Back Home Next

 

 حقوق المرأة الى أين؟  بمناسبة 8 أذار اليوم العالمي للمرأة

آراء الكاتب

د.   عبد الجبار العبيدي
أستاذ جامعي
jabbarmansi@yahoo.    com

المرأة ليس لها جمع من جنسها،  والنساء أسم جنس جمعي ليس له مفرد من جنسه،  ذكرت في كتب التوراة والانجيل والقرآن مثلما ذكر الرجل. لم تفرق الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلامية بينهما الا في امر القدرة والعمل،  وليس ما عداها شيىء اخر مكتوب يذكر. تلقف الفقهاء النص الديني في الديانات السماوية الثلاث، ليحوروه حسب ما راق لهم مزاجهم وتاثير الجنس عليهم. فكانت المرأة عورة والرجل ذكر،  المرأة حُرمة والرجل مَحرم،  المرأة مغيبة والرجل حاضر. ماذا يعني التصنيف عند الفقهاء، وهم الممثلون لتطبيق الشريعة السماوية السمحاء. وبوجب تفسيرهم للنص يعني الرجل هو الواحد والمرأة هي النصف،  كما ورد في القرآن الكريم:(وللذكر مثل حظ الانثيين)، نص قرآني كريم فسر تفسيراً ترادفيا ترك تفسيره العلمي للمجهول،  فأصبح عادةً وتقليداً لا شريعة وتطبيقاً.
في التشريعات التوراتية ان المرأة سقط متاع لا قيمة لها، اي كقطعة اثاث بالية متى رآى صاحبها رميها رماها، بغض النظر عن الحالة الانسانية لها. ففي الوقت الذي يحصي بنو اسرائيل عدد ذكورهم، فلا احصاء عندهم للنساء. والطلاق عندهم طلاق تعسفي، وتعدد الزوجات على المزاجية وتحقيق الجنس الافضل. وكان جائزا ًمصحوبا بالاضطهاد والاذلال، مَن يكون لديها من يساندها من المطلقات التجأت اليه، ومن لم يكن لديها احد رميت في الطرقات واصبحت بَغية للاستمتاع من اجل لقمة العيش. حتى ان اليهود أطلقوا على المرأة قديماً كلمة الرعيان، وهي ناقلة السم ورمز الشر، وحواء في نظرهم رأس الافعى السامة التي يجب اخذ الحذر منها دائماً. لكن قوانينهم الحالية قد قلبت الموازين وادخلت المرأة في مربع الحقوق المشتركة مع الرجل دون تفريق بعد ان تطور الزمن واصبحت الحاجة ملحة للتغييرفأنصاعوا لها. هذا تطور مهم بالنسبة للمرأة عندهم.

وفي المسيحية كانت مكانة المرأة لا تقارن مع مكانتها في الديانة اليهودية من حيث الرعاية والاهتمام وحمايتها من التعسف، ولقد وضعت القوانين الرومانية الكثير من النصوص لحمايتها، وخاصة ان السيدة مريم هي ام السيد المسيح وهي المرأة العفيفة التي ذكرها القرآن في آياته الكريمة بكل خير..ولقد ورد نص مهم عند المسيحيين في نظرية يسوع المسيح في المرأة المطلقة تقول :(من طلق أمرأته الا لعلة الزنى فهو يجعلها تزني، واذا تزوجت المطلقة لغرض في نفسها رغما عنها فمطلقها زانِ). والمسيحية تحرم الطلاق الا في حالات معينة وصعبة منها: حالة الزنى المشهود لاحدهما، اواصابة أحدهما بالجنون، او اذا كان الزواج بالأكراه منذ البداية. وعلى العموم فقد كان للمرأة عندهم احترام وتقدير.

عندما جاء الاسلام كأخر الديانات و انقطع الوحي الآلهي عن الانبياء والرسل، كان انقطاع الوحي هو الأيذان بأن الانسانية قد بلغت سُن الرشد، فدخلت مرحلة تحمل الاعباء من قبل الطرفين المرأة والرجل معاً. ألم تكن الحسنات والسيئات بينهما متساوية امام الله يوم الحساب؟ أذن لابد ان تكون الحقوق والواجبات هي الاخرى متساوية. لذا فأن التشريعات الدينية تحولت الى نصوص بشرية اجتهادية قابلة للتطور حسب المنطق القرآني. لكن الفقهاء لعبوا فيها دورا أنحيازياً، حتى استطاعوا وبمرور الزمن ان يحولوا النص القرآني الى عادة وتقليد اكثر منه الى قانون آلهي مشرع. فبقيت المرأة بنظرهم الطرف الخاطىء والضلع ألاعوج الذي لا يستحق المساواة مع الرجل، وظلت المرأة في نظرهم هي التي تبطل الصلاة كالكلب والحماراذا مرت بين يدي من يؤدي الصلاة، لكن الشيعة الامامية لا ترى ذلك مبطلاً للصلاة. وهي سلعة للاستمتاع الجنسي وخدمة البيوت ليس الا، وفي القرى والارياف لازالت المرأة تجلس في مؤخرة الرجال وهي نظرة شوفينية شخصية لا تستند الى دليل شرعي وان نسبت الى احاديث نبوية والحديث الشريف بريء منها. ومن يدعيها فليأتِ بنص ثابت أكيد.
من هنا أستغل النص استغلالا بشعا من قبل اعداء التجديد لحقوق المرأة،  فوضع تحت القراءة الاحادية، قراءة جوهرها الاقصاء لكل جديد. لذا فنحن بحاجة ماسة الى مراجعة النص وقراءته من جديد متمثلا في حقوق المرأة في الزواج والطلاق والارث والوصية والحرية والعبودية والقوامة والمهر وغيرها كثير.

على الباحثين المنصفين المعتدلين ان يراعوا دقة التشريع عند البحث عن حقوق المرأة وتثبيت الحقيقة القرآنية، ويبتعدوا عن التفسير الترادفي الخاطىء للنص الديني القويم، فلا تأخذهم العزة بالاثم لذكورية الرجل التي تعود عليها مجتمع التراثيين، وقصيري النظر من المتفيهقين. ولن تحل مشكلة المرأة عندنا الا بتخليص مصيرها من رجال الدين ونقلها الى قوانين ثابتة قابلة للتطبيق، والقرآن الكريم لا يعترف برجال الدين ولم يخولهم حق الفتوى على الناس، فأذا كان ذلك واضحا في الدين، فكيف يحق لهم التفرد بحقوق المرأة دون حقوق الاخرين.

ولنبدأ بالمرأة وحقوقها في تعدد الزوجات التي زيفها الفقهاء لصالح الرجل ومن يحكمون في السلطة من رجال الدين منذ عهود خلت، وثبتوها في قوانين الاحوال الشخصية وهي منافية لما وردت في التنزيل. والاية الكريمة صريحة في حقوقها الانسانية

 (وان خفتم ان لا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فأن خفتم ان لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت ايمانكم ذلك أدنى ان لا تعولوا، النساء 3).

 الآية الكريمة هنا جاءت حدودية التنفيذ وليست حدية، لتغطي الحد الأعلى والأدنى في الكم والكيف. فالأدنى الزوجة الواحدة، والأعلى هو الأربعة في الكم. أما في الكيف فقد اشترطت الاية الكريمة، ان يتم الزواج من امهات اليتامى والاطفال الذين لا معيل لهم، وليس الكيف للاستمتاع والرغبة كما يعتقد البعض. وهم عن أنسانية المرأة غير مقدرين. وهو أمر آلهي ملزم لا يجوز مخالفته تحت اية ذريعة. وحددت الاية الكريمة ان الزواج لا يقوم الا وفق القدر والاستطاعة، فأن تعذرت الأعالة من قبل الرجل كما في النص القرآني (لا تعولوا) اي ان لم تستطيعوا اعالتهم فواحدة. وهي أقصى حالات العدالة الانسانية في احترام المرأة في العوز والحاجة.
ان الاسلام لم يمنع التعددية الزوجية في حالات الضرورة كالمرض او العجز او عدم الانجاب بعد التأكد من الحالة المرضية. لان الزواج المتعدد في الاصل من اجل الايتام خوفاً عليهم من التشتت والضياع كما في قوله تعالى قائلأ:

(وان يتفرقا يُغنِ اللهُ كلاًمن سعتهِ وكان الله واسعاً حكيماً، النساء 130)

هنا يفرض القرآن الكريم حالة الاحترام والتقدير للمرأة. لا كما يدعي اصحاب نظرية ذكورية الرجل، ان المرأة ناقصة عقل ودين وهذا نص الصق بالامام علي (ع) لصقاً وتجاوزا وخطأ متعمداً وحاشى ان يقول صاحب العلم الرصين مثل هذا القول المشين بحق انسانية الانسان. ويبدوان اصحاب النظرية الذكورية استندوا الى الاية الكريمة رقم 282 من سورة البقرةالتي تقول:

( ... وأستشهدوا شهيدين من رجالكم فأن لم يكونا رجلين فرجل وأمرأتان فتذكر أحداهما الاخرى)

ففسروا ذلك على ان المرأة تسارع الى تقديم العاطفة على العقل فكانت نظريتهم قد بنيت على الحدس والتخمين دون دليل مادي واضح. ان الظروف الموضوعية والتاريخية الحالية للمرأة بحاجة الى تعديل قانوني يتضمنه الدستور ويوضع تحت رقابة التنفيذ، في كل حقوق المرأة باعتبارها عضوا متساويا مع الرجل دون تفريق في الحقوق والواجبات.

حين جاء التغيير في العراق،  جاء من أجل الجميع لجعلهم في مكانة التكريم رجلاً كان أم أمرأة، أحياءً لمكانة المرأة في العراق منذ القدم وقبل نزول الديانات الثلاث وقبل مجيء الاسلام. ففي العصور السومرية والاكدية والبابلية والاشورية كانت المرأة العراقية قاضية ومعلمة ومربية اطفال في معابدهم ولها كل الحقوق والواجبات، وقد أضافت قدسية لهم يعتزون بها في حضارتهم (انظر طه باقر، حضارة العراق). وقد حاول الزعيم عبد الكريم قاسم أحياء هذه المكانة الحضارية بقانون حين ساواها بالرجل في الحقوق والواجبات لكن معارضة الفقهاء حالت دون ذلك،  لذا لا يمكن تجاوز هذه الحقوق بحجة الوضع المضطرب ووضع قوانين التحدي والفصل بينها وبين الرجل مطلقاً، فثوار الثورة الفرنسية حين جاؤا ثبتوا كل الحقوق وزادوا عليها ولم يلغوا قانونا الا ما يتعارض وانسانية الانسان، فالمفروض الاجدر بنا ان نكون مثلهم وأكثر..فالشريعة الاسلامية اتجهت نحو تحقيق المنطلق والوجهة التي تعطي نقطة الشروع لتوجه نحو الهدف في تحقيق التقوى والتزكي ليكون مآلها الفلاح للناس. لا أن تقتصر الحقوق على فئة دون الاخرين.

لقد كان أهتمام السماء بالناس هو أهتمام المطلق (الله ملك الناس)، والشريعة من المطلق تعطي أمتداد الزمان، وأتساع أفاق المكان لشمول وشرع الجماعة دون أستثناء. لذا فأن التطبيق الرسولي كان يعني ان الظاهرة محكومة بظروفها رغم الاستثناء الزمني له. فبهذه الرؤية، وبهذا المنهج، كانت الشريعة تملك مشروعا انسانيا ابديا في الحقوق والواجبات في مستوى النظر والعمل ومستوى الرؤية التاريخية بعد ان شاركت المرأة الرجل منذ بداية التشريع موقفا وتنفيذاً في القول والفعل في السلم وسعادة الرجل والابناء، ولولاها لما وجد الرجال، فهي أمهم التي لا تنافس، فلمَ التفريق؟ انا لااعتقد انه تم الى اليوم تقديم بحوث اصيلةحول المرأة في الاسلام أنطلاقاً من الجدل بين الأستقامة والحنيفية والفطرة الانسانية، والتي تعتبر حدود الله هي العمود الفقري لهذا المنطلق.

ان الاختلاف في تحديد وتثبيت حقوق المرأة في الاسلام كان مصدره الاحكام الفقهية للمذاهب الأسلامية، والاحكام الاخرى التي انتجها العقل الحرالمعارض لاحكام هذه المذاهب، فكانت أخطاءً منهجية لا فقهية حين اخضع النص القرآني لتفسير الترادف الخطأ في فهم المعنى فنقلوه الى عادة وتقليد دون تحديد للمعنى التآويلي للقرآن الكريم، فكانت الطامة الكبرى لحقوق المرأة عند المسلمين حين انتقلت تلك الحقوق الى عادات وتقاليد جاهلية لا قوانين قرآنية.

ان انتهاء عهد النبوة لا يعني توقف حقوق المرأة وكأن وضعها كوضع الرق على اساس انها نصف الرجل لانها غير منتجة، فالاسلام منحها الحق السياسي من اول يوم للدعوة، فهي اول من قتل شهيدا دفاعا عن الاسلام كما في شهيدة الاسلام الاولى سمية أم عمار بن ياسر، وحضورها بيعة العقبة الاولى والثانية والمشاركة في صنع القرار. هنا يجب علينا ان نصحح الخطأ وعلى مجلس النواب القادم المنتخب في العراق ان يلتفت الى حقها القانوني ليفصله عن العادة والتقليد. فهو خطأ في المنهج لانقص في اللغة بحاجة الى تصحيح. بعد ان فهمت وفسرت الايات القرآنية الخاصة بالمرأة جميعها تفسيرا احاديا يمثل ذكورية الرجل وليس حقوق المرأة. وهنا كان الخطأ القاتل؟

ولنتفحص حقوقها في الصداق والمهر،  فهو الاخر أبتدعوا له مالم يأتِ به النص القرآني معتمدين على الاراء الاجتهادية الضيقة دون تدقيق او مراجعة.
لقد جاء في سورة النساء، آية 4

(وآتواالنساء صدقاتهن نحلة فأن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاًمريئاً)

ابتداءً ان المهر نحلة، اي هدية مقدمة من الزوج للزوجة دون ألتزام من المرأة تجاه الرجل بها، والهدية عرفاً وقانوناً لا تُرجع، لذا فهو ليس بيعاً وشراءً كما يدعيه البعض، وفق العادات والتقاليد البالية التي وضعت في غفلة الزمن. ان الكلمة بحاجة الى تصريف لغوي كما وردت في المعاجم اللغوية (أنظر لسان العرب كلمة صدق)، لا الى الزام تطبيق العادة والتقليد مما جعلهم يخالفون الشرع الاسلامي والقانون الانساني.

ان حدود الله في الزواج تتركز في الايجاب والقبول وعدم فرض الرأي الواحد على الاخر وهذه مشكلة من مشاكل العُقد الاجتماعية الحالية التي ظلت بلا حل في مجتمعاتنا الاسلامية،  فنتج منها الافتراق والطلاق والهجر وغيرها كثير. والاشهار يجب ان يكون بشاهدين، والهدية بدون مقابل. أي دين يعطى للمرأة ما أعطاها الاسلام. لكن الفقهاء قد اهملوا هذاالحق المكتسب دينيا لمصلحة ذكورية الرجل المتأصلة في النفوس، بوجوب تخريجات المهر الغائب والمهر الحاضر،  و ليس لهما في الشريعة من أصل. ومن يعترض فليأتنا بنص شرعي ثابت مكتوب.

أما في الارث والوصية:
فالحكمة الآلهية في تقسيم الارث بين الذكر والانثى جاء بمنتهى الدقة في العدالة الاجتماعية الانسانية، حين جعلها سبحانه وتعالى مفتوحة لا محددة. فآية الارث آية حدية وآية الوصية آية حدية لوجوب الالتزام بهما دون تحريف. فالأية الاولى نصت على (وللذكر مثل حق الانثيين......بعد وصية يوصي بها، النساء 11). والثانية نصت على الالزام بكتابة الوصية قبل الموت (كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقاً على المتقين، 180 البقرة). لذا فالوصية من الناحية الشرعية على المسلم كتابتها قبل الموت لبيان الرأي الشرعي في الارث. وهذا قانون ملزم اليوم في الدول المتقدمة في حقوق الانسان كأمريكا مثلا، وموثق دستوريا ووضع له القانون الخاص المفسر للنص خوفا من التلاعب في الحقوق الانسانية، ومن يدريك من ان هذا النص اخذ من القرآن الكريم في دساتيرهم.

وللمشرعين المسلمين وجهة نظر اخرى تقول: اذا كان لنا في مساواتها بالرجل، فان هذه المساواة مخالفة للنص القرآني في الميراث (للذكر مثل حظ الأنثيين) وهذا التقسيم الرباني لم يكن القصد منه التمييز بينهما لكنه جاء يركز التكريم لها لأن جعل اخاهاهو الذي ينوي الانفاق عليها، أما هي فتحتفظ بنصيبها في الميراث لوحدها، وفي هذه النظرة القرآنية الكريمة تركيز في تكريمها ولا يعني أعلاء شأن الرجل عليها. منهج رباني بحاجة الى تثبيت وتطبيق لما يقتضية المحتوى المتحرك للآية القرآنية.

ان الحكومة العراقية الحالية وبعد التغيير الأخير مطالبة اكثر من اي وقت مضى بتطبيق الاية الكريمة والابتعاد عن تخريجات بعض الفقهاء اصحاب نظرية ذكورية الرجل الذين دمروا حقوق المرأة وأهانوها بأصدار تشريعات مخالفة لحقوق الانسان كما في قوانين الاحوال الشخصية الحالية، لتنال المرأة حقوقها الشرعية على ما بدأت به الحضارية والشريعة معا. حتى نلحق بركب الدول المتقدمة، وحتى لا تبقى الاية الكريمة تقرأ وتطبق دون نقصٍ او ابهام ويجب ان تطبق وفق المنهج السليم. لكن مع الاسف فقد ظلمت المرأة بعد التغيير الاخير الى ابعد الحدود حين همشت في المجتمع وقتلت على التهمة، واجبرت على ارتداء الحجاب دون رغبة منها وعزلت عن المجتمع ولم يعطى لها الا الربع في احقية العضوية في مجلس النواب، الى امور كثيرة خالفت حقوق الانسان في الحرية والعدالة الاجتماعية وكأننا أصبحنا نعيش في طالبان لا سامح الله.

أما ما يخص الميثاق والقوامة والنشوز: فالميثاق عهد مشترك بين الرجل والمرأة، شرعي ملزم، فلا طلاق بغضب، ولا طلاق بالثلاث، لان لا أصل لهما في النص القرآني، وهي مستحدثات فقهية طارئة على النص، وهذا ما يرفضه المذهب الحعفري حين وضع للطلاق شروطا قاسية رافقتها مساحة زمنية واسعة غير محددة للتصالح او التفريق، لعل كلا من الزوج والزوجة يعود الى رشده ويتصالحا، اضافة الى ما ورد في ضرورة الألتجاء الى الحَكَم العائلي من عائلة كل من الزوج والزوجة لعلهم يقومون بمهمة الاصلاح وعدم التفريق بينهما كما في قوله تعالى

(وان خفتم شقاقَ بينهما فأبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها يُريدا أصلاحاً يوفق الله بينهما ان الله كان عليما خبيرا، النساء 35)

وحالات كثيرة قد تم اصلاحها بهذا التوجه القرآني الصحيح. والذي نتمنى ان يكون عاما بين المسلمين معززاً بالقانون النافذ
اما القوامة: فقد جاءت بموجب الاية الكريمة

(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوامن أموالهم ...، النساء34)

هنا القوامة في الاية لا يقصد بها جنس الرجال على النساء، وأنما يقصد بها القوامة بالقُدرات المختلفة بين الاثنين عدلا وقانونا (انظر كلمة قوامة) في لسان العرب حين تعني العدل، وكلمة بعضهم تعني الجزء وليس الكل، ففي قول الحق: (كيف فضلنا بعضهم على بعض، وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا، الاسراء 21).هنا الاية تنفي التفضيل بالخَلق، وتبقى الافضلية بحسن الادارة والحكمة والثقافة والوعي وبالأتفاق في الأموال ليس الا.

القوامة هنا لا تنحصر بالزوج والزوجة، بل بالاسرة كلها التي تقوم على التعاون والمحبة والرحمة والمودة بينهما، ولا علاقة لها بالتمييز الانساني بين الرجل والمرأة كما يدعي المفسرون، الذين جعلوا منها قانونا ظالماً لحقوق المرأة في الاسلام. واليوم سادت الثقافة بين الاثنين، فلا بد من معالجة الامر بروح العصر الحديث ضمانا لحقوقهما معاً. فالشرع القويم لم ينزل لقوم دون قوم، او لزمن دون زمن، او لحضارة دون حضارة، بل هدفه قد جاء لكل انسان ولكل زمان ومكان كما ينبغي مسايرة التطور،  ولا ترضى التعاليم الاسلامية وضع شيء في زاوية النسيان.
 

اما في النشوز:
كلمة النشوزتعني الكراهية بين الزوجين، قال تعالى (واللات تخافون نشوزهن)، والنشوز هنا يعني استعصاؤها على زوجها لسبب من الاسباب، او هو نشز عليها نشوزاً كذلك، لذا قال الحق: (وان أمرأةً خافت من بعلها نشوزا ً أو اعراضاً). والنشوز بالمعنى اللغوي هو الكراهية بين الزوجين لاسباب معينة.

هنا يأتي دور الوعظ، اي النصيحة والمصالحة لذات البين (فعظوهن) واذا لم يتعضن فأضربوهن على ايديهن، أي أسحبوا منهن القوامة، لا تطليقهن على الفاضي والمليان كما يحلو للرجل ان يتصور، لان العصمة بيده، هنا يجب ان تستبدل نظرية العصمة بنظرية الاستقامة كما جاء في اية التطهير، الاحزاب 33). اما اليد هي وسيلة للسحب لا الضرب، لانها مشتركة بين الاثنين، والضرب لا يعني العنف، بل يعني سحب القوامة من ايديهن (أنظر لسان العرب تحت كلمة ضَرب التي تعني السحب).

ان سيادة نظرية الضرب بالعنف، معناها سيادة نظرية التخلف عند المسلمين، وهذا ما يعاب عليه المسلمون عند الشعوب الاخرى اليوم. يقول الحق:

 (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ان الله كان عليا كبيراا، النساء34)

والاية واضحة تماما حين تقول (ولا تبغوا عليهن سبيلا) اي لا تدعوا فرصة ايجابية الا وأغتنموها من اجل الوفاق والعيش الكريم، والاية لاتفسر الا لصالح الانسان. ونلاحظ ان الرسول (ص) حينما رأى الناس يضربون الاماء قال (لا تضربوا أماء الله). فاذا حرم الرسول ضرب الاماء، فهل اجازه على النساء الاخريات الحرائر، تقويم فقهي بحاجة الى مراجعة، وحديث الرسول حديث ثابت قابل لقناعة المنطق.

نتمنى ان نلمس حركة حكومية وشعبية جادة لتصحيح المسار الخاطىء الذي طبق بحق المرأة، حين لم يترك لها حرية الاختيار في الجامعة والكلية والمؤسسة في ملبسها ومظهرها المحتشم وحقوقها الانسانية حين وضعت رقابتها بأيدي الهامشيين من اعدائها وهو امر مرفوض حقا وشرعا. نحن ندعوا الحكومة العراقية القادمة بعد الأنتخابات الى حمايتها وارجاع حقوقها كاملة وأعادتها من التهجير كما ونرجو ان تتحول اهتمامات الدولة بسلطاتها الثلاث الى واقع قانوني ملزم التنفيذ.
 

Back Home NextBack to Homego to top of page