النص الديني ومفهوم الجهاد في الاسلام
آراء الكاتب
د. عبد الجبار العبيدي
Jabbarrmansi@yahoo. com
لا بد من تغيير جذري لكي ينهض الاسلام، وتتجدد قيمه، وتستمر مجتمعاته الجديدة، كما ارادها القرآن الكريم منذ بداية النشأة الاولى له.
ان عملية التجديد هذه لا تعتبر مسألة في النظر اوالعمل، بل فيهما معاً، وعلى مستوى الرؤية التاريخية والعمل الفكري حاضرا ومستقبلا. ولكي ينهض هذا العمل الهام، لا بد من دراسة الجذور
الحضارية الاولى للمسيرة التاريخية التي اعتمدت التراث النصي اساسا في هذا التوجه دون تمحيص وتدقيق، واحاطة التراث والنص الديني باسوار القداسة لكي لا يخترق، في مجتمع يؤمن بأن النص
الديني مقدس يحرم على المرأ الدخول في مناقشته او محاورته، تحت شعار لا اجتهاد في النص.
ولكي يكون الامر واضحاً في مقصده ونتائجه، لا بد من تعريف النص ودراسته دراسة جديدة تستند على:
-
القاعدة العلمية في تثبيته
-
ومعرفة صحته
-
وضرورة تأويله بما يتناسب
-
ومضمونه اللغوي والعلمي.
يعرف النص بأنه الحديث المنقول عن صاحبه، كالنص الديني او الادبي او التاريخي او الشعري. أما التنصيص فهو ذكر الشيء على التحدبد والتعيين، اي عودة النص الى قائله بالتحديد، لان معرفة
شروط قبول النص هو معرفة اثبات قائلة.
ان المنهج العلمي لمعرفة النص
والتأكد من صحته في الدراسات التاريخية، تقتضي قيام الدليل والبرهان عليه، ولا تقوم هذه الحالة الا على:
-
التمحيص الداخلي
للنص تمحيصاً تظهر فيه وبشكل منهجي جوانب القوة والضعف، بحيث لا يعوز الباحثين سلامة الدليل عليه.
-
والاخرى تنهض على الفحص الخارجي له، فأذا تعذرت الحجة قيام الثانية، فيعتمد عندئذ
على النص المقابل له ظاهرا وباطناً.
-
ولاخراج الدليل الحقيقي للنص لابد من اثبات الاصل ببطلان النقيض.
-
واذا لم تتحقق هذه الموازنة العلمية، يبقى النص في موضع الشك والريبة.
هذه هي الطريقة التي اعتمدت في جمع القرآن الكريم وتدوينه عند القراء في النص المختلف عليه،
بعد التأكد من القارىء والحالة الزمنية له وشكل الاسلوب وطبيعة الافكارفي مراحله الاولى،
لذا جاء القرآن ثابتا بنصه الشريف دون تحريف،
بالاضافة الى ان تدوين القرآن كان حديث عهد بعهد
النزول.
وبالعودة الى النصوص الفقهية والمتداولة الاولى في الاحاديث الشريفة وغيرها نجد الكثير منها بعيدا عن هذه القاعدة العلمية في التفسير والتأويل والنقل، لذا فهي بحاجة ماسة لقراءتها
من جديد في تحقيق النص التي اوردناها سابقا، ومن يقرأ مصادر الفرق الاسلامية دون استثناء يجد ذلك واضحاً.
من هنا استغل النص استغلالاً بشعا
من قبل اعداء التجديد، فوضع تحت القراءة الاحادية، قراءة جوهرها الاقصاء لكل جديد، لان فكرهم الجامد الغى الزمان
والمكان والتاريخ واسقط العقل، وآمن بالارجاء والجبرية والقضاء والقدر ووظفها توظيفا محكماً لخدمة السلطة في الدولة، ولدينا الكثير من هذه النصوص بحاجة ماسة الى مراجعتها مراجعة
جديدة، مثل نصوص الردة والرجم والفتوح والناسخ والمنسوخ والمتعة وحركات الزندقة وحركات الخوارج وحقوق المرأة في الزواج والطلاق والزنا والارث والوصية وحقيقة القضاء والقدر والجبر
والارجاء وغيرها كثير.
ولنبدا فنقول ان النص القرآني جاء محددا بتأويله بالاية الكريمة (آل عمران آية 7):
وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم |
لان القرآن حقيقة مطلقة والمطلق لاينسب الا الى الله، أما التاويل،
فيأخذ صفة التدرج المنسوب للعلماء وليس لغيرهم، وكلمة العالم تختلف عن كلمة الفقيه في اللفظ والمعنى، لا الفقه هو علم الشريعة الذي يبحث في القوانين التي يقرها الدين، والفقهاء هم
الذين يعلمون الناس اصول التشريع لا التأويل، يقول القرآن الكريم (سورة التوبة اية 122).
وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم
يحذرون |
أما العلم بمعناه الواسع فهو العلم الدنيوي
والديني واللدني الالهي لذا فأن العلم رديف للدين. وهو المعرفة الرأسية لدى عالم الاختصاص المكتسب بالتجربة والبرهان والفرق بينهما كبير،
هنا المشكلة التي هي بحاجة الى حل،
اما
اذا ما وضع النص في التأويل والتفسير وفق القاعدة المنهجية وما ورد في النص تحديدا سيضعه في حالة افضل واكثر انفتاحا لمواجهة الآيديولوجيات المتزمتة والمنغلقة
(والتي ادت الى مضاعفات
فكرية خطيرة في الفكر العربي الاسلامي)، وعلى رأسها التفاضل بين الفرق الاسلامية والتي هي بحاجة ماسة الى اعادة نظر في كل طروحاتها الفكرية والدينية والتي اغلبها بعيدة عن تحقيق مقاصد
النص القرآني والتاريخي للدين الاسلامي.
أما اذا استمرعليه الحال فسيقع العقل العربي في سجن حديدي جامد تزيد من انعزاليته عن الديانات والمجتمعات الاخرى.
لقد بدأت هذه الحركة مع المعتزلة في نظرية اصلاح النص حينما حاولت ان تعطي تفسيرا عقليا للنص الديني وطرحت افكارا في غاية الاهمية حين قالت: ان القرآن ليست نظرية تتعامل مع الفروض،
انه منهج شامل يتعامل مع الواقع وقالوا ان القرآن محدث لا قديم وشككوا بنظرية النقل واصروا على نظرية العقل، وجعلوا الحرية المنطلق الاساس للتفكير، وجاؤا بأكثر من آية مستندين الى
آيات الاختيارفي اية الكهف 29 والبقرة 256، والتقوا مع الامام علي بن ابي طالب (ع) في نظرية العقل، حين قال الامام:
ويقصد بالحجة الدليل والبرهان. لكن انتصار حركة الفقهاء منذ عهد
المتوكل العباسي في 232 للهجرة قصمت ظهر الفكر الاسلامي، حين اصبحت نظرية النقل لا العقل هي الاساس في نقل النص وتفسيره، وبذلك
تم اضعاف الفكر الاسلامي الحر العقلاني، وهنا تكمن المآساة التي لازلنا نعايشها الى اليوم، فأصبحت نظرية الجبر هي الاساس في حكم الناس كما ارادها الفقهاء وسلاطين الدولة.
لقد تركز الخطأ في فكر الامة واصبح من الصعب تجاوزه بيسر وسهولة، حتى اصبح من السهل مقاومة الجهات المدركة لموضع الخلل والرافضة لسلطة الباطل والمتمسكة
بالحق والعدل، فظلت دماء الحسين ويحي وزيد وعمر بن عبد العزيز تقطر دماً دون ان تؤثر في الرأي العام، ما خلا القلة القليلة المؤمنة بالعقيدة والمبدأ فظلت عاجزة عن عملية التغيير
الحقيقي لواقع الامة.
ان كل هذه الطروحات وما تلاها ساهمت فيها الفرق الاسلامية المختلفة دون استثناء، وتجنبا ًمن الخوض في متاهات لا اجد ضرورة للخوض فيها، أؤكد انه لا مجال من الناحية المنطقية والتاريخية
إقحام فرضية بعض الدارسين من ان الاسلام هو السُنة او هو الشيعَة، تلك مقولة في نظري بائرة بضاعتها ومرفوضة بحكم الحس والوجدان، لان التسنن الخالص والتشيع
الخالص هما من الاسلام واليه، وليس واحدا منهما حسب، لذا لا نجد مجالا كما يعتقد البعض بوضع قاعدة ان الاصل كان احدهما، الا في حالة غلبة التعصب على العقل ورجحان كفة الهوى على الهدى.
نحن بحاجة الان الى نظرية منفتحة في المعرفة الاسلامية مصاغة صياغة حديثة مستنبطة من القرآن الكريم، المؤول تأويلا صحيحا،
والنص التاريخي الثابت والمعرفة العلمية للانسانية لان ليس كل فكرة انتجها الانسان هي عدوة للاسلام بالضرورة. القرآن الكريم في تأويله يخضع لهذه القاعدة
العلمية تماما، لكن الذي يبقي المعاناة هي نصوص السنة النبوية واقوال الصحابة وما رافقها من تشويه واستزادة، وكأن الرسول (ص) كا يدرك سلفا لخبرته بما سيحصل خلفا حين قال في رواية
نقلها الواقدي، والواقدي توفى في سنة 207 للهجرة قال:
خلوا بيني وبين الناس ولا تنقلوا عني غير القرآن |
خوفا من التحريف الذي حصل فعلا في بعض الاحاديث المنقولة.
ومع عصرنة الزمن والتقدم العلمي والتكنولوجي الهائل، لا زلنا نطرح الاسلام عقيدةً وسلوكاً دون ان ندخل في العمق الفلسفي للعقبدة الاسلامية، لذا لا زالت مشكلة الجهاد والحرية ونظرية
اسلامية المعرفة وحقوق المرأة تدور في نظريات تقليدية تبنتها الحركات السلفية التي هي اهملت التاريخ، والتي حولت عقيدة الاسلام الى عادات وتقاليد وشعائر بالية زرعت في عقول الناس
فتحولت الى التجهيل التام بدلا من الوعي العام.
ولربما يدور في فكر القارىء الكريم الحل
البديل لهذه المشكلة المعقدة والمستعصية، ارى من واجب المفكرين والباحثين ان يتبنوا حلولا واقعية لما هو احسن
وافيد. لذا لابد من اتباع بعض النقاط :
-
التقيد بمنهج البحث العلمي الموضوعي سواءً في القرآن او السنة، هو
دراسة النص بلا عاطفة (لان العاطفة توقع الدارس في الوهم).
-
عدم اصدار الاحكام المسبقة في الاشكاليات المختلف عليها، كموقف النص من
المرأة.
-
عدم وجود نظرية اسلامية في المعرفة الانسانية مصاغة صياغة حديثة
مستنبطة من النص الديني. وضرورة ايجاد نظرية جديدة تتوافق والتأويل العلمي للنص الديني.
-
ابعاد الدراسة العلمية عن المنهج الدراسي السلفي، وعدم اللجوء الى
التعصب الديني والمذهبي والطائفي، واتهام الاخرين بالزندقة والرافضة والقدرية والجبرية.
-
يجب ان تسود نظرية الجدل التي وردت في القرآن وتحديدا بين الوجود في
الاعيان والصور الموجودة في الاذهان.
نحن اليوم نعيش في ازمة فقهية قاتلة لذا نحن بحاجة الى فقه جديد مبني على التأويل لا التفسير ويقول القرآن الكريم
الكهف آية 54:
هنا الاية لا ترتبط بالتأنق ولا
بالتجويد، فالترتيل ليس هو التجويد في التلاوة فالوصف بالثقيل لايقصد به الثقل بالتلفظ والنطق وانما يقصد به وعورة مايشتمل عليه القرآن من علم، هنا اختلط الامر على الفقهاء لعدم
قدرتهم على التأويل العلمي، فلجأوا الى االتفسير اللغوي فأضاعوا مقصد القرآن الاساسي. وحتى لا نطيل تمشياً مع العرض لا بد لنا من ان نأخذ بعض النصوص لمحاورتها:
نصوص الردة والرجم
أعتاد الناس على ان حكم المرتد عن الدين الاسلامي هو القتل، وفي الزنا هو الرجم، ولكن حين الرجوع الى الايات الكريمة واقوال الفرق الاسلامية المختلفة، نرى الامر غير ذلك تماماً.
يذكر السيوطي في شرحه نقلا عن سنن النسائي ج7 ص104 حديثا شريفاً ما نصه:
لا يحلُ دمُ أمرىءٍ مسلمٍ الا باحدى ثلاث: رجل زنى بعد أحصانه فعليه الرجم، أو قتل عمدا فعليه القود، او أرتد فعليه القتل |
.
وحين نستعرض ايات الردة في سورة البقرة آية 109، 217 وفي سورة آل عمران أية 100، 149 وفي سورة المائدة أية 54 لا نجد تطابقا مع نص الحديث. ومن اكثر الايات الكريمة تحديدا ووضوحا ما
جاء في آية 217 من سورة البقرة والتي تقول:
. . . ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا، ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون |
لا
نجد تطابقاً مع نص الحديث ولم تقل يقتل.
وحين نستعرض اقوال الفرق الاسلامية جميعها الشيعية منها والسُنية، نخلص الى انها تجمع على ان المرتد عن الدين، هو من رغب عن الاسلام وكفر بما انزل على محمد (ص) بعد اسلامه، ولم تقل
يقتل.
لقد كان الرسول معصوما في تبليغ الرسالة بالنص والمحتوى كما وصلته من الله لفظاً ونطقاً
المائدة 67.
يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك، وان لم تفعل فما بلغت رسلته والله يعصمك من الناس، |
هذه هي القاعدة الاساسية في تبليغ النص، ولا يمكن للرسول (ص) الا ان ينطلق من استراتيجية القرآن في تبليغ النص، لان العصمة محصورة في الرسالة. فمقارنة الحديث بالايات
القرآنية واقوال الفرق الاسلامية نجد هناك فرقا كبيرا في التوجه بحاجة الى بيان، مما يعطينا الاذن ان نقول بأن الحديث لم يكن ثبتاً. حين جاء متناقضا مع التوجه الالهي بخصوص المرتد عن
الدين، ويتناقض مع الحرية الانسانية المقدسة لدى الله سبخانه وتعالى في قتل الانسان ورجمه بالحجارة.
اما كلمة الرجم فلم تأتي اصلا الا في ثلاث آيات هي سورة الشعراء اية (116)، وسورة ياسين آية (18)، وسورة هود آية (9) وكلها جاءت بمقاصد اخرى وليس لها علاقة بالقصد، أما احاديث الزنا
فقد حملت اكثر من طاقتها وظلمت فيها المرأة، حين طبقت العادة والتقليد الجاهلي بدلا من التشريع وقتلت المرأة على التهمة لا على الواقع، أنظر سورة النور أية (4) وضعت للزنا معايير
تعجيزية قد يستحيل على المرأ اثباتها:
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فأجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا وأولئك هم الفاسقون |
ان الاية الكريمة تدرك ان
التعامل مع الجنس يحتاج الى غاية الحذر
والحساسية في تطبيق النص. لا سيما وان العملية الجنسية لا يمكن ممارستها علناً وتحت نظر الاخرين، فهي عملية سايكولوجية مرفوضة العلن حتى عند بعض
الفصائل الحيوانية كالجمال مثلاً، لذا فالحديث يجانبه الصواب ولا يمكن الاخذ به، ناهيك من الخلط في تفسير النصوص كما في القوامة والحجاب والباس والقضاء والقدر، والناسخ والمنسوخ،
الحظ والنصيب ومن هنا لابد من تأويل جديد للنص القرآني لتخليص العامة مما علق بالاذهان من عادات وتقاليد مرفوضة بحق حرية الانسان المكفولة ربانيا، ومن وزر التفسير الفقهي اللغوي للنص
الديني.
نصوص الحرية
الحرية في القرآن الكريم مقدسة، وهي اسمى ما في الوجود، لذا فقد منح الله سبحانه وتعالى للانسان حرية الاختيارفي الفعل والعمل الذي يريده، حين آمره بفعل الواجب ولم يجبره عليه، بل ترك
الامر اختيارا لارادته، لكنه حذره من المعصية وأوعده بالعقاب والثواب، وهذا ما نراه واضحا في سورة الكهف آية 29:
وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، انا اعتدنا للظالمين نارا |
ولم يقل للكافرين نارا، فالاية اقامت علاقة جدلية بين الكفر والايمان، وبما ان الكفر ظلم للنفس البشرية من الناحية العقائدية، وقد يرتكب من غير الكافر ايضاً، فقد وسع القرآن
العقوبة حين قال اعتدنا للظالمين نارا، لا الظلم يرتكب من الاثنين على حدٍ سواء، والقران وكلماته المقدسة لا تقبل التراف اللغوي ابدا.
اما الاية 256 من سورة البقرة، فقد جاءت عامة لكل الناس:
لا اكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي |
لذا فهي تتقاطع مع شعار الفتوح المعلن عند البلاذري في كتابه فتوح البلدان (أسلم
تسلم لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، وان لم تسلم تدفع الجزية نظير حماية الدولة لك).
ان الاية الكريمة وضعت سنة لكل الناس دون تمييز في الحرية الدينية والمدنية دون اكراه، لان الحرية هي هبة الله الى الناس وليست هبة احد من الناس، فاذا تتبعنا آية الجزية في سورة
التوبة آية 29:
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر، ولا يحرمون ما حرم اله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين آوتوا الكتاب حتى يعطوا
الجزية عن يدٍ وهم صاغرون |
الاية
الكريمة ليست عامة، بل وضعت شروطا ًدقيقة لتطبيقها عملياً حين لا يكونوا من المؤمنين بالله واليوم الاخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، كقتل النفس الانسانية بدون جرم مرتكب، ، وان
يبدأوا هم بقتال المسلمين بدلالة قوله سبحانه وتعالى عن يد وهم صاغرون.
الديانات المنزلة كلها تؤمن بالله واليوم الاخر،
ولا تؤمن بقتل النفس الانسانية بدون سبب مبرر. لذا فأن تفسير النص يحتاج الى اعادة نظر في قراءته، وما يعزز هذا الرأي ما ورد بنص الاية الكريمة في سورتي المائدة والبقرة 169، 62 حين
تذكر الاية ما نصه:
ان الذين آمنوا بالله واليوم الاخر والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلهم اجرهم عند ربهم
ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون |
فشرط الاية هو الايمان لا غير، وهم مؤمنون. هنا نلاحظ ان شعار الفتوح السابق ذكره يصح بالحوار لا بالقتال. ناهيك عن ان آية كريمة اخرى
الانعام آية 107
تقول:
لو شاء الله ما اشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً وما
انت عليهم بوكيل
|
نصوص آيات الشورى
لقد دمج القرآن الكريم حرية الاختيار بالايمان بالشورى في الممارسات المختلفة وحتى في العبادات، لذا فإن آية الشورى الاولى جاءت كشرط من شروط الايمان وهي مكية، كالصوم والصلاة
والزكاة، تقول الاية الكريمة
-الشورى، آية 38
والذين أستجابوا لربهم وأقاموا الصلواة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون |
أما الاية الكريمة الثانية آل عمران 159 تقول:
فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك، فأعفِ عنهم وأستغفر لهم وشاورهم في الامر، فأذا عزمت فتوكل
على الله، ان الله يحب المتوكلين |
الشورى في الاية الكريمة الثانية جاءت الزامية لاشراك الناس في امور الدولة وبناء مؤسساتها، لذا فهي قيمة أنسانية، لاهمية ممارسة ولاية الامر، وخاصة فيما يتعلق بالحكم والسياسة
والتشريع. فالنبي لم يأمر الناس بالاحتكام اليه، لكن الناس هم الذين كانوا يحتكمون اليه بدلالة الاية الكريمة
النساء آية 65
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما |
لقد أمر النبي بمشاركة كل الناس دون تمييز بامور الدولة العامة والخاصة وبحرية تامة، لذا استعمل المشورة في اسرى معركة بدر، فأشار
عليه بعض الاصحاب بقتلهم، لكن القرآن وقف موقف المعارض بدلالة الاية الكريمة
–الانفال 67:
ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله الاخرة والله عزيز حكيم
|
على هذا الاساس قرر الاسلام أمرين هما:
الاول، الايمان بالله وأقامة الصلواة والزكاة.
والثاني، كممارسة يومية تتبع الحالة التاريخية التي يعيشها المجتمع مع مقتضيات الظروف
وشفافية التصرف والتعبير عن الرأي في الحرية والعمل والايمان
ولو شاء الله ما اشركوا وما جعلناك عيهم حفيظا وما انت عليهم بوكيل |
لقد طبق الرسول آيات القرآن تطبيقا عمليا وامر بعدم
قتل الاسرى، وأمكانية اصلاحهم وضمهم للاسلام. لكن ما تم في عهده لم يستمر من بعده، فقد اهمل دستور المدينة المكتوب في السنة الخامسة للهجرة، فتركت سلطة رئيس الدولة دون تحديد مدة او
مدى سلطان، فظلت السلطة والقانون والثروة والجيش بيد الخليفة دون ضوابط ثابتة ومحددة، وكل ما نقرأه عند مفكري الاسلام عائم وغامض مما ترك أثرا سيئاً في ادارة الدولة، فتح المجال
للمنازعات الكثيرة التي أضعفت الدولة فيما بعد.
نصوص احاديث الغيب
كثرت أحاديث الغيب بعد وفاة الرسول (ص) وتداولتها جهات عديدة دون حصر، لكن هذه الاحاديث مرفوضة جملة وتفصيلا بدلالة الاية الكريمة ( لو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني
السوء _الاعراف آية 188) لذا لاداعي للدخول في مناقشها لحسم القرآن الكريم لها.
نص الحاكمية الدينية
لا احد يستطيع ان يحدد الحاكمية الدينية الا بنص قرآني محدد، لذا يجب ان ينظر اليها وفق منطوق الاية القرآنية التي وردت في سورة البقرة آية 258، حتى لا ندخل في المطلقية الشمولية
دون مراعاة اسسها القويمة.
تقول الاية الكريمة:
ألم ترَ الى الذي حاج ابراهيم في ربه ان اتاه الله الملك، أذ قال ابراهيم ربي الذي يحي ويميت قال انا احي واميت قال ابراهيم فان
الله ياتي بالشمس من المشرق فاتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين |
في الاية الكريمة تنسب صفة التعجيز الى الله عز وجل، وتنفى عن غيره نفياً قاطعاً لأن المطلقية لله وحده. لكن معنى (لا اله
الا الله) تعني الوحدانية ولا تعني الحاكمية المطلقة، لذا يجب التفريق بين الحالتين، لكن من يدعون بوكلاء الله في الارض هم الذين يريدون الدمج بين الحالتين خطئأً لمحاولتهم التدخل في
امور الناس في كل صغيرة وكبيرة تجاوزا على النص القرآني، ولقد فرضوا ارائهم بالطغيان الفردي والجماعي وخاصة في العادات والتقاليد على الناس بحجة المطلقية التي فسروها تجاوزا على النص
الديني كالموقف من اطلاق اللحى وحجاب المرأة والسواك والدشداشة القصيرة، هذه المطلقية تحولت على ايديهم الى امر مفروغ منه يجب تطبيقه ووضع الحد على مخالفيه. وتحولت على يد الخوارج الى
حاكمية مطلقة في التصرف والمحاسبة والحكم لله وحده دون النظر الى اداة التطبيق والتنفيذ، هذا الاعتقاد استخدمه الخوارج مع الامام علي بعد معركة صفين وقبل معركة النهروان، حين أكدوا
على شعارهم المرفوع (لا حكم الا لله)، فهم لم يكونوا على خلاف سياسي مع الامام، وانما كان خلافهم حول طريقة فهمهم للحاكمية الدينية ووجوب تنفيذها. لكن الامام لم يخالفهم في نظرتهم بل
خالفهم في وسيلة تطبيقها حين يقول (نعم الحاكمية لله ولكن من ينفذها على الارض-نهج البلاغة)، وارى لولا الضغط والالحاح من قادته العسكريين والظروف الصعبة المحيطة به بعد صفين وما
رافقها لم يقدم على محاربتهم.
فمن خلال استعراض ما بعد النهروان والمآساة التي حدثت بانقسام الامة، فقد ساوره الرأي بأن السيف رغم قوته ومضائه لا يجدي نفعاً، بل الحوار بالحجة والمنطق افضل في كسب الاعداء، لذا
نراه بعد المعركة وما حل بها من قتول وكوارث كان وهو في طريق عودته الى الكوفة يردد دوما الاية الكريمة (عسى الله ان يجعل بينكم وبين الذين عاديتم مودةً والله قدير والله غفور رحيم-
الممتحنة آية 7). وتعزيزا لهذا الرأي نقرأ في نهج البلاغة ج1 ص 144 مخاطبا اصحابه:
لا تقاتلوا الخوارج فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فادركه |
ويبدو ان الامام وهو المؤمن
بالحوار قد ندم على محاربة الخوارج، لذا رفض ما قالته الاصحاب له : يا امير المؤمنين لا تخرج الى مسجد الكوفة في صلاة الصبح فان الخوارج يتربصون بك الدوائر، فيرد عليهم بكلمته
المشهورة (ان من لم بستطع ان يكون بين الناس عليه ان يتخلى عن حكمهم).
وخلاصة القول ان النص بحاجة الى مراجعة حتى لا يلصق الخطأ بما اورده الفقهاء في تفسيره الغامض.
نصوص حقوق المرأة
من يقرأ النصوص القرأنية وخاصة في سورتي النساء والنور يجد الكثير من الايات القرأنية التي انصفت المرأة وساوتها مع الرجل الا في الحالات التي تقتضيها العفة والقيم الشرفية وهذه
مقبولة بلا جدال، لكنها حددت بمعايير دقيقة جدا، لكن الفقهاء بتفسيرهم الاحادي واللغوي قد غمطوا حقوق المراة لصالح الرجل. ففي تعدد الزوجات اصبح وصفها في القرآن شيء وعندهم شيء اخر.
تقول الاية الكريمة في سورة النساء آية
3:
وان خفتم ان لا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فأن خفتم ان لا تعدلوا فواحدة او ما ملكت
ايمانكم ذلك ادنى ان لا تعولوا |
هنا ربطت الاية تعدد الزوجات برعاية الايتام وليس للبديل من النساء، وفي الاية جاءت كلمة القسط والعدل معا، وكلمة القسط تعني العدل او الجور كذلك العدل له معنيان،
القسط حين تعني العدل (ان الله يحب المقسطين المائدة 42) والمعنى الثاني الظلم والجور كقوله تعالى
الجن 14:
وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا |
وكذلك للعدل معنيين الاول عدل في العدل
والثاني عدل في الظلم والفرق بين القسط والعدل، هوان القسط يأتي من طرف واحد بينما العدل من طرفين.
ان الاية الكريمة تتحدث عن امهات اليتامى اللواتي لا معيل لهن لمساعدتهن في تربية الاولاد كما في الاية (6) من نفس السورة الكريمة، فالرجل اذا كان قادراًعلى تحمل المسئولية فلا ظير
بالثانية اوالثالثة او الرابعة شرط من امهات الايتام وليس من الابكار وللمتعة الشخصية، لكنه اذا عجز عن تحمل العبىء والمسئولية فعليه بواحدة فقط، حتى لايقع في الضيق ( ذلك ادنى ان لا
تعولوا) اي حين لا تستطيعوا حماية العيال خوفاً من العجز المالي، ومن هنا ينطبق قول الرسول(ص):
انا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة |
شرط بالزواج المتعدد ان يمارس الزوج الحياة الزوجية
مع زوجته الاولى مثلما يمارسها مع الثانية، ولا يجعلها كالمعلقة (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة النساء 129)
اما القوامة
لقد ورد تعريف القوامة في سورة النساء آية 34:
الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض. . .
|
ان الله لا يفرق بين الذكر والانثى خلافا لما يعتقد البعض ان جنس الرجال
قوام على جنس النساء بالفطرة وان التفضيل جاء على النساء في العلم والدين والعقل والولاية وهي رؤية تفتقر للاثبات، لكن الله ربط القوامة بالقدرات على اختلاف انواعها كالخدمة المقدمة
من الرجل للمرأة وكلمة البعض تعني الجزء وليس الكل أنظر سورة الاسراء آية 17 فهي تنفي الافضلية بالخلق، لان من النساء ما هن افضل من الرجال، والانفاق المالي مشترك بينهما وقد تكون
المرأة هي المنفقة اذا كان الرجل عاجزاًعن العمل، فالقوامة لا تنحصر بالزوج والزوجة بل عامة تشمل كل مفردات الحياة الاخرى. فالقوامة هي في الاسرة القائمة على التعاون والمحبة والرحمة
والمودة ولا علاقة لها بالتمييز الانساني ابدا. .
اما النشوز فهو خروج على الرحمة والمودة ويجب ان يعالج بالعضة والنصيحة (فعظوهن) واذا لم تتعض فأضربوهن والضرب يعني هنا الزجر وليس
الاذى كما يتصور البعض، لذا فهي مشتركة بين الاثنين بلا معايير انسانية محددة، والرسول (ص) نهى عن ضرب الاماء.
أما الحجاب واللباس كلمتان مترادفتان،
والقرآن خالٍ من الترادف اللغوي، فاللباس غير الحجاب، لان الحجاب هو الستر او الحاجز كما في قوله تعالى _الاعراف آية 46:
تقول الاية
الاسراء آية 45:
واذا قرات القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا مستورا
|
لذا فالحجاب غير اللباس واللباس غير الثوب والسوأة غير العورة والبعل غير الزوج
والخلود غير الدوام، لكنها كلها مفسرة خطأ من الفقهاء الذين عجزوا عن تفسير القرآن تفسيرا لغويا وعلمياً صحيحا. والخلاصة ان القوامة مشتركة بين الاثنينن نصا وروحاً.
وهناك الصداق الذي هو عرف اجتماعي وليس الزام ديني، وهو عبارة عن هدية يقدمها الزوج لزوجته غير قابلة للرد، اما كونه معجلا او مؤجلا فهذا غير وارد في التشريع، انظر سورة النساء آية 4.
أما الميثاق فهو من الرجل لحماية العلاقات الزوجية والاسرية انظر سورة النساء آية 21. وهناك
اموركثيرة بحاجة الى توضيح وسنعرج عليها لاحقاً.
نص المتعة
المتعة زواج شرعي مؤقت، يخضع لقانونية الزواج العادي من حيث الاتفاق بين المتمتعين مباشرة واذا انتهت الالفترة المحددة وقعت الفرقة وفي هذه الحالة اذا حدث الانجاب ينسب الى الام،
والاية 24 من سورة النساء تقول:
والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم كتب الله عليكم واحل ما وراء ذالكم ان تبتغوا باموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم
به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم ان تراضيتم به من بعد الفريضة ان الله كان عليما حكيما |
لقد كانت الدوافع لهذا النوع من الزواج هو المغازي والاسفار وبقاء الافراد لفترات طويلة بعيدا عن زوجاتهم مما اضطرهم للارتباط بهذا النوع من الزواج المؤقت وللاولاد حق الانتساب
للابوين والارث منهما. لكن الثابت ان الخليفة عمربن الخطاب (رض) هو الذي اوقف الزواج بها لادراكه ان حركة الفتوح وذهاب الجند الى هناك والتقائهم بالروميات والفارسيات وارتباطهم بهن،
جعلت زوجات الجند تعمٌ هن الشكوى للخليفة، وحتى لا يحدث الخلل في العلاقات الاسرية اصدر الخليفة امره يايقاف العمل بالاية الكريمة. فالاية لم تلغى بل اوقفت بعد تنظيم اجازات الجند
الدورية، الا انها لم تلغى، لان لا حد له سلطة الغائها نبياُ كان ام خليفة ابدا، لكن الفقهاء فيما بعد نظموا تشريعات كثيرة لها يصعب متابعتها والتحدث عنها الان.
الوصية والارث
الوصية: شكل من اشكال توزيع المال، يضعه انسان معين يملك ثروة يريدها ان توزع بعد وفاته بنسب معينة يراها على اشخاص او جهات معينة، يحددها حسب رغباته الشخصية.
والوصية في التنزيل الحكيم مفضلة على الارث، لقدرتها على تحقيق العدالة الخاصة المتعلقة بشخص بعينه، وبوضعه المالي والاجتماعي والاسري، وبألتزاماته تجاه الاخرين، وهذا ما يؤكده الواقع
الموضوعي، اذ لكل انسان وضعه الخاص من اسرة واقارب والتزامات تختلف عن وضع الانسان الاخر، فالتماثل غير موجود في الوصية.
أما الارث فالتماثل فيه موجود، والناس في الارث متماثلون، وحصة الوارث في قانون الارث يحددها موقعه من الموروث، سواءً كان الاب او الام او الولد او الزوج او الاخ. لذا فالتماثل من صفة
العام والاختلاف من صفة الخاص. والاث والوصية يمثلان جدلية التمائل والاختلاف، ولان المجتمع الانساني يقوم على التنوع في الشروط المعاشية والاسرية والالتزامات، لذا تم تفضيل الوصية
على الارث في التنزيل الحكيم. وفي القرآن الكريم سبع آيات للوصية وثلاثة للارث، وتمثل سورة البقرة آية 180 اكثر الايات وضوحاً في الوصية:
كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقاً على المتقين |
الاية حدية واجبة الالزام. اما ما قيل في الحديث لا وصية لوارث فقد جاء حديثاً مقطوعاً قصد منه غرضاً شخصياً في حينه واستغله
الفقهاء ليجعلوا الارث مفضلا على الوصية لاسباب لازالت موضع نقاش لم يحسم بعد.
وفي القرآن جات كلمتي الحظ والنصيب، في سورة النساء اية 7، 11
للرجال نصيب مما ترك الوالدان وللنساء نصيب مما ترك الوالدان |
اما في اية 11 (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ
الانثيين)، لكن الفقهاء فسروهما خطأًً في التفريق بينهما، فالنصيب هو حصة الانسان في الوصية أما الحظ فهو ما يصيب الانسان من الموروث. وهنا تم دمج الوصية بالارث تجاوزاً.
مفهوم الجهاد في الاسلام
الجهاد لغةًً: هي من جاهد جهاداً، ومعناه أستفراغ الوسع، اي بذل اقصى الجهد للوصول الى الغاية المقصودة. ويشمل مجاهدة الاعداء في حالة الاعتداء على الوطن، ومجاهدة النفس اذا انحرفت عن
خط الاستقامة. كما في قوله سبحانه وتعالى -العنكبوت 69
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُُُُبلنا وان اللهَ لمَعَ المُحسنين |
والجهاد ليس مقاتلة الاعداء فحسب، بل هو كلمة الحق التي تقال للسلطان الظالم:
أفضل الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر |
ومعنى ذلك المشاركة في الحياة السياسية بغرض التعاون لتقويم
النظام العام وارساء اسس العدالة والقول بما يراه المجاهد مصلحة ونفعا للناس، قال رسول الله(ص): الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. كما جعل الشرع المحافظة على الواجبات الدينية والالتزام
بها حقاً وصدقاً. ويعتبر جهاد النفس عن الهوى هو من الجهاد الاكبر لانه فيه ردع للنفس الانسانية عن الخطأ والاعوجاج، يقول الرسول(ص):
أفضل الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر |
الجهاد الاكبر هو مجاهدة العبد لهواه |
وتعتبر الشريعة الاسلامية ان سلامة النية وصفاء القلب عن قصد ايذاء
الخلق وظلمهم من الجهاد حيث قال رسول الله (ص):
افضل الجهاد من اصبح لا يهم بظلم احد
|
والجهاد في الاسلام لم يشرع في القتال الا لرفع العدوان ودفع الطغاة وعدم الاعتداء على الاخرين. فحياة المسلم كلها جهاد في عبادته لله وعمارته للارض وتزكيته للنفس الانسانية، فالاسلام
مرآة صافية عاكسة لكل صفاة الاستقامة الانسانية (انظرالموسوعة الجهادية تحت مفهوم الجهاد.
من خلال قرائة النص الديني يتبين لنا انه لا يجوز اكراه الناس لاي عمل يتنافى ومفهوم الحق والعدل وحرية الانسان، لذا فلإسلام لم يتبع اي نوعا من العنف الداخلي او الخارجي وبنوعيها
الفكري والسياسي والقرآن يقول
الاحزاب آية 21
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه لمن يرجو الله واليوم الاخر |
ان اساس الجهاد في الاسلام كما اسلفنا محاربة الطغيان وتحقيق حرية الكلمة والتعبير عن الرأي وسواسية الناس امام القانون وفي هذا السبيل يقول الحق
-النساء آية 74:
فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا
بالاخرة، ومن يقاتل في سبيل الله فيقتَل او يَغلِب فسوف نأتيه اجراً عظيما |
وبما ان كل مراحل الدعوة في عهده (ص) قامت على عبارة واحدة فقط هي (خلو بيني وبين الناس) فالمشكلة كانت مجسدة في طغيان قريش وعدم قبولها للحوار واصرارها على القتال، لذا لا بد من
محاربتها والانتصار عليها صوناً للحرية ورداً للطغيان وتحقيق هدف الاية الكريمة
من شاء منكم فليؤمن، ومن شاء فليكفر |
والاية سورة يونس اية 99:
أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين |
ولذلك فأن الاستعباد للناس محرم شرعا حين جعل حرية الاختيار والتعبير هما الاساس.
هذا هو العمود الفقري للجهاد الداخلي في الاسلام ممثلا بالحصول على اعتراف الاخر كندٍ، فلو طرحت حاكمية الله بموجب ما طرحته الدعوة المحمدية لقبل بها حتى الملحد، ولشعر بحرج شديد في
الوقوف ضدها، وبذلك نكون قد وضعنا ايدينا على النقطة الجوهرية في الطروحات السياسية، اما اذا فهمنا ان حاكمية الله تعني الحكم المطلق في كل صغيرة وكبيرة كما تروج لها السلفية
والمنظمات المتطرفة، فقد وقعنا في فخ الطاغوت، وهذا ما نراه الان.
أما الجهاد الخارجي والذي نسميه فتحاً لنشر الدعوة فهو في منحيين هما:
الاول- تهديد عدو خارجي غير مسلم لدولة اسلامية واحتلال اراضيها بالقوة.
الثاني- تهديد عدو خارجي مسلم لدولة اسلامية ومحاربتها واحتلالها بالقوة، كما في ظاهرتي احتلال مصر لليمن في العهد الناصري، واحتلال العراق للكويت في العهد الصدامي,
فيما يخص البند الاول، لقد امرنا القرآن الكريم بأن نفي بالعهود والمواثيق حتى ولو كانت مع غير المسلمين، وأمرنا بألغائها اذا كانت مضرة بمصالحنا وهذا انتج مجالا واسعا للتعاون بين
الشعوب المؤمنة بالرسالة وغير المؤمنة بها قال تعالى
التوبة آية 1، 2-
براءة من اللهِ ورسُوله الى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض أربعة أشهر وأعلموا أنكم غير معجزي الله، وان الله مخزي
الكافرين |
وآية اخرى تقول
سورة النساء آية 94
ولا تقولوا لمن آلقى السلام لستَ مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا |
هاتان الايتان المقدستان هما اساس العلاقات الدولية في الاسلام، لكن الحرب احياناً قد تكون ردا على عدوان او تهديداً خارجياً يستهدف ارض المسلمين وخيراتها ففي هذه الحالة يعتبر
التقاعس عن الجهاد منقصة شرعية لا تغتفر، وقد حدث ذلك في غزوة تبوك بعد ما شعر الرسول (ص) ان الروم قد يدخلون شبه جزيرة العرب من الشمال، فتقاعس البعض عن النصرة للرسول وجيش المسلمين
في الجهاد، هنا يقف القرآن الكريم منهم موقف التعنيف القوي لعدم تلبيتهم دعوة الجهاد ضد الاعداء حين يقول القرآن
التوبة آية 120
ما كان لأهل المدينة ومن حَولهُم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبون بانفسهم عن نفسه |
ولقد وجه القرآن اللوم حتى للرسول (ص) نفسه لانه أذن لبعضهم بالانصراف عن النصرة والجهاد يقول القرآن
التوبه آية 43).
عفا الله عنك لمَ أذنتَ لهم حتى يتبن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين |
والعفو لا يأتي الا بعد التقصير.
هذا النوع من الجهاد مقر شرعا وفي كل الاديان ومن يناصر الاعداء، وخاصة في حالة تعرض الدولة لعدوان خارجي لدولة الاسلام والمسلمين فهو خارج عن الملة شرعاً، فمن حق المسلمين رد العدوان
بالقوة المماثلة، يقول القرآن
سورة البقرة آية 194
الحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فأعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم |
وهنا يجب ان تتوفر الرغبة والعزيمة والارادة عند المعتدى عليه،
والرغبة هي القوة المعنوية لدى النفس الانسانية في تحقيق الهدف، والعزيمة هي التطبيق العملي للرغبة، والارادة هي القرار الاستراتيجي لضمان مستقبل الدولة. . لذا من اخل بهذا التوجه
القرآني فقد اخل بشريعه الاسلام.
ونتيجة لهذا الاتجاه الخاطىء في فهم آيات الجهاد طمست عزيمة الجهاد من الناحية التاريخية وتم ربطها بالسياسة والسلطة الزمنية، لذا كلما تهددت السلطة عمدت الى حل تناقضاتها بتوجيه
الناس نحو الحرب الذي سمته جهاداً وهذا مخالف تماماً لهدف ايات الجهاد الاساسي.
ان بداية تطبيق ايات الجهاد في حروب الردة في عهد الخليفة الاول ابي بكر الصديق (رض) بحاجة الى اعادة نظر، خاصة وكانت الحجج المبررة للقتال هو امتناع الاعراب عن اداء الزكاة التي كانت
مفهومها لا زال حديث عهد بهم، فلمَ يستخدم الحوار، ويبدو ان ذلك الاجراء كان مبررا لخوف الخلافة من تفكك وضياع الاسلام وهو لا زال وليدا. والقبائل العربية التي اسلمت لم تصل الى مرحلة
الوعي التام للدعوة الاسلامية بعد، ولكن مهما قيل في الردة فهي بحاجة الى دراسة اعمق واشمل. .
وفي عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) تطور الامر حين عمت الفوضى بعد سحق حركة الارتداد والنصوص التاريخية هنا غامضة ومتداخلة، فوجهت الجيوش نحو الفتوحات الخارجية لامتصاص الفتنة
الداخلية وتقوية الدولة مادياً ومعنويا، وفي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان
(رض) استمرت هي الاخرى لازاحة الاحتلال الرومي والفارسي عن ارض العرب في العراق والشام، وهذا مبرر شرعأً، لكن في عهد الخليفة الرابع علي بن ابي طالب (ع) توقفت حركة الفتوحات ولا ادري
ان كان الامام له وجهة نظر معينة لم ينقلها لنا المؤرخون، ومن ناحية اخرى فقد توسعت الدولة ولم يعد بالامكان السيطرة على فتوح اخرى فاصابها التوقف.
فقضية الفتوح خارج جزيرة العرب لا
زالت بحاجة ماسة لدراسة علمية موثقة لبيان الحقيقة التاريخية والشرعية فيها، بعد ان ظهر الكثير من المؤرخين الاجانب التي عدوها أعتداءً وتجاوزا على الشرعية الوطنية لاوطانهم. وانا
اعتقد ان العرب والمسلمين بحاجة لان يقدموا تفسيرا تاريخياً مبررا لها لاقناع الدول التي فتحت بوجهة نظرهم علها تزول العقد التاريخية المستعصية في فهمها واهدافها، واذا ما اقتضى الامر
بتقديم اعتذار رسمي عنها للدول الخارجية التي فتحت عنوة دون رغبة منها، حتى نقف مع المقياس الحضاري حين نطالب بالتعويضات المادية والمعنوية من الدول الاستعمارية التي احتلت اراضينا
سابقاً ولا زال بعضها محتلا الى الان.
بقي لنا ان نبين الفرق بين الجهاد والعنف وما رمي به المسلمون اليوم، فقد كتب الاستاذ معز الدين الخطيب تحليلا علميا لها، نقتطف جزأً منه مع التصرف فنقول:
ان من غير الدقيق الاكتفاء بدرس ظاهرة العنف ومظاهر الخلط بينه وبين الجهاد ضمن الاطار الفقهي، فهو لاشك في ازمة بحاجة الى توضيح، لا سيما وان ظاهرة العنف هي ظاهرة عالمية لا تقتصر
على الاصولية الاسلامية فحسب، لكن ارتباط السلفية المتطرفة بها يعود الى فهم خاطىء في مفاهيم الجهاد الاسلامية حين دمجوا العنف بالجهاد ولم يتركوا للحوار مكاناً، خاصة وان الحس الديني
العالي لهؤلاء الجماعة وتكوينهم النفسي والفقهي الخاص اشعرتهم بالتهديد المستمر الذي لا بديل عنه الا العنف والالتزام به، ناهيك عن العوامل الاخرى الخاطئة في مفهموم النص الديني
وقراءته قراءة احادية صرفة.
هناك فرق واضح بين الجهاد والعنف، فالاول يتميز بوضوح الهدف ووضوح الوسيلة والالتزام باحكام الشرع ومكارم الاخلاق التي جاء بها الاسلام، قبل القتال واثناء القتال وبعد القتال،
والاجماع على ان الجهاد هو في سبيل الله واعلاء كلمته وليس بسط سلطة الاسلام على الناس بالقوة وهنا مكمن الخطأ ولنا في ايات الجهاد ما يثبت ما نقول. .
اما العنف كما تمارسه بعض الجماعات المتزمتة التى تنسب الى الاسلام، فينقصه الوضوح في الرؤية وقصور الاهداف وخطأ الوسائل ومخافلة الضوابط الشرعية، ويعتبر اجتهاد افراد اوجماعات معزولة
عن المجتمع، تخالف رأي الناس وهي لا تمثل امة الاسلام، بل تشكل قطيعة معها حين يصبح الجهاد بنظرها صحيحاً لكل راضٍ عنها غير منكر لها.
المصادر المعتمدة
- القرآن الكريم.
- الاحاديث النبوية.
- جعفر أل ياسين –الفكر الفلسفي في الاسلام.
- -التأويل: هومطابقة الاية مع الحقيقة الموضوعية اي مع العقل لاستنساخ قانون مجرد قابل للابصار. أنظر سورة الاعراف آية 203. ا
- المعتزلة فرقة اسلامية ظهرت في القرن الاول الهجري اخذت بنظرية العقل لا النقل.
- كتاب نهج البلاغة.
- الفرق الاسلامية وتشمل الفرق السنية والشيعية على حدٍ سواء _الملل والنحل.
- الواقدي –صاحب كتاب المغازي.
- محمد شحرور – الكتاب والقرآن _أخذت منه المقتبسات.
- احمد حميد الله –الوثائق النبوية _مكتبة المتحف البريطاني -لندن
- انظر معز الدين الخطيب – مقالة القاعدة والجهاد - نشر دار الحياة2005.
Back
to Home