ماذا تعرف عن سفراء الامام الحجة(ع) في الغيبة الصغرى
السفراء في الغيبة الصغرى
السفراء في الغيبة الصغرى
النائب الأوّل الشيخ عثمان بن سعيد (210 - 265 هـ)
أهمّ مصادر ترجمته:
النائب الثاني
الشيخ محمّد بن عثمان الخلاّني ت 305 هـ
النائب الثالث
الشيخ الحسين بن روح النوبختي ت 326 هـ
النائب الرابع
الشيخ عليّ بن محمّد السمري ت 329 هـ
وكلاء الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى
السفارات الكاذبة:
المدّعون للسفارة حسب التسلسل التأريخي:
1 - أبو محمّد الشريعي:
2 - محمّد بن نصير النميري الفهري:
3 - أحمد بن هلال الكرخي العبرتائي:
4 - محمّد بن علي بن بلال، أبو طاهر البلالي:
5 - محمّد بن أحمد بن عثمان، أبو بكر البغدادي:
6 - إسحاق الأحمر والباقطاني:
7 - محمّد بن علي الشلمغاني:
8 - الحسين بن منصور الحلاّج:
9 - محمّد بن المظفّر:
الاتجاهات العامّة
في الغيبة الصغرى
الاتجاه العامّ للموالين لأهل البيت (عليهم السلام)
الاتجاه العام للشعب الموالي:
الاتجاه العامّ للسفراء:
خاتمة المطاف
نُسب إلى جدّه فقيل له: العَمْري - بفتح العين وسكون
الميم - ويقال له: الزيات([1]).
وهو من أولاد عمار بن ياسر على ما أورده صاحب مراقد
المعارف([2])
نقلا عن «نزهة أهل الحرمين في تاريخ تعميرات المشهدين» أي النجف وكربلاء، المخطوط للسيد حسن الصدر.
أول سفراء الإمام محمد بن الحسن المهدي
المنتظر (عليه السلام)، والوكيل العام لأبي محمد الحسن
بن علي العسكري (عليه السلام)، ومن قبله كان وكيلا لأبيه الإمام أبي الحسن الثالث.
في ابتداء أمره وقف بوّاباً في خدمة الإمام
الهادي(عليه السلام)يوم كان غلاماً في الحادية عشرة من عمره([3])،
وقبل هذا خدم الإمام محمد الجواد (عليه السلام)([4])،
ولعل ذلك كان أواخر حياة الإمام، أي يوم كان عثمان دون سنّ العاشرة.
وما في وسائل الشيعة([5])
من عبارة أنه: «من أصحاب
أبي جعفر الثاني (عليه السلام) خدمه وله أحد عشر سنة([6])،
وهو ثقة جليل القدر» وهم منشؤه من رجال العلاّمة الحلي([7])الذي
تتطابق عبارته مع عبارة الشيخ الطوسي في رجاله([8])
والذي ذكر المترجم فيه ضمن أصحاب أبي الحسن الثالث الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال في نصّ عبارته: «ويقال له: الزيات، خدمه (عليه السلام) وله إحدى عشرة سنة، وله إليه عهد
معروف»، فلاحظ ! !
وعلى هذا نستقرب سنة ولادته تخميناً - بناءً على
روايتي خدمته للإمامين الجواد والهادي (عليهما السلام)
- حوالي سنة (210 هـ) قد تزيد أو تقل سنة أو سنتين أو نحو ذلك، والله العالم.
وبقي العَمْري في خدمة الإمام الهادي (عليه السلام)
طوال حياته، ثم انتقل إلى خدمة ابنه الإمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام)، فكان وكيله العام في تدبير الاُمور والشؤون الدينية للطائفة من قبض الحقوق واستلام الوجوه
الشرعية، والصدقات، واستلام الكتب وإيصالها وغير ذلك، بل يظهر أنه كان الوكيل العام لخزانة الإمام (عليه السلام)، أي بمثابة وزير الشؤون المالية، إذ كان هناك وكلاء آخرون في
الولايات والنواحي، كلٌّ يعمل حسب توكيله في منطقته، ولو أرادوا إرسال الأموال إلى الإمام (عليه السلام) فإنّهم يرسلونها إلى أبي عمرو السمّان، فهو واسطتهم الوحيدة مع الإمام (عليه
السلام)، وهذا ما جاء في توقيع - أي رسالة - أو كتاب خرج من الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري،
وهو كتاب طويل فيه شرح وتفصيل، أورده الكشي في رجاله،
والذي يهمنا منه ما جاء في آخره من قوله (عليه السلام): «والحمد لله فما بعد الحق إلاّ الضلال، فلا تخرجنّ من البلدة حتى تلقى العَمْري رضي الله عنه برضاي عنه، وتسلّم عليه، وتعرفه
ويعرفك، فإنّه الطاهر الأمين العفيف القريب منّا وإلينا، فكلّ ما يُحمل إلينا من شيء من النواحي فإليه يصير آخر أمره ; ليوصل ذلك إلينا، والحمد لله كثيراً» ثم يختتم الإمام رسالته
بالسلام على إسحاق وعلى الشيعة، ويدعو للجميع ويصلّي على محمد وآله محمد([9]).
كان المترجم عالماً فقيهاً جليلا محترماً عند
الفريقين، أميناً على اُمور الدين والدنيا، موضع ثقة المسلمين في دار الاسلام([10]).
وكان من جلالة القدر وقرب المنزلة من
الأئمّة الهادي والعسكري (عليهما السلام) بحيث كان
حديث الشيعة في وقته، فقد روى شيخ الطائفة بسنده عن أحمد بن إسحاق] بن عبد الله [بن سعد القمي] الأشعري [قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمّد صلوات الله عليه في يوم من الأيّام،
فقلت: يا سيّدي أنا أغيب وأشهد([11])،
ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت، فقول من نقبل؟ وأمر من نتمثّل؟
فقال لي صلوات الله عليه: «هذا أبو عمرو الثقة الأمين،
ما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه».
فلما مضى أبو الحسن (عليه السلام) وصلت إلى أبي محمد
ابنه الحسن العسكري (عليه السلام) ذات يوم، فقلت له (عليه السلام) مثل قولي لأبيه، فقال لي: «هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي
وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله،
وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه»([12]).
وهناك توثيقات عديدة صدرت من الإمامين العسكريّين
(عليهما السلام) بحقّ المترجم كلّها تصفه بالوثاقة والأمانة والعدالة، لا نطيل بها ترجمته هنا مع أنها من مقتضيات الترجمة([13]).
كما أنّ صاحب الأمر (عج) قد أثنى عليه ومدحه كثيراً
عندما عزّى ولده أبا جعفر بوفاته، وقد أورد الشيخ الطوسي (رحمه الله) فصلا من رسالة التعزية تلك حيث جاء فيها: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون تسليماً لأمره، ورضىً بقضائه، عاش أبوك
سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهداً في أمرهم،
ساعياً فيما يقرّبه إلى الله عزّوجلّ وإليهم، نضّر
الله وجهه، وأقال عثرته»([14]).
وهو بعد هذا أحد الشهود الذين رأوا الإمام الحجة
المهدي بن الحسن (عليه السلام) بُعيد ولادته، وقبل وفاة أبيه العسكري (عليه السلام)، جاء ذلك في خبر طويل اعتبره الشيخ الطوسي من مشهورات الأخبار، عن جماعة من الشيعة وعدّ منهم بعض
الأسماء منها: محمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح، وأورد جملا منه، ونحن نورد بعضاً من تلك الجمل اختصاراً، فالغاية هي بيان وثاقة المترجم، ومدى اعتماد الأئمّة (عليهم
السلام) عليه في حفظ أسرارهم. ففي الخبر أن جمعاً من الشيعة حددته الرواية بأربعين رجلا وكان فيهم المترجم اجتمعوا إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)، فقام من بينهم عثمان
بن سعيد ليسأله عن الخلف من بعده، فأجلسه الإمام (عليه السلام)،
ثم بعد مدّة رأى الإمام (عليه السلام) الجو مناسباً
لإجابة العَمْري عن سؤاله. فجاء بغلام كأنه قطع] فلقة [قمر - كما تصفه الرواية - أشبه الناس بأبي محمد (عليه السلام)، فقال: «هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا
تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله: وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم، والأمر
إليه»([15]).
وتعرف شدة جلالة قدره ومنزلته أنّه هو الذي تولّى
جثمان الإمام أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) بعد وفاته، فقد روى الشيخ الطوسي عن أحمد بن علي بن
نوح، أبو العباس السيرافي، عن أبي نصر هبة الله بن
محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العَمْري قدّس الله روحه وأرضاه، عن شيوخه، أنه لمّا مات الحسن بن علي (عليه السلام) حضر غسله عثمان بن سعيد رضي الله عنه
وارضاه، وتولّى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره، مأموراً بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلاّ بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها([16]).
وفي هذا القول الأخير إشارة إلى غيبة الإمام الحجة (عليه السلام)، وعدم تمكّنه من تغسيله والده، لكن معلوم أن الإمام المهدي (عليه السلام) الذي تولّى الصلاة على أبيه بحضور الملأ
ودفع عمّه جعفر الذي أراد الصلاة عليه باعتباره على حدّ زعمه وريثه الوحيد، يمكنه أن يحضر في المنزل ويباشر هو غسل والده بمساعدة عثمان بن سعيد العَمْري. ومن خلال التدقيق في لسان
الرواية
يتّضح أن عبارة الشيخ الطوسي بأن العَمْري كان مأموراً
بذلك، لعلّه ناظر إلى أمر التكفين والتحنيط والدفن. وليس الغسل في ضمنها، فالمقطع الأول يشير بوضوح إلى أنه حضر غسله، يعني أنه كان يصب الماء والإمام المهدي (عليه السلام) يباشر
الغسل، ثم عطف بالواو جملة ثانية بأنّه تولّى أمره أي قام العَمْري هو مباشرة في تكفين الإمام وتحنيطه ودفنه مأموراً بذلك. ولا تحسبنا أول من التفت إلى هذا الأمر، فقد سبقنا إلى
هذا البيان الحجّة السيد الشهيد محمد بن محمد صادق الصدر المولود سنة 1362 هـ/ 1943 م والمستشهد على أيدي أوغاد النظام الدكتاتوري في العراق في النجف الأشرف 4 ذي القعدة سنة 1419
هـ، في كتابه تاريخ الغيبة الصغرى([17]).
ومن بعض الروايات يمكن التوصّل إلى أن العَمْري كان من
أوائل الذين علموا بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)،
بل ولعلّه من أوائل الذين رأوه أيضاً. فقد بعث إليه
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حين ولد له ابنه محمّداً، وأمره أن يشتري له خبزاً ولحماً ويفرّقه على فقراء الهاشميّين احتفاءً بالمولود المبارك، ثم يأمره بأن يعق عنه بكذا
وكذا شاة([18]).
ويبدو أن الإمام أبا محمّد أراه أصحابه في اليوم الثالث من ولادته([19]).
أمّا سنة وفاة المترجم فإنّها غير معروفة أيضاً علىوجه
التحديد، لكن السيد الشهيد محمّد الصدر (قدس سره)استقرب وفاته بحدود سنة (265 هـ) وعليه فقد حدّد مدّة سفارته بخمس سنوات على وجه التقريب([20]).
أما ما ذكره السيد محمد مهدي بن محمد الموسوي
الخوانساري الأصفهاني الكاظمي في كتابه «أحسن الوديعة
في تراجم أشهر مشاهير مجتهدي الشيعة» والذي هو تتميم لكتاب عم أبيه السيد محمد باقر الخوانساري الموسم بـ «روضات الجنّات»، من أن وفاة العَمْري في حدود سنة (257 هـ)([21])،
ولم يذكر مصدر نقله، فهو قول مستبعد ولا أظن أنه يقبل به لو عرف أن وفاة العَمْري بهذا التاريخ أو نحوه تكون في حياة الإمام أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام)، وهذا معناه نفي
السفارة عن العمري للإمام المهدي (عج). فالسفارة مبدؤها بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) سنة (260 هـ)، والعَمْري كان حيّاً لدى وفاة الإمام العسكري (عليه السلام)، وهو الذي
حضر غسله، وهو الذي تولّى بنفسه تكفينه ودفنه، ثم إن الإمام المهدي المنتظر (عج) قد عزّى ولده بوفاته وأثنى عليه الثناء الجميل، كما مرّت الإشارة إليه. وهذا لا يكون مع وجود
الإمام العسكري (عليه السلام) البتّة، لأنّه معلوم
بداهة أن لا يكون إمامان في آن واحد إلاّ أن يكون أحدهما صامتاً، وعليه فلا يمكن قبول التاريخ الذي أورده الاصفهاني (رحمه الله).
أقول: لعلّ الأرجح أن تكون وفاته بعد هذا التاريخ، أي
بُعيد وفاة الإمام الحسن العسكري في سنة (260 هـ) بقليل، أو قد تكون وفاته في أواخر تلك السنة، وذلك بناءً على قول الشيخ الطوسي (رحمه الله) أن سفارة محمّد بن عثمان كانت نحواً من
خمسين سنة([22]).
أي أنّها تعدّت الأربعين سنة بقليل، وقاربت الخمسين، لأننا إذا قلنا بوفاة العَمْري سنة (265 هـ) فإنّ سفارة ابنه أبي جعفر ستكون (40) عاماً وهو رقم يبتعد كثيراً عن الخمسين. أما
فيما لو قلنا بوفاة الأب سنة (60 أو 61 أو 262 هـ) فإنّ سفارة الابن ستقترب من الخمسين سنة أكثر، وتكون فعلا نحو الخمسين. وعليه فإنّ سفارة عثمان بن سعيد
ستكون في نحو التقريب بين السنة أو دونها وبين السنتين
أو فوقها بقليل، والله العالم بحقيقة الحال.
إن هذا الغموض في وفاته ومدّة سفارته على وجه التحديد
والقطع يعزى إلى السرية وشدة التكتّم علىوجود الإمام المهدي (عج)، وبالتالي على وجود سفير له يتّصل به بين الفينة والفينة يدير شؤونه، ويعرّفه أحوال شيعته، ويأخذ منه التعليمات
اللازمة لأشكال التحرك، واُمور الدين والدنيا، في وقت كان الأمر عند السلطان أن أبا محمد (عليه السلام) مضى ولم يخلّف ولداً، وقُسّم ميراثه، وأخذه من لا حق له([23]).
فإذا كان الجو العام الذي قدمنا، فكيف يجرء ويقول أنا
وكيل الإمام المختفي عن الأنظار وسفيره بينكم وبينه؟ كلا... فلم يكن الأمر بهذه البساطة والسهولة فالسفير لم يكن يعرفه ويعلم بحاله إلاّ ثلّة خاصة من كبار
الشيعة وعلمائهم، أي هو ايضاً كان له وكلاء مخصوصون في
المناطق تصل إليهم الأسئلة والحقوق وكان هؤلاء فقط يعرفون أن السفير يتّصل بالإمام (عليه السلام) ويأخذ الإرشادات منه وجوابات المسائل ثم يوصلها إليهم وهم يوصلون الجواب خطاً أو
مشافهة اليه ليوصلها إلى الإمام (عليه السلام).
فالسلطة لو علمت بالسفير طلبته وألقت عليه القبض،
ولحقّقت معه في مكان وجود الإمام وطاردته وطلبته تحت كل حجر ومدر ; لأنه معلوم لديهم أن الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) هو الذي سيزيل ملكهم ويستأصلهم من الأرض ; لينشر في
ربوعها العدل بعد أن امتلأت بظلم معاوية وابنه يزيد ومن تلاه من بني أميّة والحجاج وابن ارطأة والسفّاح والرشيد هارون ومن تلاه من بني العبّاس، هم كانوا يعلمون ذلك، وكانوا يرقبون
مولده، ولكن إرادة الله شاءت أن تصرف أنظارهم عن ولادته ونشأته في أحضان أبيه إلى أن كبر وترعرع غلاماً
يافعاً حتى ذهب أباه إلى لقاء ربه فاستلم مهام الإمامة
وهو صبي صغير كجده الإمام الجواد (عليه السلام).
وهكذا كانت السفارة له (عليه السلام) محاطة بالسريّة
والكتمان الشديدين خوفاً على حياة الإمام (عليه السلام)، فتسلمها العَمْري بكل هدوء ودون إلفات نظر، وكذا سلّمها لابنه بنفس الهدوء والسريّة ورحل من هذه الدنيا (رحمه الله) الى
جوار ربّه وأئمته الأطهار الميامين دون ضجيج إعلامي، أو احتفاء جماهيري في التشييع والعزاء، فلا غرو إذا لم يعرف أحد تاريخ وفاته. أو يكونوا قد عرفوه لاكنهم أخفوه خوفاً - من
إذاعته - على ولده الذي تولّى السفارة من بعده، فالمشكلة نفسها، مشكلة الطلب، كانت ما تزال قائمة، والوضع السياسي كان يومذاك جد خطير.
فالأصحاب في تلك الأيام لم يكونوا ليهتموا بالتاريخ
كثيراً، وتثبيت الأحداث بالسنين والشهور والأيّام، بقدر اهتمامهم بحفظ سلامة الإمام (عليه السلام)، ثم سفرائه من أن تنالهم يد السلطة الحاكمة أو تعلم بحقيقة حالهم، وحتى
قبره (رحمه الله) فإنه في تلك الأيام لم يكن يُعرف على
الحقيقة منذ وفاته بعد منتصف القرن الثالث وحتى أواخر القرن الرابع وبدايات القرن الخامس حيث صرّح الشيخ الطوسي (رحمه الله) بأنه عند دخوله إلى بغداد سنة (408 هـ) كان يزوره
مشاهرة، ومعنى هذا أنه قبل ذلك، وفي تلك الأيّام الخوالي كان يُزار سرّاً أو قد لا يُزار خوفاً من السلطان وعيونه المتلصّصة أثر شيعة أهل البيت (عليهم السلام).
وبعد أن روى شيخ الطائفة (رحمه الله) أنّ قبر عثمان بن
سعيد في الجانب الغربي من مدينة السلام، في شارع الميدان، في أوّل الموضع المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد([24]).
وأخيراً حكى لنا الشيخ (رحمه الله) مشاهداته الميدانية
للمكان والقبر، وأعطانا وصفاً لأوّل عمارة لقبر أول سفراء الإمام المهدي (عج) منذ دفنه وحتى سنة نيّف
وثلاثين وأربعمائة، ثم أول تعمير وصيانة لمرقده الشريف
بعد ما يقرب من مئة وثمانين عاماً، فقال: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره - أي أبو نصر هبة الله بن محمّد بن أحمد الكاتب([25])
ابن بنت أبي جعفر محمّد بن عثمان العَمْري، فهوالذي حدّد مكان القبر - وكان بُني في وجهه حائط وبه محراب المسجد، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيّق مظلم، فكنّا ندخل
إليه ونزوره مشاهرة، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد، وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيّف وثلاثين وأربعمائة.
ثمّ نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمّد بن الفرج
وأبرز القبر إلى برّا - أي الى الخارج - وعمل عليه صندوقاً وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره،
ويتبرّك جيران المحلة بزيارته، ويقولون: هو رجل صالح،
وربما قالوا: هو ابن داية([26])
الحسين (عليه السلام)ولا يعرفون حقيقة الحال فيه، وهو إلى يومنا هذا - وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة - على ما هو عليه([27]).
من ذلك نعرف مدى التكتّم والحيطة والسريّة التي كانت تحيط بموضوع الإمام المهدي (عليه السلام) واختفائه عن الأنظار، وكذلك سفرائه خاصّة الأوّل منهم ; لأنّ السلطة آنذاك كانت تتحسّس
وجود شيء ما وراء رحيل الإمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) ; لكنها ما كانت تظفر بشيء تمسّك به.
ولا نعلم بعد ذلك عمارة له أو وصفاً لمرقده حتى جاء
البحّاثة الشيخ محمد حرز الدين (ت/ 1365 هـ) فقال: «زرناه في العهد العثماني بالعراق سنة (1305 هـ)، وكان
على قبره صندوقاً قديماً ثميناً يُعهد صنعه إلى الرئيس
أبي منصور محمّد بن الفرج، وكان عليه قبّة، وله حرم مجلّل»([28]).
وبعد هذا التاريخ نقل السيد محمّد مهدي الموسوي
الأصفهاني في «أحسن الوديعة» أن قبره خلف دائرة البريد بما يلي سوق الميدان، وقد جدّدت عمارته في هذه السنة شيعة بغداد، ورغم أنّه لم يذكر أي سنة تلك، لكن مراده واضح، فالسنة التي
عناها التي هو فيها أي وقت كتابة عباراته تلك، ومن الرجوع الى تاريخ خاتمة الكتاب، والموضوع الذي كتبه هو في أواخر الكتاب أيضاً، يتبيّن أنه أراد سنة (1348 هـ/ 1929 م).
والذي يؤيّد هذا الاستدلال ما صرّح به ولد الشيخ حرز
الدين الذي حقّق كتاب والده «مراقد المعارف»، قال: بأنّه زار قبره سنة (1387 هـ/ 1967 م) والتقط
صورة لقبّته الصغيرة التي على القبر، ثم قال: «وكان قد
كُتب على واجهة بابه من سوق الميدان: (هذا مسجد نائب الإمام (عليه السلام) عثمان بن سعيد العَمْري العسكري بتاريخ 1348 هـ )»([29]).
أعيان الشيعة، الغيبة للطوسي، رجال الطوسي، خلاصة
الأقوال المعروف برجال العلاّمة الحلّي، رجال ابن داود، نقد الرجال للتفريشي، وجميع كتب الرجال إضافة إلى المصادر التي ذكرناها في الهوامش.
السفير الثاني الشيخ أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد
العَمْري الأسدي المعروف بـ (الخلاّني):
استلم السفارة بعد وفاة أبيه، وتوفّي سنة 305 جمادى
الأوّل، مدّة سفارته خمسة وأربعون عاماً، ومرقده شاخص ببغداد بالرصافة، بالشارع المؤدّي إلى باب الكوفة قديماً، والآن يقع في «محلّة الخلاّني» نسبة إليه وإلى مرقده الطاهر، وهو أحد
المراكز الشيعية في بغداد، واليوم ظهر مرقده على شارع الجمهورية العام، وله حرم مجلّل إلى جانب جامع عامر بالمصلّين، أمامه صحن واسع، وفيه مكتبة عامرة ذات كتب قيّمة، تعرف بمكتبة
الخلاني تأسست سنة 1364 هـ.
قال بعض فضلاء الكرخ والزوراء أ نّه لقّب بالخلاني
نسبة إلى بيعه الخلّ، حيث كان يكتسب به تستّراً بالكسب عن ضغط بعض المتعصّبين من أهل الخلاف، كما كان والده عثمان بن سعيد يبيع السمن حتّى عرف بالسمّـان.
وقيل: إنّ من حلمه وورعه وعقليّته الجبّارة، ووداعته
وصفائه، وكان لا يحمل حقداً على أحد قطّ فهو خِلّ لكلّ إنسان، وصاحب وصديق، فاشتهر عند الناس بالخلاني.
كان أبو جعفر محمّد بن عثمان من أصحاب الإمام الهادي
والإمام العسكري ونائب الإمام الحجّة بن الحسن (عليه السلام) بعد أبيه، وكانت التواقيع تخرج على يده إلى الشيعة الإمامية حدود خمسين سنة، وقد أخبر الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام) بذلك في حياته لمّـا حضر عنده جمع من شيعته قائلا: «اشهدوا عليّ إنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي، وأنّ ابنه محمّداً وكيل ابني مهديّكم».
وكان أبو جعفر ثقة عدلا أميناً بإجماع الشيعة
الإمامية، وعند بعض المخالفين أيضاً، ونصّ على وثاقته وعدالته في حياة الإمام العسكري وبعد وفاته (عليه السلام) من قبل الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، وقد وثّق في حياة والده
عثمان وبعد وفاته أيضاً([30]).
وكان إمام الجامع والمتولّي، صديقنا المرحوم العلاّمة
السيّد محمّد الحيدري (قدس سره) حينذاك، المعروف بالخلاّني، نسبة إلى صاحب المرقد، وبعد وفاته (قدس سره) تولّى إمامة الجامع والتولية ولده الأكبر السيّد صالح الحيدري، والجامع يقع
اليوم وسط بغداد على شارع الجمهورية، الذي افتتح حديثاً قرب باب الشرقي. وكتب على باب الجامع الذي يلي المرقد الشريف هذه الأبيات عند
تجديده سنة 1345 هـ:
مَعْبد شرّفه الله بقبر***سند فيه نائب المهدي محمّد
شاده زيدان في جدٍّ ومال***وأخوه القاسم الشهم الممجّد
عمّراه عمّر الرحمن قصراً***لهما في جنّة الخلد مخلّد
قد أتمّاه بناءً أرخاه***«معبد اُسس في ذكر محمّد»
1349
وكانت قواعده الشعبية مجتمعة على عدالته وثقته
وأمانته، لا يختلف في ذلك اثنان من الإمامية، وكيف لا وفيه وفي أبيه قال الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)لبعض أصحابه: العَمْري وابنه ثقتان، فما أدّيا فعنّي أدّيا، وما
قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنّهما
الثقتان المأمونان([31]).
وكلمات الإمام المهدي (عليه السلام) فيه متظافرة
ومتواترة، فقد سمعناه يعزّيه بوفاة أبيه، ويثني عليه الثناء العطر، ويشجّعه وهو في أوّل أيّام اضطلاعه بمهمّته الكُبرى، وقال في حقّه: لم يزل ثقتنا في حياة الأب (رضي الله عنه
وأرضاه ونضّر وجهه) يجري عندنا مجراه ويسدّ مسدّه، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل([32])،
وغير ذلك من عظيم الإجلال والإكبار([33]):
وكانت التوقيعات تخرج على يده من الإمام المهدي (عليه السلام) في المهمّات طوال حياته، بالخطّ الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان، ولا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره، ولا يرجعون
إلى أحد سواه،
وقد نقلت عنه دلائل كثيرة، وأغلب معجزات الإمام ظهرت
على يده، واُمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة([34]).
وبقي مضطلعاً بمسؤولية السفارة نحواً من خمسين سنة،
حتّى لقي ربّه العظيم في جمادى الاُولى سنة 305 هـ ، أو 304 هـ([35])،
ومعنى ذلك أ نّه توفّي بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) بخمس وأربعين سنة، وحيث إنّ والده (رضي الله عنه) قد اضطلع بالسفارة عدّة أعوام فالأولى أن يقال: إنّ سفارته امتدّت
حوالي الأربعين عاماً، لا نحواً من الخمسين، كما قال الشيخ في الغيبة.
وإذ يكون تأريخ وفاة أبيه مجهولا، يكون مبدأ تولّيه
السفارة مجهولا أيضاً، غير إنّنا نعرف أ نّه كان سفيراً قبل
عام 267 هـ ، لأنّ ابن هلال الكرخي طعن في سفارته،
وكان أحد المنحرفين عن خطّه، وكانت وفاة ابن هلال عام 267 هـ([36])،
أي بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) بسبع سنين، وبذلك يمكن القول على وجه التقريب: إنّ الشيخ عثمان بن سعيد تولّى السفارة خمس سنوات، وتولاّها ابنه أربعين سنة.
وبهذا التحديد لمدّة سفارته، نستطيع أن نعرف أ نّه(رضي
الله عنه)أطول السفراء بقاءً في السفارة، ومن ثمّ يكون أكثرهم توفيقاً في تلقّي التعاليم من الإمام المهدي (عليه السلام)، وأوسعهم تأثيراً في الوسط الذي عاش فيه، والذي كان مأموراً
بقيادته وتدبير شؤونه.
وكان لأبي جعفر العَمْري، كتب مصنّفة في الفقه، ممّـا
سمعه من أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام)، ومن
الصاحب المهدي المنتظر (عليه السلام)، ومن أبيه عثمان
بن سعيد عن أبي محمّد العسكري وعن أبي الحسن علي بن محمّد الهادي (عليه السلام)، فيها كتب ترجمتها: كتب الأشربة. ذكرت الكبيرة اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر أ نّها وصلت إلى أبي القاسم
الحسين بن روح (رضي الله عنه) عند الوصيّة إليه، وكانت في يده. قال أبو نصر: وأظنّها قالت: وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري (رضي الله عنه)([37]).
وكان محمّد بن عثمان يعلم بزمان موته بإرشاد من الإمام
المهدي (عليه السلام)، إذ حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج. فسُئل عن ذلك، فقال: للناس أسباب، وقد اُمرت أن أجمع أمري، فمات بعد ذلك بشهرين.
وكان قد أعدّ لنفسه ساجة نقش عليها آيات من القرآن
الكريم وأسماء الأئمة (عليهم السلام) على حواشيها. فقيل
له: ما هذه الساجة؟ فقال: هذه لقبري، تكون فيه، اُوضع
عليها، أو قال: اُسند عليها.
قال: وقد فرغت منه، وأنا في كلّ يوم أنزل فيه، فأقرأ
جزءاً من القرآن، فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا، صرت إلى الله عزّ وجلّ، ودفنت فيه وهذه الساجة معي.
قال الراوي: فلمّـا خرجت من عنده أثبتّ ما ذكره، ولم
أزل مترقّباً به ذلك، فما تأخّر الأمر، حتّى اعتلّ أبو جعفر، فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها([38]).
وعندما توفّي أبو جعفر العَمْري، دفن عند والدته، في
شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله
فيه، قال الراوي: وهو الآن في وسط بغداد بالزوراء.
أقول: وقبره معروف في وقتنا الحاضر في وسط بغداد
الرصافة وله مسجد كبير ومكتبة عظيمة معروف بـ (الخلاّني) ويقصده الناس للتبرّك والزيارة.
هذا ملخّص من ترجمة النائب الثاني من بطون المصادر
المعتبرة، ولم أعثر على تأريخ ولادته.
فسلام عليه يوم ولد ويوم ناب ويوم مات ويوم يبعث
حيّاً.
الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي،
ثالث السفراء في الغيبة الصغرى للإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج)، مرقده ببغداد جانب الرصافة، مشهور ومعروف مشيّد عامر، فوق قبره شبّاك مجلّل، يزدحم عليه الزائرون
والمتعبّدون وتقام فيه الصلوات المفروضة جماعة من بعض أئمة علماء الشيعة الإمامية، وآخر عالم لهذا الجامع - عندما كنت في بغداد - السيّد جعفر شبّر (قدس سره).
يقع قبره في (النوبختية) في الدرب الذي كانت فيه دار
علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التلّ والدرب
الآخر إلى (قنطرة الشوك)، بهذا عرفت قديماً، كما صرّحت
به النصوص التأريخية. وفي عصرنا يعرف موضع قبره في (سوق الشورجة) التجاري ببغداد في زقاق غير نافذ، ويعدّ مرقده اليوم من المراكز الشيعية الإمامية ببغداد، وله حرم وضريح في وسط
جامع عامر بالمصلّين وقبّة كبيرة شاهقة.
كان الشيخ أبو القاسم عطّر الله مثواه من أوثق الناس
وأعظمهم وأدهاهم وأعرفهم بالاُمور، مبجّل عند الخاصّة والعامّة، وكانت العامّة تعظّمه وترى فيه الصدق والمعروف، ولين الجانب، وعدم المعاندة، وكان يحسن استعمال مواطن التقيّة، حتّى
اُثر عن العامّة ببغداد - في ضمن أحاديث - أ نّهم كانوا يحملون على من يرميه بالرفض والعناد([39]).
استلم السفارة بعد وفاة الشيخ الخلاّني سنة 305 هـ إلى
يوم وفاته (رحمه الله) في شهر شعبان من سنة 326 هـ فكانت مدّة سفارته 21 سنة.
ولم نجد تحديداً لتأريخ ولادته، وأوّل ما يعرف كوكيل
مفضّل لأبي جعفر محمّد بن عثمان العَمْري، يلقي إليه بأسراره لرؤساء الشيعة، وكان خصيصاً به، حتّى إنّه كان يحدّثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه واُنسه به، فكان قريباً من
نفوس الشيعة محبّباً إليهم لمعرفتهم باختصاصه بأبي جعفر وتوثيقه عندهم، وانتشار أخبار فضله ودينه، وما كان يحتمله من هذا الأمر، فمُهّدت له الحال في طول حياة أبي جعفر العمري، إلى
أن انتهت الوصيّة بالنصّ عليه في خلافته بالسفارة للناحية المقدّسة، فلم يختلف في أمره ولم يشكّ فيه أحد([40]).
وقد روي أ نّه قدم بعض الموالين بمال على أبي جعفر
العَمْري مقداره أربعمائة دينار للإمام (عليه السلام)، فأمره بإعطائها إلى الحسين بن روح، وحين تردّد هذا الشخص في ذلك، باعتبار عدم وصول السفارة إليه يومئذ، فأكّد أبو جعفر عليه
ذلك، وأمره مراراً بإعطاء المال لابن روح، وذكر له أنّ ذلك بأمر الإمام المهدي (عليه السلام)، وكأنّ ذلك تمهيداً لتولّيه أمر السفارة في عهد أبي جعفر العَمْري، سيّما إذا عرفنا أنّ
تحويله المال إلى أبي القاسم ابن روح قبل موت أبي جعفر بسنتين أو ثلاث([41]).
وعندما اشتدّت بأبي جعفر العَمْري حاله، اجتمع لديه
جماعة من وجوه الشيعة، منهم أبو علي بن همام، وأبو عبد الله بن محمّد الكاتب، وأبو عبد الله الباقطاني، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي، وأبو عبد الله بن
الوجناء، وغيرهم من الوجوه والأكابر. فقالوا له: إن
حدث أمر، فمن يكون مكانك؟
فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر
النوبختي، القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام)، والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا إليه في اُموركم وعوّلوا عليه في مهمّاتكم، فبذلك اُمرت، وقد بلّغت([42]).
وروي عن جعفر بن أحمد بن متيل، وهو من متقدّمي أصحابه
وأجلاّئهم، أ نّه قال: لمّـا حضرت أبا جعفر محمّد ابن عثمان العمري الوفاة، كنت جالساً عند رأسه أسأله واُحدّثه، وأبو القاسم الحسين بن روح عند رجليه، فالتفت إليّ ثمّ قال: اُمرت
أن اُوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح.
قال ابن متيل، فقمت من عند رأسه، وأخذت بيد أبي القاسم
وأجلسته في مكاني، وتحوّلت إلى عند رجليه([43]).
إلى غير ذلك من تأكيدات أبي جعفر عليه، وإعلانه
لوكالته.
والسبب المهمّ في هذا التأكيد، هو كون الحسين بن روح،
لم يكن قد عاش تأريخاً حافلا بإطراء وتوثيق الأئمّة (عليهم السلام) كالسفراء السابقين، ومن هنا احتاج أبو جعفر العَمْري أن يكرّر الإعراب عن مهمّته في إيكال الأمر إلى الحسين بن
روح، ودفع الأموال إليه في حياته، لأجل ترسيخ فكرة نقل السفارة إلى الحسين بن روح، وتوثيقه في نظر قواعده الشعبية الموالية لخطّ الأئمة (عليهم السلام).
وكان لأبي جعفر غير الحسين بن روح بعض الوكلاء في
بغداد يصل عددهم إلى عشرة رجال، وكان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب فإنّه ينجزه على أيديهم، ولم تكن للحسين بن روح خصوصيّة دونهم، ولمّـا كان وقت مضيّ أبي جعفر العَمْري (رضي الله
عنه) وقع الاختيار على الحسين ابن روح، فكانت الوصيّة إليه([44])،
واُوكلت السفارة إلى الحسين بن روح، فسلّم به الأصحاب، وكانوا معه وبين يديه، كما كانوا مع أبي جعفر (رضي الله عنه).
ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل من جملة أصحاب أبي
القاسم بن روح وبين يديه كتصرّفه بين يدي أبي جعفر العمري، إلى أن مات (رضي الله عنه) فكلّ من طعن على أبي القاسم الحسين بن روح فقد طعن علي أبي جعفر
العمري، وطعن على الحجّة (عليه السلام)([45]).
تولّى الحسين بن روح مهام السفارة عن الإمام المهدي
(عليه السلام) بموت أبي جعفر العَمْري سنة 305 هـ إلى أن لحق برضوان ربّه في شعبان سنة 326 هـ ، فتكون مدّة سفارته حوالي 21 سنة.
وكان أوّل كتاب تلقّاه الحسين بن روح من الإمام المهدي
(عليه السلام)، كتاب يشتمل على الثناء عليه، وتعريفه إلى الرأي العام والأصحاب ممّن سار على خطّ الأئمة (عليهم السلام)، وقد مثّل هذا الكتاب أهمّ وآخر خطوة في هذا الطريق، لكي يبدأ
الحسين بن روح بعدها مهمّته بسهولة ويسر، وقد دعا له الإمام المهدي (عليه السلام) في الكتاب، وقال: عرّفه الله الخير كلّه ورضوانه، وأسعده بالتوفيق، وقفنا على كتابه، وثقتنا بما هو
عليه، وإنّه عندنا بالمنزلة والمحلّ
اللذين يسرّانه، زاد الله في إحسانه إليه، إنّه وليّ
قدير، والحمد لله لا شريك له، وصلّى الله على رسوله محمّد وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
وقد وردت هذه الرقعة يوم الأحد لستّ خلون من شوّال سنة
305 هـ بعد حوالي الخمسة أشهر من وفاة أبي جعفر العمري، الذي توفّي في جمادى الاُولى من نفس العام([46]).
وقد اضطلع أبو القاسم منذ ذلك الحين بمهام السفارة،
وقام بها خير قيام، وتولّى في أيام سفارته الحملة ضدّ ظاهرة الانحراف عن الخطّ، وادعاء السفارة زوراً، بتبليغ القواعد الشعبية توجيهات الإمام المهدي (عليه السلام)في ذلك، وشجبه
لهذه الظاهرة بكلّ ما اُوتي من أسباب القوّة.
وبقي أبو القاسم مضطلعاً بمهامه العظمى، حتّى لحق
بالرفيق الأعلى عام 326 هـ ، ودفن في النوبختية في الدار التي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذة إلى التلّ، أو إلى درب الآخر وإلى قنطرة الشوك (رضي الله عنه) وقبره اليوم
في بغداد معروف - في أهمّ أسواق بغداد المعروف بـ «الشورجة» - يقصده الناس للتبرّك والزيارة([47]).
تولّى السفارة بعد وفاة سلفه الحسين بن روح النوبختي
(رحمه الله) في شعبان سنة 326 هـ ، وانتهت سفارته بوفاته في النصف من شعبان سنة 329 هـ، فكانت مدّة سفارته (رحمه الله) ثلاث سنين كاملة، وبوفاته انقطعت سِلسِلة السفراء للإمام
الحجّة (عليه السلام) في الغيبة الصغرى التي دامت 69 سنة ابتداءً من سنة شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)سنة 260 هـ إلى وفاة السمري سنة 329 هـ.
وبدأت الغيبة الكبرى ولا يعلم إلاّ الله تعالى مداها
ويسمح له بالفرج حتّى يملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً، عجّل الله فرجه الشريف.
ومرقد النائب الرابع لا يزال شامخاً للعيان جنب جامع
كبير معروف بـ (مسجد القبلانية) واقع في سوق السراي
(وكان معروفاً بسوق الهرج) ببغداد قرب نهر دجلة، وقرب (الجامعة المستنصرية)في الضفّة اليسرى من نهردجلة، وهو اليوم عامر وعليه قبّة يزوره المسلمون خصوصاً وفود الشيعة الإمامية، فهو
يعتبر من مراكز الشيعة في بغداد([48]).
السمري هو الشيخ الأجلّ، والثقة الأمين، موضع أسرار
الشريعة، والقائم بأعمال النيابة والسفارة عن الإمام الحجّة
ابن الحسن (عج) عند الشيعة، فقد قام بأعباء السفارة
بعد وفاة الشيخ أبي القاسم حسين بن روح النوبختي (رضي الله عنه).
من أخباره الغيبية التي أخبر بها لجمع من أصحابه
ومشايخ بغداد، هو إخباره بوفاة الصدوق الأوّل، وشيخ الفقهاء والمحدّثين عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي في مدينة قم المقدّسة، مخاطباً لهم بقوله: «آجركم الله فيه، فقد قبض
في هذه الساعة».
قالوا: فأثبتنا تأريخ الساعة واليوم والشهر من سنة 329
هـ ، فما مضى سبعة عشر يوماً حتّى ورد الخبر من مدينة قم المقدسة في إيران بوفاة الشيخ القمي، وأ نّه قبض بذلك التأريخ الذي ذكره الشيخ أبو الحسن السمري وهو في بغداد.
ومن أخباره رضوان الله عليه، أ نّه أخبر الناس بموت
نفسه بعد مرور ستّة أيام، فقد أخبره الإمام المهدي (عليه السلام)بموته، وأخرج الشيخ السمري توقيع الحجّة (عليه السلام) إلى الناس بخبر وفاته قبل أن يموت بأيام فيه مخاطباً له:
بسم الله الرحمن الرحيم.
يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك،
فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة
القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وكان هذا آخر كلام سمع منه (رضي الله
عنه)([49]).
فلمّـا كان اليوم السادس دخل عليه أصحابه وهو يجود
بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ قال: «لِلّهِ أمرٌ هو بالغه»، وقضى نحبه إلى رضوان الله وجنّته([50]).
ولم تحدّد لنا المصادر تأريخ ميلاده على وجه الدقّة،
وقد ذكرته المصادر بكونه من أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) ثمّ بكونه قائماً بمهام السفارة عن الإمام المهدي (عليه السلام) ببغداد بعد الشيخ أبي القاسم النوبختي، بإيعاز من
الشيخ أبي القاسم عن الإمام المهدي (عليه السلام).
وقد تولّى أبو الحسن السمري السفارة من حيث وفاة أبي
القاسم بن روح عام 326 هـ ، إلى أن لحق بالرفيق الأعلى عام 329 هـ في النصف من شعبان، فتكون مدّة سفارته عن الإمام المهدي (عليه السلام) نحو ثلاثة أعوام كاملة.
فكان هذا آخر خطاب خرج إلى السمري من الإمام المهدي
(عليه السلام)، عن طريق السفارة الخاصّة.
وللإمام (عليه السلام) يومذاك من العمر نحو خمس وسبعين
عاماً، قضى منها مع أبيه نحو خمس سنين، ونحو سبعين عاماً في غيبته الاُولى المسمّـاة بالصغرى، وعاصر من الخلفاء العباسيين المعتمد والمعتضد والمكتفي والمقتدر والراضي، ومع أنّ
خلافة بني العباس في هذه الفترة كانت
كما يصفها المؤرّخون تتمثّل بالانحلال والتفكّك، ولا
يملك الخليفة منها إلاّ توقيع المراسيم والشكليات، فلقد كانوا يراقبون تحرّكات ووكلائه المنتشرين في مختلف المناطق، وحاولوا القبض عليه أكثر من مرّة.
والظاهر أ نّه دفن في داره، وله مقبرة شاخصة إلى جنب
مسجد كبير واقع في وسط بغداد الرصافة - في سوق السراي المعروف اليوم قرب نهر دجلة - وقد زرته عدّة مرّات.
وقد وفّقت لزيارة المراقد المشرّفة الأربعة للنوّاب
عدّة مرّات في بغداد عندما سكنتها أكثر من أربعين عاماً، من سنة 1940 إلى 1980 م، ولله الحمد.
وحدّثني آية الله السيّد محمّد باقر الحكيم، قال: زرنا
مرقد السمري في سوق السراي ببغداد وشاهدنا الحرم والباحة التي فيها والمسجد كلّها هدمت وشيّد عليها سوق عصري ولم يبقَ منها إلاّ المئذنة، لمن المشتكى، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
انتهى.
هذا ما لزم ذكره في هذا الباب، والله وليّ التوفيق.
جاء في كتاب الغيبة وتأريخها أنّ الإمام المهدي (عليه
السلام)اختار أربعة رجال خلال الغيبة الصغرى، وأوكل إليهم مهمّة السفارة، وعهد إليهم بأن يكونوا واسطة بينه وبين أتباع أهل البيت في مختلف المناطق، وقد ذكرنا تراجمهم وبعض تواريخهم
فيما تقدّم.
وجاء أيضاً أ نّه (عليه السلام) قد اختار خلال فترة
الغيبة الصغرى جماعة من ثقات الشيعة، وأوكل إليهم مهمّة مساندة السفراء الأربعة في بعض مهامهم، لتذليل الصعوبات التي كانت تعترض تحرّكاتهم بسبب مراقبة الحكّام وأجهزتهم.
وكانت مهمّة الوكلاء محدودة بالقياس إلى مهمّة السفير،
ذلك لأنّ السفير كان يتّصل بالإمام (عليه السلام) مباشرة،
ويأخذ منه التعليمات والتواقيع، ويقوم بأكثر مسؤولياته
حسب التوجيه الذي يتلقّاه منه (عليه السلام)، في حين أنّ مسؤولية الوكيل في الغالب في حدود منطقته، ولا تتعدّى استلام الأخماس، وتسهيل اتصال الشيعة بالسفراء ليرفعوا إليهم حوائجهم
وتبليغ الأحكام والتوجيه ونحو ذلك.
ومن الوكلاء:
1 - جابر بن يزيد، وجاء فيه عن الحسن بن عبد الحميد
أ نّه قال: شككت في أمر حاجز، فجمعت شيئاً ثمّ صرت إلى سامراء، فخرج إلينا جواب الإمام (عليه السلام): ليس فينا شكّ، ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، ردّ ما معك إلى حاجز بن يزيد.
2 - ومنهم أبو طاهر محمّد بن علي بن بلال قبل انحرافه
مع المنحرفين والمشعوذين، وقد عبّر عنه الإمام المهدي (عليه السلام) في بعض التوقيعات المنسوبة إليه بالثقة المأمون العارف بما يجب عليه، وليس ببعيد أن يكون في بداية أمره من
الموثّقين، ولكنّه انحرف بعد ذلك، كما
حدث لغيره ممّن كانوا من الثقات بين أصحاب الأئمة
(عليهم السلام)ثمّ ظهر منهم ما يدلّ على الانحراف عن الجادّة([51])،
كما سيأتي بيانه.
3 - إبراهيم بن مهزيار، وكان من وكلاء الإمام (عليه
السلام)، وسيأتي بيان ذلك في ذكر ابنه محمّد بن إبراهيم.
4 - ومنهم محمّد بن إبراهيم بن مهزيار، وعدّه ابن
طاووس من السفراء والأبواب الذين يختلف الإمامية فيهم، كما جاء في جامع الرواة، ولا بدّ أن يكون المراد من سفارته ما يشمل الوكالة، لأنّ انحصار السفراء بالأربعة من المتّفق عليه
بين الإمامية من أتباع أهل البيت (عليهم السلام).
وجاء في غيبة الطوسي أنّ محمّد بن إبراهيم بن مهزيار
كان يقول: شككت عند مضيّ أبي محمّد العسكري (عليه السلام)، وكان قد اجتمع عند أبي مال كثير، فحمله وركب السفينة،
وخرجت معه مشيّعاً، فوعك وعكاً شديداً، فقال: ردّني
فهو الموت، واتّقِ الله في هذا المال، وأوصى إليّ ومات.
ومضى يقول: فحملت المال بعد الفراغ من أمره، وقدمت
العراق، واكتريت داراً على الشطّ، وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: يا محمّد، معك كذا وكذا من المال، وقصّ عليّ جميع ما تركه أبي من المال، ولم أكن أعرفه على حقيقته،
فسلّمت المال إلى الرسول، وبقيت أياماً، فخرج إليّ التوقيع يقول (عليه السلام) فيه: قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله([52]).
5 - ومنهم أحمد بن إسحاق بن سعد بن مالك الأشعري، وكان
واسطة بين القمّيين والأئمة: الجواد، والهادي، والعسكري (عليهم السلام)، وأدرك شطراً من غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)، وهو الذي عرض عليه الإمام العسكري (عليه السلام)ولده
المهدي (عليه السلام) حينما سأله عن خليفته، وأراه إيّاه،
وحدّثه ببعض ما يكون من أمره خلال غيبته الصغرى
والكبرى. وقد خرج التوقيع في مدحه مع جماعة منهم: إبراهيم بن محمّد الهمداني، وأحمد بن اليسع([53]).
6 - ومنهم محمّد بن صالح بن محمّد الهمداني الدهقان،
وجاء في رجال الكشّي أ نّه ورد في توقيع الإمام المهدي (عليه السلام) إلى إسحاق بن إسماعيل: إذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكلينا وثقتنا الذي يقبض من موالينا.
7 - ومنهم أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي، وقد وصفه
الإمام المهدي (عليه السلام) بالأمانة والثقة، وأمر بدفع الأموال إليه كما جاء في رواية النجاشي والشيخ في الغيبة، وخرج التوقيع بحقّه: محمّد بن جعفر العربي، فليدفع إليه، فإنّه من
ثقاتنا، وفي توقيع آخر: إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالريّ([54]).
8 - ومنهم: القاسم بن العلاء من أذربيجان.
9 - ومحمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوري.
10 - والحسين بن علي بن سفيان البزوفري([55]).
وغير هؤلاء ممّن أوكل إليهم الإمام (عليه السلام) بعض
ما يهمّه من اُمور المسلمين وقبض الأخماس وقضاء الحاجات، وكانوا يتّصلون بالإمام (عليه السلام) أحياناً عن طريق سفرائه الذين اعتمدهم لقضاء الحوائج وحلّ المشاكل، واُخرى عن طريق
المراسلة، وكان بعض وكلائه وسفرائه (عليه السلام) يتعاطى مهنة التجارة التي تساعده على التجوّل وحريّة الحركة لتضليل أجهزة الحكم الذين كانوا يراقبون الإمام وتحرّكات سفرائه
ووكلائه.
هذا ملخّص ما عثرنا عليه في بعض المصادر المعتبرة،
والله وليّ التوفيق.
ادّعى البعض السفارة عن الإمام المهدي (عليه السلام)
كذباً وزوراً، طمعاً في ابتزاز الأموال والتزعّم على الناس، والسفارة الكاذبة في الواقع تشويه منحرف لمفهوم السفارة الصادقة العادلة، وكان هؤلاء المدّعون للسفارة عن الإمام (عليه
السلام) لا يواجهون صعوبة في أوّل دعواهم، ذلك لأ نّه معلوم لدى جميع الشيعة أنّ الاتّصال بالإمام (عليه السلام) سرّ لا يمكن لأحد الاطلاّع عليه أو السؤال عن مكانه وزمانه، ولكنّهم
لا يلبثون أن ينكشف أمرهم على لسان السفارة الصادقة عن الإمام (عليه السلام) ويتمّ تبليغ القواعد الشعبيّة بشأنهم.
ولقد بدأ التزوير في السفارة من قبل بعض النفعيين
والوصوليين في عهد السفير الثاني الشيخ محمّد بن عثمان
العَمْري (رضي الله عنه)، وأمّا أبوه السفير الأوّل، فقد كان أقوى وأسمى من أن ينازعه منازع أو يعارضه معارض بعد تأريخه الحافل بالثناء مع الإمامين العسكريين الماضيين (عليهما
السلام)، وأدائه لمختلف أنواع الجهاد في عهدهما، وبموجب توجيهاتهما وتعاليمهما، فلن يكون للظنون أن تحوم، وللمطامع أن تطمح لمعارضته أو منازعته، لأ نّها ستجابه بالنقد والإنكار من
كلّ جانب.
كما أنّ الظروف لم تكن مساعدة على دعوى السفارة في
أيام عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) لأنّ الغيبة الصغرى لا زالت في أوّلها، وتتبّع السلطات ومطاردتهم للإمام المهدي(عليه السلام)ولكلّ من يمتّ إليه بصلة لا زالت قويّة، وعليه فكيف
يعرض أحد نفسه للمطاردة والخطر تلقائياً بانتحال السفارة؟
وقد ادّعى السفارة زوراً عن الإمام المهدي (عليه
السلام) في زمان أبي جعفر محمّد بن عثمان العَمْري (رضي الله عنه) عدّة
أشخاص، منهم: أبو محمّد الشريعي، وهو أوّل من ادّعى
مقاماً لم يجعله الله فيه([56])،
ومحمّد بن نصير النـُمَيري، ادّعى ذلك الأمر بعد الشريعي، وأحمد بن هلال الكرخي، وأبو طاهر محمّد بن علي بن بلال البلالي، وأبو بكر محمّد ابن أحمد بن عثمان المعروف بالبغدادي ابن
أخي أبي جعفر العَمْري (رضي الله عنه) وإسحاق الأحمر، ورجل يعرف بالباقطاني([57]).
وكان بعض هؤلاء صالحين في أوّل أمرهم، ومن أصحاب
الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)، فانحرفوا وسلكوا مسلك التزوير في آخر أمرهم، فجابههم العَمْري (رضي الله عنه) بكلّ قوّة حتّى كان النصر حليفه، وخرجت من الإمام
المهدي(عليه السلام) التواقيع والبيانات تترى بلعنهم والبراءة منهم والتأكيد على كذب دعواهم للسفارة وسوء سريرتهم.
وأمّا الشيخ الحسين بن روح السفير الثالث للإمام
المهدي (عليه السلام) فقد ابتلي بأشدّهم تأثيراً وأكثرهم أتباعاً، وهو محمّد بن علي الشلمغاني العزاقري([58])،
وكان في مبدأ أمره مؤمناً مستقيماً، بل وكيلا لابن روح، ثمّ ظهر انحرافه وسقم عقيدته.
وآخرهم في دعوى السفارة الكاذبة، أبو دلف الكاتب، حيث
كان على ذلك إلى ما بعد وفاة السمري السفير الرابع، فلعنه الشيعة وبرأوا منه، لأ نّهم كانوا يعلمون أنّ من ادّعى السفارة بعد السمري فهو كافر ضالّ مضلّ([59]).
وممّن نسب إليه دعوى السفارة الحسين بن منصور الحلاّج،
المعروف بمذهبه الصوفي، وله في هذه الدعوى مكاتبة مع أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي، كشفه
فيها أبو سهل وأفحمه، ويبدو أنّ ذلك كان في عهد الحسين
بن روح.
قال الراوي: أظنّ أنّ اسمه كان الحسن، وكان من أصحاب
أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي (عليه السلام)، ثمّ من أصحاب الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)، ثمّ أ نّه انحرف، وكان أوّل من ادّعى مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلا له،
فكذب على الله تعالى وعلى حجّته (عليه السلام)، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء، فلعنته الشيعة وتبرّأت منه، وخرج توقيع الإمام (عليه السلام) بلعنه والبراءة منه، ثمّ
ظهر منه القول بالكفر والإلحاد([60]).
كان من أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) فانحرف
وافتتن، وأصبح يستخدم اسم صحبته للإمام العسكري (عليه السلام) لأغراض ماديّة دنيئة ومنافع شخصية وضيعة.
فكتب الإمام العسكري (عليه السلام) كتاباً شديد اللهجة
ضدّه وضدّ شخص آخر يدعى ابن بابا القمّي، ويسمّى الحسن ابن محمّد، كشف فيه انحرافهما وأظهر البراءة منهما، وقال مخاطباً أحد أصحابه: أبرأ إلى الله تعالى من الفهري والحسن بن محمّد
بن بابا القمّي، فابرأ منهما، فإنّي محذّرك وجميع مواليّ، وإنّي ألعنهما، عليهما لعنة الله، مستأكلين، يأكلان بنا الناس، فتّانين مؤذيين، آذاهما الله، وأرسلهما في اللعنة وأركسهما
في الفتنة ركساً، إلى آخر كتابه (عليه السلام).
وكان الفهري يدّعي أ نّه رسول نبيّ، وأنّ عليّ بن
محمّد الهادي (عليه السلام) أرسله، وكان يقول بالتناسخ، ويغلو في أبي الحسن الهاي (عليه السلام) ويقول فيه بالربوبيّة، ويقول
بإباحة المحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في
أدبارهم، ويزعم أنّ ذلك من التواضع والإخبات والتذلّل في المفعول به، وأ نّه من الفاعل إحدى الشهوات والطيّبات، وإنّ الله لا يحرّم شيئاً من ذلك.
فقد رآه بعض الناس وغلامٌ له على ظهره، قال الراوي:
فلقيته فعاتبته على ذلك، فقال: إنّ هذا من اللذّات، وهو من التواضع لله وترك التجبّر([61]).
وكان معروفاً بالاُبنة.
وتبعه في أقواله جماعة من الغلاة الملعونين سمّوا
بالنميريّة، ذكروا أنّ منهم محمّد بن موسى بن الحسن بن الفرات، وهو والد علي بن محمّد بن موسى بن الفرات الذي وزر بعد ذلك للمقتدر المعاصر لسفارة ابن روح(رضي الله عنه)، استوزره
سنة 299 هـ([62])،
وبقي ما يزيد على الثلاث سنين
في الوزارة، فمن هذا يظهر كيف تؤيّد السلطات خطّ
الانحراف عن الأئمة (عليه السلام) بنحو خفي لا يكاد يلتفت إليه.
وأخيراً حين اعتلّ محمّد بن نصير النميري (لعنه الله)
العلّة التي مات فيها، قيل له وهو مثقل اللسان: لمن الأمر من بعدك؟ فقال بلسان ضعيف مُلجلج: أحمد. فلم يدروا من هو، فافترقوا بعده ثلاث فرق ; فرقة قالت: إنّه أحمد ابنه، وفرقة
قالت: هو أحمد بن محمّد بن موسى بن الفرات، وهو أخو علي بن محمّد بن موسى وزير المقتدر، وفرقة قالت: إنّه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد، فتفرّقوا فلا يرجعون إلى شيء([63]).
ولد عام 180 هـ ، وتوفّي عام 267 هـ ، أي إنّه عاصر
الإمام الرضا (عليه السلام) ومن بعده حتّى الإمام
العسكري (عليه السلام)الذي توفّي سنة 260 هـ ، وعاصر زمان الغيبة الصغرى لمدّة سبع سنوات، ادّعى خلالها الوكالة عن الإمام المهدي (عليه السلام) كذباً وزوراً، وقد عدّه الشيخ الطوسي
(رحمه الله)في قائمة المذمومين الذين ادّعو البابيّة، أي السفارة من الإمام المهدي (عليه السلام).
وله كتاب يوم وليلة، وكتاب نوادر، يرويه الشيخ النجاشي
في رجاله عنه بسنده إليه، اتّخذ مسلك التصوّف، وحجّ أربعاً وخمسين حجّة، عشرون منها على قدميه، ولقيه أصحابنا بالعراق وكتبوا عنه.
وقد جاء ذمّه على لسان الإمام العسكري (عليه السلام)،
وحذّر منه الإمام المهدي (عليه السلام) أصحابه ونوّابه، فكتب (عليه السلام) إلى قوّامه بالعراق: احذروا الصوفي المتصنّع، وورد على القاسم بن العلاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن
هلال، فأنكر رواة أصحابنا بالعراق ذلك، لما كانوا قد كتبوا من رواياته، فحملوا القاسم بن العلاء
على أن يراجع في أمره، فخرج إليه من الإمام المهدي
(عليه السلام) بيان مفصّل، هذا نصّه:
قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنّع ابن هلال لا رحمه
الله بما قد علمت، ولم يزل - لا غفر الله ذنبه، ولا أقال عثرته - يداخلنا في أمرنا بلا إذن منّا ولا رضا، يستبدّ برأيه فيتحامى ديوننا، لا يمضي من أمرنا إيّاه إلاّ بما يهواه
ويريده، أرداه الله في ذلك في نار جهنّم، فصبرنا عليه حتّى بتر الله بدعوتنا عمره.
وكنّا قد عرّفنا خبر قوماً من موالينا في أيامه لا
رحمه الله، وأمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخاصّ من موالينا، ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال - لا رحمه الله -.
وأعْلِم الإسحاقي([64])
سلّمه الله وأهل بيته بما أعلمناك من حال هذا الفاجر، وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده والخارجين ومن كان يستحقّ أن يطّلع على
ذلك، فإنّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما
روى عنّا ثقاتنا، قد عرفوا بأ نّنا نفاوضهم بسرّنا ونحمله إيّاه إليهم، وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء الله تعالى.
وأنكر قوم ما خرج في ابن هلال، ولم يؤثر فيهم هذا
القول البليغ، فعاودوا القاسم بن العلاء على أن يراجع فيه، فخرج إليهم من الإمام المهدي (عليه السلام): لا شكر الله قدره، لم يدع المرء ربّه بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه، وأن يجعل
ما منّ به عليه مستقرّاً ولا يجعله مستودعاً، وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان لعنه الله وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولم
يمهله، والحمد لله لا شريك له وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم([65]).
والذي يظهر أنّ ابن هلال بقي مؤمناً صالحاً خلال
سفارة السفير الأوّل، ولكنّه بمجرّد أن ذهب السفير
الأوّل إلى ربّه بدأ بالتشكيك بسفارة السفير الثاني، بحجّة إنكار النصّ عليه من قبل الإمام العسكري (عليه السلام)، وكان يقول: لم أسمعه ينصّ عليه بالوكالة، وليس اُنكر أباه - يعني
عثمان بن سعيد - فأمّا أن أقطع أنّ أبا جعفر وكيل صاحب الزمان، فلا أجسر عليه، فقالوا: قد سمعه غيرك. فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف على أبي جعفر، فلعنوه وتبرّأوا منه.
وترتّب على تشكيكه هذا في أبي جعفر العمري (رضي الله
عنه)أن امتنع عن دفع أموال الإمام (عليه السلام) إليه وعصيانه للأوامر الصادرة منه عن المهدي (عليه السلام) ممّـا أدّى به إلى منزلق الكفر والجحود([66]).
كان من أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام)، وعدّه ابن
طاووس من السفراء الموجودين في الغيبة الصغرى والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي (عليه السلام) فيهم، وظاهره كونه بمنزلة القاسم بن العلاء
والأشعري والأسدي ونحوهم في الوثاقة والجلالة، إلاّ أنّ الشيخ الطوسي ذكره في المذمومين الذين ادّعوا البابيّة.
قال الشيخ (رحمه الله): وقصّته معروفة فيما جرى بينه
وبين أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) وتمسّكه بالأموال التي كانت عنده للإمام (عليه السلام)، وامتناعه من تسليمها وادّعاؤه أ نّه هو الوكيل، حتّى تبرّأت الجماعة منه
ولعنوه، وخرج فيه من صاحب الزمان (عليه السلام) ما هو معروف.
وكان له جماعة من الأصحاب والمؤيّدين، منهم أخوه أبو
الطيّب وابن حرز وجماعة آخرون، وجاهد أبو جعفر
العَمْري (رضي الله عنه) واستعمل مختلف الأساليب في
ردعه وتقويم انحرافه، وأخذ الأموال منه لإيصالها إلى الإمام المهدي (عليه السلام)، فلم يفلح، وبقي ابن بلال على انحرافه وتمسّكه بالأموال والأصحاب.
فمن ذلك أنّ أبا جعفر قصد ابن بلال في داره، وكان عنده
جماعة، فيهم أخوه أبو الطيّب وابن حرز، فدخل الغلام فقال: أبو جعفر العَمْري على الباب، ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت، ولم يستطع ابن بلال أن يحجبه فقال: يدخل.
فدخل أبو جعفر (رضي الله عنه) فقام له أبو طاهر والجماعة، وجلس في صدر المجلس، وجلس أبو طاهر بين يديه، فأمهلهم إلى أن سكتوا.
ثمّ قال العَمْري: يا أبا طاهر، أنشدتك بالله، ألم
يأمرك صاحب الزمان بحمل ما عندك من المال إليّ؟ فقال ابن بلال: اللهمّ نعم. فنهض أبو جعفر (رضي الله عنه) منصرفاً،
ووقعت على القوم سكتة، فلمّـا تجلّت عنهم قال له أخوه
أبو الطيّب: من أين رأيت صاحب الزمان؟ فقال أبو طاهر: أدخلني أبو جعفر إلى بعض دوره، فأشرف عليّ - يعني صاحب الزمان (عليه السلام) - من علوّ داره، فأمرني بحمل ما عندي من المال
إليه - يعني إلى العَمْري -.
فقال له أبو الطيّب: ومن أين علمت أ نّه صاحب الزمان؟
قال: قد وقع عليّ من الهيبة له، ودخلني من الرعب منه ما علمت أ نّه صاحب الزمان (عليه السلام).
فقال ذلك الرجل من أصحابنا: فكان هذا سبب انقطاعي عنه([67]).
وهو ابن أخي أبي جعفر العَمْري السفير الثاني (رضي
الله عنه)،
وحفيد عثمان بن سعيد السفير الأوّل (رضي الله عنه)،
وأمره في قلّة محصوله العلمي وقلّة مروءته أشهر من أن تذكر([68])،
وكان مشهوراً لدى عمّه أبي جعفر العَمْري بالانحراف، ولم يكن معروفاً لدى البعض الآخرين من أصحابه.
ومن هنا كان جماعة من الأصحاب، وهم خاصّة الموالين، في
مجلس العَمْري (رضي الله عنه) وهم يتذاكرون شيئاً من روايات الأئمة (عليهم السلام)، فأقبل عليهم أبو بكر محمّد بن أحمد بن عثمان، ابن أخيه، فلمّـا بصر به أبو جعفر (رضي الله
عنه)قال للجماعة، مشيراً إليه: أمسكوا، فإنّ هذا الجاني ليس من أصحابكم([69]).
وادّعى محمّد بن أحمد بن عثمان السفارة، وكان له
أصحاب، منهم أبو دلف محمّد بن المظفّر الكاتب، وقد
كان في ابتداء أمره مخمساً([70])
مشهوراً بذلك، ثمّ صار إلى أبي بكر البغدادي.
ثمّ إنّ أبا بكر البغدادي، حين أرسل إليه وجوه الخاصّة
وعلمائهم، وسألوه عن دعواه السفارة، أنكر ذلك وحلف عليه، وقال: ليس إليّ من هذا الأمر شيء، وعرض عليه مال، لكي يأخذه بالوكالة عن الإمام المهدي (عليه السلام)، وإنّما عرض عليه ذلك
امتحاناً، فأبى قبوله، وقال: محرّم عليّ أخذ شيء منه، فإنّه ليس إليّ من هذا الأمر شيء، ولا ادّعيت شيئاً من هذا.
قال الراوي: ولمّـا دخل بغداد، مال إليه أبو دلف
الكاتب، وعدل عن الطائفة وأوصى إليه، فلم نشكّ أ نّه على مذهبه، فلعنّاه وبرئنا منه، لأنّ عندنا أنّ كلّ من ادّعى
الأمر بعد السمري، فهو كافر ضالّ مضلّ([71]).
وكان أبو دلف يدافع عن أبي بكر البغدادي ويفضّله على
أبي القاسم الحسين بن روح وعلى غيره، فلمّـا قيل له في وجه ذلك قال: لأنّ أبا جعفر محمّد بن عثمان قدّم اسمه على اسمه في وصيّته، فقلت له: فالمنصور أفضل من مولانا أبي الحسن موسى
(عليه السلام). قال: وكيف؟ قلت: لأنّ الصادق (عليه السلام) قدّم اسمه على اسمه في الوصيّة. فقال لي: أنت تتعصّب على سيّدنا ومولانا وتعاديه. فقلت: والخلق كلّهم يعادي أبا بكر
البغدادي ويتعصّب عليه غيرك وحدك؟ وكدنا نتقاتل ونأخذ بالأزياق([72]).
وحكي أنّ أبا بكر البغدادي توكّل لليزيدي بالبصرة،
فبقي في خدمته مدّة طويلة، وجمع مالا عظيماً، فسُعي به إلى اليزيدي، فقبض عليه وصادره، وضربه على اُمّ رأسه
حتّى نزل الماء من عينيه، فمات أبو بكر ضريراً([73]).
روى الطبري في الدلائل بسنده عن أحمد بن الدينوري
السرّاج: أ نّه حمل من أموال الموالي في الدينور ستّة عشر ألف دينار إلى بغداد، وبحث عمّن اُشير إليه بالنيابة - أي السفارة - فقيل له: إنّ ها هنا رجلا يعرف بالباقطاني يدّعي
النيابة، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدّعي النيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العَمْري يدّعي النيابة.
قال: فبدأت بالباقطاني، وصرت إليه، فوجدته شيخاً
مهيباً، له مروّة ظاهرة وفرس عربي وغلمان كثير، ويجتمع الناس يتناظرون، قال: فدخلت إليه، وسلّمت
عليه، فرحّب وقرّب، وسرّ وبرّ، قال: فأطلت القعود إلى
أن خرج أكثر الناس.
قال: فسألني عن ديني فعرّفته أ نّي رجل من أهل
الدينور، وافيت ومعي شيء من المال، أحتاج أن اُسلّمه، فقلت: اُريد الحجّة - يعني برهاناً على صحّة سفارته التي يدّعيها - فلمّـا أعوزه ذلك قال: تعود إليّ غداً. قال: فعدت إليه من
الغد، فلم يأتِ بحجّة، وعدت إليه في اليوم الثالث، فلم يأتِ بحجّة.
قال: فصرت إلى إسحاق الأحمر، فوجدته شاباً نظيفاً،
منزله أكبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه، ومروته أسرى، وغلمانه أكثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أكثر ممّـا يجتمع عند الباقطاني. قال: فدخلت وسلّمت، فرحّب وقرّب. قال:
فصرت إلى أن خفّ الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فقلت له كما قلت للباقطاني، وعدت إليه بعد ثلاثة أيام، فلم يأت بحجّة.
قال: فصرت إلى أبي جعفر العَمْري، فوجدته شيخاً
متواضعاً عليه مبطنة بيضاء، قاعد على لبد في بيت صغير
ليس له غلمان ولا له من المروة والفرس ما وجدت لغيره، إلى آخر الرواية([74]).
وهو المعروف بابن أبي العزاقر أو العزاقري، أبو جعفر،
نسبته إلى شلمغان، وهي قرية بنواحي واسط، وكان شيخاً مستقيم العقيدة والسلوك، صالحاً متقدّماً في أصحابنا، حتّى أنّ الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح نصبه وكيلا عنه عند استتاره من
المقتدر، وكان الناس يقصدونه ويلقونه في حوائجهم ومهمّاتهم، وكانت تخرج على يده التوقيعات من الإمام المهدي (عليه السلام) عن طريق ابن روح.
له من الكتب التي عملها في حال استقامته: كتاب
التكليف، وكتاب التأديب، وكتاب الغيبة، وكتاب
الأوصياء، وله كتب اُخرى ذكرها النجاشي في رجاله.
ثمّ إنّه حمله الحسد لأبي القاسم بن روح، على ترك
المذهب، والدخول في المذاهب الرديّة، وظهرت منه مقالات منكرة، وأصبح غالياً يعتقد بالتناسخ وحلول الاُلوهيّة فيه.
وكان ابن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام، وذلك أنّ
الشيخ أبا القاسم بن روح (رضي الله عنه) كان قد جعل له عند الناس منزلة ووجهاً، فكان عند ارتداده يحكي كلّ كذب وبلاء وكفر لبني بسطام، ويسنده إلى الشيخ أبي القاسم (رضي الله
عنه)وهو منه براء، فأنكره الشيخ أبو القاسم (رضي الله عنه)وأعظمه، ونهى بني بسطام عن كلامه، وأمرهم بلعنه والبراءة منه، فلم ينتهوا وأقاموا على تولّيه، وذلك أ نّه كان يقول لهم:
إنّني أذعت السرّ، وقد اُخذ عليّ الكتمان، فعوقبت بالإبعاد بعد الاختصاص، لأنّ الأمر عظيم، لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو مؤمن ممتحن، فيؤكّد من نفوسهم عظم الأمر
وجلالته.
فبلغ أبا القاسم بن روح (رضي الله عنه) ذلك، فكتب إلى
بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممّن تابعه على قوله وأقام على تولّيه، فلمّـا وصل ذلك إليهم وأظهروه عليه، بكى بكاءً شديداً، ثمّ قال: إنّ لهذا القول باطناً عظيماً، وهو أنّ اللعنة
الإبعاد، فمعنى قوله: لعنه الله، أي باعده الله من العذاب والنار، والآن قد عرفت منزلتي، ومرّغ خدّيه في التراب، وقال: عليكم بالكتمان لهذا الأمر([75]).
فلم يبقَ أحد ممّن تولاّه وصاحبه وغيرهم إلاّ وتقدّم
إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه، وممّن تولاّه ورضي بقوله أو كلّمه، ثمّ ظهر توقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) بلعن أبي جعفر محمّد بن علي
الشلمغاني والبراءة منه وممّن تابعه وشايعه ورضي بقوله وأقام على تولّيه، بعد المعرفة بهذا التوقيع([76]).
وكان خروج التوقيع ضدّه عام 312 هـ ، وقال فيه الإمام
المهدي (عليه السلام): إنّ محمّد بن علي المعروف بالشلمغاني، وهو ممّن عجّل الله له النقمة، ولا أمهله، قد ارتدّ عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله، وادّعى ما كفر معه بالخالق
جلّ وعلا، وافترى كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالا بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً.
وإنّنا قد برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله وآله
(صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم) منه، ولعناه عليه لعائن الله تترى من الظاهر والباطن في السرّ والعلن، وفي كلّ وقت وعلى كلّ حال، وعلى من شايعه وتابعه أو بلغه هذا القول
منّا، وأقام على تولّيه بعده.
وأعلمهم أ نّنا من التوقّي والمحاذرة منه على ما كنّا
عليه ممّن تقدّمه من نظرائه من الشريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم، وعادة الله عندنا جميلة، وبه نثق، وإيّاه نستعين وهو حسبنا في كلّ اُمورنا ونعم
الوكيل.
وقد صدر هذا التوقيع حين اُلقي القبض على الشيخ الحسين
بن روح (رضي الله عنه)، وأنفذه من السجن في دار المقتدر إلى أحد أصحابه، وهو الشيخ أبو علي بن همام، فوزّعه أبو علي توزيعاً عاماً، ولم يدع أحداً من الشيوخ إلاّ أقرأه إيّاه، وكتب
بنسخته إلى سائر الأمصار، فاشتهر ذلك في الطائفة، فاجتمعت على لعنه والبراءة منه([77]).
قال الراوي: وجدت بخطّ أحمد بن إبراهيم النوبختي
وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل اُنفذت إلى قم، يسأل عنها: هل هي جوابات الفقيه (عليه السلام) - يعني الإمام الحجّة (عليه السلام) -
أو جوابات محمّد بن علي الشلمغاني، لأ نّه حكي عنه أ نّه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنها، فكتب (عليه السلام)إليهم على
ظهر كتابهم: بسم الله الرحمن الرحيم، قد وقفنا على هذه
الرقعة، وما تضمّنته فجميعه جوابنا، ولا مدخل للمخذول الضالّ المضلّ المعروف بالعزاقري - لعنه الله - في حرف منها، وقد كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن بلال([78])
وغيره من نظرائه، وكان من ارتدادهم عن الإسلام مثل ما كان من هذا عليهم لعنة الله.
وأراد الراوي التثبّت عمّـا خرج من هؤلاء المنحرفين
وهم في حال الاستقامة، هل هو صحيح أم مزوّر؟ فخرج الجواب من الإمام المهدي (عليه السلام): على من استثبت فإنّه لا ضرر من خروج ما خرج على أيديهم، وإنّ ذلك صحيح([79]).
وعليه فلا تنافي بين الانحراف المتأخّر وصحّة القول والنقل المتقدّم حال إيمان الفرد واستقامته.
وسئل الشيخ ابن روح (رضي الله عنه) عن كتب ابن أبي
العزاقر
بعدما ذُمّ وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: كيف نعمل بكتبه
وبيوتنا منها ملأى؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمّد الحسن بن علي صلوات الله عليهما، وقد سئل عن كتب بني فضّال فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملأى؟ فقال صلوات الله عليه:
خذوا بما رووا وذروا ما رأوا([80]).
وحين أحسّ الشلمغاني بالتحدّي والمجابهة من قبل الشيخ
ابن روح والمجتمع الموالي له، أراد أن يباهل ابن روح، فقد أنفذ محمّد بن علي الشلمغاني إلى الحسين ابن روح يسأله أن يباهله، وقال: أنا صاحب الرجل - يعني الإمام المهدي (عليه
السلام) - وقد اُمرت بإظهار العلم، وقد أظهرته باطناً وظاهراً، فباهلني. فأنفذ إليه الشيخ (رضي الله عنه) في جواب ذلك: أ يّنا تقدّم صاحبه فهو المخصوم.
فتقدّم العزاقري فقتل وصُلب، واُخذ معه ابن أبي عون،
وذلك في سنة 322 هـ([81])،
حيث أمر الراضي بالقبض عليه
وقتله، فقُتل، واستراحت الشيعة منه([82]).
قال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 322 هـ: وفي
هذه السنة قُتل أبو جعفر محمّد بن علي الشلمغاني، وسبب ذلك أ نّه قد أحدث مذهباً غالياً في التشيّع والتناسخ وحلول الإلهية فيه إلى غير ذلك ممّـا يحكيه...
إلى أن قال: فلمّـا كان في شوّال سنة 322 هـ ، ظهر
الشلمغاني فقبض عليه الوزير ابن مقلة وسجنه، وكبس داره، فوجد فيها رقاعاً وكتباً ممّن يدّعي عليه أ نّه على مذهبه يخاطبونه بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضاً، وفيها خطّ الحسين بن
القاسم، فعرضت الخطوط فعرفها الناس، وعُرضت على الشلمغاني فأقرّ أ نّها خطوطهم، وأنكر مذهبه، وأظهر الإسلام، وتبرّأ ممّـا يقال فيه،
واُخِذَ ابن أبي عون وابن عبدوس معه، واُحضرا معه عند
الخليفة، واُمرا بصفعه فامتنعا، فلمّـا اُكرها مدّ ابن عبدوس يده وصفعه، وأمّا ابن أبي عون فإنّه مدّ يده إلى لحيته ورأسه فارتعدت يده، فقبّل لحية الشلمغاني ورأسه ثمّ قال: إلهي
وسيّدي ورازقي.
فقال له الراضي: قد زعمت أ نّك لا تدّعي الإلهيّة، فما
هذا؟ فقال الشلمغاني: وما عليّ من قول ابن أبي عون والله يعلم أ نّني ما قلتُ له إنّني إلهٌ قطّ.
فقال ابن عبدوس: إنّه لم يدّعِ الإلهيّة، وإنّما ادّعى
أ نّه الباب إلى الإمام المنتظر مكان ابن روح، وكنت أظنّ أ نّه يقول ذلك تقيّة، ثمّ اُحضروا عدّة مرّات ومعهم الفقهاء والقضاة والكتّاب والقوّاد.
وفي آخر الأيام أفتى الفقهاء بإباحة دمه، فصلب
الشلمغاني وابن أبي عون في ذي القعدة واُحرقا بالنار، وكان من مذهبه أ نّه إله الآلهة يحقّ الحقّ، وأ نّه الأوّل القديم، الظاهر الباطن، الرازق التامّ، المومأ إليه بكلّ
معنى([83]).
ثمّ ذكر جملة عقائده الباطلة، أعاذنا الله منها ومن القائل بها.
لمّـا قدم الحسين بن منصور الصوفي المشهور إلى بغداد،
أراد أن يغري أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي، وهو من علمائنا الأجلاّء في تلك الفترة، وكان يمتّ إلى الشيخ ابن روح النوبختي (رضي الله عنه) بصلة نسب.
وتخيّل أ نّه ممّن تنطلي عليه حيله وخدعه، فكاتبه
وادّعى له أ نّه وكيل الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد أخرج الخطيب البغدادي شيئاً من ذلك، كما أخرج الشيخ في غيبته بعض التفاصيل حوله، ويبدو من الروايات أنّ أبا سهل استطاع أن
يكشفه ويفحمه ويظهر عجزه، فأمسك الحلاّج عنه وأيس منه([84]).
وذهب الحلاّج إلى قم، فكاتب علي بن الحسين بن موسى بن
بابويه القمّي(رحمه الله) وهو من أجلاّء علمائنا، وأبو الشيخ الصدوق (قدس سره)، وادّعى له الحلاّج أ نّه رسول الإمام (عليه السلام) ووكيله، فلمّـا وصل خطابه إلى ابن بابويه مزّقه،
وقال لرسول الحلاّج: ما أفرغك للجهالات ! فقال له الرجل: فإنّ الرجل قد استدعانا، فَلِمَ خرّقت مكاتبته؟ وضحكوا منه وهزءوا به.
ثمّ نهض ابن بابويه إلى دكّانه ومعه جماعة من أصحابه
وغلمانه، وعندما وصل نهض لاحترامه كلّ من كان هناك غير رجل رآه جالساً في الموضع، فلم ينهض له ولم يعرفه ابن بابويه.
فلمّـا جلس وأخرج حسابه ودواته كما يكون التجّار، أقبل
على بعض من كان حاضراً فسأله عنه فأخبره، فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه، وقال له: تسأل عنّي وأنا حاضر؟ فقال له ابن بابويه: أكبرتك أ يّها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك. فقال له:
تخرق رقعتي
وأنا اُشاهدك تخرقها. فقال له: فأنت الرجل إذن؟ ثمّ
قال: خذ يا غلام برجله وقفاه، وسحبوه من الدار سحباً. ثمّ قال له: أتدّعي المعجزات عليك لعنة الله؟ فاُخرج بقفاه. قال الراوي: فما رأيناه بعدها بقم([85]).
وذكر ابن الأثير في حوادث سنة 309 هـ عقائد الحلاّج
الباطلة، وأنّ الخلافة ألقت القبض عليه، وأفتى الفقهاء بإباحة دمه، ولمّـا سمع الحلاّج ذلك، قال: ما يحلّ لكم دمي واعتقادي الإسلام، ومذهبي السنّة، ولي فيها كتب موجودة فالله الله
في دمي، وتفرّق الناس، وكتب الوزير إلى الخليفة المقتدر العباسي يستأذنه في قتله، وأرسل الفتاوى إليه، فأذِن في قتله، فسلّمه الوزير إلى صاحب الشرطة، فضربه الف سوط فما تأوّه، ثمّ
قطع يده ثمّ رجله
ثمّ يده ثمّ رجله، ثمّ قُتل واُحرق بالنار، فلمّـا صار
رماداً اُلقي في دجلة ونصب الرأس ببغداد، ثمّ اُرسل إلى خراسان لأ نّه كان له بها أصحاب([86]).
وهو المعروف بأبي دلف الكاتب، وكان من الُمخمّسة
المشهورين كما قدّمنا، ثمّ إنّه تولّى أبا بكر البغدادي، واعتبر مذهبه هو الصحيح. وكان يدافع عنه بحرارة، ويقدّمه على الحسين بن روح (رضي الله عنه)، حتّى أوصى له أبو بكر البغدادي
بعد وفاته([87])،
وأصبـح بذلك مدّعياً للسفارة بعد السمري، وكان هذا علامة كذبه لدى الأصحاب.
وكان أبو دلف معروفاً بالإلحاد، ثمّ أظهر الغلوّ، ثمّ
جُنَّ وسُلسل، ثمّ صار مفوّضاً، ونقل عن بعض الرواة أ نّه
قال: ما عرفناه قطّ، وما حضر في مشهد من الناس إلاّ
استُخفّ به، ولا عرفته الشيعة إلاّ مدّة يسيرة، والجماعة تتبرّأ منه ومن يومئ إليه ويتولاّه، وأمره في الجنون أكثر من أن يحصى([88]).
نكتفي بهذه اللمحات عن اُولئك المشعوذين والملحدين من
الذين ادّعوا السفارة للإمام المهدي (عليه السلام)كذباً ودجلا ليعبروا منها إلى تنفيذ أهدافهم وترويج مقالاتهم المنافية لعقائد الإسلام واُصوله الواضحة، طمعاً في الأموال التي كانت
تجبى إلى الإمام (عليه السلام) بواسطة وكلائه وسفرائه الأربعة، وبدوافع اُخرى لعلّ أصابع السلطة غير بريئة منها، وقد أعلن الإمام المهدي (عليه السلام)ومن قبله آبائه المعصومون
(عليهم السلام) عن كفر أمثال هؤلاء وإلحادهم، وأمروا أصحابهم بلعنهم والبراءة منهم.
كان الاتجاه العام لسياسة الإمام المهدي (عليه السلام)
في اتصاله بقواعده الشعبيّة، وقيادته لهم، على ما يدلّنا عليه تأريخنا الخاصّ مندرجاً في عدّة نقاط:
أوّلا: إقامة الحجّة على وجوده الشريف بشكل حسّي واضح،
لكي يكون مستمسكاً واضحاً وأكيداً لدحض ما قد يثار من الشبهات والأسئلة حول ولادته ووجوده.
وكانت هذه النقطة ممّـا سار عليه والده الإمام العسكري
(عليه السلام)، كما قدّمناه في فصل النصّ على الإمام المهدي (عليه السلام)([89])،
حيث رأيناه (عليه السلام) يعرض ولده
المهدي (عليه السلام) على الخاصّة من أصحابه، وينصّ
على إمامته بعده، وأ نّه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا.
واستمرّ الإمام الحجّة سائراً على ما سار عليه أبوه في
ذلك لاستمرار الأسئلة والإشكال عن قصد أو غير قصد، خاصّة مع اختفاء الإمام وغموض مكانه، ووجود الانحرافات بين بعض أصحابه، كما حدث من عمّه جعفر، ومن بعض الغلاة كالشلمغاني وغيره
ممّن قدّمنا ذكرهم.
وكان للإمام المهدي (عليه السلام) لإثبات وجوده
بالطريق الحسّي الواضح عدّة طرق:
الطريق الأوّل: تمكين عدد من الخاصّة من مشاهدته
عياناً، وإيصاؤهم بتبليغ ما شاهدوه إلى الناس، وخاصّة القواعد الشعبيّة الموالية للإمام (عليه السلام)، مع إيصائهم بكتمان المكان وغيره من الخصوصيّات التي قد تدلّ عليه وتيسّر
للسلطات طريق الوصول إليه.
الطريق الثاني: إقامة المعجزة بطريق غير مباشر لبعض
الأشخاص ممّن لا يواجهه مباشرة، بإرسال رسالة شفوية إليه عن طريق خادم أو غيره تتضمّن اسم الشخص، إن كان ممّـا ينبغي عادة أن يكون مجهولا، ووصفه للمال الذي يحمله والبلد الذي جاء
منه ونحو ذلك ممّـا لا يمكن أن يصدر إلاّ عن حجّة الله تعالى على خلقه، وسنذكر مصاديق لذلك في فصل معجزاته (عليه السلام)([90])،
وفي فصل رسائله وتوقيعاته (عليه السلام)([91]).
الطريق الثالث: الأجوبة على المسائل وحلّ المشكلات
وقضاء الحاجات عن طريق وكلائه بطريق منطقي حكيم منسجم مع اُسلوب آبائه (عليهم السلام) في مثل هذه المواقف، بنحو يعلم بعدم تمكّن السفير من أن يأتي بمثله
أو أن يخطر على باله، وخاصّة إذا اقترن ذلك بأمر يجهله
السفير أساساً، ممّـا قد أثبته المهدي (عليه السلام) في توقيعه، وسنذكر له (عليه السلام) توقيعات عديدة في الأحكام والعقائد وغيرها([92]).
الطريق الرابع: التزام نحو معيّن من رسم الخطّ، الذي
كان يعرفه الخاصّة من مواليه وموالي أبيه (عليه السلام)، فإنّ اختلاف الخطوط باختلاف الأشخاص من أوضح الواضحات، والخطّ يستخدم في التعرّف على صاحبه في مختلف المجالات القانونيّة
والفقهيّة وغيرها.
فكان لخطّ الإمام المهدي (عليه السلام) مميّزاته
الخاصّة التي يعرفها الخاصّة، والتي لا يمكن تقليدها، كخطّ أيّ شخص آخر، حتّى للسفير نفسه، على أ نّها كانت محفوظة بذاتها ومتشاكلة على أيدي السفراء الأربعة على اختلاف
خطوطهم الشخصيّة وطبائعهم النفسيّة([93]).
ثانياً: الاختفاء عن السلطات اختفاءً تاماً، بحيث
يتعذّر وصولهم إليه مهما كلّفهم الأمر، ويتمّ ذلك بعدّة طرق:
الطريق الأوّل: عدم تمكين المشاهدة، إلاّ ممّن يحرز
فيه عمق الإخلاص وعدم إفشاء السرّ الذي قد يؤدّي إلى الخطر.
الطريق الثاني: إيصاء الشخص المشاهد تأكيداً لذلك بعدم
الإفشاء والاحتياط من هذه الناحية على إمامه، بحيث يكون الفرد ذو مهمّة مزدوجة، فهو يجب عليه الالتزام في إخباره وتبليغه بأن لا ينزلق إلى ما لا يحمد عقباه.
الطريق الثالث: تحريم التصريح بالاسم، ومنعه منعاً
باتاً، إلى حدّ يمكن أن يقال: إنّه كان مجهولا عن
الكثير من الخاصّة الموالين، فضلا عن سائر المسلمين، وخاصّة من يمتّ إلى السلطات بصلة.
ومن هنا كان يعبّر عنه الخاصّة عند الحاجة بتعبيرات
مختلفة تشير إليه إجمالا، ولا تعيّنه شخصياً، كالقائم، والغريم، والحجّة، والناحية، وصاحب الزمان ونحو ذلك، ويتجنّبون بالكلّية التعرّض لاسمه الصريح، فإنّهم إن وقفوا على الاسم
أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلّوا عليه([94]).
الطريق الرابع: الاختفاء التامّ عن السلطات، وعن كلّ
من لا يواليه اختفاءً تامّاً مطلقاً، فلئن كان (عليه السلام) في غضون الغيبة الصغرى، قد يجتمع ببعض مواليه، فإنّه لا يجتمع بمن سواهم على الإطلاق، إلاّ ما كان لإقامة
الحجّة، وإظهار التحدّي للسلطات مع عدم إمكان إلقاء
القبض عليه، كما حدث لرشيق صاحب المادرائي حيث أرسلته السلطات للكبس على دار المهدي (عليه السلام) في سامراء.
الطريق الخامس: تحويل مكانه بين آونة واُخرى، بنحو غير
ملفت للأنظار، وهذا هو المستنتج من مجموع الروايات الدالّة على مكانه في الجملة، حيث تدلّ بعضها على وجوده في مكان، وتدلّ بعضها على وجوده في مكان ثان أو ثالث وهكذا، وهذا صحيح
باختلاف الأزمان وتعدّد الأيّام والسنين خلال الغيبة الصغرى.
الطريق السادس: السكوت التامّ، ومن ثمّ الغموض المطلق،
بل الجهل الكامل بطريقة اتّصال الوكيل الخاصّ بالإمام المهدي (عليه السلام)، هل هي بطريقة المواجهة أو بطريق آخر، وأين تحدث المواجهة وكيف؟ ولو لم تحدث المواجهة فكيف تصل أجوبة
المسائل وحلول
المشكلات. كلّ ذلك كان مجهولا تماماً لدى كلّ إنسان
مهما كان خاصّاً ومقرّباً، ما عدا السفير نفسه، الذي يضطلع بهذه المهمّة.
ومن الممكن القول بأنّ السفير كان منهيّاً عن التصريح
به أساساً لكلّ أحد، ومن ثمّ كان الشخص يقدّم السؤال ثمّ يأتي بعد يومين أو أكثر ليأخذ جواب سؤاله، ولم يرد في الروايات أيّ إشارة لطريقة استحصال الجواب من الإمام (عليه السلام).
الطريق السابع: إيكال الوكالة الخاصّة، أو السفارة،
إلى أشخاص يتّصفون بدرجة عالية من الإخلاص، بحيث يكون من المستحيل عادة أن يشوا بالإمام المهدي (عليه السلام)، أو أن يخبروا بما يكون خطراً عليه ولو مزّق لحمهم ودقّ عظمهم، ولا
يتوخّى بعد ذلك أن يكون السفير هو الأعمق فقهاً، أو الأوسع ثقافة، فإنّ السفارة عن الإمام (عليه السلام) لا تعني إلاّ التوسّط بينه وبين
الآخرين، ولا دخل للأفضليّة الثقافية فيها، ومن هنا قد
تسند الوكالة الخاصّة إلى المفضول من هذه الجهة، توخّياً لتلك الدرجة من الإخلاص.
فقد اعترضوا على أبي سهل النوبختي، فقيل له: كيف صار
هذا الأمر - أي السفارة - إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟ فقال: هم أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم واُناظرهم، ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم، وضغطتني
الحجّة([95])،
لعلّي كنت أدلّ على مكانه، وأبو القاسم لو كان الحجّة([96])
تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه([97]).
ثالثاً: قبض المال وتوزيعه بواسطة سفرائه ووكلائه،
والمال المقبوض يكون عادة من الحقوق الشرعيّة التي
يعطيها أصحابها من الموالين للإمام (عليه السلام)، في مختلف البلاد الإسلامية، فكان إذا اجتمع عند قوم أموال من هذه الحقوق، أرسلوها بيد أحد اُمنائهم إلى الناحية.
وقد يكون المال المقبوض هبة شخصية للإمام (عليه
السلام)، من قبل أحد مواليه، عيناً أو ثوباً أو غير ذلك، وقد يكون موصىً به من قبل أحد الأشخاص للإيصال إلى الإمام (عليه السلام) بعد موته، أو غير ذلك من الوجوه.
وهذه الأموال منها ما يصل إلى الإمام مباشرة، ومنها ما
يبقى في يد الوكيل، يوزّعه بحسب نظر الإمام وقواعد الإسلام.
كما أنّ حامل الأموال إلى الإمام (عليه السلام) قد
يوفّق إلى دفعها إلى السفير مباشرة، وقد لا يستطيع حتّى ذلك، بل يؤمر بوضع المال في مكان معيّن، وذلك بحسب اختلاف الظروف والأحوال التي يعيشها السفراء بشكل خاصّ
والقواعد الشعبيّة الموالية بشكل عامّ.
رابعاً: أجوبته (عليه السلام) عن الأسئلة التي كانت
تصل إلى الإمام (عليه السلام) عن طريق السفراء، والتي تعدّ من أهمّ مهامّ السفراء، فقد كانت تجتمع عند السفير بكثرة من مختلف طبقات الموالين، وهو ملزم بإيصالها إلى الإمام (عليه
السلام).
وجواب الإمام (عليه السلام) قد يكون توقيعاً، أي جملة
مختصرة مكوّنة من بعض كلمات، وقد يكون مطوّلا مسهباً، بحسب ما يراه الإمام المهدي (عليه السلام) من مصلحة السائل والمجتمع.
وتندرج في ذلك الأسئلة الفقهيّة والعقائدية التي كانت
توجّه إليه والطلبات الشخصية، كما يندرج في ذلك مناقشاته للشبهات التي كانت قد تنجم بين الموالين، وللدعاوى الكاذبة بالسفارة عنه (عليه السلام) ولعن المدّعين وكشف اتجاهاتهم
المنحرفة.
ويندرج في ذلك ما خرج عنه (عليه السلام) من الترحّم
على
السفير الأوّل وتعزية ولده السفير الثاني، وما خرج من
البيان عن انقطاع السفارة بعد السمري السفير الرابع (رضي الله عنه)وغير ذلك من التوقيعات التي جعلناها في فصل خاصّ([98]).
خامساً: قضاؤه (عليه السلام) لحوائج الناس من قواعده
الشعبيّة من الناحية الشخصية، يندرج في ذلك المال الذي يأخذه بعضهم من المهدي (عليه السلام) مباشرة إذا وُفّقوا للقائه، والمال الذي يأخذه الآخرون من السفراء أو غيرهم ممّن يمتّ
إلى الإمام (عليه السلام) بصلة، وهي بمجموعها أموال مهمّة لا يستهان بها.
كما يندرج في ذلك نصحه (عليه السلام) لمستنصحيه،
بالقيام بعمل معيّن، كالحجّ أو غيره او الامتناع عنه، بحسب ما يرى من المصلحة التي يتّضح بعد ذلك للسائل
مطابقتها لمقتضى الحال، كما يندرج في ذلك الأكفان
والحنوط والأثواب التي كان يعطيها لبعض الخاصّة مع الطلب أو بدونه، وذلك قبل موت ذلك الشخص بقليل.
سادساً: عدم التعرّض في كلام المهدي (عليه السلام) إلى
شيء من الحوادث العامة في المجتمع أو في الدولة أو في الخارج، وما يقوم به الخلفاء أو الوزراء أو الاُمراء أو القوّاد أو القضاة أو غيرهم ممّن له شأن أو ممّن ليس له شأن.
وهذا الإعراض الكامل، يشكّل احتجاجاً صامتاً وشجباً
سلبيّاً لمجموع الخطّ الذي يسير عليه الناس المنحرفون وذوو المصالح الشخصيّة الصانعون لتلك الحوادث الممثّلون لها على مسرح التأريخ ابتداءً من الدولة وانتهاءً بقواعدها الشعبيّة،
ذلك الخطّ المنفصل عن خطّه (عليه السلام)، والمنهج المغاير لمنهجه.
كما أنّ التعرّض للحوادث العامّة ومن ضمنها
الأحداث السياسيّة، إذا كان ممّـا يمسّ الدولة من قريب
أو بعيد، أو بعض أجهزتها وأعوانها، فإنّ ذلك يعدّ إعلاناً صريحاً للخلاف على الدولة، الأمر الذي يعرّض سائر الأفراد الموالين للإمام (عليه السلام) إلى الخطر والتهديد، وهو ما لا
يريده الإمام المهدي (عليه السلام)، كما لم يكن يريده لهم آباؤه (عليهم السلام).
على أنّ الإمام (عليه السلام) كان مستوعباً للأحداث
واعياً للمشاكل التي تنوء بالمجتمع ولحلولها الإسلامية على المستوى القيادي الرسالي، وليس هو بعيداً عن الأحداث منصرفاً عن المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقه باعتباره حجّة الله
تعالى في أرضه، وفكرة السفارة وما يترتّب عليها من المصالح الكبرى في التوجيه العقائدي الرسالي هي دليل على قربه من الناس وإحساسه بالمسؤولية الرسالية الملقاة على عاتقه.
كان الاتجاه العامّ للشعب الموالي لخطّ الإمام (عليه
السلام)خلال الغيبة الصغرى مركّزاً حول عدّة نقاط مترابطة:
1 - الاعتماد العامّ والتوثّق الكامل من السفراء وحسن
الظنّ بهم بأفضل أشكاله، بما هم أهل لذلك، لما هو معروف عند الشعب الموالي من نصوص الأئمة الماضين (عليهم السلام) في توثيق وتجليل ومدح السفيرين الأوّلين، مضافاً إلى التجربة
الفعليّة، والمعاشرة من قريب أو من بعيد، التي عاشها الناس مع السفراء الأربعة، قبل سفارتهم وبعدها، فعرفوا بالإخلاص والإيمان والصدق
والتقوى، بنحو يجعلهم في السنام الأعلى من خاصّة الشعب
الموالي. فكانوا لا يشكّون، بأيّ حال من الأحوال، بما ينقله أحد السفراء إليهم شفوياً أو كتبيّاً عن الإمام المهدي (عليه السلام) مضافاً إلى ما عرفناه من استدلالهم على صدق الرسالة
من خطّها، ومن مضمونها، ومن اُسلوب تبليغها.
2 - الرجوع في مشكلات الاُمور العقائدية والفقهية
والشخصية إلى الإمام (عليه السلام) عن طريق سفرائه، لكي يذلّلها لهم برأيه وحكمته، وبذلك يكون الإمام المهدي (عليه السلام) وهو في غيبته قد أخذ بزمام الإدارة لقواعده الشعبية
ومواليه، وتدبير اُمورهم وإرشادهم فيما ينبغي أن يفعلوا أو أن يتركوا.
3 - الاعتماد على التسالم على أمر من الاُمور الموجودة
بين أفراد الشعب الموالي أو الرأي العامّ الذي يوجد لديه، تجاه أيّ مسألة أو مشكلة. وهذا التسالم
تستقيه القواعد الشعبية من خاصّتها وموجّهيها وعلمائها
على وجه العموم، ومن السفراء على وجه الخصوص، وكان السفراء يتسالمون على الأمر نتيجة للقواعد الإسلامية التي يعرفونها، أو باعتبار صدور النصّ فيها من قبل الإمام المهدي (عليه
السلام) على يد أحد سفرائه، أو باعتبار تجربة حسّية عاشوها مع سلوك الفرد الذي تسالموا على وثاقته أو الذي تسالموا على انحرافه.
وذلك كالتسالم على وثاقة السفيرين الأوّلين([99])،
وعلى وثاقة السفير الثالث الحسين بن روح([100])،
بل على وثاقة السفراء الأربعة جميعاً، وكالتسالم على انحراف ولعن الشلمغاني ابن أبي العزاقر([101])،
والتسالم بأنّ
كلّ من ادّعى السفارة بعد السمري فهو كافر ضالّ مضلّ([102]).
فكانت هذه الاُمور وأمثالها، من الاُمور الواضحة، غير
القابلة للمناقشة، يتلقّاها الخلف عن السلف، والجاهل عن العالم، والعامّة عن الخاصّة، وتعتبر جزءاً من معالم الدين.
اضطلع السفراء الأربعة المنصوبون للسفارة من قبل
الإمام (عليه السلام) بعدّة مهام، منها:
1 - قيادة القواعد الشعبيّة الموالية للإمام (عليه
السلام) من الناحية الفكرية والسلوكية، طبقاً لأوامره (عليه السلام)، وبعبارة اُخرى: التوسّط في قيادة المهدي (عليه السلام) للمجتمع
وتطبيـق تعاليمه فيه، طبقاً للمصالح التي يراها
ويتوخّاها.
2 - الإخلاص في السفارة عن المهدي (عليه السلام)، وفي
خدمة قواعدهم الشعبية المفتقرة إلى قيادتهم وسفارتهم كلّ الافتقار، والتضحية في سبيل ذلك بالغالي والنفيس.
3 - الكتمان والحذر من أن يكون عملهم ملفتاً للنظر،
والحرص على أن تكون حياتهم وتجاراتهم طبيعية جدّاً، غير مثيرة لأيّ تساؤل أمام الدولة وعملائها وقواعدها الشعبيّة.
4 - التزامهم بالتقيّة مهما أحوجهم الأمر إلى ذلك،
ويجعلونها طريقاً لتهدئة الخواطر عليهم، وإبعاد النظر عنهم، لكي تنفسح لهم فرصة أوسع ومجال أكبر للعمل، ممّـا إذا كانوا مراقبين ومطاردين بشكل مستمرّ.
ولا بدّ أن يكون السفراء قد استقوا الخطوط العامّة
لهذا الاتجاه من الإمام (عليه السلام) بحسب ما يرى من المصالح في
ذلك الحين والظروف التي كانت تعيشها قواعده الشعبية
تجاه الدولة والآخرين، وكان كلّ سفير منهم يطبّقه بمقدار ظروفه وشكل تطوّر الحوادث في زمنه، وقد استطاع السفراء بمسلك التقيّة قيادة قواعدهم الشعبيّة وهدايتها والمحافظة عليها.
هذا ما لزم عرضه من البحث عن سفراء الإمام الحجّة بن
الحسن (عليه السلام)، والمنحرفين من أصحابه وادّعائهم بالسفارة كذباً وبهتاناً وكشفهم، آمل أن أكون قد وفيت وأعطيت البحث حقّه.
سائلا المولى القدير أن يتقبّل منّي هذا الجهد اليسير،
وأن يجعله ذخراً لي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله
على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين.
العبد المنيب حسين الشاكري
قم المشرّفة الفاتح من شهر رجب الأصمّ 1421
([1]) رجال الطوسي : ص389 رقم 5741 ط . تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي .
([2]) مراقد المعارف ، حرز الدين 2 : 61 .
([3]) رجال الطوسي : 389 ، رقم 5741 ، ط . تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي .
([4]) مناقب آل أبي طالب 4 : 412 ، باب إمامة أبي جعفر محمد ابن علي التقي (عليه
السلام) ـ ط بيروت المحققة 1412 هـ .
([5]) وسائل الشيعة 20 : 252 ، رقم 741 ، خاتمة الكتاب ، ط . بيروت القديم ،
يقابلها 3 : 419 ، الفائدة الثانية عشرة ، ط . تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث. ولم يعلّقوا عليه بشيء.
([6]) أسقط الحر العاملي من هنا عبارة ( وله إليه عهد معروف ) وهي موجودة في رجال
العلاّمة ، ولعلها لم تكن في نسخة الحر العاملي (رحمه الله) .
([7]) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال : 220 ، الباب ( 18 ) من الفصل ( 18 ) من
القسم الأول رقم ( 729 ) الفائدة الثانية عشرة ، ط . تحقيق نشر الفقاهة ـ قم 1417 هـ ـ ولم يخصّه بشيء من التعليق والإشارة .
([8]) رجال الطوسي : 389 ، رقم 5741 .
([9]) اختيار معرفة الرجال : 580 ، ح 1088 .
([10]) مراقد المعارف 2 : 62 .
([11]) الظاهر هنا يقصد شهوده الموسم أي الحج ، فإنه قد لا يتمكّن من الوصول إلى
الإمام لظروف أمنيّة حسب الظاهر .
([12]) الغيبة ، الطوسي : 254 ، ح 215 .
([13]) للمزيد راجع : غيبة الطوسي : 355 ـ 357 ، ح 316 ـ 319 ، بحار الأنوار ،
المجلسي 51 : 344 ـ 347 .
([14]) الغيبة : 361 ، ح 323 .
([15]) الغيبة : 257 ، ح 319 ، كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق 2 : 435 ، ح 2 ،
باب من شاهد القائم ورآه وكلّمه ، وراجع أيضاً إثبات الهداة ، الحر العاملي 3 : 415 ، ح 56 ففيه صدر الرواية ، وأما ذيلها ففيه أيضاً 3 : 511 ، ح 337 .
([16]) الغيبة : 356 ، ح 318 .
([17]) تاريخ الغيبة الصغرى : 399 ، ط . الثانية 1400 هـ .
([18]) كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق 2 : 431 ، ح 6 ، باب ( 42 ) ما روي في
ميلاد القائم ( عج ) .
([19]) المصدر السابق : ح 8 .
([20]) تاريخ الغيبة الصغرى : 404 .
([21]) أحسن الوديعة ، الاصفهاني 2 : 228 .
([22]) الغيبة للطوسي : 366 .
([23]) المصدر السابق : 360 .
([24]) المصدر السابق : 358 ، ح 320 .
([25]) قال النجاشي في الرجال 2 : 408 ، رقم 1186 : هبة الله بن أحمد بن محمد
الكاتب ، أبو نصر المعروف بابن برنيّه .
([26]) الداية ( فارسية ) وتعني : القابلة .
([27]) الغيبة : 358 .
([28]) مراقد المعارف ، حرز الدين 2 : 62 .
([29]) المصدر السابق : 63 .
([30]) مراقد المعارف ; للشيخ محمّد حرز 1 : 278 ، طبعة قم 1412 هـ / 1992 م .
([31]) غيبة الطوسي : 219 .
([32]) غيبة الطوسي : 220 .
([33]) راجع غيبة الطوسي : 220 .
([34]) راجع الغيبة للطوسي : 221 .
([35]) غيبة الطوسي : 223 .
([36]) راجع الغيبة للطوسي : 245 .
([37]) غيبة الطوسي : 221 .
([38]) الغيبة للطوسي : 222 ، الغيبة الصغرى / محمّد الصدر: 402، المجالس السنيّة
5 : 682 ، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5 : 17 ، بحار الأنوار 51 : 347 .
([39]) مراقد المعارف ; للشيخ محمّد حرز 1 : 249 ، طبعة قم 1412 هـ / 1992 م .
([40]) راجع غيبة الطوسي : 227 .
([41]) راجع غيبة الطوسي : 224 ـ 225 .
([42]) غيبة الطوسي : 227 .
([43]) غيبة الطوسي : 226 .
([44]) غيبة الطوسي : 225 .
([45]) غيبة الطوسي : 225 .
([46]) غيبة الطوسي : 228 .
([47]) الغيبة الصغرى / محمّد الصدر : 406 ، المجالس السنيّة 5 : 684 ، في رحاب
أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) : 5 : 19 ، بحار الأنوار 51 : 352 .
([48]) في ( فلك النجاة ) للحجّة السيّد القزويني ، وفي ( نزهة الحرمين ) للبحّاثة
المتتبّع السيّد حسن الصدر : إنّ قبر علي بن محمّد السمري ببغداد في سوق الهرج في حجرة من مسجد له شبّاك في السوق المذكور على يسار الداخل إلى السوق .
قال الشيخ محمّد حرز : وقفت على قبره سنة 1387 هـ ـ 1967 م ، وكان على المرقد صندوق خشبي فوقه ستارة ، تظلّه قبّة شامخة ومنارة المسجد ، كما يشاهد قبره من السوق من
شبابيك ثلاثة ، وله كتيبة نقشت بالقاشاني الأزرق كتب عليه اسمه ولقبه .
([49]) احتجاج الطبرسي : 267 ، غيبة الطوسي : 416 ، الغيبة الصغرى / محمّد
الصدر : 412 ، المجالس السنيّة 5 : 686 ، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5 : 20، بحار الأنوار 51: 359.
([50]) مراقد المعارف ; للشيخ محمّد حرز 1 : 375 ، طبعة إيران .
([51]) راجع ترجمته في المجالس السنيّة 5 : 689 ، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم
السلام) 5 : 22 ، بحار الأنوار 51 : 369 .
([52]) بحار الأنوار 51 : 364 / 12 .
([53]) بحار الأنوار 51 : 363 .
([54]) بحار الأنوار 51 : 362 ـ 363 .
([55]) راجع سيرة الأئمة الاثني عشر / الحسني 2 : 554 ـ 556 ، المجالس السنيّة
5 : 687 ، في رحاب أئمّة أهل البيت 5 : 21 .
([56]) غيبة الطوسي : 244 .
([57]) راجع الغيبة للطوسي : 244 ـ 245 .
([58]) غيبة الطوسي : 248 .
([59]) راجع غيبة الطوسي : 255 .
([60]) غيبة الطوسي : 244 ، الغيبة الصغرى / محمّد الصدر : 497 ، المجالس السنيّة
5 : 688 ، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5 : 21 ، بحار الأنوار 51 : 367 .
([61]) اُنظر غيبة الطوسي : 244 .
([62]) مروج الذهب 4 : 213 .
([63]) الغيبة الصغرى / محمّد الصدر : 498 ـ 500 ، المجالس السنيّة 5 : 688 ، في
رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5 : 22 ، بحار الأنوار 51 : 367 .
([64]) لعلّ المراد أحمد بن إسحاق الأشعري القمّي .
([65]) رجال الكشّي : 414 ، معجم رجال الحديث 2 : 356 .
([66]) الغيبة الصغرى / محمّد الصدر : 500 ـ 504 ، المجالس السنيّة 5 : 689 ، في
رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5 : 24 ، بحار الأنوار 51 : 368 .
([67]) غيبة الطوسي : 246 ، الغيبة الصغرى / محمّد الصدر : 504 ـ 506 ، المجالس
السنيّة 5 : 689 ، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5 : 22 ، بحار الأنوار 51 : 369 .
([68]) راجع غيبة الطوسي : 255 .
([69]) غيبة الطوسي : 256 .
([70]) المخمّسة من الغلاة ، وهم يقولون : إنّ الخمسة : سلمان ، وأبا ذر ،
والمقداد ، وعمّـار ، وعمرو بن اُميّة الضمري ، هم الموكلون بمصالح العالم من قبل الربّ .
([71]) و (2) غيبة الطوسي : 255 .
([73]) غيبة الطوسي : 256 ، الغيبة الصغرى / محمّد الصدر : 507 ـ 509 ، المجالس
السنيّة 5 : 689 ، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)5 : 24 ، بحار الأنوار 51 : 377 .
([74]) دلائل الإمامة / الطبري : 519 ـ 524 / 493 .
([75]) غيبة الطوسي : 249 .
([76]) غيبة الطوسي : 248 ـ 250 .
([77]) راجع الغيبة / الطوسي : 252 ـ 254 ، معجم رجال الحديث 7 : 50 .
([78]) كذا ، ولعلّه أحمد بن هلال ، لأنّ ابن بلال هو محمّد بن بلال .
([79]) راجع غيبة الطوسي : 228 .
([80]) غيبة الطوسي : 239 .
([81]) غيبة الطوسي : 186 .
([82]) غيبة الطوسي : 250 ، الغيبة الصغرى / محمّد الصدر : 512 ـ 522 ، المجالس
السنيّة 5 : 689 ، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)5 : 23 ، بحار الأنوار 51 : 372 .
([83]) الكامل في التأريخ 7 : 103 ـ 105 .
([84]) راجع غيبة الطوسي : 248 .
([85]) غيبة الطوسي : 248 ـ 249 ، الغيبة الصغرى / محمّد الصدر : 529 ـ 532 ، في
رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5 : 22 ، بحار الأنوار 51 : 369 .
([86]) الكامل في التأريخ 7 : 4 ـ 6 .
([87]) راجع غيبة الطوسي : 250 و 255 ـ 256 .
([88]) غيبة الطوسي : 254 ـ 255 .
([89]) الفصل الرابع من كتابنا هذا .
([90]) الفصل العاشر .
([91]) الفصل الحادي عشر .
([92]) في الفصل الحادي عشر .
([93]) راجع غيبة الطوسي : 216 و 220 .
([94]) الغيبة للطوسي : 222 .
([95]) أي في المناظرة .
([96]) يريد الإمام (عليه السلام).
([97]) راجع غيبة الطوسي : 240 .
([98]) الفصل الحادي عشر .
([99]) الغيبة للطوسي : 215 .
([100]) الغيبة للطوسي : 227 .
([101]) الغيبة للطوسي : 250 .
([102])
الغيبة للطوسي : 255 .