قراءة في شخصية الامام علي امير المؤمنين (ع).
آراء الكاتب
د. عبد الجبار العبيدي
أستاذ جامعي
jabbarmansi@yahoo. com
من يتجرأ ان يتحدث عن الامام علي (ع) ومن يريد ان يسمع عنه، عليهما ان يدركا ان المتحدث يتكلم عن شخصيةٍ عربيةٍ اسلاميةٍ فذة قل نظيرها بين شخصيات العالم نسبأ وأخلاقا وعظمة وعدلاً.
فهو ليس أمام شيعته، بل هو أمام المتقين جميعاً.
وقبل ان نتحدث عن هذه الشخصية العظيمة يسرنا ان نرفع التهمة عن أبيه أبو طالب الذي أتهموه بأنه مات ولم يَسلم بمكة.
نقول: ابو طالب: هوعبد مناف بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العدناني وهو المتزوج من فاطمة بنت اسد العدنانية أم امير المؤمنين، مات وله اربعة أبناء هم طالب وعقيل وجعفر وعلي وبنتاً
واحدة هي أم هانيْ ولم يتزوج غيرها. وهو أمير السقاية في مكة، وحافر بئر زمزم الذي لازال ينضب بالماء الى اليوم حتى عُد ماؤه مقدساً. وهو الذي افتدى والد الرسول عبدلله بن عبد المطلب
وخلصة من حكم بني مخزوم من ماله الخاص، حتى لقب بشيخ البطحاء ومؤمن قريش. وله مواقف كثيرة في الاسلام تحتاج لمقالة مستقلة.
لكن البعض يتحجج بالآية الكريمة التي تقول: ( ليس عليك هُداهُم ولكن الله يهدي من يشاء، البقرة
272). متهمين ان ابا طالب أنه مات على الكفر. وان الرسول(ص) أراد هدايته للاسلام ولم يفلح.
ان الاية الكريمة نزلت في موضوع الصدقات كدليل ألهي للرسول ان لا يمنع الصدقات حتى على الذين لم يسلموا، لأنه بُعث بشيراً ونذيراً للعالمين وليس للمسلمين فقط. وقصد بكلمة الهداية هي
التوفيق. اي ليس لك ان تجبرهم على الهداية لكن الله هو الذي يهديهم، لان القلوب لا يملكها الا الله حتى يجعلها مؤمنة صادقة لقوله تعالى (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، 99)
والاية معناها انت لا تستطيع ان تجعلهم مؤمنين قلباً).
وليس للآية الكريمة اية علاقة بأسلام ابو طالب، كلها أقاويل حاكتها ألسنة المتشفين بأبنه البار
علي بن ابي طالب (ع). وقد مات ابو طالب في شعاب مكة بعد ان حاصرت قريش الدعوة وأصحابها، وفي تلك السنة مات ابو طالب وزوجة الرسول خديجة بنت خويلد الاسدي (رض) بنفس العام حتى سمي ذلك
العام بعام الحزن، وهو العام العاشر للدعوة، اي قبل الهجرة الى المدينة بثلاثِ سنوات، فكيف يموت ابو طالب مع المسلمين في الحصار وهو كافر. وانا انصح كل من يريد الحقيقة ان يقرأ بنفسه
لا ان يعتمد على ما تتناقله الآلسن وتسمعه الاذان. فقد دخل في التاريخ الفقهي الكثير من اللغط والافتراء على اهل البيت العظام الذين نزههم الله من الرجس وطهرهم تطهيرا.
ولو فرضنا خطئاً ان ابا طالب لن يسلم، فهل ان الاسلام والاعتقاد به كان فرضاً عليه، حين دعا
الاسلام الى حرية الاعتقاد شرط ان لا تكون ظالما للناس والعباد: ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، أنا أعتدنا للظالمين نارا، الكهف 29). ولم يقل للكافرين نارا، وهل
كان أسلام يزيد والحجاج أحسن من كفر ابي طالب. مفارقات بحاجة الى العقل والتدبر، ولكن متى كانت أمة العرب عاقلة؟ لو كانوا عقلاء لما حل بهم الان عصر الذل والمهانة والأزدراء وفيهم
محمد (ص)
ونعود لعلي أمير المؤمنين فنقول:
هو علي بن أبي طالب هاشمي من قريش، ولد بمكة قبل عشر سنوات من البعثة النبوية الشريفة، واستشهد في الكوفة يوم الجمعة 21 من رمضان سنة 40 للهجرة، وله من العمر ثلاثةُ وستون سنة،
ولقب بشهيد المحراب ولم يلقب من بعده احد بهذا اللقب. هو وبنوه كانوا توجاً من تيجان الزمن التي رُصعت في هامات بني هاشم وأمة العرب، وأمهُ فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف قرشية
عدنانية. أصيل من الأب والام والفعل دوماً دليل الأصل.
قال فيه العلماء ما عجز القلم عن تدوينه، قالوا فيه: قلة من الرجال الذين هم على شاكلته،
تتنهد بهم الحياة، موزعين على مفارق الاجيال أنارتها هدياً لمسالك العابرين. ومن بين أولئك الافذاذ يبرز أسم علي في هالةً من رسالةٍ، وفي ظل من نبوةٍ، فاضفا عليه أسجاماً وأكتمالاً،
كما أحتواها لوناً وأطاراً.
وحين التحدث عن هذه الشخصية المتكاملة، ليقف الانسان خشوعاً والقلم خضوعاً الا من مداده الفذ ليخط
كلمات يشعر بها القلم سيكون خالداً خلود من يكتب عليه. بهذا اللون البهيج عصي على الحرف بتصويره بقدر ما هو قصيُ عليه بمعانيه.
الناس يولدون ويموتون ويطويهم النسيان، اما هو فلقد آتى الدنيا، وكأنه آتى بها، ولما آتت عليه بقي وكانه آتى عليها. لقد جاء لا ليقتلع بوابة خيبر العصية من جذورها، بل جاء ليقتلع حصون
الشر والظلم والباطل من جذورها، وياليت شيعته اليوم يعلمون ذلك ويطبقون.
كل الغيوم التي رافقت حياته العزيزة، لم تستطع أن تطفأ شمسه المنيرة، فأنه لم يمت ولم يطويه
النسيان، بل ظل جوهرةً متلألأةً خلفها تلبث الشمس خلف الغيوم.
من هنا أقول وانا المغرم به، أن كل قولٍ يحصره في مكان أو زمان يبقى حديثا له قيمة السرد، لينير
دروب الاخرين، ولبيقى حروفاً مقفلة لا تنفذ اليها آلوان المعاني، لأن الوانها ثابته لا تغيرها الظروف، ولا تتأكلها الازمان كمنارته المتلألئة في النجف الاشرف ذهبا وياقوتا ومرجان،
فباي ألاء ريكما تكذبان. وسيبقى أبو الحسن عنوان القيم والمبادىْ رائدا للحق والعدل متبرءأً من كل من خان المبادىء والمنهج القويم لمدرسة أهل البيت العظام، التي ما جرأ احد ان ينفذ
اليها بعثرة من عثرات الزمن. وستبقى الدنيا تغرف الطيب من فمه الطيب، يا صاحب الوجه المنير، وياصاحب كل أستقامة.
كتب الامام علي سفره المعروف الذي سماه الشريف الرضي بنهج البلاغة، ولم يكن ذلك السفر
الا مقدمات أستخلص منها النتائج المحكمة بالحجة والبيان، وبهذا اتبع أسلوباً أستقرائياً في مجال العلم والعقيدة، وهو ما يتماشى ومفهوم التطور العلمي للثقافة عبر الزمن، فمفهوم العقيدة
عنده تحرر وتقرير مصير، هذا الادراك هو الذي أحس به رسول الله (ص) فأحاط به الامام لما يستحقه من مكانة التكريم وعلم وتقدير، حتى جعله بابا ومنطلقا لعلمه ومدركاته وسننه حين قال:
"انا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتِ الباب" |
وبالمناسبة فأن السُنة النبوية اليوم بحاجة ماسة الى أعادة نظر في كل الاحاديث المروية عن الرسول
(ص) سواءً في أهل بيته أو عامة الناس لقوله عند دخول مكة فاتحاً:
يا قوم خلوا بيني وبين الناس ولا تنقلوا عني غير القرآن، حتى لا يتداخل حديثي معه،
انظر الواقدي،المغازي |
وهذه اشارة صريحة ان كل ما نقل عن الرسول بحاجة الى اعادة نظر، ناهيك عن ان الصحاح لابي مسلم
والبخاري والمجلسي هي احاديث رواتها من العصرين البويهي الفارسي والسلجوقي التركي، وكلها احاديث بحاجة الى أعادة نظر وصدق الاثبات. احاديث أدخلت الحابل بالنابل وفرقت العرب والمسلمين
خدمة للسلطان البويهي والسلجوقي الغرباء عن الوطن. فهل نحن مدركون، أم نبقى في غينا سادرون؟
نشأ الامام علي وكله علمُ ومعرفة، فقه وحكمة، فصاحةٍُ وبلاغة. لقد طغى عليه العلم فأخذ بمجاميع
قلبه الوضاء، وحركات لسانه الكريمة، وأستنباط هواجسه الصافية. يدرك ما يحيط به، ويحيط بما يُدرك، يدركُ ادراك العالم المتطلع، العامل بعلمه، المعتقد بما يلزم، ان يعمل لأصلاح مجتمعه
ورفع مستواه، موظفاً طاقاته له، لا يحجمٌ عن درء خطأ وخطر، ولا يقف دون مشورة، ولا يتلكأ في أبداء نصح. هذا الرجل المعجزة الذي لم يدركه من أهل زمانه ولا زماننا الا النزر
القليل من الناس، ولو ادركه محبي أهل بيته وأخذوا به لما وهنوا، ولا ضعفوا، ولا أستكانوا، كما نراهم اليوم حين اعمتهم الدنيا بطمعها فتبلدوا. حث على طلب العلم حثاً لا يدانيه أحد قولا
وصدقاً وعملاً حين قال: ( تعلموا العلم صغارا تسودوا كباراً) وقال: ( يا حملة العلم أتحملونه فأن العلم لمن علم، ثم عمل به ورافق عمله علمهُ، وهنا يربط الامام العلم بالعمل، ولا أغالي
أذا قلت لم أقرأ طيلة مدة دراستي وعملي من قبل مثل هذا النص الذي قاله علي :( تعلموا العلم وان لم تنالوا به حظاً ). فالعلم في ميزانه عمل، وفي نظرته تطبيق، وفي أهدافه نفع لمن يحمله
وللاخرين. وصدق رسول الله حين قال:(ان اشر أمتي العلماء أذا فسدوا). فالعالم اذا فسد يفسد البلد الذي يعيش فيه، أما الجاهل فأذا فسد لا يفسد الا نفسه والتجارب الحالية خير شاهد على ما
نقول.
وفي مجال الحياة وتطبيقات السياسة وولاية العهد علينا ان نطلع على الرسالة التي كتبها الأمام (ع)
لمالك الاشتر حاكمه على مصر ستجد فيها كل تفاصيل الحكمة والعدل والالتزام بالمبادىء في حكم الناس. يقول الامام: يا مالك:
ان السلطة وسيلة لتحقيق حكم الله في الأرض ونشر العدالة الاجتماعية، وأحذر يا مالك فان
القوانين لا تطبق الاخوفاً من العقاب، ولا سبيل الى ذلك الا بالعقاب والثواب |
وحدد في رسالته مهام السلطة في اربعة ابواب هي :الأمان والأطمئنان والكفاية والعدل لينعم الجميع
بها فهي النهج القويم، ويقول على الحاكم المختار من الناس ان يكون منصفاً عدلاً، فالعدل أساس الملك والله هو العدل الذي لا يجور (اعدلوا هو أقرب للتقوى، المائدة 8). فلا كثرة الناس
حولي تزيدني رفعة، ولا بعدهم عني تزيدني ذلة، لكن كلمة الحق لم تبقِ لي من صاحب. ويقول:
آيأك وظلم الرعية، فأن الظلم حوب عند الله،وواسي الرعية ولا تدع معوزاً وأمامك يحكم بين الناس |
ويقول في رسالته لمالك الاشتر:
اسمع يا مالك:
لا تكن عبدا لغير الله الحق، فليكن أحبُ الذخائر اليك ذخيرة العمل الصالح، فالشرع مثبت وليس مخبر ولا يوجد شيء حسن او قبيح بذاته،
لكنهما من صنع البشر.
وفي مجال الحكم يقول: وأشعر قلبك الرحمة
للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعأً ضارياَ تغتنم أكلهم، فأنهم صنفان:
أما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق.
كن حراً في علمك وعملك، فمن دان بالجبر فقد أبطل العقوبة على المذنب، ومنح الحرية
لكل الناس دون تمييز، فالحر يكون مسئولا عن الخطأ والصحيح، فالحق والعدل اساس الحكم في الاسلام، وان الدين والسياسة هما تعبيران عن الحكومة العادلة، واي خروج عليهما هو خروج عن
البشرية والدين معا.
وفي مسالة أموال الدولة يقول: أنتم عباد
الله والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لاحد على احدٍ بقدر جهدكم وعلمكم وعملكم.
|
ويقول:
الا ان كل قطيعة اقطعها ..فلان وفلان...... وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت
المال فالحق القديم لا يبطله شيء، فمن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق. |
انه كان يرى ببصيرته النافذة موازين الحق والعدل كما يراها الله، انه كان يرى مشهدا يكاد
ينطق بصوت الكارثة من وراء حجب الليل البهيم على ابناء أمة الاسلام بعد ما ينحرف عنها الحكام.
ويقول الامام الشافعي في كتابه الرسالة:
يا الله ما هذه المعجزة التي أسمها علي
التي خلقتها للناس لأحقاق الحق وتحقيق العدل بينهم،
فلا أحد بعده يستطيع الا قول الحق، لأن العقل مضطر لقبول الحق. |
كان الامام علي(ع) مدرسة فكرية بنظرته الثاقبة في الحكم اراد ان يعلم الناس ان الدنيا دار عمل
وأمر ونهي ومحنة واختبار، والاخرة دار جزاء وليست بدار عمل ولا دار أمر ولا محنة ولا أختيار، نظرية ما سبقه فيها أحد من العالمين. وكان يرى في العصمة هي عدم الوقوع في الخطأ والزلل
والمعصية، وليست هي هبة من الله دون عمل. وهذا تأكيد منه على ان عصمة اهل البيت هي عصمة الحق والعدل وليست عصمة التقديس.
وفي مجال التربية كان يرى ان نوعية البشر لا قيمة لها ان لم تقترن بالفاعلية فالعلم لا يراد
لذاته، بل لاجل التغيير والنمو في شخصية الفرد والمجتمع حيث يقول (ع):
( لا تجعلوا عملكم جهلا ويقينكم شكاً، اذا علمتم فأعملوا واذا تيقنتم فأقدموا، فمن عرف الله
عرف نفسه، ومن عجز عن معرفة نفسه، فهو عن معرفة خالقه اعجز، وثقوا ان لن يؤتي الفكر ثماره الا اذا استند على الخبرة والعمل، لان غاية المعرفة هي الحياة وان قيمة كل فكرة او نظرية تقاس
بمدى ما تحققه من نفع له ولمجتمعه والناس) |
وهكذا فان الامام وجد في التفكير القدرة على كشف الحقائق وتخليص العقل من الاوهام والاساطير، وقال
:( لاتقبل القول من أحدٍ الا اذا ثبتت لك صحته). لأن الشك هو أول الاثبات.
وفي الغلو والترفع على الاخرين يقول في وصيته لابنه الحسن المجتبى:
يا بُني أجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين الناس،
فاحبب لنفسك ما تحب لأنفسهم وأكره ما تكره لها،
لا تظلم كما لا تحب ان تُظلم، واحسن كما تحب ان يُحسن اليك،
وأستقبح في نفسك ما تستقبحه من غيرك، وأرضي بين الناس، بما ترضى لهم من نفسك |
كلمة موجهة للمسئولين اليوم الذين ميزوا اولادهم على الاخرين ومنحوهم حقوقا ليست لهم دون الاخرين.
من يتصفح نهج البلاغة يجد ان الامام يطرح نظريات أنسانية وليست أفكارأً
بحاجة الى آجابة كنظرية المصلحة ونظرية الحسن والقبيح ونظرية الأرادة الانسانية.، يطرح أسئلة بحاجة الى تحليل، وليست أفكارأً عامة للقارئين، فعندما سئل عن العدل قال: (العدل هو الله
الذي لا يجور) وعندما سئل عن العقل قال: ( العقل هو الحجة) وعندما سئل عن الحرية قال: (هي لب الحياة فمن دان بالجبرفقد أبطل العقوبة على المذنب، فالحرية هي أن يكون الانسان مسؤولاً).
يوجه رسائل لعماله في الامصاريطلب منهم التطبيق لنصرة المحكومين، وليست رسائل نصح وأرشاد على غرار الموجهين. ان عملية التجديد التي جاء بها الامام في الاسلام، لا تعتبر مسألة في النظر
والعمل بل فيهما معا، وعلى مستوى الرؤية التاريخية، والعمل الصالح في اي زمان ومكان، مادام الاسلام للناس جميعاً دون تفريق.
أن أول عمل عمله بأستلامه السلطة قد غير رجال حكم الولايات الفاسدين وغيرهم من الفاسقين، فجعل
عثمان بن حنيف على البصرة، وعمارة بن شهاب على الكوفة، وعبيدلله بن عباس على اليمن، ومالك الاشتر على مصر، وسهيل بن حنيف على الشام، ومنحهم سلطة التصرف تحت الرقابة، ووضع قيوداً على
بيت المال، فالمال السائب يفسد أخلاق الرجال. وليكن أحب الأمورأليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل. وبهذا التوجه بدأ المشروع الاسلامي يظهر الى الوجود في عهده.
هنا أنبرى معاوية ومن حوله لدس الدسائس وأضرام الفتن والعصيان فكانت موقعة صفين التي أنكسر فيها
الاسلام، ليبدل بأسلام أخر عقيدته المصلحة الذاتية والمحاصصة الوظيفية والطائفية والعنصرية حين ظهرت كلمة الموالي والعرب واخذت تتسع حتى قيام حرب النهروان والخوارج التي ما
أرادها ابداً، لكنها فرضت عليه فرضاً، ورغم قتال الخوارج له لكنه أنصفهم حين قال:
( ايها الناس لا تقاتلوا الخوارج فمن اراد الحق فأخطئه، ليس كم أراد الباطل فأدركه) |
كلام يطول في هذه الشخصية التي أفتقدها حتى أصحابها اليوم.
وختاماً نقول كان الامام علي، ملكاً قي نفسه، متواضعاً في مجتمعه، فقيراً في عيشه، بسيطاً في
حياته، عظيماً في مدركاته، عزيزا في عدله، قديساً في أيمانه، نبياً في تجرده.
هذه هي ميزة المثل العليا لانسانية الانسان، هذه هي حياة فيلسوف مؤمن بأسمى صور الفلسفة،
ولكن من أين يأتي بالذي يريد، كان الموقف صعباً، ادركته الخطوب، وأحاطت به النوازل، وحاصرته الاحداث حتى قال له أصحابه الخلص: يا ابا الحسن أتدري ما انت فيه اليوم، قال أدري ورب
الكعبة والذي نفسُ علي بيده قالوا: يا ابا الحسن لا تخرج الى مسجد الكوفة، فالخوارج يتربصون بك الدوائر. فقال لهم بكلمته المشهورة (من لم يستطع ان يواجه الناس ويحميهم عليه ان
يتخلى عن حكمهم). يا ليت شيعته اليوم يسمعون، يا ليت من أعماهم المال والمنصب يفيقون، ياليت من أغرتهم الدنيا يتذكرون.
بعده توقفت نظرية الاسلام حين اصبحت الدولة تحتاج الى سند شرعي لا يعترف بشرعيتها، فكانت كالشجرة التي جفت وماتت قبل آوانها. كلمة أقولها من القلب للذين يدعون من أتباعه اليوم الذين
تسلموا مقاليد السلطة باسم مظلومية اهل البيت فأبتعدوا عن مبادئه وتقربوا للعاطفة حين حولوا شعارات ابو الحسن الواقعية الى شعارات فضفاضة لا تغني ولا تسمن من جوع.
سلام عليك يا امير المؤمنين، يا عز العرب والاسلام، يوم ولدت ويوم أستشهدت ويوم تعود الينا،
لتملاْ الارض عدلاً بعد ان مُلئت ظلماً وجوراً.
والله يهدي الى كل رشاد،