الاسلام ما هو؟؟
بقلم د. مصطفى محمود
الاسلام ليس حرفة ولا
يصلح لأن يكون حرفة ولا توجد في الإسلام وظيفة اسمها رجل دين
ومجموعة الشعائر والمناسك التي يؤديها المسلم يمكن أن تؤدى في روتينية مكررة فاترة خالية من الشعور ، فلا تكون من الدين
في شيء
وليس عندنا زي اسمه زي إسلامي .. والجلباب والسروال والشمروخ واللحية أعراف وعادات يشترك فيها المسلم والبوذي والمجوسي
والدرزي .. ومطربوالديسكووالهيبي لحاهم أطول .. وأن يكون اسم ك محمدا أوعليا أوعثمان ، لا يكفي لتكون مسلما .وديانتك على البطاقة هي الأخرى مجرد كلمة .
والسبحة والتمتمة والحمحمة ، وسمت الدراويش وتهليلة المشايخ أحيانا يباشرها الممثلون بإجادة أكثر من أصحابها.
والرايات واللافتات والمجامر والمباخر والجماعات الدينية أحيانا يختفي وراءها التآمر والمكر السياسي والفتن والثورات التي لا تمت إلى الدين بسبب
ما الدين إذن ... ؟!
الدين حالة قلبية .. شعور .. إحساس باطني بالغيب .. وإدراك مبهم ، لكن مع إبهامه شديد الوضوح بأن هناك قوة
خفية حكيمة مهيمنة عليا تدبر كل شيء .
إحساس تام قاهر بأن هناك ذاتا عليا .. وأن المملكة لها ملك .. وأنه لا مهرب لظالم ولا إفلات لمجرم .. وأنك حر مسئول لم تولد عبثا ولا تحيا سدى وأن موتك ليس نهايتك .. وإنما سيعبر
بك إلى حيث لا تعلم .. إلى غيب من حيث جئت من غيب .. والوجود مستمر.
وهذا الإحساس يورث الرهبة والتقوى والورع ، ويدفع إلى مراجعة النفس ويحفز صاحبه لأن يبدع من حياته شيئا ذا قيمة ويصوغ من
نفسه وجودا أرقى وأرقى كل لحظة متحسبا لليوم الذي يلاقي فيه ذلك الملك العظيم .. مالك الملك
هذه الأزمة الوجودية المتجددة والمعاناة الخلاقة المبدعة والشعور المتصل بالحضور أبدا منذ قبل الميلاد إلى ما بعد الموت
.. والإحساس بالمسئولية والشعور بالحكمة والجمال والنظام والجدية في كل شيء .. هوحقيقة الدين
إنما تأتي العبادات والطاعات بعد ذلك شواهد على هذه الحالة القلبية .. لكن الحالة القلبية هي الأصل .. وهي عين الدين وكنهه وجوهره
وينزل القرآن للتعريف بهذا الملك العظيم .. ملك الملوك .. وبأسمائه الحسنى وصفاته وأفعاله وآياته ووحدانيته .
ويأتي محمد عليه الصلاة والسلام ليعطي المثال والقدوة .
وذلك لتوثيق الأمر وتمام الكلمة .
ولكن يظل الإحساس بالغيب هوروح العبادة وجوهر الأحكام والشرائع ، وبدونه لا تعني الصلاة ولا تعني الزكاة شيئا .
ولقد أعطى محمد عليه الصلاة والسلام القدوة والمثال للمسلم الكامل ، كما أعطى المثال للحكم الإسلامي والمجتمع الإسلامي ..
لكن محمدا عليه الصلاة والسلام وصحبه كانوا مسلمين في مجتمع قريش الكافر .. فبيئة الكفر ، ومناخ الكفر لم يمنع أيا منهم من أن يكون مسلما تام الإسلام .
وعلى المؤمن أن يدعوإلى الإيمان ، ولكن لا يضره ألا يستمع أحد ، ولا يضره أن يكفر من حوله ، فهويستطيع أن يكون مؤمنا في
أي نظام وفي أي بيئة .. لأن الإيمان حالة قلبية ، والدين شعور وليس مظاهرة ، والمبصر يستطيع أن يباشر الإبصار ولوكان كل الموجودين عميانا ، فالإبصار ملكة لا تتأثر بعمى الموجودين ،
كما أن الإحساس بالغيب ملكة لا تتأثر بغفلة الغافلين ولوكثروا بل سوف تكون كثرتهم زيادة في ميزانها يوم الحساب .
إن العمدة في مسألة الدين والتدين هي الحالة القلبية .
ماذا يشغل القلب .. وماذا يجول بالخاطر ؟
وما الحب الغالب على المشاعر ؟
ولأي شيء الأفضلية القصوى ؟
وماذا يختار القلب في اللحظة الحاسمة ؟
وإلى أي كفة يميل الهوى ؟
تلك هي المؤشرات التي سوف تدل على الدين من عدمه .. وهي أكثر دلالة من الصلاة الشكلية ، ولهذا قال القرآن .. ولذكر الله
أكبر .. أي أن الذكر أكبر من الصلاة .. برغم أهمية الصلاة .
ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لصحابته عن أبي بكر .. إنه لا يفضلكم بصوم أوبصلاة ولكن بشيء وقر في قلبه .
وبهذا الشيء الذي وقر في قلب كل منا سوف نتفاضل يوم القيامة بأكثر مما نتفاضل بصلاة أوصيام .
إنما تكون الصلاة صلاة بسبب هذا الشيء الذي في القلب .
وإنما تكتسب الصلاة أهميتها القصوى في قدرتها على تصفية القلب وجمع الهمة وتحشيد الفكر وتركيز المشاعر .
وكثرة الصلاة تفتح هذه العين الداخلية وتوسع هذا النهر الباطني ، وهي الجمعية الوجودية مع الله التي تعبر عن الدين بأكثر مما يعبر أي فعل .
وهي رسم الإسلام الذي يرسمه الجسم على الأرض ، سجودا ، وركوعا وخشوعا وابتهالا ، وفناء .. يقول رب العالمين لنبيه
:
(( اسجد واقترب )) .
وبسجود القلب يتجسد المعنى الباطني العميق للدين ، وتنعقد الصلة بأوثق ما
تكون بين العبد والرب .
وبالحس الديني ، يشهد القلب الفعل الإلهي في كل شيء .. في المطر والجفاف ، في الهزيمة والنصر ، في الصحة والمرض ، في
الفقر والغنى ، في الفرج والضيق .. وعلى اتساع التاريخ يرى الله في تقلب الأحداث وتداول المقادير .
وعلى اتساع الكون يرى الله في النظام والتناسق والجمال ، كما يراه في الكوارث التي تنفجر فيها النجوم وتتلاشى في الفضاء
البعيد .
وفي خصوصية النفس يراه فيما يتعاقب على النفس من بسط وقبض ، وأمل وحلم ، وفيما يلقى في القلب من خواطر وواردات .. حتى
لتكاد تتحول حياة العابد إلى حوار هامس بينه وبين ربه طول الوقت ..
حوار بدون كلمات ..
لأن كل حدث يجري حوله هوكلمة إلهية وعبارة ربانية ، وكل خبر مشيئة ، وكل جديد هوسابقة في علم الله القديم .
وهذا الفهم للمشيئة لا يرى فيه المسلم تعطيلا لحريته ، بل يرى فيه امتدادا لهذه الحرية .. فقد أصبح يختار بربه ، ويريد
بربه ، ويخطط بربه ، وينفذ بربه .. فالله هوالوكيل في كل أعماله .
بل هويمشي به ، ويتنفس به ، ويسمع به ، ويبصر به ، ويحيا به .. وتلك قوة هائلة ومدد لا ينفد للعابد ال عارف ، كادت أن تكون يده يد الله وبصره بصره ، وسمعه سمعه ، وإرادته إرادته .
إن نهر الوجود الباطني داخله قد اتسع للإطلاق ..
وفي ذلك يقول الله في حديثه القدسي :
(( لم تسعني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن )) .
هذا التصعيد الوجودي ، والعروج النفسي المستمر هوالمعنى الحقيقي للدين .. وتلك هي الهجرة إلى الله كدحا .
(( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )) .
ولا نجد غير الكدح كلمة تعبر عن هذه المعاناة الوجودية الخلاقة ، والجهاد النفسي صعودا إلى الله .
هذا هوالدين .. وهوأكبر بكثير من أن يكون حرفة أووظيفة أوبطاقة أومؤسسة أوزيا رسميا...........