وبعدما اطمأن حمدان الى نجاح دعوته، عند هذا التاريخ يختفي اسم حمدان اما بشأن الأخلاق والعادات يقول المؤرخ اللاذقي
|
هل القرامطة كانوا مسلمين ؟ الحلقة 1 آراء الكاتب بقلم الدكتور رضا العطار ridhaalattar@yahoo.com
طبقا لرواية الطبري يكون تاريخ ظهورالقرامطة في الكوفة بالعراق هوعام 278 ه ومنها انتشروا في الشام واليمن حتى استقروا اخيرا في البحرين، كان اسلامهم على مذهب الشيعة الأسماعيلية في الظاهر لكن محفزاتهم الباطنية كانت تتعارض والدين المزعوم. وبهذه الأستراتيجية جمعوا حولهم الأنصار وانتشروا في البقاع المذكورة، واقاموا فيها الكيانات القرمطية، كان الذي في البحرين اكثرها دواما، واتخذ نظامهم السياسي اخيرا منحا اشتراكيا. انبثقت فكرة القرامطة بداية في ذهن عبد الله بن ميمون القداح في الاهواز من بلاد فارس زاعما انه منحدر من نسل اسماعيل بن الامام جعفر الصادق، كان مشروعه المعلن نشر العقيدة الاسماعيلية لكن الحقيقة كانت غير ذلك، وفي سبيل جذب العامة من الناس اليه استعان بالسحر والشعوذة حينا وباظهار التقوى والنسك حين اخر، زاعما ان دينه هو دين النور، ثم ترك موطنه وتوجه الى الكوفة برفقة حسين الاهوازي، ينشر دعوته باثا فيها تعاليم مجوسية وفلسفية يونانية، ولم يلبث ان اختفى ابن ميمون من مسرح الاحداث، لكن صاحبه واصل نشاط سلفه في الحركة والتقى بنبطي اسمه حمدان قرمط، افضى اليه انه يدعو الى (الامام ) اسماعيل بن جعفر الصادق، وبعد كشف الوثائق والعهود اقتنع انه هو الشخص الذي يبحث عنه فسار معه الى مقر سكناه في قرية سليمه حيث عهد اليه برئاسة الدعوة، التي اسماها حمدان الحركة القرمطية نسبة اليه.
لكن المستشرق الروسي ايفانوف المتخصص في الاسماعيليات ينكر ان تكون للقرامطة صلة بالأسماعيلية، علما ان الفاطميين في القاهرة ذوي المذهب الأسماعيلي كانوا يبغضون القرامطة. فكانت العلاقات بين الدولة الفاطمية في مصر و دولة القرامطة في البحرين علاقات متوترة سيئة خاصة بعد غزو القرامطة لمكة المكرمة وسرقتهم الحجر الأسود من الكعبة، والذي لم يسترد الا بعد مناشدات الدولة الفاطمية دامت 22 سنة. كما يؤكد المؤرخ برنارد لويس ان لقرامطة البحرين طقوس دينية التي كانت تختلف تماما عن التي عند الأسماعيليين في مصر.
لقد تناثر القرامطة جغرافيا في اربعة بلدان عربية وهي العراق والشام واليمن والبحرين فمن الكوفة انطلقت دعوتهم التي لاقت تجاوبا كبيرا من قبل قطاعات واسعة من الفلاحين بعد ان وعدوهم به من تغيير ظروفهم الاقتصادية السيئة اذ كان الاقطاعيون يسومونهم سوء العذاب مع التقتير الشديد في الاجور، كما انضم اليهم ايضا جمع غفير من الطبقة الكادحة في المدن ممن كانوا يعيشون في بؤس مدقع. وقد وعدهم حمدان بانه سينقلهم من حياة الشقاء الى السعادة ومن الفقر وذله الى الغنى وعزه.
(ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ) وبعد ان صلب عوده وانتشرت دعوته في سواد الكوفة اشتبك بجيش العباسيين، كانت النتيجة ان وقع قائده القرمطي – ابن ابي قوس– اسيرا، فاقتيد الى بغداد وصلب على جسرها. ولا بأس ان نطلع على طبيعة الحوار الذي دار بين الخليفة العباسي المقتدر والقائد القرمطي الاسير الذي يلقي الضوء على حقيقة العقيدة القرمطية. فعندما وجهه الخليفة اليه السؤال التالي: (هل تزعمون انتم القرامطة ان روح الله والانبياء قد حلت في اجسادكم وانها ستعصمكم من الزلل ؟)، اجاب القائد العسكري الاسير قائلا : (يا هذا ان حلت روح الله فينا فما يضرك وان حلت روح ابليس فما ينفعك فلا تسال عما لا يعنيك).
كانت سوريا يومذاك تحكم من قبل دولة طولون، فهاجمها زكروية وتمكن من اسقاطها، لكنه عندما حاصر العاصمة دمشق، قتل على ابوابها، فبايع اتباعه الحسين من بعده ونادوا به خليفة. الذي اعلن من مسجد مدينة حمص انه امير المؤمنين، كما انه هو المهدي المنتظر، وقد اعلن للملا ان الشامة الموجودة في وجهه، انما هي في الحقيقة اية قرانية، لذلك لقبه الشعب بصاحب الشامة، وكان احد اقربائه واسمه عيسى المدثر، كان يزعم انه هو المقصود في سورة المدثر التي وردت في القران الكريم. وقد زحف الخليفة الجديد الحسين الى دمشق وحما وحمص والمعرة وبعلبك يقتل ويسلب ولم يكن له في دولته من الموظفين غير جلاده. ويحتفظ المؤرخ الطبري لهذا الطاغية برسالة يستهلها على هذا النمط: (من المهدي المنتظرالمنصور بالله، الحاكم بامر الله، المختار من رسول الله...الخ ) والجدير بالذكر ان احد اتباعه المدعو عبيد الله المهدي قد فر منه الى شمال افريقيا الذي تمكن هناك من وضع الحجر الاساس لاقامة الدولة الفاطمية في القاهرة بعدئذ. وعندما تكاثرت فضائع الحسين وعمت الفوضى البلاد التجا اهل الشام سرا بالخليفة العباسي المكتفي في بغداد، فقد كتبوا اليه يستغيثون به شاكين سوء احوالهم الذي قام الخليفة بدوره بارسال جيش جرار الى مدينة حما في سوريا فاستولى عليها وسحق حصن القرامطة فيها واسر الحسين القرمطي واقتيد ذليلا الى العراق حيث حمل على جمل وعرض في اسواق بغداد ثم صلب على جسرها. وبه انتهى النشاط القرمطي في الشام. واذا كانت هذه الحركة قد بائت في العراق والشام باخفاق ذريع، الا انها نجحت الى حد بعيد في ارساء حكمهم الوطيد في البحرين.
وقد سميت هذه الحادثة الاليمة في التاريخ بوقعة المشاحيط. لكن بقى الامن مفقودا والاوضاع مضطربة لاتستقر ولا تهدا الا في عام 905 م، حيث مات هذا السفاح مسموما على يد احد الأشراف الذي دعاه الى داره لعمل حجامة له، فوضع له السم في المبضع، هذا ما يقوله المؤرخ البريطاني نتنج. لقد كان للعقيدة الزيدية في بلاد اليمن يومذاك من الأسباب التي مهدت الى ترويج الافكار القرمطية، خاصة في المناطق الشمالية منها والتي لازالت بعض اجزائها مأهولة من قبل قبائل قرمطية تمارس تقاليدها الموروثة الى يومنا هذا، وهذا ليس بمستغرب اذا ما لاحظنا ان هذه الافكار كانت قد مدت جذورها في عمق المجتمع اليمني الى درجة اصبح من السهل على السلطة اليمنية البسارية من فرض نظامها الأشتراكي على شعب اليمن في اواخر القرن الماضي.
ابو طاهر نفسه يجلس على باب الكعبة وينادي باعلى صوته:
وبالرغم من ان ابو طاهر كان زنديقا، لكنه كان صليفا مدعيا نفسه امام المسلمين، وفي الوقت الذي كان جنده اثناء الغارة يصرخون في وجوه الاهالي قائلين:
وتجاوز عدد الثياب المنهوبة عن عشرين الف ثوب. وعندما شاع الخبر في بغداد، عم الهياج والفزع وساد الحزن والاسى ووقع النوح والبكاء بين الاهالي وخرج النساء منشرات الشعر مسودات الوجوه يلطمن الخدود. بعدها توقف الحج لتسعة اعوام متتالية خوفا من ان يعاود القرامطة هجماتهم. هذا ما يرويه المؤرخ العربي شوقي ضيف. تاريخ ابن خلدون -- في عام 317 هــ هاجم القرامطة مكة المكرمة وقد ذبحوا كثيرا من أهلها والوافدين عليها حتى قيل أنه قتل نحو 30 ألفا واستولوا على جميع ما كان في البيت الحرام من المحاريب الفضة والجزع وغيره بل وجردوا البيت مما عليه من الكسوة وقد ظلوا يفعلون الأفاعيل لمدة ثمانية أيام ثم خرجوا يوم السبت لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 317 هــ قال المسعودي في حديثه عن أبي طاهر القرمطي وأعماله الدامية: "ورحل منها يوم الست من هذا الشهر وعرضت له هذيل بن مدركة بن إلياس
بن مضر وهم رجالة في المضايق والشعاب والجبال وحاربوه حربا شديدا النبل والخناجر ومنعوه من المسير واشتهت عليهم الطرق فأقاموا بذلك ثلاثة أيام حائرين بين الجبال والأودية، وتخلص كثير من
النساء والرجال المأسورين واقتطعت هذيل مما كان معهم ألوفا كثيرة من الإبل والنقلة وكان ثقلته على نحو مائة ألف بعير عليها أصناف المال والأمتعة إلى أن دله عبد أسود من عبيد هذيل يقال له
زياد استأمن إليه على طريق سلكه فخرج عن المضايق وسار راجعا إلى بلده وقال النويري في ذكر الخبر: "وحاصرته هذيل فأشرف على الهلكة إلى أن عدل به دليل من الطريق المعروف إلى غيره فوصل إلى
بلده بعد ذلك في المحرم سنة ثماني عشرة وثلاثمائة قلت: وقد أراد أبو طاهر القرمطي وجنده إقتلاع الميزاب فرمتهم هذيل بالسهام من فوق جبل أبي قبيس فعندما صعد أحد القرامطة أطلقوا عليه سهما
فما أخطأ نحره ثم سقط الثاني حتى أزالتهم هذيل عن الميزاب ومن سخرية التاريخ ان يتحول القرمطي ابو طاهر بعدئذ من قاتل حجاج بيت الله الحرام وسارق الكعبة والحجرالاسود الى حارس لطريق الحج لقاء راتب سنوي يتقاضاه من الخليفة العباسي في بغداد. هذا ما يرويه المؤرخ الطبري ورغم كل هذه الجرائم الشنيعة والفضائح الاخلاقية يحسبه المؤرخون صانع العصر الذهبي لدولة القرامطة فقد تمكن من فرض سيطرته على مناطق البحرين والقطيف والأحساء ومسقط وحتى كان لهم في البصرة من يجبي لهم المكوس. وفي احدى حملاته وصل بجيشه الى مدينة الكوفة واحتلها لكنه تركها قائلا: ان اهلها ناس غدرة ينكثون العهود، فقد ارسلوا الى الامام الحسين في الحجاز يطلبونه وعندما قدم اليهم قتلوه. وبعد موت ابو طاهر خلفه الحسن الأعظم الذي سار بجيشه واستولى على دمشق ثم واصل سيره حتى دق ابواب القاهرة.
كان اسلوب نشر الدعوة في دولة القرامطة يتم على مراحل عدة تبدا من الأولى وهي
والجدير بالذكر ان القرامطة قد استعملوا الحمام الزاجل بأمتياز كأسرع وسائل للمواصلات.
وبعد ان جمع حمدان قرمط، رئيس الدولة الأموال تلا عليهم من سورة ال عمران – واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف
بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا– |