Back Home Next 

الكتاب والقرآن – الحديث النبوي كيف فَهَمَهُ الفقهاء!
 

تأليف الدكتور: محمد شحرور
عرض الدكتور: عبد الجبار العبيدي - بتصرف

jabbarmansi@yahoo.com

 

ابتداءً علينا ان نناقش التأكد الكبير من حرفية الحديث وكيف فهمه الفقهاء في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة .وكيف تم  نقله من قبل المُحَدثيين الذين عاشوا في القرن الثالث الهجري مثل البخاري ومسلم والنقلة الأخرين . وكيف تمت عملية النقل والتثبت منه. بعد ان أحدث كل هذا الأرتباك الديني والمجتمعي في عالم الأسلام وماحوله من كل هذه الفتن التي لم تخمد نارها اليوم والى أخر الزمان.

ان السبب الاساسي لجمع الحديث، أولاً وللتأكيد عليه هو سبب سياسي بحت. تولد عنه منطلق فكري عقائدي بعد انتهاء دولة الخلافة الراشدة وظهور دولة الامويين التي كانت تواجه مشكلة لا تعرف لها حلاً، ولم تواجهها دولة ملكية من قبل، وهي حاجتها الى دستور شرعي لا يعترف بشرعية الدولة الأموية، بعد ان جمعت بأيديها أحتكار السلطة،  والثروة، والمعرفة، والسلاح وأنتقالها الى دولة على غرار دولة بيزنطة. فكان هذا المنشأ بحاجة الى أرضية آيديولوجية كما عند الشيعة والخوارج. فظهرت بدايات التيارات الفكرية الفلسفية مثل الجهمية والقدرية والمرجئة.

هذه التيارات حاولت تبني الفهم الفلسفي للقرآن والرسالة النبوية وفق منهج جديد يخدم السلطة ولا يخدم عامة الناس. وهذا التوجه كان بعيدا عن حياة العرب الاجتماعية ضمن ظروف شبه جزيرة العرب. ان المشكلة التي نعاني منها الى اليوم هو تكريس مفهوم الحديث -اي حديث-  والتأكيد عليه تكمن فيما يلي:

 

هل نحن أفهم من الصحابة  في فهم الكتاب ؟.

 يقول المؤلف :

يجب ان نكون جريئين في قول الحق بدون خوف. الجواب هو نعم ولا في آنٍ واحد. فالجواب نعم: نحن نعيش اليوم في القرن الواحد والعشرين في مشاكلنا المعاصرة، والذي لا يعرف الصحابة عنها شيئا. ووجود الكتاب واختلاف الظروف والتطور العلمي في التفسير، فهل بأمكاننا ان ننتقل من عالم المطلق الى العالم النسبي، ونتحرك ضمن الحدود بشك يتناسب مع العصر الحديث. لذا فنحن اقدر منهم على معرفة النص،  ما وافق العصر أخذناه وما أختلفنا فيه تركناه وبذلك نجتاز مرحلة الزمن؟

والجواب لا :لأنهم فهموا الاسلام حسب شروطهم وظروفهم، فهل بأمكاننا ان نفهم النص بالعودة للقرن الاول الهجري ونفكر كما فكروا هم؟ وهذا مستحيل. هذا التداخل في فهم النص بين الفرق المختلفة الحالية –المنفتحة والمتزمتة تم تشويه التاريخ والتطور والزمان والمكان. فأصبحنا نتعايش مع اسلام خيالي  يعيش في فراغ وخارج التاريخ ولا علاقة له بالحياة والناس كما نحن اليوم في اجتهادات وفتاوى المتزمتين.

هذا التوجه الخاطىء المطبق حاليا من الفرق الدينية المتناحرة جعلتنا نعيش خارج الحياة الواقعية، فأذا لم تنتهِ ونستبدلها بكل جديد  فلا تقدم ولا خروج من المآزق ابداً. ان الخروج من المآزق هو فهم السُنة بمفهومها الحقيقي وهي "الأسوة الحسنة". وتحويل القرآن من المطلق الى النسبي وان نتصرف بالنص بما يتلائم وحركة تطور الحياة والمجتمع، لا كما تفرضه علينا مرجعيات الدين المختلفة مع نفسها ومع الأخرين.

هذا التوجه يجب ان لايفهم على أننا نكيل الأتهامات لهم او نقلل من قدرهم وعظمتهم، ولكن يجب علينا ان نعطيهم قيمتهم التاريخية النسبية دون ان نضعهم في المطلق.

ان ظهور الفرق المتزمتة هي التي وضعت الاسس الاولى لنظرية تبريرية ترجع الطاعة المفروضة على المسلم  على اي أعتبار اخر، فيصبح الحاكم الظالم وفق التنظير الجديد  أفضل من أنعدامه، ولا مفر من تأييده حتى يصل الى السلطة والقوة الغاشمة.

ان اول مظهر من مظاهر هذا الاتجاه هو اعتزال الصحابة الاوائل في التحكيم بين علي ومعاوية، فكان الحياد  في موقف مصيري هو بداية النفاق السياسي والديني عند المسلمين. هذا الحياد الذي خلق جبهة ثالثة يلجأ اليها كل متردد وضعيف.

والمظهر الثاني هو ظهور تيار الارجاء الانتهازي فكان نموذجا مؤسسا لخط الضعف وضياع الحق بالتقادم، وبذلك يكونون قد ضحوا بالحق والمبادىء تجنبا للفتنة.

وبعد تكوين الكتلة الساكتة ادرك الحاكمون ان شريعة الملك العضوض لن تستقر الا اذا شجعوا فكرة ابتكار الحديث المزيف فكان من نتيجتها ظهور فقهاء الجبرية والقدرية بمعنى ان كل شيء لم يحصل الا بقدر الله مشيئته (وما تشاؤون الا ان يشاء الله) متناسية تكملة هذه الآيات فضلا عن آيات الحرية الفكرية (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، (لكم دينكم ولي دين). وتوالت عليها فقهاء فكر الطاعة من امثال الماوردي والغزالي وابن تيمية وحتى بعض مرجعيات الشيعة من امثال السيد كاظم اليزدي الذي برر الاحتلال خوفا من الفتنة، (انظر أصول الضعف، لعلي كريم سعيد، ص31-32) .

لكن بالمقابل ظهرت اولى الحركات الفكرية في العصر الاموي  متمثلة بالمعتزلة من اصحاب الفكر الحر الذي طرحوا مسائل متقدمة لم يطرحها الفكر الاموي ومن رافقه،  كقولهم: ان القرآن نظرية تتعامل مع الواقع ولا تتعامل مع الفروض حين ألتقوا مع الامام علي: ( في ان الدليل هو الحجة). محاولين ضرب التوجهات الخاطئة لكن فكرهم قد اماته المتوكل العباسي (ت232للهجرة) بعد ان اكدوا على تحرير الفكر من كل جمود.

هذا التيار المتخلف نتج عنه امران في منتهى الخطورة:

  1. الاول : وضع حياة النبي في عالم المطلق بينما حياته كانت منسوبة لعرب الجزيرة بكل معطياتها.

  2. الثاني : الاصرار على ان أوامرالنبي ونواهيه هي وحي يوحى من الله فاضافوا عليها صفة المطلقية. وهنا أدخلونا في نظرية الوهم والطاعة المطلقة التي حجمت حرية الفكر وأوقفت حركة الاجتهاد الفكري.

من هذا المنطلق ظهرت الحاجة الملحة الى علم الحديث في خضم هذه المعركة التي اصبحت السُنة بمفهومها وتعريفها التقليدي الفقهي هو السيف المسلط  على رأس كل فكر حر نير

ونقول اصبح الظن عند المسلمين ان الرسول وكلامه هو الحل لكل معضلة دون تفكير، وقد زاد الطين بله هو ما جاء به المجلسي في كتابه بحار الانوار المتضمن (125 جزءً) وما به من فكر جبري لا يتناسب والتنوير.

اما السبب السياسي البحت وهو ان كل حركة سياسية، الشيعية، والسنية،  والخوارج، كانت بحاجة الى أرضية عقائدية لكي تكسب المؤيدين وتحافظ على استمراريتها مع الزمن، فكان الاعتماد على الحديث المرجع الفكري لكل فرقة من مصادرها المعتمدة في سياسة التطبيق..

ويقول المؤلف:

ثم هناك نقطة منهجية حول سند الاحاديث يجب ان لا نغفلها، ان نقلة الحديث في القرن الثالث الهجري استندوا الى المحدثين الذين لا يتصفون بصدق الرواية كأبي هريرة مثلا، وهذا أمر يدعو الى التساؤل وهو الذي لم يعيش مع النبي الا فترة ثلاث سنين لاغير. والذي نقل عنه الاف الأحاديث على الفاضي والمليان كأحاديث السواك واللحية واللباس وأكل التمر وشرب الحليب، (ونظرية صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فهو من الاحاديث التي اعتمدت لكون عين الانسان هي الوحيدة التي تحدد ابتداء شهر رمضان في ذلك الوقت المتقدم، بينما اصبح تحديد دخول الشهر وأنتهائه  غاية في السهولة وفقا لمعطيات العلم الحديث، لكن دكتاتورية الفقهاء ارادت لها رأيا لا يُخالف رغم علمها بخطئه الأكيد. وكلها احايث نبوية جاءت للفائدة الوقتية تتغيير بتغير الزمن والمكان، لكنهم اعتبروها حدية مع الزمن. وخاصة بعد ظهور التكنولوجيا الحديثة التي قلبت الموازين.

أني أرى أنه يجب أعادة دراسة سلوك النبي واقواله في غير الحدود والعبادات على هذا النحو وأعطاؤها المضامين المعاصرة الصحيحة والوطنية والقومية والاجتماعية.

 

ان النتائج التي يمكن ان نستنتجها في فصل السُنة هي كالتالي:

ان السُنة هي منهج  في تطبيق الكتاب  في الحركة بين الحدود.

bullet

فالكتاب يمثل الجانب المطلق في الأسلام،

bullet

والسُنة تمثل الجانب الأنساني من الأسلام أي الاجتهاد.

 

اعادة النظر في كتب الحديث ضمن المنهج التالي: 

تقسيم الاحاديث الى نبوية ورسالية.

bullet

 تقسيم احاديث الرسالة الى احاديث ملزمة بالنص والمضمون معاً والمتعلقة بالعبادات والحدود والاخلاق (الصراط المستقيم)، وأحاديث ملزمة بالمنهج كأحاديث التعاريف.

bullet

أعادة النظر بأحاديث الغيبيات على ضوء الفهم الحديث للقرآن وليس في ضوء تفسير الفقهاء الترادفي الخاطىء.

bullet

اعتبار كل احاديث الحلال والحرام والحدود التي لم يرد بها نص قرآني، أحاديث مرحلية مثل الغناء والموسيقى والتصوير. واعتبار احاديث عذاب القبر والروح على اعتبارها سر الحياة، احاديث ضعيفة بلا سند وعدم الأخذ بها من كل الفرق دون تمييز.

وفي الختام علينا ان نكون موضوعين في حب النبي وتقديسه ولا نضعه في عالم المطلق، اي كل ما قاله هو مقدس، فالعصمة كانت في الرسالة وليس بالرسول (ص)، يقول الحق: ( يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس،  المائدة 67 )  وهذا دليل قاطع على عصمة الرسالة، ولا احد في العالمين من المعصومين الا الله والقرآن الكريم، وحتى نبعد الاسلام عن الخرافة والتخريف الذي الصقوها به المتزمتين لنخلص التشريع من كل هفوات التاريخ .

مع الأسف نحن اليوم نتعايش مع الحديث الموضوع الذي وضعه الفقهاء والُمحدثين وليس مع الحديث الذي يحمل صفة التطور التاريخي  في النسبية الزمانية والمكانية. لأننا واقولها بكل ثقة نحن لم نستطع الى اليوم وبعد كل هذا الزمن الطويل ان نعطي تعريفا للاسلام، بعد ان عجزنا ان نتفاعل ايجابيا مع الفكر الانساني كله، دون خوف، أو وجل. فهل بأمكاننا نحن العرب والمسلمين ان نمتلك ميزانا مرناً نستطيع ان نتفاعل به مع الأخرين في الفكر والفلسفة؟ ساعتها سنستطيع ان نعطي تعريفا للاسلام على الصحيح، وحسب نظرية اسلامية المعرفة في التطبيق.

واستطيع ان اقول ان لا اسلام اليوم بين العرب والمسلمين كما جاء لمحمد (ص). بل هو اسلام الفقهاء والمحدثين ولا غير. 

نحن اليوم نعيش في ازمة فقهية حادة ولدت لنا كل هذه الفرق المتطرفة التي ادخلتنا في انفاق التفرقة والطائفية المقيتة وأبعدتنا عن الاسلام الصحيح، وما لم نجد حكومات واعية تخلصنا منها سنبقى في هذه المحنة الى أمد بعيد، وسنبقى بحاجة الى فقه حديث، وبحاجة الى فهم معاصر للسنة النبوية موحدين،  وعلينا ان نلتزم بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، بعد ان أضعنا القرآن والحديث والدين معا،

 وأصبحنا جميعا ممن تنطبق عليهم الآية الكريمة :( لكم دينكم ولي دين).