Back Home Next 

الحملة "الوطنية" لتدمير الدولة العراقية (1-3)
د.عبدالخالق حسين

 مدونة الكاتب:Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

 لم يشهد العراق فترة سلام واستقرار في تاريخه، وهذا قدره المكتوب، وهو نتاج التاريخ والجغرافية. قبل ثمان سنوات نشرت مقالاً بعنوان: (اللهم احفظ العراق من العراقيين)، وللأسف الشديد مازال العراق مهدداً من قبل أبنائه أكثر من أي عدو خارجي. فالعدو الخارجي لا يستطيع أن ينفذ مؤامراته العدوانية إلا على أيدي أبناء الوطن أنفسهم، وما لم يكن لديهم الاستعداد النفسي لتنفيذ مؤامرات الأجانب، وهذا واضح من تاريخه الحديث.

استشهدت مراراً بمقولة المرحوم الملك فيصل الأول في مذكرة له وزعها على الحلقة مقربة من الحكم قبل أكثر من ثمانين عاماً، قائلاً: "أقولها وقلبي ملآن أسى إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء، ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتقاض على أي حكومة كانت...".  

فما الذي تغير بعد ثمانين سنة من ذلك التشخيص السليم للعلة العراقية؟

فهذه الكتلات البشرية كانت في حالة حروب عشائرية دائمة فيما بينها في العهد العثماني، وفي النصف الأول من العهد الملكي صارت حروباً بين العشائر والحكومة، ثم تحولت إلى حروب بين القوى السياسية والحكومة في العقدين الأخيرين من العهد الملكي، وفي العهد الجمهوري الأول تحولت إلى صراعات دموية بين القوى السياسية، بعثي- شيوعي، وفي عهد البعث الصدامي تحولت إلى حرب دائمة بين الحكومة والشعب كله، أما بعد 2003 فهي حرب الكل على الكل، وكل جماعة سياسية رافعة شعار: "عليَّ وعلى أعدائي يا رب، وليكن من بعدي الطوفان".  

فمنذ تسنم أول عراقي لمنصب رئاسة الحكومة بعد سقوط حكم البعث وإلى الآن نرى بقية القوى السياسية تقف ضده وتحاول إسقاطه. حصل هذا مع الدكتور أياد علاوي، ومن بعده مع الدكتور إبراهيم الجعفري الذي أسقطه التحالف الكردستاني لأنه قام بسفرة إلى تركيا دون أن يأخذ موافقتهم. ومن بعده السيد نوري المالكي، وفي كل مرة تحاول الكتل الأخرى مواجهة رئيس الحكومة لإضعافه وابتزازه وتشويه سمعته بشتى الوسائل. ولذلك يمكن القول أن السيد المالكي أثبت قدرة عجيبة على البقاء في المنصب لست سنوات رغم الصراعات العنيفة، والتحالفات الهشة بين الكتل، وتكالب دول الجوار عليه، وهي فترة طويلة حسب المقاييس العراقية والمرحلة التاريخية العاصفة. 

فمن يتابع الأخبار العراقية، وتصريحات قادة الكتل السياسية، وصراعاتها فيما بينها، يتأكد من صحة كل ما قلناه أعلاه. فالوضع العراقي هش للغاية، وهناك تكالب الإرهاب الوهابي الخارجي والداخلي المتحالف مع فلول البعث الصدامي، وما يتلقاه من دعم بلا حدود من بعض دول الجوار، والفزعة اليعربية، حيث صار العراق الآن مرتعاً لتفريخ الإرهاب وتصديره، وبإمكان أية كتلة سياسية المشاركة في الحكم والاعتماد على الإرهاب في إلحاق الأذى بمنافسيه السياسيين، والخاسر الوحيد في جميع الأحوال هو الشعب.  

تتصاعد هذه الأيام التصريحات النارية للسيد مسعود البارزاني ضد "ثلة" من "الحكام الفاشلين" في بغداد، وهناك حملة مظلومية الحزب الشيوعي من قبل الاستخبارات الحكومية، وأخيراً، وليس آخراً، حملة إنقاذ "شباب الإيمو" في الإعلام العراقي... الى آخره، إضافة إلى تصاعد موجة التفجيرات التي تحصد أرواح العراقيين بالمئات بمناسبة عقد مؤتمر القمة العربية في بغداد لإعطاء انطباع أن "الثلة" في بغداد هم أناس فاشلون لا يستطيعون حكم العراق وحماية أرواح أبناء شعبهم! 

في هذه المداخلة أود طرح على هذه المسائل الثلاث ومناقشتها، كل مسألة في حلقة. 

أولاً، حول تصريحات السيد مسعود البارزاني: لقد شاءت الأقدار أن يتكون الشعب العراقي من تعددية الأعراق والأديان والمذاهب المختلفة. وهذه التعددية، كما نوهت في أعلاه، ليست من اختيار العراقيين، بل فرضها التاريخ والجغرافية. وبعد الاحتلال البريطاني للعراق إبان الحرب العالمية الأولى، وبتأثير من ثورة العشرين، قامت بريطانيا بتأسيس الدولة العراقية بحدودها الحالية التي تجمع هذه المكونات المختلفة،غير المتجانسة. وقد حصل ما حصل من اضطهاد للشعب الكردي على أيدي الحكومات المركزية المتعاقبة قبل 2003. والكل يعرف أن تلك الحكومات كانت مستبدة تمثل دكتاتورية المكونة الواحدة، وحتى إذا ما أشركت ممثلين من المكونات الأخرى في السلطة المركزية فكانت تلك المشاركة عبارة عن ديكور لذر الرماد في العيون. ونتيجة لتلك السياسات الطائفية والعنصرية المستبدة لحق الظلم ليس بالكورد وحدهم، بل وبكل مكونات الشعب العراقي ولو بنسب متفاوتة، وظهر ذلك جلياً بعد انتفاضة آذار (الشعبانية) 1991، عندما صنَّف النظام الحاكم الشعب العراقي إلى محافظات بيضاء ومحافظات سوداء، وملأ المحافظات "السودء" بالمقابر الجماعية.  

والآن العراق، ولأول مرة في تاريخه، تحكمه حكومة وطنية منتخبة، تضم ممثلين عن مختلف مكونات الشعب حسب نسبتها العددية في الشعب وما تفرزه صناديق الاقتراع، مشاركة فعلية وليست صورية للديكور كما كان في الماضي المؤلم. ولا ندعي أن الوضع العراقي الآن مثالي، ولا يمكن أن يكون كذلك، فبعد كل هذا الدمار لعشرات السنين من الإستبداد، لا يمكن القفز إلى ديمقراطية ناضجة بين عشية وضحاها. ولكن للأسف الشديد، وبدلاً من دعم هذا المشروع الوطني الديمقراطي، ورعايته وإنضاجه وصولاً إلى بناء الأمة العراقية، وترسيخ التقاليد الديمقراطية، والوحدة الوطنية نرى قادة الكتل السياسية، وبالأخص رئيس الإقليم الكردستاني، السيد مسعود البارزاني، راح يعلن عن قرب "سقوط العراق في الهاوية". ولو أمعنا في تصريحات السيد البارزاني لاستشفنا أنه فعلاً تبنى سياسات من شأنها إفشال هذا المشروع، ودفع العراق إلى الهاوية، وبذلك فهو يتنبأ بالكارثة التي هيأ لها مسبقاً ويسعى لتحقيقها، العملية التي تسمى بـ (self-fulfilling prophecy).  

ففي خطاب له أمام مؤتمر الشبيبة الكردية في أربيل، وبدلاً من أن يوفر السيد البارزاني طاقاته لدعم بناء الدولة العراقية الحديثة، رأيناه يحاول إضعاف هذا المشروع وبالتالي إفشاله ودفعه إلى الهاوية. إذ نقلت صحيفة (الشرق الأوسط 16/3/2012) السعودية ما يلي: (وجه مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق انتقادات غير مسبوقة إلى القيادات العراقية ووصف بعضها بالفشل بإشارته إلى أن «هناك من يحسدنا على التقدم والنهضة التي حققناها في إقليم كردستان، فهم فشلوا في تقديم أي شيء لبقية مناطق العراق ويريدون أن نكون نحن مثلهم»، كما وأعلن عن رفضه تسليم طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية لبغداد وقال إن «قضية الهاشمي (سياسية) ولن نسلمه إلى بغداد تحت أي ظرف كان، لأن أخلاق الكرد لا تسمح بذلك».  

والسؤال الملح هنا هو: كيف يمكن للقيادات العراقية في بغداد أن تنجح في تحقيق الأمن وتوفير الخدمات، إذا كانت القوى السياسية المشاركة فيها مثل حكومة الإقليم، تحاول إضعاف هذه الحكومة وتأوي قادة الإرهاب من أمثال طارق الهاشمي وغيره؟ إذ كما رد النائب عن كتلة التحالف الوطني، السيد مجيد ياسين أن "رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني صرح، بأن الأخلاق الكردية لا تسمح له بتسليم طارق الهاشمي إلى بغداد"، متسائلا "هل أن الأخلاق الكردية تسمح  باستضافة رجل متهم بقتل أبرياء؟".  

نحن نتمنى لرئيس الإقليم استمرار نجاحه في تحقيق الأمن والاستقرار لإقليم كردستان، ولكن في نفس الوقت نؤكد له أنه ليس من الأخلاق الكردية إيواء الإرهابيين وحمايتهم واستخدامهم لابتزاز الحكومة المركزية وإضعافها وتدميرها، فقوة إقليم كردستان من قوة الحكومة المركزية. إن السيد البارزاني يتصرف وكأن كردستان دولة مستقلة، وليست ضمن فيدرالية العراق. فطارق الهاشمي متهم ومطلوب للعدالة بتهمة الإرهاب وفق المادة 4/ إرهاب، بقرار صادر من أعلى سلطة قضائية. وفي الأنظمة الديمقراطية، بمجرد صدور اتهام من القضاء، حتى ولو بمخالفة مرورية بسيطة ضد أي مسؤول يشغل منصباً سياسياً في الدولة، يستقيل هذا المسؤول من منصبه ويتفرغ للدفاع عن نفسه. بينما الذي حصل في العراق أن السيد رئيس إقليم كردستان لا يعترف بقرار المحكمة العليا، ويعتبر القضية سياسية، والمتهم مازال نائباً لرئيس الجمهورية. ولو كان طارق الهاشمي بريئاً حقاً لجاء إلى بغداد وسلَّم نفسه ليواجه التهمة بشجاعة، وليقلب الطاوله على متهميه. ولكنه يعرف أنه أضعف من أن يثبت براءته، لذلك فر من وجه العدالة. ووقوف السيد البارزاني إلى جانب متهم بالإرهاب، يضر بسمعته وبمصداقيته كقائد للشعب الكردي، خاصة وأن البارزاني أعلن مراراً أنه حريص على الوحدة العراقية، وأن بغداد عاصمة الجميع. نقول للسيد البارزاني أنه لا يمكن أن تكون حريصاً على وحدة العراق، وفي نفس الوقت تعمل على إضعافه، وتدمير حكومته المركزية وتجعل من كردستان مأواً للإرهابين يحرقون العراق، لتتباهى أنك نجحت في تحقيق الأمن في كردستان، وحكام بغداد فشلوا وأنهم يحسدونكم على نجاحكم. إن هيبة الدولة تعتمد على قوة وهيبة الحكومة المركزية. 

وفي كلمة له بمناسبة اعياد نوروز مساء الثلاثاء 20/3/2012 حذر السيد البارزاني قائلاً: ((إن العراق يعيش اليوم أزمة جدية وخطيرة، ويتجه نحو الهاوية إذا أستمر الحال على ما هو عليه،...الخ)). وقد ركز هجومه في خطاباته الأخيرة على السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء "معلناً عن فك التحالف مع ائتلاف دولة القانون والاحتفاظ بتحالفه مع بقية المكونات السياسية الشيعية". وهذا يعني تركيز الهجوم على كيان سياسي واحد، والتزلف لكيانات أخرى داخل التحالف الوطني (الشيعي)، يعني سياسة "فرق تسد". فماذا لو وقفت جميع كيانات التحالف الوطني مع المالكي، فهل سيستمر البارزاني في تحالفه مع الشيعة أم ينفك عنها جميعاً أيضاً خاصة وأنه يلمح بالتحالف مع كتلة "العراقية" بقيادة أياد علاوي نكاية بالمالكي؟. والجدير بالذكر أن السيد البارزاني يعطي لنفسه الحق بالهجوم على غيره من القادة العراقيين، ويسميه بالنقد، ولكن أي رد عليه يعتبره "ارهابا فكرياً". 

وفي نفس الرسالة، هدد "بأنه سيلجأ إلى شعب الإقليم لتقرير مصيره إذا لم يتم التوصل إلى حل مناسب للخلافات مع بغداد، مؤكدا أن إعلان بشرى كبيرة لشعب كردستان اليوم لم تحن بعد لكنها "آتية لا محالة"، فيما تهكم من أن "هذه الثلة" التي تحكم العراق تنتظر حصولها على الطائرات المقاتلة من طراز F16  كي تجرب حظها مجدداً مع البيشمركة." (السومرية نيوز، 20/3/2012) 

ومن هذه التصريحات نفهم أن السيد البارزاني ضد تسليح القوات المسلحة العراقية، ويريد للعراق أن يكون أضعف دولة في المنطقة، في الوقت الذي نرى فيه جميع دول الجوار في سباق تسلح مجنون هدفها تدمير العراق، أو إضعافه وإغراقه بمشاكل الإرهاب، إذ يستكثر على العراق بناء قواته المسلحة فيعلن تذمره من المالكي لشرائه طائرات f16 ، قائلاً: "ولا نعرف ماذا سيفعل بها؟"، في إشارة إلى أن هذه الطائرات ستستخدم لضرب الأكراد كما كان يحصل قبل 2003. وفي نفس الوقت تطالب القيادة الكردية الحكومة المركزية بتسليح جيش البيشمركة ودفع تكاليفه ورواتب منتسبيه، وأن يكون هذا الجيش بإمرة رئيس حكومة الإقليم وليس للحكومة المركزية. وهل بعد كل هذه المساعي يمكن أن نصدق الرجل أنه يسعى للحفاظ على الوحدة العراقية؟
 
يبدو أن السيد البارزاني لم يستفد من عبر التاريخ.  

ففي عهد ثورة 14 تموز، تحالفت الحركة الكردية مع حزب البعث الفاشي ضد حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم، ودعمت انقلابهم الدموي في 8 شباط 1963، ثم دفع الكورد الثمن باهظاً بعد شهرين فقط من الانقلاب. وباعتراف السيد مسعود البارزاني كان بإمكان تجاوز الخلافات، وتجنب الحرب بين الحكومة والحركة الكردية، حيث قال: «كنت في قرارة ضميري أتمنى أن لا تنشب ثورة أيلول في عهد عبد الكريم قاسم، وأنه إذا قُدر لها أن تنشب فلتكن قبل عهده أو بعده، وربَّما عَذرني القارئ عن خيالي هذا حين يدرك أنه نابع عن الإحساس بالفضل العظيم الذي نُدين به لهذه الشخصية التاريخية (قاسم)، وأنا أقصد الشعب الكُردي عموماً، والعشيرة البارزانية بنوع خاص... إني أسمح لنفسي أن أبدي ملاحظاتي وأستميح كل مناضلي الحزب الديمقراطي الكردستاني والشعب الكردي الذين مارسوا أدوارهم في تلك الفترة عذراً لأن أقول وبصراحة بأنه كان خطأً كبيراً السماح للسلبيات بالتغلب على الإيجابيات في العلاقة مع عبدالكريم قاسم، مما ساعد على تمرير مؤامرة حلف السنتو وعملائه في الداخل والشوفينيين وإحداث الفجوة الهائلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبدالكريم قاسم. فمهما يقال عن هذا الرجل فإنه كان قائداً فذاً له فضل كبير يجب أن لا ننساه نحن الكرد أبداً." (مسعود البارزاني، من كتاب: البارزاني والحركة التحررية الكردية).  

هذا الكلام للسيد البارزاني نفسه، وليس لغيره. وها هو التاريخ يوفر فرصة تاريخية نادرة لجميع مكونات الشعب العراقي، وبالأخص للشعب الكوردي، أن يساهموا يداً بيد لبناء الدولة العراقية الديمقراطية الفيدرالية الموحدة، دولة المواطنة والقانون، ليس فيها مواطنون من الدرجة الثانية كما كان في السابق. هذه الدولة لا يمكن بناءها باللعب على عدة حبال، وسياسة فرق تسد، والكيل بمكيالين، وإضعاف الدولة المتمثلة بالحكومة المركزية، وجعل الجزء أقوى من الكل. فكل العراقيين الآن في سفينة واحدة إذا نجت نجى الجميع، وإن غرقت غرق الجميع. 

هناك خلل فضيع في العلاقة بين الإقليم وبقية العراق، فمن حق الكردي أن يتنقل ويعمل ويسكن بل وحتى يحكم في أي مكان في العراق، بينما لا يحق للمواطن العراقي من خارج الإقليم الدخول إلى كردستان حتى ولو بزيارة خاطفة إلا بتأشيرة دخول (فيزة) وكأنه داخل إلى دولة أجنبية. هذا الوضع بالتأكيد يثير تذمر العراقيين. 

أسباب إنقلاب البارزاني على الحكومة المركزية

لقد عرفنا السيد مسعود البارزاني بالحكمة، وبدوره في تهدئة الأمور عند الأزمات، وحرصه على الوحدة العراقية، بينما الآن صار هو الذي يفتعل الأزمات، ويخلق المشاكل. فما الذي جرى ليغيِّر موقفه رأساً على عقب؟ ولماذا تسعى الصحف السعودية، وخاصة صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية دعمه على حساب الحكومة المركزية في بغداد، وعلى المالكي بالذات؟ فهل هذا الدعم السعودي مجاناً؟ 

هناك عدة نظريات في تفسير ظاهرة انقلاب السيد مسعود البارزاني على بغداد نشير إلى بعضها باختصار شديد:

أولاً، أن هناك تذمر شديد في صفوف الشعب الكردي من استشراء الفساد والرشوة، وعدم استفادة غالبية الشعب من النهضة الاقتصادية التي يشهدها الإقليم، وأن البارزاني يعامل الشعب الكردي بنفس الطريقة التي كان صدام حسين وعائلته يعاملون الشعب العراقي في احتكار السلطة والنفوذ بالعائلة، وإتباع سياسة (الأقربون أولى بالمعروف). ولامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد ضده، افتعل البارزاني هذه الأزمة مع "الثلة" في بغداد، وأنه "يتحدى حكام بغداد الفاشلين"، وبدغدغة المشاعر القومية "بأنه سيلجأ إلى شعب الإقليم لتقرير مصيره إذا لم يتم التوصل إلى حل مناسب للخلافات مع بغداد". 

ثانياً، الاستثمارات النفطية في الإقليم: تلمست صحيفة "القبس" الكويتية أسباب التصعيد بين اقليم كردستان وبغداد في موضوع استثمار شركة اكسون الأميركية في الحقول النفطية في الإقليم. وتذكر ان رئيس الوزراء نوري المالكي وخلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن كان قد التقى مسؤولي هذه الشركة، داعياً إياهم إلى عدم إبرام العقود مع حكومة الإقليم. وبالتالي فإن امتناع الشركة عن الاستثمار في الحقول الكردستانية هو السبب المباشر الذي حمل رئيس الاقليم مسعود بارزاني على التصعيد وقد يترجمها، كما تقول الصحيفة الى اعلان مساندته لزعيم القائمة العراقية أياد علاوي ليمثل ورقة ضغط على المالكي. وهنا تفيد الصحيفة الكويتية الى ان المعطيات المتوفرة لديها لا تنبئ بقدرة بارزاني على استفزاز المالكي بهذه الخطوة.                

ثالثاً، الدور السعودي والخليجي والتركي في تحريك البارزاني لعزل المالكي من الكيانات الشيعية داخل التحالف الوطني: بالتأكيد للسعودية وتركية دور في استخدام الورقة الكردية لزعزعة الوضع في العراق ضد المالكي بعد أن فشلت ورقة كتلة "العراقية"، وبالتأكيد لم يحصل هذا بدون مقابل. فالسعودية تلعب دوراً قذراً لزعزعة الوضع لأسباب سياسية، وطائفية واقتصادية، خاصة بعد الإعلان عن رفع إنتاج النفط العراقي إلى 12 مليون طن يومياً خلال ست سنوات. كما لاحظنا الدعوات التي يتلقاها السيد عمار الحكيم وزياراته إلى تركيا وغيرها في محاولة لكسبه ضد المالكي، وبالتالي تفتيت التحالف الوطني عن طريق سياسة (فرق تسد). فهل ستنجح هذه المحاولات؟ يعتمد ذلك على نباهة قادة التحالف الوطني بما يحاك ضدهم من مخططات للإيقاع بهم، وحرصهم على المصلحة الوطنية. وإذا ما سقطوا في هذا الفخ السعودي-التركي فهذا يعني أنهم مغفلون بامتياز!، وسيكونون لعنة للتاريخ الذي لا يرحم، والشعب هو الذي سيدفع الثمن باهظاً كما دفعه من قبل.
 

ما العمل؟

أعتقد أن هذا النوع من الشراكة ليس في صالح العراق، ولا في صالح الكورد أيضاً، فإضعاف العراق والعمل على تدمير دولته بإضعاف حكومته المركزية بحجة سد الطريق على ظهور صدام آخر في المستقبل أمر يضر بالجميع بمن فيهم الكورد. وعليه، عندما يكون التعايش معاً مستحيلاً في دولة واحدة فمن الأفضل أن يتمتع الشعب الكوردي بالاستقلال بدولته الخاصة بهم، وهم يمتلكون الآن كل المقومات الضرورية لتأسيس دولتهم. أما الوضع الحالي، دولة داخل دولة فهو وضع شاذ ومرفوض.  

يبدو أن هذا بالضبط ما يسعى إليه السيد البارزاني، وصرح به زعماء أكراد آخرون، أنهم ينتظرون اللحظة المناسبة لإعلان دولتهم، وهم محقون في ذلك. ولكننا نؤكد لهم أنه من الأفضل أن يتم الانفصال بإحسان ومعروف وبطرق ديمقراطية وحضارية، وأن تكون العلاقات المستقبلية بين الدولتين أخوية كما هي العلاقة بين بريطانيا وجمهورية آيرلندا، وليس كما بين الهند وباكستان. ودون الحاجة إلى صراعات دموية، فعهد شن الحروب على الشعب الكوردي قد ولى وإلى الأبد، ولا داعي للتهديدات، ونتمنى للشعب الكوردي التمتع بدولته المستقلة بأقرب فرصة ممكنة، فمن حقه تقرير مصيره بنفسه، لأنه في حالة استحالة الشراكة في دولة واحدة، فأبغض الحلال عند الله الطلاق.

 يتبع

(الموضوع القادم هو: حول مظلومية الحزب الشيوعي العراقي)

ــــــــــــــــــــــــــ

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي