كانت
اعياد العراقيين منذ الفتح الاسلامي تشمل عيد الفطر وعيد الاضحى من كل عام.
كانت سمة الناس في ذلك الزمان
حبهم الجارف للاغاني العاطفية، انهم كانوا يعشقون الغناء، فقد اقترنت موسيقى الطرب لديهم برقة عواطفهم وخلجات نفوسهم حتى
غدت نعيمهم المفضل، تثير فيهم البهجة والسرور الى حد كانوا يستقبلون عذوبة الالحان بالدموع،
ولهذا كثرت مجالس الانس والسمر خاصة في
بيوت الاثرياء من الطيقة الارستقراطية، انهم كانوا مولعين بمظاهر الحياة الاجتماعية، ولذا كان حرصهم البالغ على التأنق
والتألق في الازياء والزيارات ومراسم القبول وآداب المائدة ضمن التقاليد السائدة،
كما سرى بين النساء الحرائر شغفهن
بالعطور النادرة، كعطر الزعفران والبنفسج والياسمين والمسك والكافور، يأنسن بطيب عبيرها ويتبخترن بشذى عبقها الفواح،
بينما اقتصر رغبة الاسر الموفورة في تزيين بيوتها بالورد والرياحين، فكانت احلى دلالة لمعاني الود والوداد مثلما كانت
باعثا لالهام الشعراء بمشاعر الخصب والخيال. وبهذه الروح التواقة، كان البغادة يهيؤن انفسهم لأفراح العيد ومباهجه بأيام.
كان
الصائمون من مسلمي العراق يستهلون صباحهم الاول بصلاة العيد ثم يتبادلون التهاني والتبريكات والزيارات
العائلية او يلتقون في المنتزهات العامة، لو كان موسم السنة ملائما، وهم في ملابس العيد الجديدة فرحين بانقضاء شهر رمضان
المبارك وقد ادوا ما عليهم من فروض الدين، يقضون ساعاتهم في القيل والقال. وآخرون واغلبهم من جيل الشباب يلتقون في ساحات
المدينة، حيث تتواجد انواع وسائل اللعب و التسلية، ومن ضمنها المهرجون. فكان هؤلاء المهرجين يقومون في تلهية الجمهور عن
طريق سرد النكت والنوادر والحكايات المثيرة للضحك، كان الشمقمق اكثرهم شهرة.
بيد ان معظم الأهالي كان ينطلق الى احضان
الطبيعة خارج المدن، حيث الشجر والماء لشم النسيم في الهواء الطلق، او من كان منهم يتهادى على صفحة مياه دجلة في زوارق
مزركشة جميلة، يضجون بالغناء مغتبطين، واخرون كانوا ينسحبون الى ركن هادئ، يختبئون فيه بعيدين عن اعين الفضول، بين خمائل
الورد والرياحين في خضرة بساتين الثمر الكائنة في اطراف بغداد، ليرتشفوا بما معهم من راح، ويتمزمزوا بما جلبوا من طعام.
وفي هذا السياق ينشد البحتري قائلا:
اشرب على زهر الرياض يشوبه |
زهر الخدود وزهرة الصهباء |
من قدح ينسي الهموم ويبعث
|
الشوق الذي قد ضل في الاحشاء |
كما انشد ابن الجهم صادحا :
لم يضحك الورد الا حين اعجبه
|
حسن الرياض وصوت الطائر الغرد
|
بدا فابدت لنا الدنيا بمحاسنها
|
وراحت الراح في اثوابها الجدد
|
قامت بجنته ريح معطرة
|
تشفي القلوب من الهم والكمد
|
لقد برع بعض جواري الخلفاء في العصر
العباسي في نظم الشعر وفن الغناء الى جانب اتقانهم فن الرقص على ايقاع موسيقى الجوق الخاص لقصر الخلافة. مما كان يرفع من
مستواهن الفني درجات، يزيد من انوثتهن سحرا واغراء، فيغدون بذلك فتنة من فتن العصر، كالجارية عريب مطربة المتوكل والجارية
دنانير مطربة البرامكة. لكن الشعب العراقي كان يستعذب سماع قصائد ابن الجهم، ينشدها في مثل هذه المناسبات :
الورد يضحك والاوتار تصطخب
|
والناي يندب اشجانا وينتحب |
والراح تعرض في نور الربيع كما |
تجلى العروس عليها الدر والذهب |
اما اعياد الفرس المسلمين: فكانت تشمل عيد المهرجان وعيد الربيع
(نوروز)، الذي كان اكبر اعيادهم، يستمر لأسبوعين. كانوا خلالها يخرجون الى البساتين والمروج الخضراء مع بزوغ الشمس،
مرتدين ثيابهم الأنيقة الزاهية، سعداء في احتفاليتهم. يتبارون بالتهاني فيما بينهم ويتهادون بالورد والرياحين. يقضون
ساعات النهار فرحين مرحين، يتحدثون مواضيع مشوقة ويتمتعون في شرب الشاي واكل المقبلات والحلويات، غالبا ما صنعوها في
بيوتهم، بينما ينطلق اطفالهم في الرياض الخضراء يلعبون ويصخيون، وصدى ضحكاتهم تملئ الاجواء، تفضي على المحتفلين مشاعر
السرور في مشهد بهيج متجليا في الماء والخضراء والوجه الحسن.
اما الفرس المجوس فكان من تقاليدهم ان يخرجوا قبل يوم عيدهم الى
الغابات المحيطة بمدينة بغداد، لجلب الاحطاب، يشكلون منها اهرامات عالية، وفي يوم العيد، تشعل النيران بعد غروب الشمس،
وعندما يحل الظلام، ينطلقون بالدوران حولها راقصين مبتهجين، يصخبون بالغناء بالعبارات التالية :
قد قابلتنا الكؤوس
|
ودابرتنا النحوس
|
واليوم هرمزدا روز
|
قد عظمته المجوس |
فالنار في دين المجوس مقدسة، والنار رمز
للديانة الزرادشتية، التي تعتقد بوجود إلهين في العالم (أله الخير ويرمز له بالنور، وإله الشر ويرمز له بالظلام).
هكذا يقضي اتباع المجوس ساعات الليل وهم
منهمكين في ممارسة طقوسهم العبادية. .
*(روز
تعني يوم).
واما اعياد النصارى، فكانت تنحصر بعيد الشجرة وعيد الميلاد وعيد
الفصح. فكان من تقاليدهم تزيين رؤوسهم بأكاليل الورد وفي ايدهم الخوص والزيتون، كما كانوا يحيطون مجالسهم بباقات الزهور
والرياحين وضوء الشموع. كما كان احتفالهم بعيد الفصح متميزا وعندهم ان نبي الله عيسى عرج الى السماء في مثل هذا اليوم بعد
صلبه.
وكان اكثر مناطق العراق احتفالية، الدير
الاعلى في الموصل ودير سمالو في الشرق من بغداد. كان العراقيون عشاق طرب، يسافرون اليهما ليساهموا في احيائهما، اما عن
طريق الدواب او نهر دجلة. وكان المحتفلون يتبارون في زيهم وزينتهم. يشربون الانخاب، ويضجون في اغاني صاخبة، يرقصون
ويمرحون حتى الصباح، تملأ الاجواء صدى ضحكاتهم، بعدما تمتلئ بطونهم بشراب الدير ويسكروا. وقد وصف احدهم تلك المشاهد
قوله:
ورب يوم في سمالو تمّ لي
|
فيه السرورُ وغيبت احزانه
|
فتلاعبت بعقولنا نشواته
|
وتوقدت بخدودنا نيرانه
|
حتى حسبت ان البساط سفينة
|
والدير ترقص حولنا حيطانه
|
لقد كان العراقيون في العهد
العباسي كما في بقية العصور معروفين بألتزامهم بدينهم ومذهبهم يمارسونه بكل تقوى، فكانت اغلب مساجد بغداد
تعج بالمصلين واهل العباد خاصة ايام الجمعة، لكن المجتمع العباسي كان يضم ايضا جماعات من الشباب الضال الذي انحرف عن الصف
السليم وانجرف باتجاه المحرمات وممارسة المجون، فلا عجب عندما يخبرنا التاريخ بان الحانات كانت منتشرة في بساتين المدن،
مفتوحة الابواب ليل نهار، انها كانت تعج بالجواري والغلمان، كانت تخفق لأغانيها المعازف والطنانير والدفوف، وتهيئ
لروادها اللهو المباح وغير المباح ومن حولهم الشياطين. فتصوروا سعة الموبقات في الاعياد ؟