي ذلك .
ونعود الي ابن سعد وهو يقول عن عمر ( وضع الخراج علي الاراضين ، والجزية علي جماجم اهل
الذمة فيما فتح من البلدان ، ووضع علي الغني ثمانية واربعين درهما ، وعلي الوسط اربعة وعشرين درهما ، وعلي الفقير اثني عشر درهما ، وقال : لا يعوز " أي لا يرهق" رجل منهم " أي الفقراء"
درهم في الشهر : الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 202 ) .
وتأمل نبرة الاحتقار في صياغة الخبر في قوله ( وضع الجزية علي جماجم اهل الذمة ) أي الجزية علي الرءوس كالانعام ، مع ان الجزية في شريعة القرآن الكريم هي
مجرد غرامة تدفعها دولة معتدية مهزومة جزاء عدوانها ، ولا توضع الجزية علي الافراد المساكين في بلاد احتلها العرب وعاملوا اهلها بالظلم والاحتقار . ثم انهم فرضوا الجزية علي الجميع ، حتي
الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم ، الا ان عمر يري انه ليس من الارهاق عليه ان يدفع درهما كل شهر .اما الغني والمتوسط الذي يملك ارضا او حانوتا فأنه يدفع خراجا او ضريبة بالاضافة الي
الجزية .وهذا بعد ان سلب العرب ثروة البلاد المنقولة واسترقوا افضل من فيها من نساء وذرية ، وقتلوا الشباب الابي الذي حاول الدفاع عن ارضه وعرضه .
والمحصلة النهائية ان الفقراء المعدمين في البلاد المفتوحة كانت تؤخذ منهم الاموال لاثرياء العرب الذين تكدست لديهم الاموال من الغنائم والخراج والجزية . ذلك ان كل
كنوز وثروات الفرس والمصريين وثروات وكنوز الروم التي تركوها في الشام ومصر ، كل ذلك سلبه العرب في الفتوحات ، واقتسموه فيما بينهم ، فأصبحوا وقتها اثرى اثرياء العالم ، ومع ذلك
لم يتورعوا عن اخذ الجزية حتي من الفقراء المعدمين لتصب في جيوب اولئك الاثرياء المتخمين بالكنوز . وذلك ليس مجرد تخمين ولكنه استنتاج لما جاء في تاريخ ابن سعد عن عمر ، فأبو هريرة جاء
لعمر بخمسمائة الف درهم فوزعه علي الناس ، وجاء الي عمر كل من عثمان وابن عباس فأعطاهما مالا كثيرا ، يقول ابن عباس معبرا عن كثرة ذلك المال (اما عثمان فحثا ، واما انا فجثيت لركبتي ) أي
كانوا يعبئون المال بكل ما يستطيعون ، وفي موقف اخر يقول ابن عباس ( دعاني عمر بن الخطاب فأتيته فاذا بين يديه نطع عليه الذهب منثور حثا ، قال : هلم فاقسم هذا بين قومك ) وبعث عمر الي ام
المؤمنين زينب بنت جحش بكومة ذهب ، فلما رأتها فزعت منها واستترت منها ، ثم القت عليها ثوبا ، وقالت لخادمتها ( اقبضي منه واذهبي به الي بني فلان ، وما زالت توزعه حتي نفذ ) ، واستمر عمر
يوزع هذه الكنوز والاموال وهو يقول : لأزيدنهم ما زاد المال ، لأعدنه لهم عدا ، فأن اعياني لأكيلنه لهم كيلا ، فأن اعياني حثوته بغير حساب ) ويقول في موقف اخر ] واني لأرجو ان اكيل لهم
المال بالصاع ) : ( الطبقات الكبري لابن سعد 3 / 207 ، 215 :[ 218 ) أي ان الذهب اصبح لديهم اكواما يوزعه عمر كما يوزع القمح والشعير ، بينما يأخذون الجزية والضريبة من فقراء مصر والعراق
والشام وفارس ، وهم – أي الفقراء- مستحقون للزكاة اصلا في شريعة الاسلام التي تنهي عن اكتناز الذهب والفضة ، فضلا عن سلبها من اصحابها ظلما وعدوانا .
ومن الغريب ان شرع الله تعالي يوجب الزكاة علي المسلمين لتذهب للفقراء والمساكين وبقية
المستحقين المذكورين في الاية 60 من سورة التوبة ، واولئك المستحقون يستحقون الصدقة بالوصف وليس بالدين او الجنسية والعنصر ، أي يكفي ان يكون فقيرا او مسكينا او غارما ليأخذ الزكاة ،
سواء كان مسلما او غير مسلم ، عربيا او غير عربي ، ولكن الفتوحات العربية وسياسة عمر اوجدت تشريعا اخر كان فيه الفقراء هم الذين يدفعون الاموال لمن يكنزون الذهب و الفضة والجوهر بالسلب
والنهب والظلم .
ومنذ ان جاءت الاموال لعمر انشأ الديوان حرصا منه علي توزيعها بالعدل علي العرب المسلمين
سنويا ، بحيث كان لا يبقي منه شيئا للعام التالي وبدأ انشاء الديوان في محرم سنة 20هـ بتسجيل اسماء جميع العرب وفرض مرتبات لهم حسب قواعد معينة ، وتراوح المرتب السنوي لكل عربي مسلم فيما
بين خمسة الاف لأهل بدر الي اثنتي عشر الف لأمهات المؤمنين ، ثم الفين الي ثلاثة الاف للباقين . وكان يفرض للوليد الرضيع العربي مائة درهم فاذا ترعرع فرض له مائتين ، وبسبب غياب الرجال
في الغزو ، فقد تكاثر اللقطاء في الجزيرة العربية ، فاضطر عمر ان يفرض للقيط مائة درهم ، ويجعل رضاعته ونفقته علي بيت المال ، وكان من قبل لا يفرض للوليد حتي يفطم، فسمع بكاء طفل عربي
فسأل امه فعرف انها تريد ان تفطمه قبل الاوان ، فبكى وقال : يا بؤسا لعمر .. كم قتل من اولاد المسلمين ، وامر بأن ينادى ( لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فأنا نفرض لكل مولود في الاسلام
عطاءا [ .
وشمل عمر برعايته كل العرب ، ليصلهم المال مهما تباعدوا ، فقال ( والله لأن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو في مكانه ) والتفت بعين الرعاية الي سفلة العرب ومجرميهم
ليجعل لهم حظا من هذا المال ، فقال ( لئن بقيت لأجعل عطاء لسفلة الناس الفين ) وهكذا لم يدع احدا من العرب الا فرض له مرتبا من الرضيع الي البعيد الي السافل . ( طبقات ابن سعد 3/ 212 ،
216 ، 219 [ .
هذا العدل الرائع حرمه عمر علي غير العرب من الفقراء و النساء والاطفال ، اذ كانت تتعالي صرخات اطفال السبي في المدينة بالقرب منه دون ان يشعر بهم ، وهو يعلم ان
اهلهم قد تعرضوا للقتل والسبي والاسترقاق ، وان ذلك الطفل قد فرقوا بينه وبين امه كما فرقوا بين الاب وابنائه والزوجة وزوجها والاخ واخوته ، وبينهم وبين اوطانهم .
تعصب عمر للعرب والمسلمين
ان الواضح في سيرة عمر انه كان لا يري غير العرب المسلمين وغير الجزيرة العربية ، لذلك اخرج
اليهود من الحجاز واخرج النصارى من نجران ، واسكن اليهود في الشام واسكن النصاري في الكوفة ،ومنع الرجال من سبي البلاد المفتوحة من دخول الجزيرة العربية ، حتي تكون الجزيرة خالصة للعرب .
ثم قام بتمهيد الطريق بين مكة و المدينة واقام فيه محطات للمؤن لاستضافة المسافرين ، وحين اصيب العرب بمجاعة عام الرمادة بلغ من شفقته بهم انه امتنع عن اكل اللحم والسمن ومعاشرة زوجاته ،
أي اجاع نفسه باختياره ، حتي تحول لونه الي السواد .
وهذا التطرف في العدل والشفقة بالعرب ، يقابله تطرف اخر من عمر في
ظلم المساكين من ابناء البلاد المفتوحة بلا ذنب جنوه ، وكان الاولي بعدل عمر ان يتسع ليشمل كل الفقراء والجوعي ، خصوصا ضحاياه من اهل البلاد المفتوحة ، ولكن عمر - الذي ما ترك
الجزيرة العربية بعد الاسلام الا مرة واحدة – لم يكن يعتبر نفسه خليفة مسئولا الا عن العرب المسلمين وحدهم ، ويتردد هذا في أقواله ، فهو القائل ( لا يسألني الله عن ركوب المسلمين البحر
ابدا ) أي يخاف عليهم من ركوب البحر ، ولذلك كانت وصيته الاخيرة تقول :] اوصيكم بكتاب الله فأنكم لن تضلوا ما اتبعتموه ، و اوصيكم بالمهاجرين .. واوصيكم بالانصار ، واوصيكم بالاعراب ..
فأنهم اصلكم ومادتكم .. وفي رواية ، فأنهم اصل العرب ومادة الاسلام ، واوصيكم باهل الذمة فأنهم ذمة نبيكم وارزاق عيالكم .. : طبقات ابن سعد 3/ 243 ") فالأعراب الذين وصفهم القرآن بأنهم
(اشد كفرا ونفاقا [ يجعلهم عمر اصل العرب ومادة الاسلام . ويجعل اهل البلاد المفتوحة اهل ذمة للنبي عليه السلام ، مع ان النبي لم يرهم ولم يكن يعرف ماذا سيحدث معهم لأنه عليه السلام لا
يعلم الغيب . ويري عمر ان وظيفة اهل الذمة هي ان يكونوا بقرة حلوبا لرزق عيال العرب ولهذا يوصي بهم ، أي كما يوصي الرجل ولده بالعناية ببقرته التي يقوم عليها رزقه .
ووصلت عناية عمر بأفراد الجيش الي درجة هائلة يحس بها من يقرأ وصاياه الي قادة الجيش ، فقد
كتب الي حذيفة: ] ان اعطي الناس اعطيتهم وارزاقهم ) فكتب له حذيفة ( ان قد فعلنا وبقي شئ كثير ) فكتب له عمر ( انه فيؤهم الذي افاء الله عليهم ، ليس هو لعمر ولا لآل عمر ، اقسمه بينهم [
. ووضع عمر قواعد للتجنيد تقوم بها رعاية العرب المسلمين ، فالافضلية للتجنيد للاعزب عن المتزوج ، و للفارس عن الراجل أي المترجل . وكان يجعل لهم اجازات ، وكان ينهى ان يحمل الغازي معه
ذريته الي الحرب ، أي كان يخشى علي ذرية العربية ويحتفظ بها ويحافظ عليها داخل الجزيرة العربية . وفي نفس الوقت لا يؤرقه ان تمتلئ طرقات المدينة بصبيان السبي ، وكلهم اطفال ايتام فقدوا
آباءهم بالقتل او بالاسر ، أو بالاسترقاق وتباعدت بينهم وبين وطنهم واهلهم المسافات فيما بين المدينة وفارس او مصر او الشام او العراق .
وامتدت عناية عمر لتشمل نساء المقاتلين الغزاة، واثناء طوافه الليلي بالمدينة سمع امرأة تنشد شعرا:
تطاول هذا الليل تسري كواكبه وارقني ، الا ضجيع الاعبه
فسأل عنها عمر فعرف ان زوجها غائب في الغزو منذ عدة اشهر ، فكتب الي امراء الجيش الا يغيب
زوج عن اهله اكثر من اربعة اشهر ، وجاءته شكوى بالبريد تتهم ( جعدة بن سليم ) بأنه يدخل علي نسائهم وهم في الغزو ، فاستدعاه ، وضربه مائة جلدة بدون اثبات او بينة ونهاه ان] يدخل علي
امرأة مغيبة ) أي غاب عنها زوجها في الغزو . ونفى نصر بن حجاج بدون ذنب ، لمجرد ان امرأة عشقته ، اذ كان يمر ليلا فسمع امرأة تقول :
هل من سبيل الي خمر فأشربها ام هل سبيل الي نصر بن حجاج
فأصبح عمر فاستدعي نصر بن حجاج فرآه وسيما جميلا ، فنفاه الي البصرة خوفا علي نساء
المقاتلين من جماله . واسترق عمر السمع الي نسوة يتحدثن فسمعهن يقلن ان اصبح ( اجمل ) رجال المدينة هو ابو ذئب ، فاستدعاه عمر فاذا هو اجمل الناس ، فقال له ( انت والله ذئبهن ) ونفاه الي
البصرة حيث نفي ابن عمه نصر بن حجاج من قبل .
هذا مع ان اولئك الغزاة كانوا يتمتعون في البلاد المفتوحة بالسبايا الحسناوات من فارس و العرlق و الشام مصر .وما كان يحدث من انتهاك لأعراضهن تحت شعار السبي ، لا
يؤرق ابدا- عمر.
انهم دائما يمدحون عمر بقوله ( لو ان دابة عثرت علي الفرات لخشيت ان يسألني الله عنها لماذا لم تمهد لها الطريق ؟ ) ويتخذون من ذلك دليلا علي اهتمام عمر بالبلاد المفتوحة بأرضها
وناسها ، ويتناسون ان عمر لم يمهد طرقا في البلاد المفتوحة .
واصل الرواية كما جاء في طبقات ابن سعد – اقدم مصدر تاريخي – هو قول عمر ( لو مات جمل ضياعا
علي شط الفرات لخشيت ان يسألني الله عنه )( طبقات ابن سعد 3/ 220 ) ، أي ان عمر يهتم بالجمل العربي حتي ولو كان في العراق ، ومبعث ذلك اهتمامه الاساسي بالعير ، أي ابل الصدقة والغزو ،
لذلك ذكر ابن سعد مقالة عمر السالفة ضمن اخبار اخرى عن عناية عمر بأبل الصدقة وابل الجهاد ، حتي انه كان يحمل علي ثلاثين الف بعير سنويا للجهاد ، وقد جعل لها اماكن محمية ، أي نزع
ملكيتها لترعى فيها تلك الابل وهي مناطق الربذة والشرف . وقد احتج اعرابي ، فقال لعمر ( يا امير المؤمنين بلادنا ، قاتلنا عليها في الجاهلية ، واسلمنا عليها في الاسلام ، ثم تحمي علينا )
أي تمنع عنا نرعى فيها ، يقول الراوي ( فجعل عمر ينفخ ويفتل شاربه ) وكان يفعل ذلك اذا حمي غضبه ..أي بعد ان عمل للأعراب كل ما عمل يأتي هذا الاعرابي فيحتج عليه في امر تافه كهذا .
وكان عمر يصلح بنفسه ادوات الابل المعينة للجهاد ، يصلح براذعها واقتابها . وليته اعطى بعض هذا الاهتمام الي ابناء البلاد المفتوحة .. ليته عاملهم كما عامل حيوانات
العرب …
تشريع السبي باسترقاق الاحرار
لقد نزل القرآن بحقوق الانسان ، الا ان خرق هذه الحقوق بدأ في عصر عمر الذي اعاد تشريع
السبي والاسترقاق من خلال الفتوحات ، ثم جاء تراث المسلمين ليقيم تشريعا يجيز هذا وذاك ، ونقول ان الجاهلية هي التي عرفت تشريع السبي والاسترقاق ضمن ما تعارف عليه العصور الوسطي ، ثم جاء
الاسلام فأبطل ذلك ، الا ان عمر بفتوحاته اعاد عادات الجاهلية حين كانت تستحل الاموال والاعراض في الغارات المتبادلة بين القبائل ، ولم يكن عيبا سبي النساء العربيات وتداولهن بين ايدي
الغزاة حسب الاكثر قوة ، وكان فارس الجاهلية اثناء ظهور الاسلام هو عمرو بن معدي يكرب اشهر من سبي السبايا في الجاهلية ، ثم اسلم ثم ارتد ثم عاد الي الاسلام ، وعاد معه طليحة بن خويلد
الذي ادعي النبوة في حركة الردة ثم عاد الي الاسلام ، وقد بعث عمر بطليحة بن خويلد وعمر بن معدي يكرب للمشاركة في فتوحات فارس وليمارسا نفس ما كانا يفعلان في الجاهلية ، ويذكر المسعودي
في مروج الذهب ( 1/ 538 : 541 ) ان عمر بن معدي يكرب روي لعمر بن الخطاب مآثره في سبي النساء في الجاهلية وكيف لم يفلح في سبي زوجة الشاب ربيعة بن مكدم الذي غلبه في المبارزة واضطره
للهرب من امامه .وبنفس العقلية توجه عمر بن معدي يكرب للفتوحات يقتل ويسلب ويسبي . وذكر ابن حجر بلاءه في الفتوحات في ( الاصابة 3/ 18 )وبعد ان اصبح الاسترقاق والسبي والاستحلال شريعة
لدي المسلمين في الفتوحات في تعاملهم في البلاد المفتوحة ، انتقل هذا داخل المسلمين في الحروب الاهلية بينهم ، حتي ان قتلة عثمان قد فكروا في سبي زوجته ، ثم توسع المسلمون في ذلك في
العصور الوسطي اللاحقة بنفس ما كان يحدث بين العرب في الجاهلية قبل الاسلام ، ثم جرى تدوين التراث في العصر العباسي علي اساس تشريع ذلك السبي وتسويغه بأدلة مصنوعة . ولكن يبقى كتاب الله
تعالي حكما في هذه القضية ، وبأيجاز شديد نقرر الاتي في موضوع السبي والاسترقاق :
1. لا يجوز استرقاق الاسري ، لأن الله تعالي يقول (
فشدوا الوثاق ، فأما منا بعد واما فداء ، حتي تضع الحرب اوزارها محمد 4) وفي ارض المعركة يشد وثاق الاسير وبعدها يتم باطلاق سراحه ، اما بالافتداء بالمال
وتبادل الاسري واما بالمن عليه لاطلاق سراحه بدون مقابل . وان طابت نفس الاسير بما يدفعه من مال الافتداء ، فأن الله تعالي يعده بتعويض افضل وبغفران اشمل ان كان في قلبه خير ، وان خان
الاسير المسلمين بعد اطلاق سراحه بدون مال ، فالله تعالي هو الذي يتولي عقابه ( الانفال 70 : 71 ) وبعد اطلاق سراحه يتحول الاسير الي ابن سبيل ، له حقه علي المسلمين في الصدقة والزكاة
والرعاية ، طالما يسير في بلادهم . اذن فالاسر للمقاتلين ليس من منابع الاسترقاق في شريعة الاسلام ، خصوصا وان الله تعالي يقول ( وان احد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم
ابلغه مأمنه : التوبة 6) أي ان المقاتل في الجيش المعتدي اذا استسلم مستجيرا من القتل فعلي المسلمين حمايته وايصاله سالما الي اهله بعد ان يسمعوه كلام الله تعالي ليكون حجة عليه ، واذا
كان هذا بالنسبة للمقاتلين المعتدين ، فأنه بالتالي يحرم استرقاق المسالمين الذين لا شأن لهم بالقتال اصلا وخصوصا الذرية والنساء . الا ان العصر العباسي كي يسوغ العرف السائد في السبي
والاسترقاق فقد افتري ان النبي عليه السلام قتل اسري بني قريظة و سبي ذريتهم ونساءهم ، هذا مع ان الله تعالي يقول عن معركة بني قريظة الذي نقضوا العهد وتآمروا علي المؤمنين في موقعة
الاحزاب ( وانزل الذين ظاهروهم من اهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب ، فريقا تقتلون وتأسرون فريقا واورثكم ارضهم وديارهم : الاحزاب 26 : 27 ) أي في المعركة انهزموا وقتل
المسلمين بعضهم واسروا البعض الاخر ، وعومل الاسري حسب الشرع ، وورث المسلمين ارضهم وديارهم بعد الاتفاق علي الجلاء ، وجلا يهود بني قريظة عن المدينة وهم اولئك الاسري والنساء والذرية ،
دون قتل او سبي .
2. المصدر الوحيد لوجود الرقيق في الدولة الاسلامية هو الفئ
الذي يأتي من الخارج بدون قتال ( الحشر : 6) وقد يأتي الفئ بهدية قد يكون فيها بعض الرقيق الاتي من الخارج ، كما حدث حين اهديت للنبي عليه السلام السيدة مارية القبطية فتزوجها النبي ،
وذلك معني قوله تعالي للنبي ( يا ايها النبي انا احللنا لك ازواجك اللاتي اتيت اجورهن وما ملكت يمينك مما افاء الله عليك : الاحزاب 50) وملك اليمين طبقا لتشريع القرآن يوجب علي المالك ان
يعقد زواجه علي من ملكت يمينه ويدفع لها الصداق اذا اراد الزواج بها .ولكن لا يلتزم بالعدل بينها وبين زوجته الحرة ( النساء 3، 25، الاحزاب 50[
3. وفي كل الاحوال فأن تشريعات القرآن تعمل علي تحرير ذلك
الرقيق الوافد من الخارج بعد تجفيف منابع الرق في الداخل ، وتعمل علي حسن رعايته ، وشرح ذلك يطول ، وليس موضعه هنا ، ولكن نكتفي منه بتأكيد القرآن علي حق الرقيق في ان يتساوى مع سيده في
الرزق ( النحل 71 ، الروم 28 ) لذا كان النبي يامر ان يلبس العبد مما يلبث سيده وان يأكل مما يأكل منه سيده ، أي يكونون سواء ، كما امر القرآن .
وخلافا لحث القرأن علي عتق الرقيق فأنه لم يرد في سيرة عمر مطلقا انه اعتق عبدا ، كل ما هنالك ان عمر اوصي عند موته بعتق السبي العربي ومن اسلم من السبي فقط ، قال ( انه من ادرك وفاتي من
سبي العرب من مال الله فهو حر ) واوصي ( ان يعتق من كان يصلي السجدتين من رقيق الامارة ، وان احب الوالي من بعده ان يخدموه سنتين فذلك له )( ابن سعد 2/ 264 ) والواضح ان عمر يعتبر اولئك
المساكين ملكا خاصا له يتصرف في حياتهم كيف يشاء ، مع انهم لا يستحقون السبي والاسترقاق اصلا .
وقبل موته كان عمر لا يعطي احدا من الرقيق حقه من الزكاة ، خلافا لتشريع القرآن في الامر بتحرير الرقيق العادي وعتقه ( النور 33، البلد 13 ) فكيف باسترقاق
الاحرار وظلمهم ، وقد قال عمر ( ما علي الارض مسلم لا يملكون رقبته الا له في هذا الفئ حق ) أي ان كل مسلم حر له حق في الفئ ، اما العبد حتي لو اسلم فليس له حق في الفئ ، وقال عمر ايضا (
والله الذي لا اله الا هو ، ما من الناس احد الا له في هذا المال حق .. وما احد بأحق من احد الا عبد مملوك ..)(ابن سعد 3/ 215 ، 216 ) وحدث ان قسم عمر اموال الفئ بين اهل مكة فأعطي رجلا
منهم ، فقيل له انه مملوك ، فقال : ردوه .. ردوه ، ثم قال : دعوه )(ابن سعد 3/ 218 ) أي انه في النهاية ترفق به وتركه .
وهذا الظلم الشنيع للبلاد المفتوحة نتجت عنه كوارث هي اغتيال عمر نفسه ، ثم اغتيال عثمان ودخول المسلمين في الفتنة الكبري التي لا زلنا نعيش اثارها حتي الان .
كيف ادي هذا الظلم الي اغتيال عمر ؟وكيف ادي للفتنة الكبري ؟
السبب هنا هو السبي . يقول ابن سعد ان عمر كان يكتب الي امراء الجيوش ( لا تجلبوا علينا من
العلوج احدا جرت عليه المواسي ، فلما طعنه ابو لؤلؤة قال : الم اقل لكم لا تجلبوا علينا من العلوج احدا فغلبتموني )( الطبقات الكبري 2/ 253 ) أي كان يصف ابناء البلاد المفتوحة بأنهم علوج
جمع علج ، وذلك احتقارا لهم ، وينهي عن احضار الشباب والرجال منهم الي المدينة خوفا من ان ينتقموا منه ، فكل من استعمل الموسى في حلاقة لحيته كان محرما عليه ان يأتي الي المدينة ، ولذلك
كان يتجول حاملا الدرة يضرب بها من يشاء تأديبا وهو آمن مطمئن وسط قومه ، ورآه الهرمزان وهو اسير فارسي سابق دخل في الاسلام – رأى عمر مضطجعا في المسجد – فقال : ]هذا والله الملك الهنئ
)( ابن سعد 3/ 211[
وبالطبع كان الهرمزان الامير الفارسي السابق الذي اخذ امانا من عمر – مع اسلامه – يحقد علي عمر . وجاءته الفرصة حين وفد الي المدينة اثنان من الموالي باذن خاص وهما جفينة وابو لؤلؤة
المجوسي ، كان جفينة قد اتي بتوصية من سعد بن ابي وقاص "، وكان ابو لؤلؤة قد اتي بتوصية من سيده المغيرة بن ابي شعبة .
وابو لؤلؤة المجوسي كان من سبي نهاوند اضاع العرب المسلمون بيته واسرته واطفاله ووطنه دون
ان يقدم لهم اساءة وبعد ان فقد كل شئ جئ به اسيرا الي المغيرة بن شعبة ليعمل لديه ، ثم ارسله الي المدينة ، حيث كان يؤرقه منظر الاطفال من السبي وهم يملأون طرقات المدينة ، ولعله كان
يبحث فيهم عن ملامح اطفاله واطفال عائلته ، يطوف بينهم يستمع الي بكائهم وصراخهم ويتخيل معاناتهم حين كانوا يساقون ويحشرون علي طول الطريق من بلادهم الي صحراء الجزيرة العربية حتي يصلوا
الي المدينة ،وهذه المعاناة ضمن المسكوت عنه ، ويذكر ابن سعد ان ابا لؤلؤة اعتاد ان يلتقي بأطفال السبي ، وانه حين كان يراهم يبكي ويتحسس رءوسهم ويقول ( ان العرب اكلت كبدي) ثم قتل عمر
انتقاما مما فعله بالسبي ، وحين اغتيل عمر قال ( ما كانت العرب لتقتلني ) وسأل من حوله ( عن ملأ منكم ومشورة كان هذا الذي اصابني ؟) فلما عرف ان قاتله لم يكن عربيا حمد الله . وتلك هي
النتيجة الاولي .
النتيجة الثانية لظلم البلاد المفتوحة هي اغتيال عثمان وما
تبع لك من الفتنة الكبري ، واذا كان السبي للاطفال والرجال هو السبب في قتل عمر ، فان المال الذي سلبه عمر والمسلمون من البلاد المفتوحة كان السبب في النتيجة الثانية ، وهي اغتيال عثمان
والفتنة الكبري . لقد حرص عمر علي العدل في تقسيم الاموال بين العرب المسلمين ، وجمع مع العدل الحزم في تعامله مع العرب ، ولم يكن عثمان في نفس عدل عمر او حزمه . وحتي لو كان في عدل عمر
او حزمه ، فأن ذلك المال الحرام كان بتكدسه لدي العرب سيوقع التنافس والاختلاف فيما بينهم ، وكان حتما سيؤدي بهم الي الاختلاف فالاقتتال . أي كان حتما مقتل عثمان بعد عمر ، ولعل ذلك ما
تنبأ به ابو عبيدة بن الجراح الذي مات في طاعون عمواس قبل عمر ، اذ قال ( سترون ما اقول لكم ان بقيتم ، اما هو – أي عمر – فان ولي وال بعد عمر فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به لم يطع له
الناس بذلك ، ولم يحملوه . وان ضعف عنهم قتلوه )( ابن سعد 3/ 271 [ .
وفعلا فقد تبرم العرب بحزم عمر اذ كانوا يريدون الانطلاق بالتمتع فيما امتلكوه من خزائن
الدنيا وكنوزها ، واحس عمر بذلك فكان في اواخر ايامه يدعو الله ( كبرت سني واتسعت رعيتي فأقبضني اليك [وجاء عثمان لينا هينا مع اقاربه ضعيف الشخصية ، فاتسعت عليه المشاكل وجرفته الاحداث
فقتله المسلمون واقتتلوا فيما بينهم ، وكانت الاموال المكتنزة هي اساس الخلاف ،وربما نفهم من توزيعها موقع كل منهم مع الحق او مع الباطل .
وهنا نرجع الي اشهر المصادر التاريخية في الفكر السني لنتعرف علي ثروات الصحابة التي جاءت
منذ من فتوحات عمر ، ثم تكاثرت بعده:
عثمان نفسه مع شدة كرمه وكثرة عطاياه كان له يوم مقتله ثلاثون الف
الف درهم وخمسمائة الف درهم ومائة الف دينار ، وقد نهبها الثوار الذين قتلوه ، بالاضافة الي ما قيمته مائتا الف دينار من الاصول .
الزبير ابن العوام : كان لديه 35 الف الف درهم ومائتا الف دينار ، ويقال 51 الف الف درهم او 52 الف الف درهم ، بالاضافة الي مساكن وعقارات وخطط في الفسطاط
والاسكندرية والبصرة والكوفة ، كما ترك غابة او بستانا هائلا بيع بـ الف الف وستمائة الف .
عبد الرحمن بن عوف : الذي مات سنة 32 هـ قبيل عثمان ، ترك ذهبا كانوا يقطعونه بالفئوس حتي محلت ايدي الرجال منه .
سعد ابن ابي وقاص : ترك 250 الف درهم ، ابن مسعود : توفي 32 هـ وكان من ضحايا عثمان وقد حرمه عثمان من عطائه سنتين ومع ذلك ترك 90 الف درهم .
طلحة بن عبيد الله : كان في يده خاتم من ذهب فيه ياقوته حمراء ، وكان ايراده من ارضه في العراق الف درهم يوميا او ما بين 400 الي 500 الف درهم سنويا في
رواية اخري ، وترك بعد موته الفي الف درهم ومائتي الف درهم ، و مائتي الف دينار ، وترك اصولا وعقارات بثلاثين الف الف درهم .وترك مائة بهار مليئة بالذهب في كل بهار ثلاثة قناطير او اثنين
من الارادب ، أي ترك 300 اردبا ذهبا او 200 قنطار ذهبا ( طبقات ابن سعد 3/ 53 ، 76 ، 77، 157 ) ( المسعودي مروج الذهب 1/ 544 : 545[.
عمرو بن العاص : ترك عند موته سبعين بهارا من الذهب ، أي 210 قنطارا او 140 اردبا من الذهب ، واثناء موته عرض هذه الاموال علي اولاده فرفضوا وقالوا : حتي
تعطي كل ذي حق حقه ، أي اعتبروها سحتا ، فلما مات عمرو صادر معاوية هذا المال وقال ( نحن نأخذه بما فيه ) أي بما فيه من سحت وظلم ( خطط المقريزي 1/ 140 ، 564 )
ويذكر المسعودي في مروج الذهب ( 1/ 544 ) ان زيد بن ثابت حين مات ترك من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفئوس سوي الاموال والضياع ، ومات يعلي بن امية وخلف
خمسمائة الف دينار وديونا علي الناس وعقارات تبلغ 300 الف دينار [.
وهذه مجرد امثلة لأن الثروات الاكبر لم تقترب منها الروايات التاريخية ،
مثل ثروات معاوية ومروان بن الحكم لأن ثرواتهم استغلوها في اقامة ملكهم الاموي لتتسع هذه الثروات وتكون بيت المال الذي كان ملكا للخليفة الاموي نفسه .
الا ان هذه الامثلة تثبت ان ما تم نهبه من اموال وثروات الامم المفتوحة قد تحول الي اطنان
من ذهب لدي افراد قلائل ، فمن المنتظر ان تسهم هذه الاموال في اشعال نار الفتنة بين الصحابة الذين كانوا من قبل اصدقاء مناضلين في طريق الحق ، فانتهي بهم الامر الي العداء والاقتتال ،
خصوصا وان من بين الصحابة من رفض هذا السحت وذلك الظلم ، وحاول ارجاع الامر الي ما كان عليه في عهد النبي ( ص) ونقصد به الامام علي بن ابي طالب الذي عانى في خلافته الشاقة العسيرة التي
استمرت حوالى 5 سنوات ومات قتيلا سنة 40 من الهجرة ، وكانت تركته 700 درهم فقط ويقال 600 ويقال 250 درهما ، وهذا هو الفارق بين علي و بين اصحابه الذين حاربوه دفاعا عما اكتنزوا من
الاموال الحرام .
ونعود الي عمر ونعتبره مسئولا عما حدث والذي مازلنا نعاني منه ، وقد دفع الثمن من حياته هو ومن اتي بعده خلال الفتنة الكبري التي انقسم بسببها المسلمون الي شيعة
وخوارج وغيرهم ولا يزالون مختلفين ..
ومع ان كلمة ( لو ") ليس لها محل في التاريخ ، الا اننا في احلام اليقظة نفترض انه ( لو ) اكتفي المسلمون بعد النبي بما فعله النبي عليه السلام من ارسال الكتب للحكام المجاورين
تدعوهم سلميا للاسلام وتحملهم المسئولية امام الله تعالي ، دون الفتوحات التي حملت اسم الاسلام واستهدفت حطام الدنيا واشاعت سفك الدماء وظلم الاحياء ممن تبقي من ابناء الامم المفتوحة .
لو اكتفي المسلمون بذلك لدخل الناس في الاسلام – دين السلام – افواجا ، كما حدث في عهد النبي – ولنتذكر ان الاسلام انتشر بالتجارة في آسيا وافريقيا في العصور الوسطي اكثر من انتشاره
بالسيف والعنف والظلم .. بل بالعكس ، ان احتلال العرب المسلمين للبلاد المفتوحة هو الذي اوجد المذهبية والفرقة بين المسلمين العرب وغير العرب ..
ونفترض في احلام اليقظة ] لو ) اخري .. ( لو ) اكتفي عمر بحرب الملوك الجبابرة المستبدين ، وبعد اسقاط عروشهم شمل اهل البلاد بعدله مثلما فعل مع العرب ، وجعل هدف حربه تخليص الشعوب من
الظلم واعطاءهم حقوقهم التي كفلها الاسلام من العدل وحرية العقيدة والمساواة بين الجميع .. لو فعل ذلك لتجنب المسلمون وغيرهم فظائع كثيرة ..
نقول ( لو ) مع ان التاريخ لا يعترف بها .. لكنها واحة نلجأ اليها من قسوة تاريخنا العربي الاسلامي المكتوب منه والمسكوت عنه .. والمسكوت عنه افظع .. ولله تعالي الامر من قبل ومن بعد ..