ge
قراءة في شخصية الامام علي بن ابي طالب (ع)
بمناسبة يوم استشهاده بالكوفة
آراء الكاتب
د. عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com
من يتحدث عن الامام علي بن ابي طالب، عليه ان يدرك انه يتحدث عن شخصية عربية اسلامية فذة قل نظيرها بين شخصيات العالم، نسباً واخلاقاً وقوةً وعدلاً. فهو ليس امام
الشيعة ولا العرب، بل هو امام المتقين، الذين ما جاء الا لعدالة الحياة واستقامة المثل وترسيخ الاخلاق وتعليم الناس منهج مدرسة لا زال لم يعرفها الا اصحابه الخلص. بحر كله
ماء زلال، وصحراء شاسعة كلها رمال صافية نقية، وسهول يانعة كلها زروع مثمرة بهية، وسماء زرقاء كلها نجوم ساطعة مضيئة، انه هو علي بن ابي طالب الهاشمي القرشي،
ولد بمكة قبل عشر سنين من البعثة النبوية الشريفة، واستشهد بالكوفة يوم الجمعة الثلاثه والعشرون من رمضان سنة 40 للهجرة،
ولقب بشهيد المحراب. ابوه ابو طالب بن عبد المطلب وهم تاج هامات بني هاشم وأعيانهم، أمه فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف القرشي.
وضع له الشيعة أكثر من 48 لقبا اشهرها أمير المؤمنين، وعن السنة الكثير.
قال فيه العلماء ماعجز القلم عن تدوينه حين قالوا فيه: قلة أولئك الرجال الذين هم على شاكلته، تتنهد بهم الحياة، موزعين على مفارق الاجيال
انارتها هديا لمسالك العابرين. ومن بين أولئك الافذاذ، الذي يندر ان يجود الزمان بهم، يبرز وجه علي امير المؤمنين في هالةٍ من رسالةٍ، وفي ظلٍ من نبوةٍ فاضتا عليه انسجاما
واكتمالا كما أحتواها لوناً واطاراً.
وحين التحدث عن هذه الشخصية المتكاملة ليقف الانسان خشوعاً والقلم خضوعاً الا
من مداده الفذ ليخط كلمات يشعر بها القلم سيكون خالدا كخلود من يكتب عليه. هو بهذا اللون البهيج عصي على الحرف بتصويره بقدر ما هو قصيُ عليه بمعانيه.
الناس يولدون ويموتون ويطويهم النسيان، اما هو فلقد أتى الدنيا، وكأنه أتى بها، ولما أتت عليه بقي وكأنه اتى عليها. جاء لا ليقتلع بوابة خيبر العصية من جذورها، بل جاء
ليقتلع حصون الجهل والشر والظلم والطمع من عقل الانسان.
كل الغيوم التي رافقت حياته العزيزة، لم تستطع ان تطفأ شمسه المنيرة، لم يمت ولم يطويه النسيان، بل ظل جوهرة متلألئة يلبث خلفها كما تلبث الشمس خلف الغيوم.
من هنا أقول وانا المغرم به، ان كل قول يحصره في مكان او زمان يبقى حديثا له قيمة السرد، ويبقى حروفا مقفلةً لا تنفذ اليها الوان المعاني، وهكذا وسيبقى أبا الحسن رجل الرجال ورائد
الحق والعدل متبرئا من كل من خان مبادئه ومنهج مدرسة آهل البيت، وستبقى الدنيا تغرف الطيب من أفاويهك، يا ايها الوجه المنير ويا صاحب كل أستقامة.
كتب الامام نهج البلاغة، وأسهب فيه، فلم يكن ذلك السفر الا مقدمات استخلص منها النتائج المحكمة الحجة والبيان، وبهذا اتبع اسلوبا استقرائيا في مجال العلم والعقيدة، وهذا
هو ما يتماشى ومفهوم التطور العلمي للثقافة عبر الزمن، فمفهوم العقيدة عنده تحرر وتقرير مصير، هذا الادراك هو الذي احس به رسول الله (ص) فأحاط به عليا لما يستحقه من مكانة
التكريم وعلم وتقدير، حتى جعله بابا ومنطلقا لعلمه ومدركاته وسننه حين قال فيه
أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد العلم فليأت الباب |
نشا الامام وكله علم ومعرفة، فقه وحكمة، فصاحة وبلاغة، لقد طغى عليه العلم
فأخذ بمجاميع قلبه، وحركات لسانه، وأستنباط هواجسه، يدرك ما يحيط به، ويحيطُ بما يُدرك. يدركُ ادراك العالم المتطلع، العامل بعلمه، المعتقد بما يلزم، أن يعمل لاصلاح
مجتمعه ورفع مستواه، موظفا طاقاته له، لا يحجم عن درىء خطأ، ولا يقف دون مشورة، ولا يتلكأ في أبداء نصح، هذا الرجل المعجزة الذي لم يدركه من اهل زمانه ولا زماننا الا النزر القليل من
الناس، ولو ادركه محبي آهل بيته واخذوا به لما وهنوا ولا ضعفوا ولا أستكانوا. حث على طلب العلم حثا لا يدانيه احد قولا وصدقا وعملا حين قال:
تعلموا العلم صغارا تسودوا كبارا |
ويقول:
يا حملة العلم أتحملونه، فأن العلم لمن علم، ثم عمل بما علم، ورافق عمله علمه |
وهنا يربط الامام العلم بالعمل، ولا اغالي اذا قلت لم أقرأ لعالم من قبل مثل هذا النص قبل علي
تعلموا العلم وان لم تنالوا به حظاً |
هكذا أدرك ان الامة لا تتقدم الا بالعلم والعلماء، وكان يردد دوما في صلاته
كان يدرك ان بالعلم تسموا الانسانية الى حيث قهر الطبيعة، واذلال البيئة لصالح الانسان. يقول:
أقلُ الناس قيمة أقلهم علما، فلا يجوز تقديم الفاضل بوجود الافضل، ولا يترك الاعلم بودجود العالم |
هذه هي عقيدته وليس كما نرى اليوم كيف ينتقى الجاهل بوجود العالم.
وفي مجال العدل، نظر الامام الى المجتمع نظرة الفاحص المدقق في
قضية العدالة والحكم بين الناس، ونقل ما جاء في القرآن من نص الى واقع، فقد كتب لولاته يخاطبهم
يا ولاة امور الناس، فلا يكن حظكم في ولاياتكم مالا تستفيدونه ولا غيظاً تشفونه، ولكن أماتة باطل وأحياء حق |
وكتب لابنه الحسن المجتبى يقول له ناصحاً
يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين الناس أفأحبب لنفسك ما تحب لانفسهم، وأكره ما تكره لها، ولا
تظلم كما لا تحب ان تظلم، وأحسن كما تحب ان يحسن اليك، وأستقبح في نفسك من تستقبحه من غيرك، وارضي من الناس، بما ترضى لهم من نفسك |
هكذا يتجلى في عقيدته، حتى حسبه البعض مثاليا، لم يكن الامام مثالياً، بل واقعياً، لان المثالية نوع من الخيال الذي لا يدرك، انه واقعي النزعة والعقيدة، وهذه هي عقيدة الاسلام.
وفي نظرية العقل قال الامام :
ان القرآن ليس نظرية تتعامل مع الفروض، انه منهج شامل يتعامل مع الواقع، |
قالت المعتزلة وهي فرقة علمية الاتجاه، نحن نلتقي مع الامام في نظرية العقل حين جعلوا الحرية المنطلق الاساس للتفكير مستندين الى ايات الاختيار كما
في سورة الكهف 29والبقرة 256، وقالوا نحن مع الامام حين جعل العقل هو الحجة ويقصد الامام بالحجة الدليل والبرهان، لانه يرى ان العاطفة اقوى من العقل لانها مركبة في الطبع في حين ان
العقل مكتسب، لذا لابد من عقيدة راسخة حتى يبقى العقل في موقع الصدارة، وكان يدرك ان الحق والعقل الراجح لا يفترقان حين قال
ففيه ينظم المجتمع وينسجم الحاكم والمحكوم، وبه تتحقق مصلحة الامة.
ويقول في مجال تطبيق الحق على الناس دون تمييز
وأياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة، فلا يكون المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء والزم كل منهم ما الزم نفسه فأن
افضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية |
وفي مجال السلطة يقول الامام :
انها وسيلة لتحقيق حكم الله في الارض ونشر العدالة الاجتماعية . |
وقد صدق الامام فالقوانين الا تنفذ الا خوفا من العقاب، ولا سبيل الى ذلك الا بالعقاب والثواب.
وحدد مهام السلطة باربعة ابواب هي الامان والاطمئنان والكفاية والعدل لينعم الجميع بها فهي النهج القويم. ويقول على الحاكم ان يكون منصفا عدلا، فلا كثرة
الناس حولي تزيدني رفعة ولا بعدهم عني تزيدني ذلة، لكن كلمة الحق لم تبقِِ لي من صاحب. يقول الامام الشافعي في كتابه الرسالة بحق الامام علي:
ما هذه المعجزة، لقد ادرك علي الحق بما اراده الله، والعقل مضطر لقبول الحق |
لم يبقِ الامام شاردة وواردة الا وكتبها لعمالة لتحقيق دولة الاسلام الحقة التي جاء بها القرآن وطبقها محمد من قبله، حين يقول لا تكن عبدا لغيرك، فالحرية والحق هما اساس الحكم في
الاسلام.وفي مسألة اموال الدول يقول
(انتم عباد الله والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية بقدر جهدكم وعلمكم وعملكم |
كان الامام (ع) مدرسة فكرية بنظرته الثاقبة في الحكم، وبادارته نرى انه
كان يرى ان مشهدا غريبا يكاد ينطق بصوت الكارثة القادمة وراء حجب الليل البهيم. نعم صدق ما كان في ظنه وحدسه فقد جاء معاوية من بعده ليقلب موازين الحياة عاليها سافلها من اجله واجل
بني امية الذين ساسوا الناس بالظلم والعدوان. وكانت عاقبتهم الذل والخسران.
وختاماً نقول: كان الامام (ع) ملكا في نفسه، متواضعا في مجتمعه، سعيدا في معرفته، فقيراً في عيشه، بسيطاً في حياته، عظيماً في مدركاته، عزيزا في عدله، قديسا قي أيمانه،
مثل النبي في تجرده.
هذه هي ميزة المثل العليا الانسانية الانسان، هذه هي حياة فيلسوف مؤمن بآسمى صور الفلسفة، ولكن من أين يأتي بالذي يريد، كان الموقف صعباً، أدركته الخطوب
وأحاطت به النوازل، وحاصرته الاحداث حتى قال له اصحابه الخلص:يا أبا الحسن لا تخرج الى مسجد الكوفة فالخوارج يتربصون بك الدوائر.فقال لهم بكلمته المعروفة
من لم يستطع ان يواجه الناس عليه ان يتخلى عن حكمهم |
بعده توقفت نظرية الاسلام، حين اصبحت الدولة تحتاج الى سند شرعي لا يعترف بشرعيتها، فكانت كالشجرة التي جفت عروقها وماتت قبل آوانها،
يقول الامام عليه السلام في نهج البلاغه:
عن التوحيد:
| أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ
التَّصْديقُ بِهِ، |
| وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ
تَوْحِيدِهِ الاِْخْلاصُ لَهُ،
|
| وَكَمَالُ الاِْخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ،
لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، |
| فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ
قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ، وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ، وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أشَارَ إِلَيْهِ، وَمَنْ أشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ،
وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ،….
|
|
ويقول عن اهل البيت:
| هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ، |
| يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ،
|
| وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ،
|
| لاَ يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ،
|
| هُمْ دَعَائِمُ الاِْسْلاَمِ، وَوَلاَئِجُ الاْعْتِصَامِ،
|
| بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ فِي نِصَابِهِ ،وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ
عَنْ مُقَامِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ، |
| عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَة وَرِعَايَة،
لاَ عَقْلَ سَمَاع وَرِوَايَة، |
| فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ
قَلِيلٌ. |
|
ويقول عن الحكمه:
| وَالنّاظِرُ بِالْقَلْبِ، الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ، يَكُونُ
مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ:
|
| أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ؟!
|
| فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَليْهِ وَقَفَ
عِنْدَهُ. |
| فَإِنَّ الْعَامِلَ بَغَيْرِ عِلْم كَالسَّائِرِ عَلَى غيْرِ
طَرِيق، فَلاَ يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إِلاَّ بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ، |
| وَالْعَامِلُ بالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ
الْوَاضِحِ،
فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ: أَسَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ! |
|
ويقول عن بني أميه:
| وَايْمُ اللهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ
أَرْبَابَ سُوْء بَعْدِي،
|
| كَالنَّابِ الضَّرُوسِ: تَعْذِمُ بِفِيهَا، وَتَخْبِطُ
بِيَدِهَا، وتَزْبِنُ بِرِجْلِهَا، وَتَمْنَعُ دَرَّهَا، |
| لاَ يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لاَ يَتْرُكُوا مَنْكُمْ
إِلاَّ نَافِعاً لَهُمْ، أَوْ غَيْرَ ضَائِر بِهِمْ،
|
| وَلاَ يَزَالُ بَلاَؤُهُمْ حَتَّى لاَ يَكُونَ
انْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلاَّ مثل انْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ، وَالصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِهِ،
|
| تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ
مَخْشَيَّةً، وَقِطَعاً جَاهِلِيَّةً، لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدىً، وَلاَ عَلَمٌ يُرَى |
|
ويقول عن الظالم:
| وَلَئِنْ أَمْهَلَ اللهُ الظَّالِمَ فَلَنْ يَفُوتَ أَخْذُهُ،
وَهُوَ لَهُ بَالمِرْصَادِ عَلَى مَجَازِ طَرِيقِهِ، وَبِمَوْضعِ الشَّجَا مِنْ مَسَاغِ رِيقِهِ. |
| أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَظْهَرَنَّ هؤُلاَءِ
الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ، لَيْسَ لاَِنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكُمْ، |
| وَلكِنْ لاِِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ،
وَإِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي. |
| وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الاُْمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا،
وَأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي
|
|
سلام الله عليك يا أمير المؤمنين يوم ولدت ويم استشهدت ويوم ترجع حيا، لتملأ الارض عدلا بعد ان مٌلئت ظلماً وجوراً.
Back
to Home