الوهابية البداية والنهاية
عادل نعمان
كاتب وإعلامي مصري
لا تجد الجماعات التكفيرية والقتالية صعوبة فى ضم شركاء وأطراف جدد يشاركونهم ويناصرونهم العداء
للعالم والحضارة تحت دعاوى إقامة الدولة الإسلامية، فالطرفان تخرجا فى مدرسة واحدة، وكل منهما فى مرحلة البحث عن الآخر:
جماعة متطرفة تكفيرية قتالية، وشباب تكفيرى قتالى متطرف، تربيا على يد مذهب يتبنى فكر الكراهية
والتكفير لكل الأديان حتى إخوانهم الذين يدينون بدين الإسلام ولا يعتنقون مذهبهم.
الطرفان يلتقيان بسهولة ويسر على العهد دون عناء. هذه الجماعات لا تتكلف عناء شحن أنصارها بالغل
والحقد والانتقام والإثخان فى القتل، فهم جاهزون فورا لقتال المشركين والمنافقين والكافرين والمرتدين، وما يحتاجونه فقط سلاح، ومقتول، ومال، وميدان.
إن الوهابية المنتشرة الآن فى أنحاء العالم عن طريق المساجد التى تغسل عقول الشباب، وتشحنه بالفكر المتطرف وتهيئه لخوض حرب الحق ضد الكفر والشرك، كان مشروطاً إنشاؤها بأموال
الوهابية وبمشايخهم الذين ينشرون ما استطاعوا من نشر فكر الكفر والتطرف إلى ذلك سبيلا، ولقد فرّخت هذه المساجد الآلاف من الشباب الجاهز للانتحار وقتال الكافرين والمشركين كافة،
أينما ثقفوهم وأينما وجدوهم، دون أن تأخذهم بهم رحمة أو شفقة.
إن انتشار الفكر الوهابى فى العالم الآن، شديد الشبه
بما كانت عليه فى بدايات الدعوة الوهابية، فلم يكن نشر هذا الفكر عن اقتناع، بل كان تارة بإغراء المال، وبالتهديد بالكفر تارة أخرى، فإما أن تحارب القبائل مع الأمير عبدالعزيز
والوهابيين (الدولة السعودية الأولى) فى غزواتهم لفرض نفوذهم وسيطرتهم على البلاد، وتنال من الغنائم والأسلاب نصيبها، وإما أن تُتهم بالكفر وبشق عصا الطاعة على الأمير، ويستوجب
الأمر قتالها على كفرها، وتصبح مغنما ومكسبا للمنتصر. فى كتابه «الوهابيون تاريخ ما أهمله التاريخ»، يؤكد مؤلفه لويس كورانسى، أحد الباحثين فى تاريخ نشأة الوهابية، أن الفتوحات
والغزوات سبب انتشار الفكر وليس غيره، وكانت رسائل الأمير إلى القبائل قبل مهاجمتها (القرآن فى يد والسيف فى الأخرى) ولم يكن أحد يستطيع مقاومتهم، ويتقدمون فى عدة أماكن فى آن واحد
بقسوة وعنف يشلان الأذهان، ثم يعودون إلى الدرعية محملين بالغنائم الثمينة، والتى كان يوزعها الأمير عبدالعزيز بعد كل غزوة (الخُمس له، وباقى الغنائم يوزع بين المقاتلين، للراجل
سهم والفارس سهمان). هذه الفتوحات ملأت خزائنه بالمال الوفير، ووجد الأمير من يطيعه ويلبى مطلبه ومراده، فكان يكفيه رسالة إلى شيخ القبيلة يطلب عددا محددا من الفرسان فى يوم ومكان
يحددهما، فكان يستجيب له دون معرفة وجهته أو القبيلة المطلوب غزوها، طمعا فى الغنائم والأسلاب من ناحية، وخوفا من اتهامه وقبيلته بالكفر وما يواجهه من غزو من ناحية أخرى. فلم يكن
هدف المحاربين رِفعة الإسلام، ولا طمعا فى القرب إلى الله أو تحقيق مراده، لكن الأمر كان مطمعا فى الغنائم، والقرب من الأمير وتحقيق مراده فى إقامة دولته، وينالون منه الخير الوفير
وإلا كانوا مقصدا لغزوه ومغنما لغيرهم.
الوهابية بعد أن استقرت لها أمور البلاد وسيطرت على
أرجاء الجزيرة لم يكن من صالحها أن يظل فى الجزيرة مذهب آخر سواها، فكان لابد من إجلاء المذاهب الأربعة من الجزيرة،
فتم استبعاد المذاهب الأربعة كليا، دراسة وفكراً، وتم إغلاق كل مدارس المذاهب السنية الحنفية
والشافعية والمالكية والحنابلة، ولم يسمح لأى مذهب منها بالخروج من عقل صاحبه، بل سمح للمذهب الوهابى فقط بأن يتجول بلا منازع أو منافس، ومن لم يقتنع به بات كافرا،
فلم يجد الشباب سواه ولم يجدوا علما غيره، ولم يجتهد مغامر فى وجوده، ولم يظهر مشايخ سوى مشايخهم، ولا
إمام سوى إمامهم، ولا علماء يمكن الرجوع إليهم سوى علماء الوهابية بن باز وابن عثيمين وغيرهما، ولا كتاب يقرؤه الناس سوى كتب إمامهم ابن عبدالوهاب وكتب ابن تيمية وابن قيم الجوزية،
فلم يجد المسلم سوى فكر الإقصاء والتكفير، وقتل غير المسلم، ووجوب محاربة المسلم المنافق وتكفير الحاكم والمجتمعات الجاهلية، واختفى الجهاد ضد المعتدى المستعمر، وحل محله قتل
الأبرياء من المسلمين، وقتل السياح العُزّل وغير المسلمين من المسيحيين والشيعة، واختفت من قاموسنا لغة الحوار والمحبة وحرية العبادة والعقيدة حتى أصبحنا المصدر الرئيسى للإرهاب،
وصل الأمر أن يد الاتهام تشير إلى المسلمين فى كل حادث إرهابى فى أى بقعة فى الكرة الأرضية قبل البدء فى التحقيق.
إن تصدير الفكر الوهابى إلى مصر فى بدايات السبعينيات كان بتوجيه مخابراتى عن طريق المصريين الذين
نزحوا للعمل وعادوا إلينا بالنقاب واللحية والجلباب والتكفير والإكراه، وبالمشايخ الذين حصلوا على درجة الدكتوراه (ضرورة مراجعة هذه الشهادات) كانوا جميعا فى خدمة الفكر الوهابى
أكثر مما يخدمون دينهم، ويحاربون العلم والمدنية قدر ما يتقاضون من أموال الوهابية، وكانوا ومازالوا أسوأ ما واجهته مصر من غزو ثقافى فى تاريخها كله، يصبح التخلص منه ضرورة حياة
وبقاء
الفكر الوهابى هو المصدر الرئيسى للإرهاب، ولدت من رَحِمه كل الجماعات التكفيرية القتالية، ولن يبرأ
العالم منه إلا إذا تبرأ المسلمون منه، وأولهم الحكومات الراعية له والممولة لقواعده ودواعشه وطلابه فى العالم. بيدهم لا بيد عمرو.