Back Home Next

الاحزاب الاسلامية على المحك
وامام اختبار مصداقية كبير
آراء الكاتب

نزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

مقدمة بقلم الزميل نوري صبيح:

الديمقراطية مفهوم حديث نسبيا في تاريخ البشرية، أخذ به على محمل الجد منذ ثلاثة قرون وهي ليست ثوبا يفصله المفكرون لتلبسه الشعوب لتسيير أمورهم السياسية والاجتماعية بشكل آلي، لانهاليست شيئا (طبيعيا) يأخذ بها الناس للخروجمن ظلم الحكام، أو «كموضة» تؤخذمن الآخرين لحل مشاكل الحكم في البلاد.

ان الديمقراطية مفهوم تكوّن من خلال التجارب الانسانية المتعددة، والمتعلقة بمصدر وشرعية السلطة السياسية، وهي فلسفةسياسية للتعايش المشتركفي المجتمع بشكل سلمي، تتلخص باستقلالية الفرد وحريته وعقلانيته وسلوكه المتحضر مع بقية الافراد في مجتمع منظم.

هذه الثقافة الديمقراطية تنموبشكل تدريجيبا لفكر والتجربة والتطبيق والمقارنة مع تجارب شعوب أخرى وصلت إلى مراتب عالية في الحياة الديمقراطية.

وبما أنها تجربة إنسانية حققت نجاحات كبيرة، عكست متطلبات الإنسان في هذا العصر الحديث، لذا يمكن الأخذ بهاللعيش في مجتمعات أكثر حرية والخروجتدريجيا من نفق الديكتاتورية والاستبداد المظلم.

وحول الثقافة الديمقراطية والتجربة البرلمانية العراقية قبل و بعد الانسحاب الأمريكي من العراقوالدروس المستفادة في ضوء معطيات الواقع العراقي واستشراف آفاق المستقبل العراقي التقت (البينة الجديدة) مدير مركز الإعلام العراقيفي واشنطن نزار حيدر وكان لنا معه هذا الحوار:

السؤال الاول:

الديمقراطية ليست نظام حكم فقط، بل هي طريقة حياة.

ما مدى تطبيقها في الحياة السياسية العراقية بعد 9/4/2003؟

الجواب:

وقبل ذلك هي ثقافة، تعتمد، برايي، على اربعة اسس، وهي:

الف: القانون

باء: حرية التعبير 

جيم: الراي العام

دال: قاعدة الاقلية والاكثرية

فاذا اردنا ان نطبق هذا التوصيف على حالة الديمقراطية في العراق، فيمكن القول بانها تقدمت بدرجة كبيرة، الا اننا لازلنا في منتصف الطريق وامامنا مشوار طويل.

نحن غيرنا الدستور، والدستور مدونة، وغيرنا القانون، والقانون نصوص، وغيرنا طريقة وصول الحاكم الى السلطة، وهذا امر فني ونظري، اما الذي بقي علينا، وهو الاهم، فهو ان نغير العقلية التي نتعامل بها مع كل ذلك، وليس المقصود هنا بتغيير عقلية الحاكم فقط، وانما تغيير عقلة المواطن الفرد لنغير عقلية المواطن المجتمع.

لقد تم تشويه الاسس اعلاه بدرجة كبيرة، فالقانون عندنا يسري على الضعيف ويفلت منه القوي، ولذلك كثر الفساد المالي والاداري لان الذين يتورطون فيه هم من (كبار) القوم المحميون بالمحاصصة، اما اذا سرق الضعيف لقمة عيشه لاطعام فقرائه فيطاله القانون بلا رحمة، او اننا نعتبر ان اي قانون هو تقييد للحريات العامة، ولذلك ترى الكثير منا يكره شئ اسمه قانون ظنا منه بان الديمقرالطية تعني الفوضى.

اما قاعدة الاقلية والاكثرية التي ينبغي ان تؤسس على اساس البعد السياسي في الحياة العامة، الا اننا نطبقها على اساس الاقلية والاكثرية الدينية تارة والمذهبية اخرى والاثنية ثالثة، وهذا خطا كبير لا يساهم في بناء الديمقراطية ابدا، بل انه يشوه صورتها ويفرغها من محتواها وجوهرها وتاليا يدمرها من خلال ما تثير من ضغائن واحقاد طائفية او دينية او اثنية، وهذا ما نراه يوميا تقريبا من خلال الازمات السياسية التي تعصف بالبلد بين الفترة والاخرى.

اما الراي العام فتراه اليوم يحتضر بسبب مرض عبادة الشخصية المزمن، وهو، المرض، الذي يلغي عقل الانسان ويتركه في اجازة الى اشعار آخر، لان عبادة الشخصية وتقديس الزعيم الرمز لا تدع المرء يفكر بحرية ولا تترك له المجال لابداء رايه او التعبير عن نفسه.

واذا سالتني عن الحل لهذه المعضلة فساجيبك بان الحل يكمن في تاسيس احزاب وطنية معيار الانتماء الى صفوفها هو المواطنة وليس اي شئ آخر، اما الاحزاب الحالية التي تتصدر المشهد السياسي فهي اما دينية او مذهبية او اثنية، ولذلك تقسم البلد على هذه الاسس بعد ان غابت (المواطنة) والانتماء للوطن كمعيار وحيد عن الساحة.

كما ينبغي ان نطق للناس حرية التعبير عن انفسهم بعيدا عن الخطوط الحمراء وعبادة الشخصية والمقدسات المزيفة للقضايا الخلافية خاصة والتي نحتاج الى ان نختلف عليها من اجل ان نتحاور فننتج الافضل من الاراء والافكار.

السؤال الثاني:

هناك سمات مشتركة لجميع أنظمة الحكم الديمقراطي.

هل ترى وجود لهذه السمات في النظام الديمقراطي العراقي؟.

الجواب:

اذا اردنا ان نعرف الديمقراطية بانها:

الف: الحرية 

باء: المساواة

جيم: الشراكة

فانا اعتقد بان العراق يشهد تقدما ملحوظا باتجاه الوصول الى هذه المبادئ، وان كان هذا التقدم بطيئا.

هناك اليوم في العراق الجديد مساحة واسعة من الحريات خاصة حرية الاعلام والراي والتجمع والتظاهر.

كما ان هناك مساحة كبيرة من المساواة في الحقوق والواجبات على الرغم من تنامي ظاهرة الطبقية السياسية والاقتصادية التي سببها احتكار (الكبار) للعملية السياسية واثراء المسؤولين من المال العام وحرصهم على تحقيق اكبر قدر ممكن من الامتيازات على حساب حياة الفقراء والمعوزين من ابناء الشعب العراقي الصابر.

السؤال الثالث:

دسترة السلطة والحياة السياسية في النظم الديمقراطية تعني تنظيم التعايش والتوازن في السلطة والحرية في إطار الدولة.

هل تحقق ذلك في العراق الجديد؟

الجواب:

لقد نص الدستور العراقي على الكثير من المبادئ التي تحقق مبدا التوازن في السلطة ما يحول دون تكرار تجارب الانظمة الاستبدادية والديكتاتورية، ولعل من ابرز هذه المبادئ:

الف: فصل السلطات

باء: اللامركزية

جيم: النظام البرلماني

الا انني اعتقد بان المشكلة الاساسية التي تحول دون تفعيل هذه المبادئ هو مبدا المحاصصة سئ الصيت والذي التهم بقية المبادئ الدستورية الاستراتيجية، فالمحاصصة سببت في تداخل السلطات بعض الشئ، كما انها الغت تقريبا مبدا الرقابة البرلمانية الذي يعد حجر الزاوية في نجاح او فشل اي برلمان في العالم، بالاضافة الى انها تسترت على الفساد الذي استشرى، تبعا لذلك، في كل مفاصل الدولة ما عرقل عملية اعادة البناء والاستثمار وغير ذلك.

السؤال الرابع:

كون جمهورية العراق بلدا ريعيا يعتمد بالكامل على إيرادات النفط في إعداد موازنة الدولة الاتحادية وبرامجها في ضوء الدستور (الاقتصاد الحر).

هل يساعد ذلك على سيادة الأجواء الديمقراطية؟ أم هو مشجع لاستمرار الديكتاتورية عندما يرى الحاكم إن المال والجيش بيده؟.

الجواب:

لقد نص الدستور على ان النفط والغاز ملك للشعب وليس لفئة دون اخرى، ولا حتى للمصدر، اي المحافظة التي تنتجه، ولذلك فان موازنة الدولة في كل عام تعتمد مبدا توزيع دخل الثروة على جميع محافظات البلاد كل حسب حاجتها وعدد نفوسها، وهذا امر يحول دون تمركز المال العام بيد جهة معينة او شخص معين.

ولذلك فكون دخل العراق القومي من البترول فقط لن يكون سببا لنمو ديكتاتورية جديدة، وانما تسبب احادية الدخل مشاكل اخرى للبلاد تقف على راسها ظاهرة الاتكالية، ولذلك فان المجتمع العراقي اليوم يعد من المجتمعات المستهلكة فان اكثر من 70% من الميزانية العامة تشغيلية اي للاستهلاك، فاين الانتاج في هذه الحالة؟.

ان العراق يجب ان يخطط ليتحول الى بلد منتج ولا يمكن ان يكون كذلك الا بتنويع مصادر دخله، ولا يتحقق هذا الهدف الا بعد ان يتحسن عصب الانتاج واقصد به الكهرباء، فهي التي ستاتي لنا بالزراعة ومن ثم بالصناعات الغذائية وستاتي لنا بالصناعة وبناء المصانع والمعامل، وستحسن لنا الصحة والتعليم والبيئة والرياضة وكل شئ.

السؤال الخامس:

ما هو رأيك بالمجتمع المدني بوصفه منتجا للثقافة الديمقراطية؟.

الجواب:

ان الديمقراطية لا يمكن ان تنمو الا في المجتمع المدني، اما المجتمع (الديني) او (العسكري) او (العلماني المعادي والمحارب للدين) فانها لن تعيش فيه الديمقراطية.

 ان من ابرز سمات النظام الديمقراطي هو وجود منظمات المجتمع المدني التي تسير بموازاة مؤسسات الدولة، تراقبها وتحاسبها وتعمل على ترشيدها، فضلا عن انها الصوت الحقيقي المعبر عن اتجاهات الراي العام، فلولا منظمات المجتمع المدني لا يمكن ان نتصور نظاما ديمقراطيا ابدا.

السؤال السادس:

هل تفرض الديمقراطية بالقوة العسكرية (الاحتلال الأمريكي)؟ وما هي مضارها وسلبياتها؟.

الجواب:

الديمقراطية هي النقيض والعدو اللدود للديكتاتورية، ولذلك فان طريقة بنائها تتاثر كثيرا بطريقة اسقاط الديكتاتورية وازاحتها عن طريقها، والتي عادة ما تكون عنيفة وبالقوة الا ما ندر، لان من طبيعة الديكتاتورية انها لا يمكن ان تتعايش مع اي من قيم وادوات الديمقراطية مطلقا، ولذلك فان الاستبداد يتوجس خيفة من اية محاولة للسير باتجاه الديمقراطية.

وللاسف الشديد فان الكثير من ديمقراطيات العالم الحديث قامت على انقاض الحروب وعمليات الغزو كما هو الحال في المانيا واليابان وغيرها من دول العالم المتحضر.

ولان العراق ابتلي بنظام ديكتاتوري قمعي قل نظيره في التاريخ، ولكون التغيير في العراق كان يلقى معارضة شديدة من محيطه المسكون بانظمة ديكتاتورية مستبدة، عسكرية او قبلية لا فرق، ولكون التركيبة الاجتماعية فيه معقدة لدرجة كبيرة، تسبب باثارة حفيظة نظام القبيلة الفاسد الحاكم في دول الخليج خاصة في الجزيرة العربية، ولان التغيير كذلك كان سياتي على قواعد النظام السياسي الذي اقيمت على اساسه الدولة العراقية الجديدة التي تاسست في العام 1921، ولذلك جاء التغيير هذه المرة بالغزو الاجنبي المدعوم بقرارات دولية صادقت عليها المجموعة العربية المتمثلة في مجلس الامن الدولي.

ان (الديمقراطية) عن طريق الغزو العسكري لم يكن خيار العراقيين ابدا، الا انها فرضت عليهم فرضا فما كان منهم الا ان يستغلوا الفرصة من اجل تحقيق رغبتهم الجامحة في بناء نظام ديمقراطي تعددي يعتمد مبدا التداول السلمي للسلطة.

السؤال السابع:

ما رأيك بالأحزاب الإسلاميةالتي حصدت وتسيدت المشهد السياسي؟ وكيف خسرت الأحزاب العلمانية والليبراليةجمهورها بعد أن ظنوا أنهمزرعوا؟.

الجواب:

لقد ظلت الاحزاب الاسلامية تمثل المعارضة في البلاد العربية طوال اكثر من نصف قرن من الزمن، ولذلك ظلت هذه الاحزاب وكانها الامل الموعود والمستقبل المنشود بالنسبة للمجتمع العربي في كل البلاد العربية، على اعتبار ان كل ما راته الشعوب العربية من ظلم واضطهاد وتخلف وتبعية سببه النظام السياسي الحاكم والذي يقول بانه علماني الهوية فلذلك تحملت العلمانية مسؤولية كل اخطاء وجرائم النظام السياسي بغض النظر عن صحة او خطا هذه الفرضية، وفي المقابل ظلت الاحزاب الاسلامية في منأى عن ممارسة الظلم وكذلك التورط في الفساد المالي والاداري الضخم الذي تورط به النظام السياسي.

ان الاحزاب الاسلامية هي اليوم على المحك وامام اختبار مصداقية كبير، وانا شخصيا بدات اتلمس منها بوادر فشل في مهمة بناء الدولة بعد ان راحت تكرر اخطاء النظام السياسي الذي سقط، وكذلك نراها اليوم تورطت بما تورطت به الديكتاتورية من قبل، خاصة على صعيد محاولات الغاء الاخر وتكميم الافواه والخشية من النقد والمعارضة وبطانة السوء وغير ذلك.

السؤال الثامن:

ما هي دروس التجربة البرلمانية العراقية بعد التغيير السياسي؟ وكيف يتم إصلاح عيوب التأسيس الديمقراطي؟.

الجواب:

لا شك بان تجربتنا الديمقراطية ثرية للغاية، الا انها مع ذلك بحاجة الى الاصلاح وباقرب فرصة ممكنة وقبل فوات الاوان.

اننا بحاجة الى تفعيل الدور الرقابي للبرلمان ولا يمكن تحقيق ذلك الا بعد الغاء المحاصصة التي تعني اليوم مشاركة كل من هو تحت قبة البرلمان في السلطة التنفيذية فمن الذي سيراقب ويحاسب يا ترى؟.

السؤال هو:

كيف يمكن اصلاح هذا الخطا؟ وما هو السبيل لتغيير الواقع؟.

اعتقد ان ذلك يمكن من خلال تغيير قانون الانتخابات، لنضمن وصول نواب لا يعتمدون على رصيد زعيم القائمة وانما على رصيدهم الشخصي ليكونوا قادرين على ابداء وجهات نظرهم في القضايا المطروحة، من جانب، ويكونون قادرين على تفعيل الدور الرقابي للبرلمان ضد كتلهم قبل الكتل الاخرى، من جانب آخر.

ان القانون الحالي يضمن لـ (الكبار) ما يلي:

اولا: احتكار السلطة، بعد ان تجمعت بين ايديهم؛

السلطة *المال* الاعلام *الدعم الدولي لبعضهم والاقليمي لآخرين.

ثانيا: السيطرة على نوعية المرشحين الذين سيساومونهم ويبتزونهم قبل قبولهم الانخراط في قوائمهم.

ثالثا: كذلك، السيطرة على المقاعد التعويضية

رابعا: استحكام قبضتهم على البرلمان وطريقة التصويت المعمول بها حاليا والتي اسميها بطريقة (شيخ العشيرة) الذي يصدر اوامره لاعضاء القائمة بحضور الجلسة او مقاطعتها وبالتصويت من عدمه بالرسائل القصيرة، او المكالمات الضائعة، بعد ان كان شيخ العشيرة يصدر اوامره بعصاه يرفعها او يهبطها

ان المطلوب هو اجراء التغيير التالي في قانون الانتخابات، لضمان تحقيق الآتي:

الف: صوت واحد لمواطن واحد، فلا يجوز التلاعب بالاصوات باي شكل من الاشكال

باء: الغاء حصر الترشح ضمن القوائم، ليحق لكل مواطن ان يرشح نفسه للانتخابات سواء كان فردا او قائمة، وهذا الامر يتطلب الغاء نظام القاسم الانتخابي، واحتساب اغلبية الاصوات حصرا كمعيار للفائزين من المرشحين المتنافسين في الدائرة الواحدة.

جيم: تقسيم العراق الى عدد من الدوائر الانتخابية يساوي عدد مقاعد البرلمان، مع التفكير الجدي بتقليص العدد الحالي والذي يكلف الدولة الكثير من الاموال الطائلة على حساب المشاريع الحيوية التي يحتاجها المواطن والبلد، خاصة وان ما لا يقل عن ثلث الاعضاء عادة ما يتغيبون عن جلسات مجلس النواب فلماذا يحجزون مقاعدهم تحت قبة البرلمان؟ الا ان يكون ذلك من اجل التمتع بالامتيازات فحسب.

ان العدد االكبير لمقاعد البرلمان يعقد عملية الرقابة والتشريع بدرجة كبيرة، ولذلك سعت الدول المتحضرة التي يحكمها النظام الديمقراطي الى ان تقلل من عدد مقاعد برلماناتها قدر الامكان، ما يساعد المشرعين على انجاز عملهم التشريعي والرقابي بطريقة اسهل واسرع وافضل واكثر شفافية.

ان مثل هذا التقسيم للدوائر الانتخابية يساهم في:

الف؛ حصر الفساد الانتخابي، مثل عمليات شراء الاصوات وبيعها وعمليات التزوير وامثالها، في دوائر ضيقة، ما يمكن الراي العام من مراقبة المفسدين واللصوص بشكل افضل.

باء؛ تقليل نفقات الحملات الانتخابية الى اقل مستوياتها، لان المرشح سوف لا يكون مضطرا لصرف الاموال الطائلة على الدعاية للوصول الى عدة ملايين ناخب لتعريفهم ببرنامجه الانتخابي، فالدائرة الواحدة، حسب الدستور العراقي، ستتكون من مئة الف ناخب فقط، من السهل على المرشح ان يصل اليهم واحدا واحدا ولذلك فسوف لن يضطر لصرف الاموال الطائلة للوصول اليهم.

اعرف احد المرشحين، وهو نموذج، صرف مبلغ نصف مليون دولار عدا ونقدا، ليحصل على مقعد تحت قبة البرلمان، ومع ذلك فشل في مسعاه، واذا تساءل المواطن، من اين له كل هذه الاموال ليصرفها على حملاته الانتخابية؟ لاجاب انها من مريديه، فيما ينفق آخرون من اموال الدولة التي يتحايلون عليها بطريقة او باخرى، اما القسم الثالث فيحصلون على اموال الدعاية من (دول صديقة) من الجيران او من غيرهم لا فرق، طبعا معجونة باجنداتها السياسية الخاصة.

ان تقسيم العراق الى دوائر انتخابية بعدد مقاعد البرلمان سيقضي على كل هذا الفساد، كما انه يساعد الناخبين على حسن الاختيار بشكل افضل، لان من السهولة عليهم ان يحسنوا اختيارهم لمرشح واحد فقط، وهو العدد المطلوب منهم التصويت له في كل دائرة، اما ان تطلب منهم ان يختاروا عشرة مثلا او اكثر من خمسين، كما هو الحال في العاصمة بغداد التي يعدها القانون الحالي دائرة واحدة، فانه امر عسير.

كما ان مثل هذا النظام سيساعد الناخب على مراقبة ومحاسبة النائب بشكل اكثر فاعلية.

انه سيضطر القوائم لتقديم مرشح واحد فقط في كل دائرة، وليس عدة مرشحين، ما يجبرهم على المفاضلة، واختيار الافضل والاحسن والاكفا والاحرص على الخدمة العامة.

لم نسمع في كل دول العالم المتحضر والديمقراطي، ان حزبا ما قدم اكثر من مرشح في دائرة انتخابية واحدة، ليتنافسوا فيما بينهم، الا في العراق، وهي من الاشياء المضحكة في ديمقراطيتنا، لان الدوائر الانتخابية واسعة جدا، ولان الحزب او الكتلة مشتتة غير قادرة على التحكم بمرشحيها

ان حصر كل قائمة مرشحيها بعنصر واحد فقط لكل دائرة، سيساهم كذلك في التقليل من صرف الاموال على الحملات الانتخابية، وكذلك في التقليل من الفساد.

ان نظام القائمة المفتوحة بالكامل، بلا لف او دوران، سيساعد على ايصال مرشحين الى مجلس النواب يتميزون برصيدهم الشخصي، من جانب، وانهم سيحجزون مقعدهم تحت قبة البرلمان بارادة الناخب حصرا وليس بارادة زعيم القائمة التي هي في الاصل متعددة الاهواء والولاءات كونها لم تتشكل من حزب وانما من احزاب تكون في اغلب الاحيان متصارعة فيما بينها

ان المرشح الذي يحجز مقعدا بارادة الناخب يظل يشعر بانه مدين للمواطن حصرا ولا دخل لزعيم القائمة في نجاحه، ولذلك تراه يبذل كل جهده من اجل ارضاء طموحات الناخب، حتى اذا جاء مسعاه احيانا على حساب مصالحه الشخصية او مصلحة الحزب الذي ينتمي اليه.

ان الكثير من اعضاء مجلس النواب، وبدورتيه الحالية والسابقة لم يحجزوا مقاعدهم الا بسبب ولائهم لهذا الزعيم او ذاك، وفي احيان كثيرة بسبب العلاقات الاسرية، ولذلك فان النائب لا يفكر ابدا في ان يتجاوز (الزعيم) الضرورة باي شكل من الاشكال لانه يشعر بانه ولي نعمته وانه صاحب الفضل عليه في الوصول الى البرلمان، ولطالما شكى لي نواب من عجزهم عن ابداء آرائهم بحرية او التصويت او الامتناع بحرية، خوفا من بطش (زعيم) القائمة او زبانيته، الذي يمارس سياسة تكميم الافواه كلما احس بخطر.

ان تغيير قانون الانتخابات سيتيح للمرشحين الاكفاء ولذوي الشخصية القوية القادرة على انتاج الافكار والمشاريع والشجعان في قول كلمة (لا) لاي كان عندما تقتضي الضرورة لمحاربة فساد او الكشف عن عجز، الوصول الى البرلمان، اما الان فان الكثير من النواب امعات، لم نسمع لهم حسيسا، لا يرفعون ايديهم للتصويت الا باشارة (الزعيم) فهم خائفون طوال الوقت من (الزعيم) الذي اذا غضب على احدهم فسيخسر النائب حضوته في حضرته وبالتالي فقد يخسر الكثير من امتيازاته التي كان يحلم بها فيما مضى من الايام.

لماذا لم نسمع من نائب، اي نائب، انتقادا يوجهه ضد زعيمه مهما اخطا او فشل او تجاوز؟ لماذا لم نسمع ان احدا منهم انتقد قائمته مهما اخطات؟ انهم كفرق الكومبارس يصفقون متى ما طلب منهم الزعيم ويهبون هبة رجل واحد دفاعا عنه اذا ما تعرض لانتقاد او دعي لمساءلة او وجهت له تهمة.

ان وصول مثل هذه النماذج من (النواب) هو الذي شل عمل البرلمان، خاصة على صعيد الرقابة والمساءلة، فضلا عن العقاب اذا ما اقتضت الضرورة.

وان برلمانا يخضع لزعماء الكتل، يعجز عن محاسبة احد، فاذا كان كذلك اضاع احد اهم مهامه الدستورية الا وهي مهمة الرقابة على الاداء.

 ختاما: شكري الجزيل والوافر للزميل نوري صبيح ولـ (البينة الجديدة) لاتاحتهم لي هذه الفرصة الثمينة.

 25 نيسان 2012

مع الشكر والتقدير سلفا

تحياتي

 

 Back Home Next