من المسلم به ان التاريخ السائد في المجتمعات الشرقية عبر - في كثير من جوانبه - عن مصالح الطبقات العليا ، وعن وجهة نظر الطغاة ، اما
الاتجاه الاخر فقد غيب قسراً ، لذلك تم تشويه الحقائق ، وسميت الامور بنقائضها ، فاصبح الجور عدلاً و
التمييز تسامحاً و الاحتلال فتحاً ، و العكس بالعكس ... فمجد العرب تاريخ الدولتين الاموية والعباسية ،
كأنها كانت ناصرة للحق وكأنها لم تبنى على الغلبة والقهر ، وكأن امراءها لم يكونوا الا اولياء صالحين ،
امتازوا بالزهد و التقوى ، رغم ان الحقائق توكد بانهم كانوا نسخا ممسوخة عن الاكاسرة والقياصرة ، بل
زادوهم طغياناً ، فوظفوا العقيدة وفقهاءها لخدمة الحكم .
ان مثل العرب كمثل الأتراك الاوزبك ، الذين زينوا قبر
تيمورلنك بالآيات ، ليصبح مزاراً يتبركون به ، وكأنه لم يسفك دماً !
وبالطبع فان سر التقديس يكمن في مكان اخر ، حيث قوافل الغنائم ، غنائم السلب والنهب ، من الجوار ي والعبيد
، التي لم تنقطع - في عهده - عن سمرقند ، فلم يبجله قومه الا رداً للجميل .
لقد لعبت الغنائم ، التي سلبها العرب من البلدان التي احتلوها ، وفق الآلية نفسها ، ولا سيما كنوز
الساسانيين ، من اللؤلؤ والذهب والفضة ، و التي لم ير العرب مثلها من قبل ( لم يسلم منهم أحجار مدينة
المدائن بعد تدميرها ، فحملوها على ظهور جمالهم ليعمروا بها مدنهم) .
ان معاوية بن ابي سفيان، الذي تاجر بدم عثمان ليجعل من نفسه - بعد التحكيم واغتيال علي بن ابي طالب -
قيصراً ، و بعد ان تسبب في مقتل اكثر من سبعين الف انسان في صفين ، دخل التاريخ كأحد أبطال الامة .
رفض الرجل طلب ابنة عثمان بالثأر لأبيها ، بعد ان نال - عن طريق قميصه المخضب بالدم واصبع زوجته المقطوع -
ما أراد، وذلك حفاظاً على استقرار الحكم ، فقال لها : " يا ابنة أخي ... ان الناس اعطونا طاعة واعطيناهم
اماناً ، واظهرنا لهم حلماً تحته غضب ، واظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، ومع كل انسان سيفه ، وهو يرى مكان
انصاره ، فان نكثنا بهم نكثوا بنا ، ولا ندري أعلينا تكون ام لنا ، ولان تكوني بنت عم امير المؤمنين خير
من ان تكوني امرأة من عرض الناس ".
وهكذا حسم داهية العرب مسالة الصراع السياسي والعسكري على السلطة ، بين قبيلة القريش التجارية المرابية من
جهة ،وبين الاعراب (البدو) و المهاجرين والانصار والموالي من جهة اخرى ، لصالحه ، وقضى بذلك على "جمهورية
العرب الاولى " (عهد الراشدين).
ان العرب في عهد الامويين ، وبحسب راي عالم الاجتماع
العراقي الراحل علي حسين الوردي ( 1913- 1995) ، لم يكونوا الا بدواً يحاربون في الغالب من اجل الفخار
والغنيمة ، وقد ادرك الخليفة عمر بن عبدالعزيز هذه الحقيقة ، فقام بسحب الجيوش من الثغور ، حيث كانت تغزو
القارة الاوربية ، لأنه لم يجدها سعياً في سبيل الله ، بل طلباً للثروة والسبايا ، فكانت تجارة مربحة
للأمراء ، الا الغنائم التي كانت يسلبها الاعراب ، تعود في النهاية الى القريش ، وكان هذا سببا رئيسيا
للصراع بين الغزاة ، وقد عبر والي الكوفة سعيد بن العاص عن ذلك صراحة ، بقوله ان سواد العراق (احدى
ممتلكات الفرس السابقة ) هي بستان قبيلة القريش مما اثار نقمة البدو على بني امية .
يقول الوردي في كتابه " وعاظ السلاطين " : " كان السلف الصالح فيهم عيوب ، جعلهم الوعاظ ملائكة ، بعد ان
جردوهم من الاخطاء ، لقد خلقوهم بأيديهم ،ثم جاؤوا الينا يريدون ان نكون مثلهم ".
سرق ابن عم علي بن ابي طالب ، واسمه " ابن العباس " ، الذي كان والياً على البصرة ، اموال الخزانة وهرب
بها ، وعندما لامه علي وهدده على فعلته ،رد غامزاً من قناة الدماء المسفوكة في موقعة الجمل وصفين .
لقد اعطى سعيد بن العاص - وهو ابن عم عثمان بن عفان – صورة نموذجية وأكثر الأمثلة وضوحاً عن أخلاق
الفاتحين ، عندما منح الامان لأهل طمسين ، مقابل فتح ابواب مدينتهم ، وذلك اثناء غزوته لبلاد طبرستان على
الا يقتل منهم رجلا واحداً ، الا انه اراد ان يمزح بأرواح الناس فبر الرجل بوعده ، حيث أبادهم عن بكرة
ابيهم ، ولم يبق الا على حياة رجل واحد!
ان الاسلام الذي دعا الى تحرير العبيد والرفق بهم ، كان سبباً في تكثيرهم ، فامتلك الصحابة اعدادا كبيرة
منهم ، وذلك عن طريق الحروب ، وقد اختير معظمهم من فئة اصحاب الصنائع ، لكي يعملوا لحساب اسيادهم كأبقار
حلوب عالية الانتاج .
لقد جعل موسى بن نصير من اسرى غزواته في افريقيا عبيدا ،
والذين بلغوا حوالي 000 300 ، وكذلك سلب عنوة من الاندلس ثلاثين الف فتاة ، جعل منهن جواري في قصور امير
المؤمنين .
كان المتوكل الذي كان من اظلم الخلفاء عربدة وسفكاً (نيرون الشرق) يملك اربعين الف جارية ، وكانت اخت
الخليفة الفاطمي "ست الملك " تملك لوحدها ثمانية الف جارية ، وعندما دخل صلاح الدين الايوبي قصور
الفاطميين في مصر ، وجد فيها اثني عشر الفا من العبيد فعرضهم للبيع ( لم يحررهم لوجه الله ! ) فاستمر
البيع لمدة عامين .
كان هارون الرشيد - الذي ملك حوالي 2000 غلام وجارية للجنس والطرب - اغزر الناس ذرفاً للدموع وقت المواعظ
، بحيث كان يغمى عليه من شدة البكاء الا انه كان اشدهم ظلماً ، ولكنه كان يعرف كيف يضع الرجل المناسب في
المكان المناسب ، اعجب مرة بغناء احد المطربين فعينه والياً على مصر !
لقد سار الدين والدولة في عهد الامويين في اتجاهين متعاكسين
، وقد وصلت العنصرية ذروتها في عهد هم ، فاعتبروا ان الاسلام جاء للعرب ، لكي يرفع مكانتهم بين الامم ،
لذلك كانوا يحتقرون الموالي ( المسلمون من غير العرب ) ، وكان لديهم مثل دارج يقول " لا يقطع الصلاة الا
ثلاث : حمار وكلب ومولى " ، ودفعهم الجشع ، الى التشكيك بإيمان اهل بلاد فارس وكردستان وخراسان ، لذلك كان
يؤخذ منهم نصف الجزية .
عندما انتفض الموالي تحت قيادة الاشعث و عبدالله الجارود ضد الظلم الاموي ، قال الحجاج للموالي : " انتم
علوج وعجم وقراكم اولى بكم " فشتتهم ، ومنعاً لتوحيد كلمتهم ، نقش على يد كل منهم اسم البلدة التي نفي
اليها .
لقد اتبع خلفاء بني امية سياسة التمييز بين الناس والتعالي عليهم ، وكان خلفائهم زهادا في الاقوال وظلاما
في الافعال .
ضرب الامويون الكعبة بالمنجنيق مرتين ، في زمن يزيد بن معاوية ، وكذلك في زمن عبدالملك بن مروان ، بسبب
احتماء عبدالله بن الزبير - حفاظاً على حياته – فيها .
عندما تولى معاوية بن يزيد بن معاوية الخلافة ، استشار استاذه عمر المقصوص في أمر الخلافة ، فقال له : "
اما ان تعدل واما ان تعزل " فاعتزل يزيد الخلافة ، الا ان بني أمية اتهموا المقصوص بانه أفسد خليفتهم ،
فقاموا بدفنه حياً .
اباح الجيش الاموي في واقعة الحرة ، في عهد يزيد بن
معاوية ،وبقيادة مسلم بن عقبة المدينة "يثرب" ، ولمدة ثلاثة أيام ، بسبب خلع الانصار لبيعة يزيد ،وذلك
لفساده ، فاغتصب اكثر من الف امرأة ، وقتل أكثر من ثلاثة ألاف انسان ، ويقال ان جندياً دخل على امرأة
ومعها صبي لها ، فطلب منها مالاً فقالت له " والله ما تركوا لنا شيئا ، فغضب الجندي ، واخذ برجل الصبي
والثدي في فمه ، فجذبه من حجرها ، وضرب به الحائط ،فانتثرت دماغه على الارض " يقول الوردي : "هكذا جرى
الفتح الاموي في المدينة ،ولكننا لا ندري كيف جرى في بلاد بعيدة " .
كان الخليفة وليد بن يزيد بن معاوية يرمي القران بالسهام ، ويأمر جاريته بالصلاة امام الناس ، وكان يصف
الدعوة بقوله :
نبوة ادعاها هاشميّ ... فلا وحي اتاه ولا كتاب
ان العنصرية الصرفة التي انتهجها الامويون ، ادت الى تحالف المظلومين من الشعوب المسلمة غير العربية في بلاد فارس وكردستان وخراسان مع
الدعوة العباسية ، وهذا ما يذكرنا بعميد الدولة العباسية ، ومهندسها الشخصية الكردية ابو مسلم الخراساني ،
الذي اشعل الشرارة الاولى للدعوة العباسية ، فطرد العرب من بلاد خراسان ، وانتهى امر الامويين في معركة
الزاب ( احد روافد نهر دجلة ) سنة 749 م ، ففر الخليفة الاموي مروان بن محمد من تلك المعركة ، فطارده
الجيش العباسي حتى منطقة الفيوم بمصر حيث قتل هناك .
لم يختلف العباسيون عن الامويين ، سوى انهم تظاهروا
بالتقوى ، فقربوا المعتزلة ( دعاة العقل ) ، الا انهم تخلوا عنهم تحت ضغط العامة ، فقربوا الفقهاء ، لكنهم
من الناحية العملية فاقوا الامويين وحشية ، فاسرفوا في الثأر ، وأبادوا الامويين ( لم ينج من مجازرهم غير
عبد الرحمن الداخل ) ، ونبشوا قبورهم ، واستباحوا الشام ، وقتلوا فيها اكثر من خمسين الف انسان ، وجعلوا
المسجد الاموي في دمشق اسطبلاً للخيول والجمال .
كان جنود المعتصم - الذين دخلوا عمورية انتصارا لشرف امرأة - لا يتحرشون في بغداد بالنساء فقط ، بل و حتى
الغلمان ، و لم يسرد لنا تاريخ الطغاة ، ماذا فعل هؤلاء الفاتحون يا ترى في عمورية ، او البلدان التي مروا
بها .
عندما تغزل احد المغنيين في مجلس الامين بالشعر النواسي ، الذي يتغزل بالغلمان ، طرب الامين وركب المغني ،
ومنحه عشرين الف درهم ، وقال للمغني الذي ابدى استغرابه لهذه المقدار الكبير من المال : " وهل هذا الا
خراج بعض الكورا ( الكورا جمع كورة تعني الضيعة ) وهذا مثال صارخ على تبذير الاموال ، التي نهبت من الناس
، الذين لم يبالوا بشيء ، مادام خليفتهم يغمى عليه عند المواعظ ، ومادام يبني لهم المساجد، تلك المساجد
التي كانت تزداد عدداً بازدياد وتيرة الظلم الاجتماعي .
ان الاف الجواري لم يشبعن غريزة الخليفة المهدي ولم يمنعنه من الزنا بعماته!
ان التاريخ السياسي للصراع القديم على السلطة تؤكد ، ان الفرق الدينية لم تكن سوى أحزاب ، فرزتها المصالح السياسية والاقتصادية المتضاربة ، وارتدت
رداءً مقدساً ، لم تكن لسواد الشعب فيها ناقة ولا جمل ، بل فرض عليهم - و في احيان كثيرة - فرضاً ، وقد
اعيد اثارة الموضوع من جديد و لأسباب سياسية أيضاً بعد رحيل الشاه عام 1979 وتقوم قنوات الاعلام الصفراء
بإثارة تلك النعرات من جديد
.
اما الخلفاء العثمانيون فلم يكونوا سوى وحوش في ثياب البشر
، فلم يسلم من جبروتهم حتى أفراد اسرهم.
يروي الكاتب التركي حلمي محلي ( سوري الاصل ) عن الصحفي التركي شاتين ألتاي ، في مؤلفه "خفايا التاريخ "
بانه بعد وفاة ارطغرل ، نشب نزاع على السلطة ، بين ابنه عثمان واخيه دو ندار ، فقتل عثمان عمه ليستولي على
الحكم ، ولينشىء الدولة العثمانية وليبدأ معها مسيرة الجرائم العائلية ، التي استمرت حتى عام 1922 . فقتل
مراد الاول ابن اورخان شقيقيه ابراهيم و خليل ، وكوى عيني ابنه ساوجي واعدمه ، حتى لا ينافس اولاده
الاخرين على الحكم .
اصدر السلطان مراد - في معركة كوسوفو عام 1389 - امر خنق ابنه يعقوب ، حتى لا ينافس شقيقه بيازيد الاول ،
حيث استدعي يعقوب من ساحة المعركة مع الصرب الى خيمة ابيه ، وهو على فراش الموت .
قام مراد الثاني بقتل عمه وشقيقه مصطفى ، وكوى عيني شقيقه الاصغر يوسف .
ان السلاطين العشرة ، الذين حكموا الدولة العثمانية ما بين الفترة 1299- 1566 ، قتلوا جميعا اولادهم
واشقاءهم من اجل السلطة ، فارتكب 27 سلطانا من اصل 36 وهو مجموع السلاطين العثمانيين ( الذين لم يحج احدهم
الى مكة ) جرائم عائلية .
عندما نصب مراد الثالث - وهو نجل السلطان سليم الثاني - على العرش ، خلفا لوالده ، قتل اشقاءه الخمسة ،
وكذلك قام ولده محمد الثالث - عندما تولى الحكم - بقتل اشقائه التسعة عشر ، وكذلك سبع جواري حوامل من
اشقائه ، وقتل ولده الصغير محمود ، وكان عمره 16 عاما ، لكي يبقي السلطة لولده السلطان احمد ،الذي كان
عمره آنذاك 14 عاما ، وكذلك وضع السلطان احمد شقيقه مصطفى في قفص ، وعمره 13 عاما ، بحجة انه مجنون حتى لا
يشكل خطراً عليه .
ان عدد الامراء العثمانيين الذين قتلوا على يد اهلهم 121 مقابل 44 رئيسا للوزراء .
اصدر السلطان محمد الفاتح امرا شرعيا ،حلل فيه قتل السلطان لشقيقه من اجل وحدة الدولة .
يبدو ان هذا لم يكن الا غيضاً من فيض فكيف كانوا يعاملون الرعايا يا ترى ؟