Home 

دور الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية
 

http://www.al-shia.org/html/ara/

 

 

في واقع الأمر إنَّ الحضارَة الإسلامية هي ثمرة الجهود المتواصلة للأمة الإسلامية منذ انبِثَاق الدعوة المُحمَّديَّة المباركة .

فهم بِشعوبِهِم المُتنوِّعة وفي ظِلِّ الإيمان والعقيدة ذابوا في بَوتقة الإسلام، وَوَظَّفوا كل قواهم وإمكانيَّاتهم، وركَّزوا كل مَساعِيهم وجهودِهم لِخِدمة الإسلام وتحقيق أهدافه وأغراضه السامية، وبذلك أرسوا دعائم حضارة لا تزال البشريَّة مَدينَة لها، ومستفيدة منها .

ولقد كان للشيعة دور مؤثِّر في بنا صَرْح الحضارة الإسلامية الكبرى، ويكفي تصفح الكتب المؤلَّفة في العلوم والحضارة الإسلامية لنرى كيف تَلمَعُ فيها أسماء عُلَماء الشيعة ومُفَكِّرِيهِم .

علم الأدب :

ففي مجال الآداب العربية والعلوم الإنسانية يكفي أن نعرف أن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو مؤسِّسُها الأول، وأن تلميذه أبا الأسود الدؤلي هو الذي عمل على توسعتها وتدوينها.

وقد واصل علماء الشيعة – بعد ذلك – الجهود الحثيثة في سبيلها، كالمازني، وابن السكَّيت، وأبي إسحاق النحوي، وهم من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، والخليل ابن أحمد الفَراهيدي، وابن دُرَيد، والصاحب بن عبَّاد، وغيرهم من الأدباء الشيعة الذين كان كلّ واحدٍ منهم قُطباً من أقطاب اللغة والنحو والصرف والشعر وعلم العَرُوض في عصره .

علم التفسير :

وفي علم التفسير فالمرجع الأول لتفسير القرآن الكريم بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو – أيضاً – الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبعده أئمة أهل البيت (عليه السلام)، ومن بعدهم (عليهم السلام) عبد الله بن عباس وغيره من تلامذة أهل البيت (عليهم السلام).

وقد ألَّفَ عُلماء الشيعة طوال أربعة عشر قرناً مِئات التفاسير المتنوعة حَجْماً وكَيفاً ومنهَجاً .

علم الحديث :

وفي علم الحديث تقدَّمت الشيعة على غيرهم من الفرق الإسلامية في تدوين السنَّة، وكتابتها، ودراستها، على حين كان ذلك ممنوعاً في عصر الخُلَفاء .

ويمكن الإشارة في هذا الصعيد إلى عبيد الله بن أبي رافع، ورَبِيعَة بن سميع، وعلي بن أبي رافع، وهم من أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، ثم إلى أصحاب وتلامذة الإمام السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام).

علم الفقه :

وفي مجال الفقه تَخرَّج من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) علماء ومجتهدون كِبار، كأبَّان بن تَغلُب، وزُرَارة بن أعيُن، ومحمد بن مسلم، وكذلك مِئات المُجتهدين الكبار والعلماء المُحقِّقين كالشيخ المفيد، والسيد المرتضى، والشيخ ‌الطوسي، وابن إدريس الحِلِّي، والمُحقِّق الحِلِّي، والعلاَّمة الحلِّي، الذين خَلَّفوا آثاراً علمية وفكرية في غاية الأهمية.

علم الكلام والفلسفة :

هذا كله في مجال العلوم النَّقليَّة، وأما العلوم العقلية فقد تقدموا –أيضاً– على غيرهم من الطوائِف والفِرَق، كَعِلم الكلام، والفَلسفَة، لأن الشيعة يَمنحون العقلَ دوراً أكبرَ وأهمِّيَّةً أكثرَ مِمَّا يعطيه غيرهم من الفِرَق الإسلامية .

فَهُم بالاستلهام من أحاديث الإمام علي (عليه السلام)، وأبنائه المعصومين (عليهم السلام) سَعوا أكثر من غيرهم في بَيَان وشرحِ العقائد الإسلامية، وبهذا قَدَّمَت الشيعة للأمَّة الإسلامية جيلاً عظيماً من المتكلمين القَديرِين، ومن الفلاسفة الكبار .

ويُعدّ الكلام الشيعي من أغنى وأثرى المدارس الكلامية الإسلامية، فهو يحتوي –مضافاً إلى أدلة من الكتاب والسنة– على براهين قويَّة من العقل .

علم الطبيعة :

كما أنَّ أحد أُسُس الحضارة الإسلامية هو معرفة عالم الطبيعة وقوانينها، وقد تَخرَّج من مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) أشخاص معروفون كجَابِر ابن حَيَّان، وقد برعوا في مجال العلوم الطبيعية إلى درجة أن جابراً دُعِي في عصرنا هذا بأبي الكيمياء الحديثة .

علم الجغرافيا :

وفي علم الجغرافيا كان أحمد بن أبي يعقوب –المعروف بـ (اليعقوبي)– أول عالم جغرافي سَاحَ في البلاد الإسلامية العريضة، وألَّفَ كتاباً باسم : ( البُلدان )، وهو من عُلَماء الشيعة .

علوم أخرى :

على أن جهود الشيعة لم تَتَرَكَّز على هذه العلوم فحسب، ولم تقتصر خدماتهم على هذه المجالات، بل خدموا الإسلام والعالم في غيرها من العلوم، كالتأريخ والمَغازي والرجال، والدرَاية، والشعر، والأدب، وغير ذلك مِمَّا لا يسعنا في هذا المختصر سَردَ أسمائِها .

فإن هذه الجهود الكبرى التي بذلت في سبيل العلم والثقافة، وابتدأت من القرن الأول الهجري وحتى هذا اليوم، وأُسِّسَت من أجلها الحوزات، والمدارس، والجامعات، والمعاهد العديدة، قد تَمَّت على أيدي علماء الشيعة ورجالهم، الذين لم يفتئوا لحظة واحدة عن تقديم الخدمة للعالم البشري وللحضارة الإسلامية والإنسانية .

وأخيراً نقول :

إنَّ ما ذكرناه في هذه العُجالة هو في الحقيقة ليس إلا إشارة عابرة إلى دور الشيعة في مجال العلم والحضارة الإسلامية، ولو أردنا التفصيل لاحتَجْنا إلى مجلَّدات من الكتب .