ما ان استشهد
سبط رسول الله (ص) الامام الحسين بن علي بن ابي طالب بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) في عاشوراء، العاشر من محرم الحرام عام
61 للهجرة على يد النظام السياسي الاموي القبلي المستبد والفاسد، حتى نهضت شقيقته عقيلة بني هاشم زينب الكبرى بنت علي عليهم
السلام لتحمل على عاتقها مسؤولية واحدة من اعظم الرسالات في تاريخ الانسانية بعد رسالة جدها رسول الله (ص) الاسلام، واقصد بها
رسالة كربلاء، بل هي الاسلام في جوهرها وفحواها ومحتواها، اولم يقل الحسين السبط (ع) في كربلاء قبيل استشهاده {ان كان دين محمد
لم يستقم الا بقتلي، فيا سيوف خذيني} وقبل ذلك قوله في وصيته التاريخية التي تركها عند اخيه محمد بن الحنفية بن امير المؤمنين
عليهم السلام {الا واني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امتي جدي، اريد ان آمر بالمعروف
وانهى عن المنكر، واسير بسيرة جدي رسول الله (ص) وابي علي بن ابي طالب}؟.
ولو تساءلنا هنا وقلنا: ما الذي فعلته
العقيلة زينب عليها السلام لتستديم نهضة الحسين (ع) كل هذا الزمن الموغل في العمق، بل الى يوم يبعثون؟ وما الذي كان سيحصل لولم
تتحمل المسؤولية؟.
لقد فعلت العقيلة عليها السلام كل ما من شانه ان يحفظ آثار النهضة الحسينية وحقيقتها وجوهرها من:
اولا: التشويه والتزييف،
ثانيا: الاندثار والضياع والنسيان.
وقبل كل شئ، فلقد حافظت العقيلة على تماسك
الجبهة الداخلية من التفتت والانشطار والتمزق، وهو امر في غاية الاهمية، فالتماسك الداخلي عنصر مهم من عناصر النصر، بل انه هو
النصر في زمن الهزيمة، فكم من ثورات انتصرت الا انها انهزمت بعد حين بسبب تفتت جبهتها الداخلية؟ وهو الامر الذي نراه اليوم في
اطار ما بات يعرف بالربيع العربي؟ والعكس هو الصحيح، فكم من حركات ثورية انهزمت امام النظام السياسي المستبد الا انها انتصرت
بعد حين عندما حافظت على تماسك جبهتها الداخلية من الانفراط.
وليس كل من يتصدى لمسؤولية ما بعد النهضة
ينجح في الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، ابدا، فالمتردد والشاك والمهزوز الايمان لا ينجح في ذلك ابدا، فالنجاح في هذا الحال
بحاجة الى ايمان عميق بالقيم والمبادئ التي جاهد وضحى من اجلها من سبقه في الطريق، والايمان هذا بحاجة الى ثقة عالية جدا بالنفس
وبالاهداف، كثقة الصحابي الجليل عمار بن ياسر، رضوان الله تعالى عليه، الذي قال في معركة صفين عندما حاول البعض تشكيكه بهدفه
وزرع الريبة في الامام علي عليه السلام (والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق وانهم على الباطل)
فالنصر والهزيمة برأيي الواثق بنفسه وبامامه وقائده لا تقاس بالتقدم والفرار وانما بالنهايات، فكم من نصر اعقبته هزيمة نكراء؟
وكم من هزيمة اعقبها نصر مؤزر؟.
كما ان النجاح في مهمة رص الصف والحيلولة
دون تفتت الجبهة الداخلية بحاجة الى قوة شخصية، فالضعيف لا يقدر على انجازها ابدا، ولان زينب بنت علي (ع) كانت على يقين بما اتى
به الحسين (ع) ولانها كانت واثقة من النصر والفتح الذي بشر به الامام الشهيد ولو بعد حين، ولقوة شخصيتها الرسالية التي ورثتها
عن جدها وامها وابيها وشقيقيها الحسن والحسين عليهم السلام، لذلك نجحت في الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية لمعسكر الامام، حيا
وميتا، في كربلاء وفي الكوفة وفي الشام وفي كل ارض حلت بها، فنسمعها تقول عليها السلام تخاطب الطاغية يزيد بن معاوية في مجلسه
بالشام {فوالله ما فريت الا جلدك، وما حززت الا لحمك} وهو تعبير ينم عن قوة في الشخصية ويقين في الايمان وثبات في الموقف.
وفي واحدة من اعظم العبارات التي تعبر عن الثقة بالنفس،
خاطبته عليها السلام بقولها:
فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك امدها، ولا
ترخص عنك عارها. |
ولقد قالت العقيلة هذه العبارة في لحظة كان
فيها الطاغية يمتلك كمل اسباب القوة والجبروت والقهر، من جانب، وكل اسباب الديمومة من دعاية واموال وقدرة عجيبة على التزوير
والتضليل وشراء الذمم، من جانب آخر، وهنا تكمن عظمة الثقة عند ابنة علي عليهما السلام.
ان هذه الثقة بالنفس هي مصداق حقيقي لقول
الله عز وجل يصف به المتقين في محكم كتابه الكريم بقوله {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون
الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} فالايمان الحقيقي بالغيب، والذي يعني اليقين بصفات الله عز وجل وعدم الشك فيها قيد انملة، هو الذي
يمنح الثقة العالية بالنفس وبما يؤمن به المرء، وان هذه الثقة هي التي منحت العقيلة كل هذا الصبر والصمود لمواجهة الانهيار على
الرغم من عظم المصيبة وفداحة الموقف وهول التضحية، وانني اجزم لو لم تكن زينب عليها السلام هي من تحملت مسؤولية رسالة عاشوراء
لرايناها تنهار امام العدو وتستسلم له، ما سينتهي بجبهة الحق الى الانهيار والتفتت الداخلي، وبالتالي اسدال الستار عن كل شئ.
ان الايمان الحقيقي بالغيب، وبصفات الله عز
وجل، كونه سينتقم من الظالم، عاجلا ام آجلا، وانه اذا امهل الظالم فانه لن يمهله ابدا، وانه تعالى سيخلق يوما للمظلوم على
الظالم اشد من يوم الظالم على المظلوم، ان كل ذلك كان الدافع الحقيقي لقول العقيلة (ع) تخاطب الطاغية ابن زياد:
ولتردن على رسول الله (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث
يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، وياخذ بحقهم {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون} وحسبك بالله حاكما، وبمحمد (ص) خصيما، وبجبرائيل ظهيرا. |
ان الواثق من نفسه لا يتزعزع ايمانه او
يقينه او موقفه، أوقع على الموت ام وقع الموت عليه، التف الناس حوله ام تركوه وحيدا، نصره المجتمع ام خذله؟ حقق نصرا ماديا ام
لم يحقق؟ فالنصر، في المفهوم الزينبي، هو نصر الارادة التي يجب ان تكسر، وليس النصر المادي، ولذلك لم يجانب الحقيقة من قال (ان
في عاشوراء انتصر الدم على السيف) الدم بما يمثل من رمزية معنوية وروحية وعاطفية تميل الى الحق اين ما مال، على السيف بما يمثل
من رمزية مادية دنيوية غشومة ظالمة تميل مع الباطل ومع اغراءات الطاغوت وترغيباته وترهيباته اينما مالت.
ان اعظم درس نتعلمه من العقيلة زينب عليها
السلام هو الوقار عند الهزائز، وعدم فقدان الاتزان
والتوازن، والذي ينتجه الصبر الذي ينتجه اليقين والثقة
وعمق الايمان.
لماذا ترانا نفقد توازننا في اول مواجهة مع
الظالم؟ بل لماذا ترانا نفقد توازننا بمجرد ان نختلف مع بعضنا؟ لماذا ننجر الى الباطل في اول خطأ يرتكبه الاخر بحقنا؟ لماذا
ننهار امام ابسط اغراء يقدمه الطاغوت او امام اول تهديد نسمعه منه؟ لماذا لا نتعلم كيف نحافظ على تماسكنا عند الخلاف والاختلاف؟
لماذا نلجأ، مع كل اختلاف في وجهات النظر، الى سياسة التسقيط والشتائم وكشف الاسرار ونشر الغسيل وتجبين بعضنا البعض الاخر؟.
لماذا لا نتعلم من زينب الكبرى عليها
السلام كيف نضبط ردود افعالنا عند الخلاف والاختلاف، فلا يجرنا باطل الاخر الى ان نخرج من الحق؟.
لقد عشنا في العراق مؤخرا مثلان لهذا الانهيار القيمي والاخلاقي،
الاول عندما اختلفنا في الراي بشان بعض
الشعائر الحسينية، بين مؤيد ومخالف، وهذا امر طبيعي جدا، وهو ليس بجديد في الساحة الشيعية، ولكن الجديد المخزي هو ان لا
يكتفي الطرفان بفتاواهم او بالكلام المؤيد او المخالف، وانما يستخدما الارجل والايدي والتنابز بالالقاب والسباب والشتائم
وغير ذلك مما يتنافى والوعي الحسيني الذي يرفض استخدام القوة لفرض الراي او اجبار الاخر على الاقتناع بما لا يؤمن به، فكلنا
نعرف بان الحسين السبط عليه السلام ظل يحاور القوم الى آخر لحظة في يوم عاشوراء، فرفض البدء بقتال وهو على يقين بان من
يقاتله سيخلد في نار جهنم، الا انه، بهذه الاخلاقيات والمناقبيات، اراد ان يعلمنا كيف نتعامل مع بعضنا وكيف نتحمل بعضنا
البعض الاخر وكيف نختلف وكيف نتفق وكيف نجتمع وكيف نفترق، فلماذا يتحول الاختلاف في وجهات النظر في اطار مدرسة واحدة الى
صراع والى اشتباك بالايدي والالسن؟ الا يكفينا ما نحن فيه من ازمات لنفتعل ازمات جديدة؟ الا يكفينا تحديات خارجية تهدد
كياننا وانتماءنا وهويتنا لنفتعل لانفسنا تحديات داخلية تذهب بريحنا وارادتنا ووحدتنا وقوتنا وتماسكنا اذا ما استمرت او
تكررت لا سامح الله؟.
ان على مراجع الدين وعلى الفقهاء
والعلماء، وان على المثقفين ان يحتووا الخلافات لا ان يصنعوها، وان عليهم ان يستوعبوا الساحة من اجل توحيدها وتنظيمها لا ان
يفعلوا ما يفرقها اكثر او يمزقها اكثر؟.
ان اخشى ما اخشاه هو ان يتحول الفقيه
الى سيف بيد الهمج الرعاع يهددون به من يختلف معه في الراي بالقتل والويل والثبور، لان مثل هذا السيف سيكرس الاستبداد
بنوعيه، الا وهما الاستبداد السياسي والاستبداد الديني، وهذا من اخطر ما يتعرض له المجتمع، اي مجتمع، فما بالك بالمجتمع
العراقي المسكون بالازمات والتحديات وكل انواع الاستبداد، بدءا من البيت والى السلطة السياسية مرورا بالمدرسة والشارع ومحل
العمل والجامعة والمسجد وغير ذلك.
فيا ايها العلماء والفقهاء والمراجع
والمثقفين وحملة الاقلام، رفقا بالعراقيين، فانهم اليوم بحاجة الى من يداوي جراحهم ويضمد نزيفهم لا ان يصب الملح على الجراح
ويعمق النزيف، بفتاوى اكل عليها الدهر وشرب، وبآراء لم تغن او تسمن من جوع.
اما المثل الثاني، فهو ما شهدته محافظة
الانبار عندما استغل بعض السفهاء حماس الجماهير ليدس انفه الطائفي في مسيرة الاحتجاج التي نظمها الاهالي مؤخرا.
ان التظاهر والاحتجاج والمسيرات
السلمية، كلها امور مندوبة اليوم في العراق الجديد، بل انها حقوق دستورية لكل مواطن عراقي يحاول التعبير عن رايه باية وسيلة
سلمية مناسبة، فليس في مسيرة الاحتجاج التي نظمها اهالي الرمادي اي ضير او ضرر لا على العراق ولا على شعب العراق، ولكن...
لماذا يجب ان تقفز الشعارات الطائفية
فجأة في وسط الاحتجاجات؟ لماذا لم يكتف المحتجون بالشعارات الوطنية؟ لماذا تركوا غربان الطائفية من الموتورين والحاقدين ومن
لف لفهم يرفعوا شعارات الطائفية البغيضة؟ لماذا تثيرنا الاجواء المشحونة فترى حتى عقلائنا ينجرون خلف الطائفية من حيث ارادوا
او لم يريدوا؟.
متى سنتعلم كيف نتعامل مع الازمات
السياسية بعيدا عن الطائفية والتمييز المذهبي والاثني؟ لماذا نعتبر خطأ المسؤول الشيعي خطأ الطائفة برمتها، وخطا المسؤول
السني خطأ الطائفة برمتها وخطا المسؤول العربي او الكردي خطا المكون باجمعه؟ لماذا هذا التعميم المنبوذ؟ اولم يقل رب العزة
{ولا تزر وازرة وزر اخرى}؟.
ان هذه اللغة لا تخدم العراق ابدا،
ويكذب من يدعي انه بمثل هذه الشعارات يعبر عن حرصه على العراق وشعبه ومستقبل اجياله.
ان مثل هذا عدو نفسه وعدو العراق
والعراقيين على حد سواء، ولذلك يجب على العراقيين ان لا ينجروا خلف امثاله من اجل ان لا يقعوا في الفخ، وذلك يتطلب ان نحافظ
على اتزاننا ووقارنا عند الخلاف والاختلاف، وعند التعبير عن قناعاتنا.
على العراقيين ان يعزلوا مثل هذه العناصر الطائفية المتشنجة، لنحمي البلاد والعباد من خطر الانزلاق الى التازيم الطائفي
مرة اخرى، فلقد جرب العراقيون ذلك من قبل فلم يحصدوا الا الندم آخرا، وما سياسات الطاغية الذليل صدام حسين الطائفية والعنصرية
ببعيدة عنا، ويتوهم من يتصور ان بامكانه العودة بالعراق الى سابق عهده فيعيد عقارب الزمن العراقي الى الخلف بمثل هذه التحشيدات
الطائفية والشعارات غير الوطنية، التي توظف العواطف النبيلة للشارع ليركب الموج بمجذاف الطائفية والعنصرية والتمييز.
لنستحضر الوطن ولنفعل ما نشاء ونقول ما
نشاء ونرفع من الشعارات ما نشاء، فليكن اتفاقنا وطنيا واختلافنا وطنيا وشعارنا وطنيا واحتجاجنا وطنيا، فذلك كله يخدم البلاد في
اطار الدستور والقانون.
ان من يوظف الخطاب الطائفي للتحريض ولاثارة
الفتنة من خلال استخدام الكلمات النابية التي يترفع القلم الشريف عن ذكرها انما يصف نفسه، وانا اربأ بنفسي هنا عن ذكر اوصافه.
تعالوا نتعلم من زينب عليها السلام كيف
نتعامل مع المحنة باخلاق راقية وادب جم وخطاب يقطر طهارة وايمانا بالقضية المقدسة، فالتسافل في الخطاب يضيع على المرء حقه مهما
كان الحق معه، لان الراي العام ينظر الى خطاب الرجال قبل ان يتفحص مواقفهم، ولذلك حرصت السيدة زينب عليها السلام على ان تظل
متماسكة منذ اللحظة الاولى التي اعقبت استشهاد اخيها سيد شباب اهل الجنة وحتى آخر لحظة من حياتها، فكم مرة حاول الطاغوت
(المنتصر ماديا) ان يستفزها لتنطق بما لا يقبله الذوق والعقل السليم، الا انها في كل مرة كانت تستوعب تحديه وتعيده حجرا تلقمه
به فيتراجع القهقري مخذولا مذموما.
قال لها طاغية الكوفة، عبيد الله بن زياد،
بعد ان وصلت اليها مع قافلة السبايا شامتا: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم، فردت {انما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو
غيرنا} فقال لها الطاغية: كيف رايت صنع الله باخيك واهل بيتك؟ فاجابته بوقار وادب جم {ما رايت الا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله
عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن يكون الفلج يومئذ، هبلتك امك يابن مرجانة}.
ان سبب تمردنا على القيم عند الخلاف والاختلاف هو التزمت والتعصب في الراي والموقف، وانعدام الوسطية والتوازن، واحتكار
الحقيقة، ولذلك نلاحظ ان الاسلام حث على الوسطية في القول والفعل، ودعا الى عدم احتكار الحقيقة باي شكل من الاشكال، وربما لهذا
السبب لا زال علماء المسلمين وفقهاءهم ومراجعهم يذيلون فتاواهم بعبارة (والله اعلم) والتي تشير الى ان الفتوى تحتمل الخطأ
والصواب، انما الواجب على الفقيه ان يبذل كل جهده المعرفي ويستفرغ كل طاقته العلمية للوصول الى افضل الآراء، من دون ان يعني ذلك
انه الحق والصواب بعينه، فما بالك بالحق المطلق؟.
ان اعظم قاعدة يجب ان نستذكرها دائما ونحن
نتحاور ويناقش بعضنا بعضا ونفتي وندلي براي، هو قول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم {وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين}
هذه القاعدة القرآنية التي تنفي الحق المطلق لاي انسان، كما انها تلغي فكرة احتكار الحقيقة من قبل احد، اي احد، هي التي يجب ان
تحكم علاقاتنا وتفاوتنا في الاراء والافكار والمتبنيات، من اجل ان لا يستعلي احد على احد ابدا، ظنا منه بانه يمتلك ناصية الحق
وغيره على باطل، ولذلك يجب قتاله حتى يفئ الى امر الله عز وجل.
ان من واجب الفقيه ان يبدي رايه الشرعي فقط
وليس عليه ان يفرضه على الاخرين، خاصة عامة الناس الذين لا يرجعون اليه بالتقليد، ومن المعلوم فان الفقيه الحاذق هو الذي يوظف
ادوات العلم والمعرفة عندما يناقش رايا او مسالة، بعيدا عن الاستهزاء والسباب والتهجم، لان كل ذلك له مردود عكسي على عملية
التاثير على الراي العام، اما ان يوظف او اتباعه، لا فرق، السلاح الابيض مثلا او التهديد والوعيد لفرض راي فقهي معين، فذلك ليس
من الانصاف في شئ كما انه ليس من الدين والعلم في شئ.
لقد اخبر مستشارو الامام امير المؤمنين علي
بن ابي طالب عليه السلام، وهو وقتها الخليفة المطاع والمبسوط اليد، اخبروه بان جماعة من المسلمين يؤدون صلاة التراويح جماعة في
مسجد الكوفة، فارسل لهم ولده السبط الحسن بن علي عليهما السلام ليمنعهم من ذلك قائلا له {أخبرهم بان امير المؤمنين يقول لكم بان
هذا الفعل حرام لا ينبغي لمؤمن فعله} فلقد حرم رسول الله (ص) اداء صلاة التراويح جماعة.
ذهب اليهم الحسن السبط عليه السلام ونقل
لهم راي الحاكم الاعلى في بلاد المسلمين، فكانت ردة فعلهم ان صرخوا بصوت عال وهبوا هبة رجل واحد قائلين (وا سنة عمراه) في اشارة
منهم الى ان الخليفة هذا يريد ان يمنعهم من سنة تعودوا عليها كان قد استنها لهم الخليفة الثاني.
عاد الحسن عليه السلام الى امير المؤمنين
عليه السلام ونقل له الموقف، فقال {دعهم وشانهم} فهو لم يبعث جماعته بالسكاكين لتخريب الصلاة في المسجد، كما انه لم يهدد باغلاق
المسجد اذا استمر المسلمون بذلك، او انه هدد بتدمير المسجد على رؤوس من فيه اذا ما كرروا الفعل الحرام في رايه الشرعي، ابدا،
بالاضافة الى انه عليه السلام لم يهدد احدا بالقتل او الاغتيال او اي شئ من هذا القبيل، اذا تمردوا على قراره ورايه الشرعي، لان
كل ذلك ليس من وسائل التغيير الاجتماعي ابدا، ونحن، اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام، انما اختلفنا مع
مدرسة الصحابة، فيما اختلفنا، في هذه النقطة على وجه الخصوص، الا وهي ان العنف والاكراه والجبر والقتل والارغام ليست من ادوات
نشر الاسلام ابدا، وانها ليست من ادوات التغيير الاجتماعي باي شكل من الاشكال، وهي الادوات التي ظل يمارسها الامويون حتى تحولت
الى (دين) يتعبد به من جاء من بعدهم الى اليوم، فترى التيارات السلفية التكفيرية تتعبد بمثل هذه الادوات لفرض رايها واتجاهاتها
وافكارها على الاخرين، فيقتلون زوار الحسين عليه السلام لمنعهم من السير اليه في الاربعين، ويفجرون السيارات المفخخة لارعاب
المؤمنين من محبي اهل البيت عليهم السلام للحيلولة دون اقامة الشعائر الحسينية، وهكذا.