Back
to Subject-Pag
الأئمة الأربعة العِظام وشيعة العراق
آراء الكاتب
د. عبد الجبار العبيدي
أستاذ جامعي
jabbarmansi@yahoo. com
لو فكر شيعة العراق بتطبيق الارث الحضاري بشقيه السياسي والاجتماعي للأئمة الأربعة (عليهم السلام)،
لما وقعوا في حيرة الفشل الذي يعانون منه الان في العراق،
ولأثبتوا للعراقيين والعالم صدق مذهبهم في حماية العقيدة والناس.
وقبل ان ندخل في الموضوع لا بد لنا من ذكر هؤلاء الائمة المختارين ليطلع القارىء عنهم بعد ان شوه بعض من
اتيحت لهم فرصة زمام السلطة في بغداد الذين يدعون التشيع تاريخهم لدى العامة والخاصة.
انهم:
الامام علي بن أبي طالب،
والحسين بن علي بن ابي طالب،
وجعفربن محمد الصادق،
وموسى بن جعفر الصادق.
أنهم مصابيح الدجى وأمل المستضعفين حتى قال احد المؤرخين الاوربيين فيهم: (لو كان هؤلاء فينا لاحتكرنا فلسفة الحياة لنا دون الاخرين). ليس بوسعنا هنا
ان نكتب عنهم لنبين للقارىء من هؤلاء العظام، ولماذا يحاربهم كل المرتدين وملوك الدنيا ولا يريدون لهم ذكراً،
فقد كتب عنهم الكثير. ان بعض شيعة العراق الخائبين الذين يدعون تمثيلهم ما صدقوا فيهم،
لكنهم صدقوا بالعمل على تدمير تراثهم ونشويه سمعتهم لدى العامة والخاصة من الاخرين.
ولا اقول تجاوزاً ان شيعة ايران المغالين في حبهم، مع الاسف يتحملون وزر تدمير تراثهم الثري امام العالمين.
لم يكن الامام علي جدهم رجلا
عاديا انظم الى صفوف الدعوة المحمدية كالاخرين، بل كان رجالا في رجل،
لم يطلب جاهاً اوسلطة، فهو في الجاهِ خُلق وفي السلطة وجد، الم يكن ابوه جاهاً وسلطة،
نعم كان شخصية متميزة منذ بداية المبتدئين. في فكره الاسلام تضحية واخلاصا ووفاءً لمبادىء القادمين. والتضحية تبدأ بالنفس دون الاخرين. الم يَنم في فراش محمد لينقذه من غدر الكافرين؟
ألم يقاتل المشركين لينتصر الاسلام في خنذق المتخندقين؟ ألم يقبل بالتنازل عن حقه السياسي لخدمة وحدة المسلمين؟ ألم يحافظ على بيت مال المستضعفين؟ ألم يتنازل عن حقه عند الخوارج
المعتدين. من يملك هذه الصفات، هل يحتاج الى دعاية الكاذبين ولطم خدود اللاطمين، وسيوف المطبرين، وتشابيه المتشابهين؟ انها كارثة ألمت ببيت أمام المتقين.
نظرة متفحصة في سفره العظيم نهج البلاغة،
لتقرأ دستور العالمين،
دستورا ما كتبه احد من قبله من الكاتبين الدستوريين،
هكذا قال فيه السنهوري خبير دساتير العرب والاخرين.
في رسالته لمالك الاشتر كتب طريقا واضحاً للحاكمين،
كتب حقوقاً لكل الناس والمستضعفين،
ألم يقل لمالك الاشتر:
يا مالك: أياك وحقوق الرعية فهم ذخيرتك امام رب العالمين،
فلا تفرط في واحد منهم،
يا مالك:
لا تأكل أموال الناس بالباطل فأنها حوب عند مالك المالكين،
صُن أعراضَ الناس فهم عِرضُك وعِرض المسلمين والاخرين،
لا تفرق بين الناس فكلهم اخوتك في الانسانية التي خلقها رب العالمين,
احكم بينهم بالعدل ولا تظلم احدا من المظلومين.
واجبك العدالة بين الناس واذكرك بقول رب العالمين (أعدلوا ولو كان ذا قربى).
فلا تظلم ولا تكل أمرك لغير الأكفاء المخلصين.
لا تماري في دينك،
ولا تخاتل في رأيك، ولا تأكل مالاً ليس لك فيه من حق،
لأن الله يعلم جهركم وسركم وانتم لا تعلمون؟ ولا تَعهدَ بولاية او امر في مهمة الا للقادرين، الم يرفض عليا
أخاه عقيل في ولاية لانه ماكان من الكفوئين؟ ولا تبدل في حقك فأنه حق الرعية في ولاية المسلمين. لاتَنمَ فأن امامك علي لم يَنمَ ولم يدخل عينه غَمَض الاوكان مستيقظ، في ولايته الامان
والاطمئنان والكفاية والعدل.
وصية من خليفة الى والٍ لم يكتبها من قبله ولا من بعده من حاكم من كل الاخرين. ألم يقل ان أحتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالامور. هل
احتجب خائفاً في مسجد الكوفة خوفاً على نفسه وعياله من الاخرين؟ ألم يقل (من لم يستطع ان يواجه الناس عليه ان يتخلى عن حكمهم )؟ ألم يقل: يا ولاة امور الناس اصدقوا ما وعدتم به الناس،
ولا تخونوا عهدا تعاهدتم به مع الناس ولا تنكثوا أيمانا اقسمتم عليه، هل مثل هذا الحاكم الفذ بحاجة الى شهادة حسن السلوك من كل الحاكمين. لابل من كل الاخرين.
ويترك الامام علي
ولده البارالحسين بن علي (ع) ليقدم لنا نهجاً جديدا في حكم الناس وعدالة العادلين حين يقول: أيها الناس، وحق جدي رسول الله، لم أتوجه الى
العراق لقتال المرتدين الا طمعاً في ارجاع حقوق المظلومين، وانا اعلم ان حياتي ومماتي مقدر بقدر، ولكن من اجل تنفيذ وصية وصي الاوصياء جدي محمد في العالمين ( ان أعدلوا بين الناس
أجمعين،) وهل نامَ مرتاحاً من ظلمَ الاخرين. صدقت يا حبيبي يا ابن الزهراء في قولك امام الله والحاضرين. والله لن احبك ليقولوا عني انك شيعيا، ولكن حبي لك لانك مثال للعادلين
المضحين.
ألم يُخرج الحسين بن علي العقيدة الاسلامية الى المفهوم المطلق العام حين قال (ان الله هو العدل الذي لايجور). فهل من حق احد ان يحول شعاراته العامة
الى الخاصة، بشعائر جوفاء يرددونها كل سنة، وفي اوقاتها المعينة ليجنوا منها الثمر. ألم يكن منهج المدرسة الحسينية مبنيا على الرأي والرأي الاخرالذي يتناقض ومفهوم الامويين. الم يناقش
الحسين كل من رافقه في رحلة العذاب والموت ليعطي لهم حرية الاختيار بين الرفقة والانسحاب منها، الم يقل لحبيبب بن مظاهر:
ياحبيب لقد اخترت رسالة جدي في الدفاع عن الاسلام وانت تعلم ما سنلاقي من يزيد واتباعة، فهل
أنت راضٍ بالذي سيكون |
قيقف حبيب بين يدي الحسين ليقول له:
بابي انت وامي كلنا فداء لك وللرسالة |
ألم يوصي الحسين لكل رفاق المصير ما أوصى لابنائه واخواته والاخرين. هل شذ الحسين يوما بما وعد به العباد المخلصين. لقد كتب شعاره بيده وعلقه فوق خيمته
في كربلاء المقدسة (أن لا عودة عن الحق والمساواة بين الناس اجمعين). يازينب البتول أوصي الاخرين وصيتي ولا تترددي، فأنتِ امام الله من المُحاسبين، لقد وفيت زينب البتول وصية اخيها
حين شهرت وحقرت من كان يدافع عن خليفة المسلمين يزيد بن معاوية آكل حقوق المعذبين، فهل هؤلاء الذين نراهم اليوم يستحقون تمثيل الحسين حامي المظلومين والمعذبين..
يقول الامام الحسين في مجال تطبيق سياسة الدولة:
يا ولاة امور الناس، كونوا مع الحق، ولا تخشوا الدنيا كلها، ولا تقبلوا باطلا
ابداً، فإن جدي رسول الله مُني بالدنيا كلها من قريش، فآثر الحق عليها، ولم يقبل منها منةً، |
هنا شكل النص الديني المعيار الحقيقي الوحيد للسلوك السياسي للحاكم. لقد طبق الحسين سياسة الاية الكريمة التي تقول (هذه أمتكم أمة واحدة
فأعبدون)، فلا تمييز في الجنس او اللون او الاثنية واللغة، فأين نحن منها الان مع أدعياء الطائفية والمحاصصة الوظيفية التي حرموا بها كل القادرين الكفوئين، ترضية للناكثين. كلمة اخيرة
نطق بها الحسين في اخر لحظة قبل استشهاده (ع) حين قال:
اللهم ربي شتت مُلك الظالمين ولا تبقي لهم ديارا |
صدقت يا ابا عبدالله واستجاب الله لدعواك فقد تشتت ملك بني امية وبني العباس وسيتشتت ملك كل الظالمين
والامام جعفر بن محمد الصادق المتوفى
عام 148 للهجرة وقاتله المنصور العباسي. في عهده اشتد
الخلاف بين الامويين والعباسيين تحت شعار (الرضا من آل محمد) خلافاً سياسياً من اجل السلطة. فأستغل العباسيون سمعة العلويين ليبنوا لهم مجدا على حسابهم عند الناس المؤيدين. في ذلك
المناخ السياسي المضظرب ظهر الامام الصادق حاملا راية الوئام والسلام ناصحا لكل من يريد النصح والارشاد في حكم الناس، ان لا نهاية الا للعادلين الصادقين. ان فلسفة الامام كانت مبنية
على العدل المطلق كما في اجداده العظماء، لم يكن في هاجسه سلطة ولا مال، ولكن في هاجسه ثورة اصلاحية من نوع اخر لمواجهة المستجدات التي كادت تطيح بدستور الاسلام، هنا انبرى ليجاهد خير
الجهاد بالعلم والمصالحة بين الناس. وحين عرض عليه ابو سلمة الخلال حكم الدولة بعد سقوط الامويين رد عليه: ما انا
وابو سلمة شيعة لغيري، اننا دعاة علم ونصيحة، فأخذ الكتاب فوضعه على السراج حتى احترق.
كان عالماً فذاً درس العلوم النظرية والتطبيقية المتوفرة في زمانه، فعمل على تقوية الجذور الفكرية والعلمية والثقافية والاخلاقية لتركيزها في مجتمع كان
يراه ضائعاً في مستقبله مادام حكامه من اللاهين بانفسهم والدنيا دون ائر من مسئولية او اخلاق. تفاعل مع العلم وفكر الحضارات الاخرى، فتمخض فكره عن ولادة فلسفة جديدة تتسم بالاعتدال
والقناعة وحفظ الحقوق والانفتاح الفكري على الحياة من اجل ان لا يبقى الدين مقوقعاً في رؤوس مدعيه ابدا ومع الاسف فأن غالبية الناس لايقرأون فكر هذا الامام الجليل، معتمدين على ما
تتناقله الالسن وتسمعه الاذان وهم مخطئون
لقد طالب الصادق بالعودة الى ينابيع الاسلام الصافية دون تزمت او عناد. ان احسن ما قدمه للعالم انذاك، بداية مدرسة في فلسفة علم الكلام والفقه والطب
والرياضيات والكيمياء، لموجهة التطور الحضاري الذي بدأ يظهر عند الشعوب الاخرى.ما كان يحارب من احد بالسيف، بل كان يحارب بالرأي والرأي الاخر، الذي هو الفصل في حل النزاعات في الفكر
والعقيدة والسياسة.
ومن وصاياه (ع):
لا تسكتوا عن الناكثين بالعهد والمارقين، وكونوا مع الصلاح والفضيلة، فليس في الاسلام من فرق
بين الناس |
ويقول:
ان الدين الحق يتطلب من الانسان التقوى في الاداء سراً وعلانية، والكف عن الاعتداء واكل اموال
الناس بالباطل. |
ويقول:
هل يرتضي ذو العلم ان يحكمه الجاهل،
والعادل ان يقوده الفاسد،
فلا سكوت على الظالمين |
ويقول:
فلا تأسف على ما فات، ولاتفرح بما هو آت، الا اذا أصلحت في نفسك الذي آت، فأحتط لنفسك من
أعاصير الحياة، ولا احتياط الا بالعدل والانصاف |
ورابع عظمائهم الامام
الفذ موسى بن جعفر الصادق، وهو الامام السابع من ائمة اهل البيت. ابوه الصادق وأمه معلمة النساء، والمولود عام 138 للهجرة. عاش في كنف أبيه
الصادق، ودرس بمدرسته العظيمة، وتشبع بروحه واخلاصه لله والناس، فكان مثالا في الكرم والزهد، ومثلا اعلى في الثبات والشجاعة، وسمي بباب الحوائج لوجاهته عند الناس وقضاء حوائجهم بلا
تردد او ملل. فدراسة حياته والتعرف بها دراسة حضارية للمؤمنين بالله والعدالة الانسانية.
وقف معارضاً لمن اراد أقصاء الصفوة عن الحياة السياسية، ولمن اراد ان يحمي الفساد والمفسدين. ونتيجة لهذا الوقف البطولي لاقى التعذيب والسجن والموت،
ولم يركن لجاه او سلطان، لكن دمه الشريف قد لعب دورا في اسقاط الدولة العباسية من خلال دوره الاستراتيجي في معارضة الفاسدين، ومن خلال مواقفه من حكم الرشيد. لم يكن الرشيد حاكماً او
خليفةً عاديا بل كان من اقسى خلفاء بني العباس قاطبة، وكان لا يتواني بأنزال اشد العقوبة قسوة لمن يخالفه الرأي في قضية او شدة. في هذه الظروف المضطربة من حكم الرشيد ينبري الامام موسى
بن جعفر(ع) معارضاً للرشيد في حكمه وقضائه. فأذا كان الفقية سفيان الثوري يقف امام المنصور ليقول له: يا اباجعفر تدبر امر الله فأن الطُلمَ فاشٍ ببابك ويهرب الى البصرة خوفا من السيف،
فأن الامام الكاظم وقف معارضا دون ان يهرب من حاضرة الخلافة.
ان المحاورة التي جرت بين الرشيد والامام كانت خطية بعد ان أودعه سجن بغداد المركزي ووضع عليه اشد الناس غلاضة في معاملته السندي بن شاهك، وحين ايقن ان
لا فائدة ترجى من اغرائه طلب من السندي بن شاهك ان يوصل له اخر رسالة منه يحذره فيها، يقول الرشيد في كتابه للامام الكاظم: ( يا ابن عمي، أنه سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتى تقول
لي بالاساءة، وتسألني العفو عما بدر منك وليس عليك في اقرارك عارُ ولا في مسائلتك اياي منقصة، قر بخلافتي شرعاً للمسلمين.
فيجيب الامام الملتزم بالشرعية الدينية والقانونية فيقول للرشيد:
يا رشيد (وهنا يحذف
لام التعريف تصغيراً له)، انني لن أقولها وجدي لن يقولها لقريش رغم كل المصائب والاغراءات فتريد مني الشرعية لدولة ولدت بلا شرعية.
اسمع يارشيد:
لن ينقضي عني يوم من البلاء، الا أنقضى عنك يوم من الرخاء، حتى ينقضي بنا ذلك الى
يوم يخسرُ فيه المبطلون، وغدا نحن امام الله سواء وستكون انت من الخاسرين. |
من هذه الرسالة احس الرشيد ان روح المقاومة لدى الامام بدأت تأخذ طريقها الى النفوس، وتتفاعل مع وعي الجماهير واحساس الامة، فخاف ان يتحول الاحساس الى
ثورة فقرر تصفية الرشيد بقتله على يد معتمده وجلاده في المهمات الصعبة السندي بن شاهك الذي انتحر فيما بعد من ندمه على قتل الامام الطاهر العنيد في الحق والعدل الاكيد. ان هؤلاء
العظام كلهم ذهبوا غدر الحاكمين.
الى شيعة العراق نقول: هؤلاء هم أئمة أهل البيت المقلدون، الذي لا تأخذهم في الحق لومة لائم ولاهم
يحزنون.هؤلاء الذين ساروا على دستور محمد المغيب الان عند المسلمين، لا طمعاً في جاه او مال اوبنون، الا ماكتبه الله لهم، هؤلاء المضحون العادلون الانقياء الاوفياء المصلحون، من حق
المؤلف الفرنسي كوستوف لوبون حين قال فيهم: (لو ان هؤلاء فينا لملكنا فلسفة الحياة)، فهل انتم يا حكام بغداد من الشيعة تعلمون بحق وحقيقة، من هم أئمتكم الذين شوه
تراثهم من اجل الدنيا والاخرين؟
Back
to Home