|
أردوغان يصافح عاملاً تركياً خلال توجهه
للقاء السيد السيستاني في النجف أمس (رويترز) |
يسجل رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان هدفاً آخر في مرمى بعض
قادة الحركات الإسلامية في العالم العربي، بل الإسلامي أيضا.
ليس الأمر ناتجاً من كون أردوغان لاعبا سابقا في كرة القدم، وهو الذي ظهر على شاشة تلفزيونية تركية قبل أيام ليقيّم مباراة القمة بين فنر باهتشه وغلطة سراي.
ولم يكن الأمر من كون أردوغان خريج معاهد «إمام خطيب» الدينية في اسطنبول. كلا الأمرين لا يحث أردوغان على تسجيل الأهداف ولا في مرمى الحركات الإسلامية.
لكن الرجل الذي أراد البعض أن يطلق عليه لقب «السلطان العثماني الجديد»، لم يظهر يوماً من الحكمة وسعة الأفق، ما أظهره خلال
الأشهر القليلة الماضية من خلال «ثلاثية نظيفة».
كانت البداية من الاحتفال بذكرى عاشوراء في اسطنبول في كانون الأول الماضي حين شارك اردوغان الشيعة والعلويين في اسطنبول مراسم العاشر من محرّم، وألقى
خطابا تاريخيا لم يشك أحد لحظة بأنه صيغ بروح كربلائية. ومن يعد إلى نص الخطاب، الذي نشرنا معظمه في «السفير» حينها، لا يظن لحظة أن صاحبه ليس شيعيا بل
رئيس حكومة أحد أهم البلدان الإسلامية «السنّية».
وفي دلالة إضافية كان أيضا إلى جانبه حينها علي أكبر ولايتي مستشار الزعيم الديني والسياسي الشيعي الأبرز في العالم السيد علي خامنئي.
والمناسبة الثانية كانت أحداث البحرين حين حذر اردوغان من كربلاءات (بالجمع) ضد المتظاهرين البحرينيين، وجلهم من الشيعة في مواجهة الملكية المسيطرة، ذات
الصبغة السنية.
والمناسبة الثالثة حصلت أمس خلال زيارته إلى العراق التي شهدت سابقة تاريخية في العلاقة مع الأكراد بزيارته عاصمة إقليم كردستان ليكون أول رئيس وزراء تركي
يزورها.
مع ذلك فإن الحدث التاريخي لم يكن في اربيل بل في النجف عندما سجّل اردوغان لنفسه ولتركيا وللسنّة انه أول زعيم سنّي في العالم الإسلامي، وفي تركيا، يزور
ضريح الإمام علي في النجف الأشرف.
«ثلاثية» نظيفة سجلها أردوغان في مرمى»الآخر». وفي هذه المرحلة من «الثورات» يبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتسقط الأقنعة عن الوجوه.
ليس من رمز يستحق أن نضعه في خانة «الآخر» هنا أكثر من رجل الدين المصري الشيخ يوسف القرضاوي، الذي سجل سوابق غير مشرّفة في مسيرة رجل دين يفترض به الحكمة
والتعقل في زمن التوترات والاضطراب السياسي والاجتماعي.
حرّض القرضاوي حتى الثمالة ضد الإيرانيين، ليس كفرس بل كشيعة، معتبرا أن الإيرانيين يريدون أن يشيّعوا المنطقة. ولم يستطع حتى
الأكثر اعتدالا وانفتاحا من رجال الدين الشيعة، المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، أن يتحمل تلك المظالم فردّ عليه وكانت تلك المساجلة المعروفة.
ولم يكتف الشيخ القرضاوي بذلك بل ناقض نفسه حين اعتبر الانتفاضة في البحرين طائفية شيعية وليست ثورة، في حين اعتبر كل الثورات الأخرى (المدعومة من الأطلسيين)
أنها شعبية.
وأكمل الشيخ القرضاوي «النقل بالزعرور» عندما حرّض الشعب السوري على نظامه، انطلاقا من أن غالبية السوريين سنّة فيما غالبية النظام من العلويين.
«الشيخ المفتون» لم يكتف أيضا بفتنته السنية - الشيعية، بل دعا في إساءة إلى رجال الدين إلى القتل، عندما حرّض الشعب الليبي علنا على قتل رئيسه معمر القذافي،
فيما لم يدع إلى قتل الرئيس المصري حسني مبارك أو الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. ودعوة القتل هذه لاقت اعتراضاً حتى من كبار المفكرين المصريين، ومنهم
على سبيل المثال الأستاذ جميل مطر.
في اللحظات الصعبة والحرجة من تاريخ الأمة تكبر هامات وتصغر أخرى. والأمة ترى وتدرك وتعرف وتفهم وتميّز ويمكن لها أن تحاسب عند الضرورة.
صورتان تختزلان عقليتين وذهنيتين:
صورة تنتمي إلى الحاضر والمستقبل، وتدخل التاريخ لتحفر
عميقا في ذاكرة الأجيال،
وأخرى تنتمي إلى ماضي الجاهلية، السابقة على الدعوة
النبوية السمحة، ليلفظها التاريخ إلى حيث لا يبقى منها حتى مجرد ذكرى.