Back Home Next

 

مدرسة أهل البيت، الحسين بن علي (ع) مثالا
آراء الكاتب

د.عبد الجبار العبيدي

Jabbarrmansi@yahoo.com

 

أذا كانت الامم الحية تعتني بعظمائها وكبارها، تقيم لهم التماثيل، وتشيد لهم  النصب التذكارية، تُدرس حياتهم للاجيال، لانها ترى في ذلك دعما لحضارتها، وتشييدا لدعوتها، فجدير بالامة الاسلامية ان تُدرس حياة اهل البيت ومدرستهم الخالدة، وتبحث عن آثارهم، وتنقب عن أعمالهم، لتأخذ من علمهم وعملهم ومنهجهم وسيرهم نموذجا حياٍ يوصلها الى الرقي والسعادة. ويحقق لها الخير المنشود، ليعود لواؤها يخفق على العالم من جديد.

من يقرأ صفات آل البيت الاطهار، يدرك ان هناك مدرسة أعدت لتعليم صفات المتقين للناس، وأول هذه الصفات تنحصر فيمن حافظ على نقاء الشريعة والذود عن آصالة العقيدة، والعمل على تطبيق مبادىْ النص القرآني تأويلا وتطبيقا عمليا، وساهم في قيادة الامة على هدى القرآن، وهو يهدي للتي هي آقوم.

لقد لخص العلماء والباحثون منهج مدرسة آل البيت في اربع كلمات (ولا حاجة لعشرين الف حديث مبهم)، حين قالوا: ان ما هدفت اليه المدرسة هي تحقيق انسانية الانسان بتحقيق الامان له والاطمئنان والكفاية والعدل.

 

go to top of page 1. فالامان هو آمان المال والنفس والعرض،

2. والأطمئنان هو أطمئنان على الرزق دون ان يكون لاحد كائن من كان وفي كل الظروف حق الاعتراض عليه وحرمانه منه، وان توفرت الحجج، ففيه استمرارية حياة الناس واالوطن،

3.أما الكفاية، فهي ان لاينام الحاكم وفي شعبه معوز واحد، فالمال مال المسلمين وليس مال الحاكم، وبهذا الصدد يقول أمير المؤمنين علي (ع) (الا ان كل قطيعة قطعها فلان وكل مال أعطاه من مال المسلمين فهو مردود في بيت المال، فالحق القديم لا يبطله شيء، فأن في العدل سعة  ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق).

4. أما مفهوم العدل الذي طرحته المدرسة منهجا لها، فهو التوازن بين الحقوق والواجبات، وقد توجها امير المؤمنين علي حين قال مخاطبا ولاته في الامصار: يا ولاة امور الناس، أصدقوا ما وعدتم به الناس، وترفعوا عن ظلم العباد، وأحكموا بالعدل، وساووا بين الرعية، ولا تخونوا عهدا أنيط بكم، فالعدل اساس الملك، واردف قائلا :

اذا حاصرتك النوائب وتكالب عليك المنافقون، وشددوا عليك الوثاق فلا تجزع ولا تهن ابدا: فإن صوتا واحدا شجاعا أكثرية.

 

go to top of page  واليوم، نتحدث عن سيدنا ومولانا الحسين (ع) فأقول: الى الانسان الفذ، الذي عاش بين الفقراء وضد الفقر، ومع المحرومين وضد الحرمان، ومع الجماهير وضد الطغاة والمتجبرين والناكثين لعهد الله، تحية أجلال وتقدير، لتلك النفس الابية، والروح الطاهرة الزكية، الى ابن علي وفاطمة الزهراء الصافية النقية، الى تلك الشخصية الفريدة في نوعها، المتكاملة في أبعادها وتفاصيلها، الى الذي ترعرع في بيت النبوة، بيت ملؤه الذكر والتقوى، والعلم والشجاعة والفصاحة، عشق الله والذوبان في عبادته، خالطت مفردات الشريعة الغراء كل دمه ولحمه وكيانه، حين سخرها خدمة لقضيته العادلة، قضية الاسلام الصحيح، وقدم نفسه الطاهرة شهيدة في معركة الطف في كربلاء المقدسة، بعد ان حاول البعض العبث بالاسلام وتحريفه عن مقاصده السامية.

 

لم يقدم الحسين في العاشر من المحرم نفسه على مذبح الاسلام فحسب، بل قدم اهل بيته الذين أوصانا بهم رسول الله، ولم يفرق بينهم وبين الناس، لذا فأن كل فرد من أفراد بيت النبوة أصابهم ما اصاب الناس، وهم فرحون بما آتاهم الله من نعمة التضحية والفداء في رفع راية الحسين، وبهذا ترك لنا الحسين منهجا في الشجاعة والاقدام والتضحية ونكران الذات. رجال من هذا الطراز من الناس ألا يستحقون كل التكريم الالهي لهم مدرسة وافرادا

(إنما يُريدُ اللهُ ليُذهب عنكم الرجسَ أهل البيت ويطهركم تطهيرا).

 

go to top of page  يقول أحد محبي آل البيت الكرام، في أحيانٍ كثيرةٍ، بل في معظم الاحيان، يتلاشى مفعول الخطب والقصائد البليغة، ويبقى دم الشهيد هو وحده المحرك بأتجاه اسمى النهضات، فماذا لو كان هذا الشهيد بحجم الحسين بن علي، صاحب القول المآثور

والله ما خرجت لشيْ في نفسي ولا أهلي،

بل خرجت لاطلب الاصلاح في أمة جدي محمد،

 ثم قال

إذا كان دين محمد لا يستقيم الا بقتلي   فيا سيوف خذيني.

وحين خير بين القتل أو العودة سالما والرضوخ للباطل قال:

فلست  أبالي  حين  أقتلُ  مُسلما

 

على أي جنب كان في الله مصرعي

 

 وقال:

 والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا اقر لهم اقرار العبيد، حتى لو قطعوني إربا اربا.

 

go to top of page  هنا تقف نظرية القوة العادلة في وجه اصول نظرية الاستبداد والضعف، اي نظرية قوة القانون ضد نظرية قانون القوة. وتضع النظرية مقابل شعرة معاوية ودس السُم في العسل والغاية تبرر الوسيلة ومبدأ أقتناص الفرص بالباطل للاثراء والتسلط، نظرية (الغالب بالشر مغلوب).لان الحق خير وغالب، والشر باطل ومغلوب.

ويقف الامام موسى بن جعفر الصادق في منهج هذه المدرسة شامخا كشموخ جده الحسين حين سجنه هارون الرشيد بسجنه الانفرادي في بغداد مخاطبا الرشيد بعد ان خيره الاخير بين القتل او الرضا عنه والاقرار بولايته اميرا للمؤمنين، فيقول الامام:

يا ظالم العصر والزمان، ان الظلم فاشٍ ببابك، والله والذي نفسي بيده  لن ينقضي عني يوم من البلاء، حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء، وغدا نلتقي امام من هو اقوى واعدل مني ومنك.

 

go to top of page  ويقول الامام الحسن العسكري (ع) حين ابلغوه بموت صاحبه المفاجىء والمخلص لمدرسته والمنافح عن آل بيت محمد يقول فيه توددا واخلاصا:

(لا تهنوا ولا تحزنوا عليه فأن الابرار يموتون بلا عذاب).

هؤلاء هم عترة آل محمد، هم من مدرسة أبعدت خط الارجاء في الاسلام بإعتباره مثال على ضياع الحق بالتقادم، مدرسة كان معيار التعامل فيها، ان النص االقرآني يشكل المعيار الحقيقي الوحيد للسلوك السياسي، فلم يرتضوا شريعة الحكم العضوض، ولم يقبلوا بفكرة القدر بدلا من فكرة الامر الواقع والعدل.

 

هذه مدرسة تختلف كلية عما تدعيه المدارس الاخرى في منهجها العلمي والديني، فهم يعتقدون ان الامة لايمكن ان تنهض فقط بقوتها البشرية والمادية، بل بقضية محركة للحياة،  وقيم معينة واضحة، دونما حاجة الى شعارات وأفكار مشحونة بالايديولوجيات ذات الطابع الفردي والمصالح الشخصية، مدرسة تؤمن بان الله والانسان والحق والعدل بعيدا عن التمييز العنصري والطائفي والفردي هدفا لها في الحياة. تقف وراءها روح الاستشهاد والتضحية والفداء طريقا للنصر والانتصار .

 

go to top of page  ما أحوجنا، وواقعنا مضطرب، وجغرافيتنا تسبى، وحدودنا تنتهك، وشعبنا يشرد، وأموالنا تبعثر، الى مثل الحسين ومنهج مدرسة آل البيت، حين قالها بلا خوف او وجل،

(يا قوم قاتلوا الظالمين، الطغاة المتجبرين، العتاة الزناة، آكلة أموال الناس بالباطل)

لا للظلم والظالمين، لا للخروج على نهج الشريعة، الصافية النقية والبعيدة عن خرافات الزمان والمكان، لا للقهر والاغتصاب وبعثرة المال، لا لقتل الانسان الذي خلقه الله حرا، لا للتنازل عن الاوطان، فإن الله وقف بوجه محمد (ص) حين تهاون مع الاعراب بعد تبوك وسمح لهم بالانصراف عن مشاركة المسلمين القتال ضد الروم كما في قوله تعالى

(عفا الله عنك لمِ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين-التوبة 43)

لا للقاعدة المجرمة والتكفيريين المتخلفين الذين اهملوا الزمان والمكان وأغتالوا التاريخ وأسقطوا العقل، وألغوا دور المرأة في الحياة وحجموها مجتمعيا، وهربوا هروبا مقنعا من مواجهة التحديات في العصر الحديت. وعادوا آل محمد ونظريتهم ومدرستهم ومنهجهم لاصلاح الدين والبشرية معا.

 

go to top of page  نعم نحن مع مدرستهم التي نادت بالاوطان الحرة الابية، ومع الرجال اصحاب النفوس الزكية، الذين ما وهنوا  لباطل وما انصاعوا لحاكم ظالم، همهم الانسان وعدالة السماء.

لقد رفع الحسين شعاره في كربلاء المقدسة، لا للفرقة بل للوحدة، لا لباطل بل للحق والعدل، لا لبغضاء والتشهير بالاخرين باطلا بل للمحبة وقول الصدق والحقيقة فإن الله لن يقبل الا بالحق والعدل حين امر الناس بأن يلتزموا معايير الحق في أيذاء المرأة وأتهامها بالزنى اعتباطا بوضع اربعة شروط قاسية لتحقيق الاتهام

(والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فأجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا واولئك هم الفاسقون-النور 4)

هذه هي مدرستهم فأين نحن منها الان حتى ننسبها الينا. ونحن نقدح الناس بالباطل في الفاضي والمليان الا نخاف الله ويوم الحساب.

 

go to top of page  هذا هو الحسين في كربلاء شهيدا، وفي جنان الخلد خالدا ونصيرا لكل من آمن بالله والوطن واالحق والعدل بين الناس.

أما يكفينا فخرا حين قال الزعيم الهندي الكبير غاندي فيه

(تعلمت من الحسين ان اكون مظلوما ولا ظالما لانتصر).

وقل جواهر لال نهرو زعيم الهند

(الحسين هو مناضل الانسانية الخالد).

وقال ماوسيتونغ زعيم الصين الكبير

(أنني استلهمت نضالي من الحسين).

في هذا الزمن الغابر، الذي يراد لوطننا العراق ان يُذل ويقهر ويستعبد ويجزأ ويقسم وينتهك وينهب، ألم يكن بحاجتنا الى مثل الحسين إبن ذلك البطل الشهيد الذي قال في صبيحة يوم استشهاده حين حذروه من الصلاة في مسجد الكوفة لان الخوارج يتربصون به الدوائر، قال:ان الذين يحكمون الشعوب عليهم ان يعيشوا بينهم ولا يتخلوا عنهم ابدا،وأردف قائلا:

أشدد حيازيمك للموت

فإن الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت

إذا حل بواديكا

كما اضحكك الدهر

كذاك الدهر يبكيكا

 

أقولها وبملىْ الفم حبا وذوبانا في آل محمد شفعاء المظلومين في الدنيا والاخرة، أقولها، واردد ما قال الشاعر:

 

يبقى حب آل البيت فينا     مثل صفحة كربلاء  الخالدة التي ما تنطوي .

 

Back Home NextBack to HomBack to Homego to top of page