Home

 

 

شئون الدولة ما بين الاسرة الحاكمه ومجلس الوزراء

د.هشام العلي
 

زرت لأول مره منطقة قصر الحكم في الرياض في العام 2008 الميلادي ، في تلك المنطقة تقام افراح واحتفالات العيد لمنطقة الرياض ، فتحتضن الاهازيح والفنون الشعبيه والعرضة الحربية وتغدوا حركة العائلات رجالا واطفالا ، نساء وشيبانا ماثلة امام الاعين .

 

 

 

 

ذهبت الى هناك لأصلي في جامع الامام تركي بن عبدالله احد اشهر الجوامع بعد الحرمين الشريفين في المملكة العربية السعوديه ، فأسمه ومناسباته الدينية اعطته هذه السمعه والشهرة ، جامع كبير يتسع 17 الف مصلي ، وتبرز معالمه مئذنتان كبيرتان طويلتان ، والمساحة الخارجية الواسعة للمسجد يحيط بها رواق مظلل ملئت بالباعه كسوق بسيط للمصلين عند الخروج او للساكنين حول المسجد ، او للعابرين بسياراتهم قرب الطريق المؤدي للسمجد ، فيكون لهم هذا السوق غاية ومقصد . كانت عيناي تنتقل بين السوق تارة وبين المسجد تارة اخرى، حتى استقرت عيناي بالنظر الى هناك .. قصر الحكم ذلك البناء العظيم التي سميت المنطقة باسمه .

 


 

وفي قصر الحكم ذلك القصر الذي يرجع بناءه الى قبل 300 سنة ، بناه الامير دواس بن دهام عندما كان حاكما على الرياض . ومنذ ذلك الزمان كان قصر الحكم ببناءه العظيم من الحجارة الكبيرة واللون الاحمر الرمادي المأخوذ من لون رمال الصحراء ... منذ ذلك الزمان اصبح هومقر كل حكام وامراء الرياض ، فاصبحت الرياض عاصمة الدولة .

 


في العام 2009 الميلادي اجتمعت الاسرة الحاكمه ، والاسرة الحاكمه وفقا لنظام الحكم في المملكة العربية السعودية هم أبناء الملك عبدالعزيز واحفاده من ابناءه الذكور دون الاناث ، هم وحدهم من يحق لهم تولي مقاليد الحكم والملك ، كان الاجتماع مقتصرا على الأبناء دون الاحفاد فكانوا 15 ابنا بعد ان كان عدد ابناء الملك عبدالعزيز 36 ولدا ،

 

فتحدث امير مدينة الرياض الامير سلمان موجها خطابه الى كبير العائله " ان الامير سلطان سيتوجه للعلاج الى امريكا لمدة سنه ،، فان وافقتم فقد عزمت ان ارافقه في مرضه العضال وفي محنته العصيبة هذه " وبعد ان استمع الامير مشعل وهو كبير العائله لهذا القول ، ادار رأسه الى الملك عبدالله حاكم البلاد منذ العام 2005 الميلادي بعد وفاة اخيه الملك فهد ، ففهم انه يريد ان يستمع الى رأيه فيما تفوه به امير الرياض فأجاب " ان ولاية العهد و وزارة الدفاع مرتبطة بشخص الامير سلطان فكيف تخلو الرياض وهي العاصمه من اميرها أيضا ، فهذا كثير جدا على الدوله " ثم اتبع كلامه وهو يهز رأسه " انه امر في غاية الخطورة " هنا طلب الامير مشعل وهو اكبر ابناء الملك عبدالعزيز سنا من الاحياء ، طلب ممن عن يمينه وعن شماله المشورة بعد ان اسمعهم كلامه " اخونا تركي ترك شئون الدولة منذ سنين وقرر ان يسكن مصر ، فله ما اراد . كما انني لا أفضل ان يكون برفقة الامير سلطان اي ابنا من احدنا ، والا فأبناء الامير سلطان اولى بالأمر ، فيجب ان يكون احد منا نحن الاخوه هنا " ثم وافق على ما ابداه الملك عبدالله " وان لا يكون ذي منصب في شئون الدولة حتى لا يترك فراغا اكبر من فراغ ولاية العهد و وزارة الدفاع ، فأنتم كما تعرفون انه يرفض ان يتولى هذا المنصب احد غيره في غيابه " فما هو الرأي وماهي المشورة؟

 

هنا علق وزير الداخليه الامير نايف " الامير سلطان احتفظ بمنصب وزارة الدفاع لاكثر من 35 سنة ولم يتخلى عنها حتى بعد ان أعطي منصب ولاية العهد ، فلا اظن ان مفاتحته من ان احدا منا سيتولى هذا المنصب في فترة علاجه بفكره ذات فائدة او على الاقل لن تكون مريحه له ، فكلنا يعلم طبيعة مرضه الخبيث " بدأت ملامح ومشاعر عدم الارتياح واضحه على وجه الامير عبدالرحمن فهو نائب للأمير سلطان في وزارة الدفاع لأكثر من 30 سنه وكانت نفسه تأمله وتمنيه ان يتولى هذا المنصب في فترة علاجه الذي ستطول لمدة سنه وهو خارج البلاد ، الا ان رأي عقله كان اقرب الى لسانه مما تمنته نفسه " لم اتولى ادارة وزراة الدفاع في اي سنة او فترة من تلك السنوات الخالية ، حتى عندما يكون الامير سلطان في رحله علاجيه خارج المملكة " وواصل حديثه بنبرة فيها اصرارومؤكدا على قول الامير نايف " يجب علينا ان لا نفاتح الامير سلطان بشأن من ينوب عنه في وزارة الدفاع او ولاية العهد فهو لن يوافق " ثم ادار نظره الى اخوته جميعا " انه اخي كما هو اخوكم ولكنني اعرفه اكثر منكم فقد صحبته عن قرب لأكثر من 30 سنه ، فمن المؤكد انه لن يوافق .. هذا اكيد

 

" تقدم الملك عبدالله باقتراحه موجها حديثه الى الامير مشعل " لماذا لا يكون اخونا الصغير الامير مشهور ، فهو ليس عنده منصب في ادارة الدوله " ثم التفت الملك عبدالله الى الامير مشهور " فأنت اخونا الصغير وستظل اخونا الاصغر وان كان عمرك الان 59 سنة " فضحك الجميع . فالملك عبدالله صاحب لطف في الكلام ، صافي النفس والسريره محبوبا من اخوته ومن جلساءه ، وكان مجلسه في غير اوقات شئون الحكم وادارة البلاد مجلس انشراح لأسارير النفس من الهموم وزاد في احاديث التقاليد العربيه الاصيله التي اشتهرت بها ارض نجد والجزيرة العربيه . محافظا


على هيبته احتراما وواهبا الى النفوس محبة وسرورا... لكن الامير مشهور رفض " انا سوف اذهب مرافقا للامير سلطان ولكن كيف أعينه على المشورة في ما ترد اليه قضايا شئون وزارة الدفاع وقضايا المواطنين فانا ليس لي عهد بالامارة او شئون الدوله " انصت الجميع لكلام الامير مشهور وبدت القناعه شيئا وشيئا تتجه من عقولهم الى وجوههم ، ثم القت بظلالها على السنتهم ، فكان الصمت للحاضرين دليلا للقناعه من ان المرافق للامير سلطان يجب ان يكون ذا خبره ، والتي لن تتأتى لاي احد الا من خلال كونه امير او وزيرا في هذه الدوله ،

 

وهنا كرر الامير سلمان اقتراحه ان يكون هو المرافق " وان كانت المدة سنه فسأكون للامير سلطان السند والمعين في تقديم المشوره وحمل اعباء ادارة العمل فأنا خبير بالعمل لكوني حاكما للرياض لمدة تزيد عن 40 سنه" . وبدى الأمر ان الامير سلمان هو الخيار الافضل لمن يرافق الامير سلطان في رحلة علاجه فهو الوحيد الذي يقترح السفر . لم يستطع الملك عبدالله ان يخفي مشاعره التي ارتسمت على وجهه ، اذ رأي الملك عبدالله في نبرة الامير سلمان ارادة ورغبه اكثر منها اقتراحا في المرافقه ... وقرأ في عينيه ما تمنت له نفسه من غاية بعيده يصييبها من سفره مع الامير سلطان او مراد ينال به شان عظيم في مرافقته الى امريكا ، فتهون له ترك امارة العاصمه والبعد عن الدولة وشئونها ! ومع ذلك كله لم يستطع الملك عبدالله ان يتوقع تلك الغاية او ان يعرف ذاك المراد الذي بسببه كان الامير سلمان يصر على مرافقة الامير سلطان الى امريكا للعلاج . ووحده الامير مقرن ذو البشرة السمراء دون سواه رأى تلك المشاعر المخفيه التي بدت على وجه الملك عبدالله رأى مشاعر القلق وعدم الارتياح ، الا انه اثر الصمت لوجود كبير العائله فهو بيده الرأي ونهاية الامر.

 

عندها قررالامير مشعل ان يكون امير الرياض هو افضل من يرافق ولي العهد و وزير الدفاع الى امريكا واستدار الى الملك عبدالله " هذا قرار الاسرة الحاكمه بعد اجتماعهم والامر وتنفيذه خاضعا لقرارك كونك انت الملك على هذه البلاد " سكت قليلا واغمض عينيه ثم نظر الى الامير مشعل وبصوت هادئ ينم عن الحمل الذي سيتركه فراغ ثلاث مناصب في ان واحد على الدوله ، لهو حمل ثقيل " بعد غدا الاثنين يعقد مجلس الوزراء وسوف نناقش الامر مع الحكومة في كيفية معالجة غياب ولي العهد و وزير الدفاع بسبب التوجه الى امريكا للعلاج ، وسوف نتخذ القرار وفق ما تقتضيه مصلحة الدولة والمواطنين"


وتهلل وجه الاسرة الحاكمه بالارتياح بانتهاء هذا الاجتماع الذي استمر ثلاث ساعات وان كان اكثرهم اريتياحا هو امير الرياض لحاجة اظهرها وغاية اخفاها ليكون هو من يرافق الامير سلطان في رحلته العلاجيه.


في يوم الاثنين الموافق 7/8/ 2009 الميلادي جاء الخبر في صحيفة " اليوم " من ان مجلس الوزراء قد اعلن بالاجماع على الموافقه لسفر الامير سلطان ولي العهد و وزير الدفاع في رحلته العلاجيه الى امريكا لمدة سنه ولما تقتضيه المصلحة العليا للدولة فقد تقرر ان يرافقه اخيه الامير سلمان امير الرياض عضدا وسندا ومواسيا له في علاجه