Back Home Next 
 

الأعظمية ومحلاتها في الزمن الجميل
Fri Jul 31 2015  | (صوت العراق) - سرور ميرزا محمود
Read more: http://www.sotaliraq.com/mobile-news.php?id=212047#ixzz3hTtu6e3w
 


محلة الحارة ليستْ لانها منطقة حارة كما يتوهم البعض وانما سميت الحارة لكونها محلة صغيرة بالقياس الى بقية محلات بغداد، وهي تحاذي وتحيط مرقد الإمام أبو حنيفة النعمان ومسجده الذي لا يوصف من حيث الروحانية والتكافل كأنه روح ابو حنيفة فيه الان وكتب عنه الكثيرون لورعه وحكمه الفقهي الحنفي نذكر بعض ما قيل عنه:

قال ابن خلكان في تاريخه:  قبره مشهور يزار، بني عليه المشهد والقبة سـنـة (459هـ)

وقـال ابـن جـبـيـر فـي رحـلـتـه (وبـالرصافة مشهد حفيل البنيان، له قبة بيضاء سامية في الهواء، فيه قبر الإمام).

وقـال ابـن بـطـوطـة فـي رحـلته، (قبر الإمام أبي حنيفة (رض) عليه قـبـة عظيمة، وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الـطـعـام فيها ما عدا هذه الزاوية ثم عد جملة من قبور المشايخ ببغداد فقال: وأهل بغداد لـهم في كل جمعة يوم لزيارة شيخ من هؤلاء المشايخ، ويوم لشيخ آخر يليه، هكذا إلى آخر أيام الأسبوع).

وتضيف محلة الحارة بمكانتها الموقعية والدينية مرقد المتصوف بشر الحافي ومسجده الجامع. تعد محلة الحارة جزءا من الاعظمية التي تعتبر من المدن الدينية ففيها مرقد الإمام أبي حنيفة، ومرقد الشيخ أبي بكر الشبلي الصوفي الكبير، ومرقد الشيخ أبي الحسين النوري، وتحتضن مدرسة الإمام أبي حنيفة التي تأسست سنة (459هـ)، فلذلك يقصدها الزوار وطلاب العلم أو العمل من باكستانيين وهنود وأفغان وأتراك وعرب مسلمين، وكان الأمر مألوفاً أن تجد بعض طلاب العلم من الدول الإسلامية يجاورون مرقد الإمام أبي حنيفة في الحارة للدراسة والتعلم،

وقد مرت أقوام من هؤلاء الغرباء منهم من قام بالزيارة وانصرف ومنهم من مكث فيها للتعلم والتعليم أو طلب الرزق، فطاب له المقام فيها، ولا يمكن عد هؤلاء أو حصرهم، ومنهم من ترك أثراً طيباً في نفوس وعقول الناس ما زال عالقاً في الأذهان، ونذكر بعضاً من هؤلاء:

الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المغربي قدم العراق 1947 ودرس في كلية الملكة عالية ثم غادر العراق بعد ثورة 1958 توفي في المغرب سنة 1987. سكن في الحارة عندما استقر في العراق، دأب على إلقاء دروسه في مسجد خطاب في منطقة الشيوخ بالاعظمية يومي الاثنين والخميس بعد صلاة المغرب، يدرس فيهما تفسير القرآن الكريم والحديث الشريف، كان متضلعاً باللغة العربية استمر في هذه الدروس 3 سنوات من 1947-1950، ثم انتقل إلى مسجد الحاجة نشمية في شارع عشرين بالاعظمية ثم انتقل إلى جامع الدهان قرب ساحة عنتر وقد تولى خطبة الجمعة والعيدين في الجامع، درس فيه علم الحديث، انضم إلى الإخوان المسلمين في العراق ثم انفصل عنهم لتشدده في آرائه الدينية وعلماء بغداد لا يروق لهم التشدد ولا يحبونه مما اضطره إلى ترك الإخوان.

الشيخ علي الطنطاوي السوري زار العراق سنة 1936، درس في الثانوية المركزية وعدد من المحافظات العراقية وفي مدرسة الإمام أبي حنيفة المجاورة لجامع الإمام أبي حنيفة تنقل بين بلدان عدة، ثم استقر به المقام في مكة المكرمة وسكن فيها أكثر من 30 سنة وتوفي بها سنة 1999 عرف بولعه لبغداد والاعظمية حتى أنه ألف كتابا سماه «بغداد ذكريات ومشاهد» وقد طبع عدة مرات، وقد ذكر في مقدمة الطبعة الثانية سنة 1989، عن الاعظمية ورجال الاعظمية فقال (هل أجد الشيوخ الأجلة الذين جمعني بهم التدريس في دار العلوم الشرعية، الملحقة بمسجد الإمام الأعظم، الذي سميت باسمه ونسبت إليه مدينة الاعظمية؟ هل أجد العالم الغني الزاهد الشيخ أمجد الزهاوي، والعالم الحقوقي صاحب خزانة الكتب الكبيرة الحاج حمدي الأعظمي، والمفتي الصالح الشيخ قاسم القيسي، ومدير الدار الأستاذ الشيخ معمر فهمي المدرس؟

لقد كنت وحدي الشاب بينهم وكانوا كلهم اكبر مني سنا، خبروني ألا تزال غرفة الأثري في الوزارة حافلة بالصفوة المختارة من أهل العلم والأدب؟ ألا تزال المكتبة في دار الحاج حمدي في السفينة موئل العلماء والأفاضل؟ ألا تزال في دار الشيخ قاسم القيسي على شط دجلة تلك المجالس التي كانت لروحي روحاً ولقلبي طربا..

وقد سكن الشيخ علي الطنطاوي في مدرسة الإمام أبي حنيفة حيث يوجد سكن خاص للأساتذة فيها وكان يلقي في بعض الأحيان دروس الوعظ بعد العصر في جامع الإمام أبي حنيفة في شهر رمضان ويقول عن تلك الأيام (كنت أجلس في دار العلوم في الاعظمية كل مساء بأذن المدير، في هذا الصحن المشرق، تظللنا الأشجار قد أثقلتنا ثمارها وتحف بنا الأزهار قد ملأت صدورنا عطورها، ومن فوقنا زقزقة العصافير كأنها موسيقى بارعة، ما وضعت أنغامها عبقرية إنسان، وكان الفرّاش يعد الشاي، وكان الباب مفتوحاً، فليس تخلو عشية من أساتذة كرام يزوروننا أو طائفة من الطلاب يجيئون إلينا، أو جماعة من الجيران نبقى معهم بين أحاديث تدور، أحاديث في العلم وفي الأدب ومناظرات تخللها مراجعات في الكتب - وفي المدرسة مكتبة كبيرة فيها كتب قيمة - حتى نسمع داعي الله للصلاة، فندخل المسجد من باب بينه وبين المدرسة فنصلي بعد إنشاء جسر الأئمة الذي يربط الاعظمية بالكاظمية.

جرى استملاك بعض البيوت القديمة في الحارة التي تحيط بجامع الإمام أبي حنيفة إلى أن تم تهديم الكثير منها في نهاية الستينيات، فأصبح تحيط من حوله الساحات أو حدائق الجسر ولم يبق متصلا إلا بمقبرة الاعظمية، مقابل الحارة والجامع فما أن نعبر الشارع كانت هناك شركة الصباغ لنقل الركاب لصاحبها أحمد جميل فرج تنقل الناس من الاعظمية إلى شارع الرشيد وبعد شركة الصباغ تأتي مقهى عباس حسن كافر وهي مقهى واجهتها مؤطرة بالزجاج ثم تحولت إلى صيفية ولم يبق لها أثر فقد أقيمت مكانها بناية جمعية منتدى الإمام، في الجهة اليمنى منه حلويات فرج نعوش ومقهى شهاب توشة التي كان من روادها الشخصية الظريفة جاسم محمد هتلر المعظماوي وقصصه وفعالياته المحبوبة، أحبه أهل الاعظمية وغيرها وله اثر في ذاكرة المجتمع البغدادي،

وبعض من المطاعم الشعبية ومدخل سوق الأعظمية المشهور. شارع سعدة لا يتجاوز طوله 400 متر وسمي باسم امرأة ليست هي من الأميرات وليست هي من الخاتونات بل هي امرأة بسيطة أخذت شهرتها من الخبز الفاخر الذي كانت تخبزه في تنور بيتها وتتسابق العوائل على شرائه كل يوم كما انها كانت تمتاز بحلو الكلام وتساعد البعض باعطائهم الخبز بدون مقابل..

في الثلاثينيات من القرن الماضي دخلت الباصات الصغيرة الموحدة الى بغداد، كان يملكها اشخاص او شركات من القطاع الخاص، ويدخل الخشب كثيرا في هيكل الباص، وفي الداخل مقاطع خشبية لجلوس الركاب، يعمل في السيارة شخص ثان يسمى (السكن) وهو في العادة صبي يساعد السائق على جمع الأجور من الركاب وله واجبات المناداة، كانت محطة التوقف الاخيرة للباص (شارع سعدة) عند موقع بسطة السيدة سعدة، يخترق شارع سعدة مقبرة الخيزران خلف جامع الإمام أبو حنيفة النعمان..

وقسم المقبرة الى قسمين ومدفون بالجانب الأيمن منها أحد علماء المتصوفة وهو الشيخ أبو بكر الشبلي والعالم أمجد الزهاوي والعالم الديني مكي الواعظ والعالم الديني مفتي العراق الشيخ قاسم القيسي، والعالم الديني عبدالعزيز الخياط، والاستاذ ساطع الحصري، والشاعر الكبير معروف الرصافي والشاعر وليد الأعظمي وغيرهم..

وفي الجانب الأيسر دفن رائد المقام العراقي المغني يوسف عمر وهناك الكثير من الرموز العراقية دفنوا هناك وقد اندرست قبورهم عبر تقادم الزمن،

شارع سعدة الذي يربط السفينة بمرقد الإمام الأعظم يحوي على البيوت القديمة التي تتلألأ بالشناشيل الجميلة والدرابين الضيقة.. ولا بد أن يذكر طرشي ذيب، وجامع حسن بك وجامع صالح أفندي، ومقهى سعيد، ومقهى زكي، ومقهى راس الجسر الخشبي القديم ويسمى مقهى الوتار أيضا وهو صغير شتوي وفي ليالي الصيف تكون طاولات الجلوس في السطح وكان الشباب يلعبون الدومنا والطاولي وأطلالتهم على نهر دجلة.

محلة السفينة المعروفة تاريخياً بسوق يحي وقد سميت بالسفينة، وهي تسمية قديمة ترجع الى أيام الدولة العباسية وكانت مرسى لزوارقهم، وهكذا استمر الحال، فكان الناس من أهالي الأعظمية يتجمعون على شاطئ النهر لغرض البيع والشراء، يبيعون الصوف والجلود وملحقاته التصنيعية كالعباءات والغزول والخيوط وما الى ذلك، ويشترون من السفن المواد القادمة من الشمال فضلا عن الفاكهة كالرقي والبطيخ وغيرها مما تحمله تلك السفن، من مواد مختلفة، فيتم البيع والشراء ومن هنا يعتقد البعض سميت تلك المحلة نتيجة تجمع السفن بالسفينة.

هناك كان جسر خشبي لعبور المشاة والسيارات بين الأعظمية والكاظمية، وكان الجسر متحركاً لتسهيل عبور ومرور الدُوَب وهي السفن الصغيرة التي تحمل البضائع (إذ كان نهر دجلة عريضاً وعميقاً جدا). الشارع المتجه للمقبرة الملكية من رأس الجسر كان محل التبوغ لعبدالمجيد البدري مختار السفينة وهو والد الرياضي المعروف الأستاذ مؤيد البدري ثم يتراءى بيت تراثي تحول الى مكتبة للباحثين وعاشقي التأريخ والأدب أنها مكتبة العلامة حمدي الأعظمي الذي كان أول من منحه الملك غازي وسام الرافدين وهي أهم وأكبر المكتبات الأهلية في بغداد والتي كان يرتادها رجالات العلم والفضل والأعيان من علماء وادباء فضلاً عن الوزراء والوجهاء، كما كانت تعقد فيها امسيات ثقافية،

ومقهى الرصافي مجاور للمكتبة وكان الشاعر الرصافي يجلس فيه وهو قريب من منزله وحول المقهى الى دكاكين ومخازن وقسم منه مقهى صغير باسم (مقهى الأفندي) ويأتي بعدها مقهى الجرداغ ومحلات إبراهيم أبو البورك ومن بعده المحل المشهور للأدوات والالبسة الرياضية العائد للرياضي المعروف عوسي الأعظمي.

هذه مسانية السفينة التي يمارس فيها صبيان السفينة هوايتهم بالقفز إلى الماء، والمسناية عبارة عن بناء كبير في محلة السفينة بالاعظمية غمره نهر دجلة منذ حوالي 250 عاما او اكثر وهو بقايا جامع قديم لأن بعض القاشاني الأزرق الذي يستخدم بالجوامع وتكتب عليه بعض الايات القرآنية موجود بالقرب منها..