الم يقل رب العزة، وهو خير القائلين، يصف القرآن الكريم بقوله تعالى {ان هذا القرآن يهدي
للتي هي اقوم}؟ فلماذا حالنا، اذن، اسوء حال بين الامم؟ ولماذا كل هذا الانهيار في المنظومة الاخلاقية والاجتماعية والسياسية وفي كل شئ، والتي ابتلينا بها بشكل
مرعب؟ لماذا كل هذا التمزق والتخلف والتقهقر، ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين؟ الا يعني ذلك احد امرين، فاما ان يكون القرآن الكريم قد نفدت آياته وانتهت صلاحيته
فلم يعد فيه ما ينفع لحياتنا اليوم، فهو تحول الى كتاب تاريخي نقدسه ولا نقرا آياته الا في المقابر؟ او ان نكون نحن، العرب والمسلمين، لم نعد نعرف كيف نقراه لنستفيد
من آياته واحكامه؟.
بالنسبة الى الاحتمال الاول، لا يمكن ان يكون سليما لان الله تعالى الذي انزل القرآن الكريم
وصفه بآيات عديدة تثبت عكس ما ذهب اليه هذا الاحتمال، فلقد قال تعالى:
{شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} |
وقال تعالى:
:
{نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القران} |
وقال تعالى:
ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم
ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا |
وقال تعالى:
{وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا} |
وقال تعالى:
{ولقد صرفنا للناس في هذا القران من كل مثل}. |
كذلك، فقد قال رسول الله (ص) الذي بلغ القرآن الكريم {ان الله يرفع بهذا الكتاب اقواما ويضع
آخرين}.
وعن امير المؤمنين عليه السلام قال: خطب رسول الله (ص) فقال {لا خير في العيش الا لمستمع
واع او عالم ناطق، ايها الناس، انكم في زمان هدنة، بضم الهاء، وان السير بكم سريع، وقد رايتم الليل والنهار يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، وياتيان بكل موعود،
فاعدوا الجهاد لبعد المضمار}.
فقال المقداد: يا نبي الله ما الهدنة؟ قال:
{بلاء وانقطاع، فاذا التبست الامور عليكم كقطع الليل
المظلم، فعليكم بالقرآن، فانه شافع مشفع، وماحل مصدق، ومن جعله امامه قاده الى الجنة، ومن جعله خلفه قاده الى النار،
وهو الدليل الى خير سبيل، وهو الفصل ليس بالهزل، له ظهر وبطن، فظاهره محكم،
وباطنه علم عميق، بحره لا تحصى عجائبه، ولا يشبع منه علماؤه،
وهو حبل الله
المتين، وهو الصراط المستقيم، فيه مصابيح الهدى، ومنار الحكمة، ودال على الحجة}. |
اما امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فقد وصف القرآن الكريم بقوله {وان القرآن
ظاهره انيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات الا به}
وقال عليه السلام {وتعلموا القرآن فانه احسن الحديث، وتفقهوا فيه فانه ربيع القلوب،
واستشفوا بنوره فانه شفاء الصدور، واحسنوا تلاوته فانه انفع القصص}
وقال عليه السلام {وكتاب الله بين اظهركم ناطق لا يعيا لسانه، وبيت لا تهدم اركانه، وعز لا
تهزم اعوانه}
وقال عليه السلام {كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد
بعضه على بعض}.
هذا بالنسبة الى الاحتمال الاول، اما الاحتمال الثاني، فهو الصحيح الذي لا جدال فيه.
مشكلتنا اننا لم نتعامل مع القرآن الكريم بالطريقة الصحيحة والسليمة التي تمكننا من ان
نستفيد منه لحياتنا اليومية، ولذلك ترانا في تيه وفتن عمياء تترك اللبيب حيران، كيف؟.
لقد وصف رسول الله (ص) نفسه بمدينة العلم، والعلم هنا القرآن الكريم، اي ان الرسول الكريم
(ص) هو القرآن الكريم، لا يفترق عنه ولا يختلف معه قيد انملة، ولكنه (ص) في نفس الوقت حدد لهذه المدينة بابا فقال {انا مدينة العلم وعلي بابها} فدعا من يريد ان يلج
هذه المدينة وينهل من علمها ان يدخل من بابها حصرا، كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم {وليس البر بان تاتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من
ابوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون} اما من يتسلق الجدران كاللصوص فلا يستفيد من العلم شيئا، ومن هنا تبدا مشكلتنا مع القرآن الكريم وسوء علاقتنا به.
لقد اضاع المسلمون الباب التي امرهم رسول الله (ص)
بان يطرقوها لدخول مدينة العلم، وراحوا يبحثون عن ابواب شتى، فتراهم اليوم يتبعون كل ناعق ينطق بآيات القرآن الكريم كذبا وزورا فيدعي من العلم ما ليس فيه وعنده، حتى
اوردوهم المهالك والفتن، اما اهل البيت عليهم السلام الذين هم عدل القرآن الكريم، وهم القرآن الناطق، فليس فقط لم ياخذوا منهم القرآن الكريم، وانما راحوا يستعدونهم
بكل الطرق، اذا بهم يصرفون الملايين من مال البترودولار التي تتحكم بمصيره واحدة من افسد الاسر الحاكمة في العالم، واقصد بها اسرة آل سعود، لانتاج الاعمال الدرامية
من اجل تشويه الحقائق وتزوير التاريخ لتضليل الراي العام الذي يقاد اليوم كقطيع تائه لا يعرف ما يراد له ومنه، وللاسف الشديد.
لقد اوصانا الرسول الكريم (ص) بان ندخل مدينة العلم من باب اهل البيت عليهم السلام، فقال
(ص) {علي مع الحق والحق مع علي} و {علي مع القرآن والقرآن مع علي} و {علي عدل القرآن} فاهل البيت عليهم السلام الذين وصفهم امير المؤمنين عليه السلام بقوله {هم موضع
سره، ولجأ امره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه، بهم اقام، رسول الله (ص) انحناء ظهره، واذهب ارتعاد فرائصه} وقال عليه السلام {نحن شجرة النبوة،
ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم} وقال عليه السلام {لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه} هم الباب التي ندخل بها الى مدينة العلم التي وصف
بها رسول الله (ص) نفسه.
ولتوكيد هذه الحقيقة انزل الله تعالى العديد من آيات كتابه الكريم بحق اهل البيت عليهم
السلام لتوجيه الامة اليهم فيدخلوا مدينة العلم من بابهم فحسب، فقال تعالى {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم
وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} وهي الاية المباركة التي ذكرت رسول الله (ص) وابنته فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين وصهره
وابن عمه ونفسه التي بين جنبيه وخليفته في امته امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهم السلام وسبطاه الحسن المجتبى والحسين الشهيد عليهم السلام.
ولقد سعى رسول الله (ص) الى تثبيت هذه الحقيقة
في سيرته المباركة، ان بالحديث الشريف او بالفعل او بالتقرير، فقال عن الحسن بن علي سبطه الاكبر وكريم اهل البيت عليهم السلام، ونحن نعيش ذكرى ولادته الميمونة في
الخامس عشر من شهر الله الفضيل رمضان المبارك {لو كان العقل رجلا لكان الحسن} وقال (ص) {اما الحسن فان له هيبتي وسؤددي، واما الحسين فله جودي وشجاعتي} وقال (ص)
مخاطبا سبطه الحسن عليه السلام {اشبهت خلقي وخلقي} وقال (ص) {وهو سيد شباب اهل الجنة، وحجة الله على الامة، امره امري، وقوله قولي، من تبعه فانه مني، ومن عصاه فانه
ليس مني} وعن انس بن مالك قال: دخل الحسن على النبي، فاردت ان امطيه عنه، فقال {ويحك يا انس، دع ابني، وثمرة فؤادي، فان من آذى هذا آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله}
وفي روايات عديدة ان رسول الله (ص) كان ياخذ حسنا فيضمه اليه، ثم يقول {اللهم ان هذا ابني، وانا احبه، فاحببه، واحب من يحبه} كما انه (ص) كان يجلس في المسجد ويقول:
ادعوا لي ابني، قال: فاتى الحسن يشتد، الى ان قال: وجعل رسول الله يفتح فمه في فمه، ويقول{ اللهم اني احبه، فاحبه، واحب من يحبه} ثلاث مرات.
وبسبب هذه المنزلة العظيمة التي حازها الامام الحسن السبط عليه السلام في آيات القرآن
الكريم وحديث رسو الله (ص) فهو عليه السلام سحب بساط الشرعية من السلطة الاموية، فبحسب ما ذكرناه اعلاه من احاديث عن رسول الله (ص) فان اي خلاف مع الحسن السبط عليه
السلام يكون فيه الطرف الاخر على باطل جزما وان الامام على حق، ولهذا السبب سعى الامويون الى تشويه الحقائق وتزوير النصوص من اجل نزع الحق عن الامام عليه السلام،
فاشاعوا الكذب بحقه ونشروا الاباطيل عنه، حتى تمكنوا، وللاسف الشديد، من تضليل طيف واسع من المسلمين من الذين اعمت ابصارهم الاكاذيب والاضاليل، ولكن، ومع كل ذلك،
يبقى الحسن السبط عليه السلام هو احد ائمة اهل البيت عليهم السلام الذين قال الحق عنهم {انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
ان تضييع الامة لباب مدينة العلم، واقصد بهم اهل
البيت، هو الذي دعاها الى ان تتشبث بكل من هب ودب ليقرا لها القرآن ويفسر لها آياته، وهو الجاهل الذي لا يفقه حرفا فيه.
انهم وعاظ السلاطين الذين يفسرون القرآن حسب اهواء الحاكم الظالم، وانهم فقهاء البلاط الذين
يقدمون من آيات القرآن الكريم ويؤخرون حسب الطلب، وحسب بما تقتضيه مصلحة الحاكم، فهم قائمون بخدمة السلطان ونزواته واهوائه وليس بخدمة القرآن الكريم.
واستمر الامر على هذه الحال حتى بات الفكر التكفيري الارهابي هو الذي يتحكم باتجاهات الراي
العام في الامة، فاذا بصوت فقهاء التكفير وعلماء الذبح والقتل والتدمير هو الاعلى في الافاق، فلقد امتلأت بهم فضائيات الشاشة الصغيرة ومواقع الانترنيت والمجموعات
البريدية الالكترونية، ليمطروا الراي العام بصواريخ فتاواهم الداعية الى القتل والذبح على الهوية تحت شعارات براقة مثل الديمقراطية والثورة والربيع العربي والحرية
وحقوق الانسان، فيما يستحضرون اسوء ما في التاريخ من نماذج قبيحة وتسويقهم كابطال ورموز تاريخية تحتذى، كالطاغية ابن آكلة الاكباد معاوية بن ابي سفيان وابنه الرعديد
شارب الخمر وقاتل النفس المحترمة الطاغية يزيد والاخر عمرو بن العاص ومن لف لفهم من ابناء صاحبات الرايات الحمراء في الجاهلية.
وما يثير الدهشة حقا هو كل هذا الدعم الذي يتلقاه هؤلاء من قبل المجتمع الدولي الذي يدعي
الحضارة وحمايته حقوق الانسان وسعيه نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط، فاية ديمقراطية هذه التي سينشرها الفكر التكفيري التدميري؟ واية حقوق سيحميها هذا الفكر
الارهابي؟ واية حرية سينشرها هذا النهج التدميري؟.
ترى، كيف اجاز الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة، لنفسه ان يمتطي هذا النهج الارهابي لتحقيق
اسمى القيم الحضارية؟ هل يتصور بان الارهاب ينتج ديمقراطية؟ ام ان النهج التكفيري يصون حقوقا؟.
ان على الغرب والولايات المتحدة الاميركية ان تتذكر الالام التي تعرضت لها على يد هذا النهج
الارهابي المدمر، لتعيد النظر في متبنياتها الحالية، فلا تلعب بالنار من خلال التحالف مع الارهابيين ونهجهم التكفيري المدمر، وان عليها ان تقرر فورا فك ارتباطها
بهذا النهج، وبكل من ينتجه من انظمة قبلية فاسدة، وعلى راسها نظام القبيلة الحاكم في الجزيرة العربية، قبل ان يحترق بناره ان عاجلا ام آجلا.
على الجميع ان يحذر النهج
التكفيري الذي سيدمر العالم بعد ان يدمر البلاد العربية تحديدا، وان على الجميع ان لا يتماهل في الوقوف بوجه هذا النهج والتصدي له، فخطره لا يقتصر على فئة دون اخرى.
ان امة فقهاؤها تكفيريون،
وقادتها ارهابيون، وحكامها مستبدون، وابطالها ذباحون، لهي امة ميتة.