Back
to Subject-Page
الإسلام ونزعة اللاعنف
من كتاب فيه مصادر مختلفه
بقلم الدكتور رضا العطار
ridhaalattar@yahoo.com
عاش الإنسان على وجه الأرض وهاجسه الوحيد هو تحقيق اعلى درجة من الإطمئنان والأمان لنفسه ولأسرته. ووضع لذالك نظاما وقائيا يحمي نفسه من اخطار
الأخرين فكان محور اهتمامه هو الحفاظ على ذاته.
وتجنبا لمخاطر الطبيعة والكائنات الحية ومن ضمنها الإنسان فقد انخرط معها في صراع دائم. ومما زاد من هواجسه هو:
-
عنف الإنسان ضد اخيه الإنسان.
-
وعنف المجتمعات البشرية ضد المجتمعات الآخرى
-
وكذلك عنفه ضد البيئة والطبيعة.
وقد مارس الإنسان وسائل العنف المادي تارة والعنف الفكري تارة اخرى لتحقيق غاياته وبذالك تعرض التطور الحضاري والقيمي والتقني نتيجة لهذه الممارسات
الى الدمار. وفي كل الحالات استخدم الإنسان الإستياء كمدخل مهيأ لممارسة العنف.
والتاريخ حافل في استخدام الإنسان اغرب اساليب العنف سواء على مستوى الفرد او الدولة. وان ما يثير الدهشة هو ان صورة العنف اصبحت اكثر شدة رغم ان دعاة السلم
يدعون الإنسان الى الركون للعقل. وقد دعا الدين الإسلامي دعوته الى اللاعنف فكانت لها قواعدها واصولها في سلوك التطبيق ضمن حدود القانون، وقد دخل مصطلح العنف
في مفهومه مناحي شتى.
فالقانون ينظر الى العنف من زاوية والإقتصاد ينظر اليه من زاوية اخرى وعلم النفس من زاوية متميزة. فالعنف هو
لغة التخاطب الأخير لدى بعض الجماعات بعد ان تترسخ لديهم القناعة في عدم جدوى اقناع الخصم. انذاك يلجأون الى استعمال العنف اعتقادا منهم انه سيوصلهم الى تحقيق اهدافهم.
يمكن القول ان مصطلح العنف قد استعمل رسميا اول مرة بمفهوم سياسي ابان الثورة الفرنسية ومورس من قبل رجالها من امثال – روبسبير – الذي كان يرى في استخدام القتل ضد الطغاة من رجال السلطة
المستبدة ومن والاهم شرعية ثورية. فكان يصدر هو ومن معه احكامهم عن اقتناع تام بأنهم يمثلون وجدان الشعب، ويرون ان ارادتهم كانت كافية ان تكون بمثابة المحكمة والقاضي والقانون والسلطة
التنفيذية.
تفسر ظاهرة العنف بخمسة نظريات.
النظرية الأولى تؤكد على التحليل النفسي لسلوك العنف في ايذاء الغير او ايذاء الذات عن طريق العنف العضلي او العنف الفكري. وحسب راي العالم
النفساني المعروف فرويد ان الإنسان يسلك وفق غريزتين
فاما يتمثل في عمليات الهدم والكراهية والعدوانية تجاه نفسه فيتولد منها تدمير الذات بتعاطي المخدرات او
بالإنتحار او يتولد منها الرغبة في تدمير المجتمع من خلال اعمال العنف والإغتصاب والجريمة. وهذه النظرية بدورها تنحصر في ثلاثة نقاط.
-
فأما ان يكون احساس الفرد بالدونية
-
وكون ان المجتمع يحتقره
-
او باعتقاده بان حياته مهددة بالهلاك
فيختل توازنه النفسي والإجتماعي ويتلاشي عنده التزامه بمبادي الأخلاق او احساسه بالإحباط الذي وقع له في ماضي الزمان.
والنظرية الثانية تقول ان سلوك الإنسان مكتسب يأتي عادة عن طريق المعاشرة خلال حياته.
والنظرية الثالثة التي اكتشفها الباحث النفساني ماسلر تؤكد ان سلوك الإنسان يصبح عدوانيا اذا افتقد احدى متطلباته الأساسية في الحياة وهي حاجة
الأكل وحاجة الأمان وحاجته للقبول الإجتماعي وحاجته لإحترام الأخرين واخيرا حاجته للإبتكار.
اما النظرية الرابعة فتتعلق بالجانب الديني والمعروف ان
المصطلح العنف لامكان له في القران الكريم
هكذا تتجلي ارادة الخير في الإسلام الذي يدعوالناس الى نبذ العنف والتوجه الى عبادة الإله الواحد بغية توحيد الصف والكلمة والإرتباط بعقيدة واحدة التي تجعلهم متأخين في علاقاتهم
الإجتماعية وبالتالي سعداء في حياتهم اليومية، لكن لم تتحقق هذه الأماني كما ينبغي وذلك بسبب اختلاف المذاهب العقائدية حتى ان الإنسان بدأ يعادي اخاه الإنسان لمجرد انه يخالفه في المعتقد
وكانت السياسة هي الحطب الجزل لنيران تفرقه واختلافه كما عبر شاعر البشر ابو العلاء المعري هذه الحقيقة المرة قوله
:
ان الشرائع القت بيننا راصنا وعلمتنا افانين العداوات
اما النظرية الخامسة فأنها تتعلق بالسياسة التي تعترف بعنف الدوله المنظم وبالمقابل يتخذ العنف ضد الدولة شكل
التمرد والعصيان وحرب العصابات لدى بعض الأحزاب المعارضة التي تنظر الى العنف الوسيلة الفعالة لتحقيق مطامحها او في تغيير بنية الحكومة القائمة او تغيير نظامها السياسي.
اما دوافع العنف فتكون اما شخصية او سياسية او اجتماعية او اقتصادية.
فالدوافع السياسية تقول ان الدولة تستعمل اسلوب العنف لإخضاع جماهير الشعب اذا تمردت لكنها تتهم شعبها بالإرهاب اذا استعمل اسلوب العنف ضدها لبلوغ اهدافه ولذا يعتبر العنف معيار سياسي ذو
بعدين فهو قابل للتأويل في الإتجاه الإيجابي او السلبي.
اما بالنسبة الى الدوافع الإجتماعية فالإنسان يتأثر بمحيطه مثلما يتأثر بسلوك مجتمعه الذي يرسم ويحدد له اطر الحياة وهذه تكون عادة عبارة عن مجموعة معايير وقواعد سلوكية يستعملها الإنسان
في تعامله مع الآخرين فهناك استراتيجيات كالفروسية والقسوة المتناهية والتحمل الشاق اثناء التدريبات العسكرية تجسد امامهم صورة العدو المفترض وتهيئهم للإنقضاض
عليه وتدميره والملاحظ ان مثل هذه المظاهر العنيفة ظهرت في بعض الثقافات الرسمية بشكل واضح، كحالة المانيا النازية خلال الثلاثينيات من القرن الماضي.
اما الدوافع الإقتصادية فأنها تؤكد على الإقتصاد السليم وتأثيره الإيجابي في تنشاة الشباب نشأة صالحة وجعلهم قادربن على ان يبنوا مجتمعا قويما قويا على عكس المجتمع الهزيل اقتصاديا الّذي
يحطم طموح الشباب عن طريق تفشي البطالة بينهم، ولا يخفي ما للبطالة من اثار مدمرة على سلوك الشباب العاطلين عن العمل فهم معرضون دائما للإنخراط في عصابات التخريب كالسرقة والسطو المسلح.
لا يخفى ان الإسلام عندما تعامل مع القوميات الأخرى كالقومية الفارسية والتركية والأفغانية تعامل مع مجتمعات
متباينة سبقت في تكوينها الدعوة الإسلامية فلم يحاول الإسلام ان يلغي هوية هذة الحضارات الوطنية عن طريق العنف السياسي انما استعمل معها اسلوب المسامحة واللين وتمكن بذلك من تنقية هذه
المجتمعات من عصبياتها القومية ودفعها بإتجاه الرقي الحضاري السليم.
كان العرب قبل الإسلام عبارة عن قبائل متناحرة تخلو قلوبهم من الرأفة والرحمة لكن عندما جاء الإسلام وتمكن من غرس العادات الحميدة في نفوسهم بدوا يبتعدون تدريجيا عن اساليب العنف، وتحلوا
بروح الوفاق والتعاون وعندما وصل الرسول الكريم الى مدينة يثرب وجد قبائل الأوس والخزرج في عراك دائم فشرع في لم شتات القبائل المتخاصمة رغم تلوناتها في العادات والتقاليد وجعلهم ضمن
اطار المجتمعات البشرية المتسالمة. فقد تجاوبوا واطاعوا بعدما سمعوا واستوعبوا احاديث الرسول التهذيبية وبذلك ارتقوا واصبحوا بمرور الزمن اكثر نضجا وتحضرا، فلا غرو ان تصالحوا وتحابوا
وتركوا عاداتهم البالية التي ورثوها من زمن الجاهلية وتحلوا بالعادات الحسنة، كانت النتيجة ان عمت المؤاخات بين المهاجرين والأنصار في يثرب في عملية تصالحية،
جرت في جو من اللاعنف لم يعرف التاريخ لها مثيلا.
كانت الحالة الإجتماعية في المجتمع البدوي في ماضي الزمان حالة مأساوية حيث كان الأعرابي يرى كل من لا ينتمي
الى قبيلته فردا اجنبيا ينظر إليه بعين الشك الريبة، لكن النبي الأكرم فرض على الأعراب ان يتخذ كل فرد في قبيلته اخا له من قبيلة اخرى لأن المسلمين اخوة في
الدين. وعلى اثر ذلك لانت قلوبهم ونبذوا العنف بعدما كانت قاسية كقسوة رمال الصحراء. فقد اعطت خطب النبي في مكارم الأخلاق ثمارها في سطوع روح المحبة والوئام
بين المسلمين مما حدا بالرسول –ص- ان يطلق اسم الطيبون على مجتمع يثرب.
اما في مجال العدل الإجتماعي ومايمتلكه من مفصل هام في اثره اقول ان العدل الإجتماعي هو جوهر الدين الإسلامي ومحاوراته في الإيمان والتوحيد قد جعل العدل التشريعي توالدا من صفة الله
تبارك وتعالى، وانطلاقا من هذا المفهوم بدأ المهاجرون والأنصار في المدينة المنورة يساعد بعضهم بعضا بالغذاء واللباس حتى وصل الأمر ببعض الأنصار ان طلق بعضهم
زوجته الثانية وزوجها من احد المهاجرين القادمين من صحراء مكة.
بهذة الروح الفياضة غرس الرسول الأعظم بذرة الإشتراكية الإسلامية الحميدة في نفوس افراد القبائل، فقد بدأها بنفسه حيث كان يوزع ما عنده علي المحتاجين طبقا لمبدأ المساوات، وقد كتب شاعر
النيل احمد شوقي في نهج البردة عن هذه النزعة الإنسانية قصيدة، مطلعها –
ولد الهدى فالكائنات ضياء - ثم يردف قائلا انصفت اهل الفقر من اهل الغني فالكل في حق الحياة سواء - ويختمها بعبارة - الإشتراكيون انت امامهم -.
اقول لو نظرنا الى خارطة البلدان الإسلامية في القارات الثلاثة اسيا وافريقيه واوربا والتي تمتد من جزر
الفيليبين شرقا الى المغرب العربي غربا نلاحظ ان نفوس
المسلمين في هذه الممالك التي دخلها الإسلام عن طريق اللاعنف تعد بمئات الملايين بينما لايتجاوز تعداد المسلمين في المملكتين، العراق ومصر التي دخلهما الإسلام عن طريق الفتوحات الحربية
بعشرات الملايين في الوقت الحاضر، هذا يعني ان الدعوة الإسلامية عموما انتشرت عن طريق السلم وليس عن طريق العنف كما يزعم اعداء الإسلام. لقد كان السبب المباشر في نجاح الدعوة الإسلامية
خلال القرن السابع الميلادي هي السياسة السلمية التي انتهجها الرسول الأعظم في التطبيق العملي للثوابت القرأنية بعيدا عن اساليب العنف وليس بمستغرب ان لا نجد مصطلح العنف وارد في القرأن
اذ انه لم يذكر فيه قط
لم تكن المساجد الإسلامية في صدر الإسلام مجرد مكان للعبادة انما كانت بمثابة برلمانات شعبية كذلك، حيث كان المسلمون بعد اداء صلاة الجمعة يتداولون فبها شوؤنهم العامة ويصدرون القرارات
الصائبة التي كانت تطبق على ارض الواقع بقوة القانون فقد كانت روح الديمقراطية سائدة في المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام فلا عجب اذا كان المجتمع الإسلامي انذاك متسما بالتألف والتأخي.
دعونا نستعرض العالم الحديث لنرى كيف ان الأحزاب السياسية تعلن عن برنامجها الديمقراطي قبيل الإنتخابات لكنها
تتحاشي التطبيق العملي بعد الفوز بالأصوات لهذا السبب تظهر الخصومة بين الشعوب
المستائه والحكومات المنكثة لعهودها وقد تتطور هذه الخصومة الى اضطرابات سياسية
تستعمل فيها شتى اساليب العنف لقمع الجماهير.
لقد اتي الإسلام بالسلام فالسلام نموذج من التشريع الديني الخالص يخص مبدأ اللاعنف فالتحية رمز السلام عند المسلمين
عنوانه التقارب الإنساني الذي يفتح باب التعارف والتواصل وقد يتطور الى اوثق الصلات الإجتماعية فليس هناك وسيلة اضمن لبقاء الشعوب وديمومتها من انتهاجها سياسة اللاعنف والا فالتاريخ يشهد
كيف ان البلدان التي اتسمت سياستها بالعنف والدكتاتورية كالإمبراطورية العثمانية قديما والإتحاد السوفياتي حديثا تهاوت مع مرور الزمن وزالت.
لقد اكد الإسلام في تشريعاته على مفهوم اللاعنف كما ورد في القرأن الكريم –يا ايها الذين امنوا ادخلو السلم كافة. كما اعتبر الإسلام التحية اشارة ايجابية للسلم والصداقة بين ابناء البشر
مثلما جاء في سورة ابراهيم –تحييتهم فيها سلام.
ففي كثير من الأيات القرأنية تأكيد على ضرورة التزام الإنسان بهذه الصفة الجليلة التي تعتبر من جوهر مكارم الأخلاق.
يعيرنا الغرب المسيحي مدعيا ان الإسلام لم ينتشر الا بحد السيف.
واني اوجه كلامي الى المتتبعين لتاريخ الأديان واقول: ان نبينا محمد (ص) لم يخطر بباله يوما ان يفرض الإسلام على الأخرين بطريق العنف، لكن خليفة المسلمين من بعده عمر بن الخطاب (رض)
اضطر الى خوض معركتين متتاليتين في العراق عام 636 وفي مصر عام 639 م بسبب التهديدات التي كان يطلقها يزديجرد ملك الفرس على الدولة الإسلامية الفتية بإحتلال
الأراضي العربية في اليمن وما جاورها من الممالك التي كانت قديما تحت سيطرتهم واستعادتها بالقوة العسكرية. فما كانت الفتوحات الإسلامية الا ردة فعل لتلك
التهديدات واحترازية للدفاع عن النفس ضد الأخطار الخارجية، طبقا للأية الكريمة : كتب عليكم القتال وهو كره لكم.
بينما اباحت المسيحية لنفسها عام 1182 م بأقتراف ممارسات عنفية فظيعة بحق ملايين الأبرياء من السكان الأمنين يندى لها جبين الإنسانية عندما اصدركل من البابا امينو شنسيوس الثالث والبابا
غريغور بوس امرا بابوية الى حكام المقاطعات في العديد من البلدان الأوربية يقضي بقتل وحرق الملايين من مواطنيها لإمتناعهم قبول الديانة المسيحية. بعد كل هذا
اتسائل: اي من الديانتين انتشر عن طريق النار والسيف، الإسلامي ام المسيحي؟؟.
لقد كان هدف الحرب في الإسلام الدفاع عن المظلومين سواء أكانوا مسلمين او غير مسلمين ولم تستخدم الحرب يوما ضد المجتمعات التي يسودها نظام العدل الإجتماعي سواء كانو مسلمين او غير مسلمين
ومن هنا يفهم ان فكرة غزو المجتمعات بغية اجبارهم على اعتناق دين الإسلام لم يكن من روح الإسلام في شئ.
اما الغزوات الداخلية فكانت ضد القبائل العربية التي كانت تصر في البقاء على عقيدتها الوثنية او انها كانت تصد غيرها من دخول الإسلام ولهذا كان النزاع المسلح الداخلي لا بد منه.
نعود الى موضوعنا في حل مشاكل البشر
بإسلوب اللاعنف اقول ان الكثيرين لم يستوعبوا بعد قصة الصراع بين الأخوة هابيل وقابيل المذكورة في القرأن الحكيم
بإسلوب
متقدم في حل مسألة الصراع الإنساني وكيف ان قابيل قتل اخاه هابيل، علما ان هذه القصة تحمل في ثناياها فكرا لازال الإنسان بعيدا عن ادراك فحواها الإنساني السليم فبقدر ماكان هابيل سمحا
مسالما كان اخوه قابيل صلفا وعنيفا.
لقد ابدى المؤرخ الأمريكي المعاصر ميشيل هاملتون مورغان عام 2007 اعجابه الفائق بسياسة
اللاعنف للإمام علي ابن ابي طالب خليفة المسلمين خلال العقد الثالث
الهجري في كتابه -lost history - خاصة بعد ما اطلع على الرسالة التي بعث بها الإمام الى مالك الأشتر واليه على مصر، طالبا منه ان يفضي رعايته على الطوائف
غيرالمسلمة كالنصارى واليهود ويعاملهم بالحسنى، فان النصارى واليهود هم نظائرنا في الخلق وعليك ان تنظر
إليهم كنظرك الى المسلمين،
فهم متساوون في الحقوق والواجبات وعليك ان تجعلهم يشعرون بالسلم والأمان في ظل دولة الإسلام حتى يعلموا ان تعاليم الإسلام هي خير ورحمة جائت لجميع ابناء البشر بصرف النظر عن معتقداتهم
وجنسهم ولغتهم فكل الشعب في حق الحياة سواء. وقد وصف المؤرخ الأمريكي مورغان الخليفة الإمام علي نموذجا للحاكم المسالم العادل ليس له مثيل في تاريخ الإنسانية.
حقا ان اسلام الإمام علي كان اسلام العدل والسلام، اسلام التألف والتأخي بينما غدا اسلام البعض في الوقت الحاضر غير ذلك، ففي القرن التاسع عشر ظهرت في قلب
العالم الإسلامي فئة ضالة تهاجم نصوص قرأن الإسلام وتروج لإسلام الشرك وتمارس الأعمال الإرهابية الشنيعة وتقترف جرائم العنف الدموي في كل مكان، شعارهم الحقد والكراهية تجاه جميع الفرق
والملل اسلامهم هو اسلام الحادي عشر من ايلول، اسلام 11\9..
في موضوع الصراع هناك نظريتان:
تقوم الأولى على رد العنف بالعنف بل بأشد منه، هكذا كان شأن الإنسان منذ فجر التاريخ
وتقوم النظرية الثانية على عدم رد العنف بالعنف بل
بإطفائه بالحوار واللاعنف كما تجسدت في الزعيم الهندي غاندي، الذي
تمكن عن طريقها ان ينتزع الإستقلال الوطني لبلاده من الإمبراطورية البريطانية عبر نضال شاق طويل في منتصف القرن الماضي.
ومن المعروف ان يكون النموذج العنفي اسهل وقد يعطي في حالات نادرة بعض النتائج المرجوة فالعنف المضاد يلجم العنف الأول وهي النظرية التي يقوم عليها العالم
اليوم
تحت فكر الردع المتبادل الذي بدأ يفكر في تغيير سيرته تدريجيا بعد التجارب المريرة التي مرت به،
فاسلوب العنف اسلوب عقيم ولا يفضي الى حل المشاكل بل يفاقمها
ويدخلها في دوامة العنف الأشد فالعنف يولد العنف والعواطف تولد نظائرها فالشر يخلق الشر والدم يهيج الدم والحقد يزرع الحقد والضغينة تخلق الشرور والإستياء يثير الكراهية وهكذا فمسلسل
الرعب المتبادل يجعل الطرفين على استعداد دائم لخوض النزاعات المسلحة على نطاق واسع سواء على مستوى الأفراد او على مستوى الدول. ان
اسوأ سلاح استعمله الإنسان
في تاريخه المعاصر هو السلاح النووي.
فبعد القاء القنبلين الذريتين على
اليابان عام 1945 بسنوات قام فريق من اكثر من خمسمائة من المفكرين والأدباء من ابناء شعوب الأرض الواعية وعلى رأسهم الفلاسفة
برنالد روسل من انكلترا وفراسوا مورياك من فرنسا بتقديم طلب الى هيئة الأمم المتحدة للعمل على الغاء الحروب واعمال العنف في العالم.
لقد وصل التسابق في تخزين هذا السلاح الفتاك من قبل الدول العظمى في القرن الماضي حدا يصعب تصوره، فمثلا كانت ترسانة السلاح الذري عام 1962 في الولايات المتحد الأمريكية تساوي الى ما
يعادل طاقته التدميرية الى 35 مليون طن من مادة تي ان تي والى 20 مليون طن من نفس المادة لدى الإتحاد السوفياتي.
لقد غدت صرحات واحتجاجات شعوب العالم واقلام مفكريهم في وقف نهم التسلح او نزعه لا تجدي.
ويذكر لنا التاريخ ان القيصر الروسي نيقولاي الثاني هو اول من نادى الى نزع السلاح بعد انتهاء الحروب النابليونية عام 1798 فقد احتلت مقترحاته البناءة الصدارة
في الصحف العالمية يومذاك ترمي الى اقامة نظام متزن في العلاقات بين الدول الأوربية يقوم على المبادئ المسيحية. كما دعا مندوب هذه الدول عقد مؤتمر في لاهاي
لعقد معاهدة لنزع السلاح اعقب ذلك مؤتمر اخر عام 1907 كانت قراراته تؤكد على ان خوض الحروب بين الأمم يجب ان يكون اقل عنفا، هذا ما يقوله جوزي كامبليري في ازمة الحضارة.
ان اطلاق الصرخات والإحتجاجات من قبل الشعوب
وبالأخص مفكريهم وادبائهم والإصرار على نزع السلاح ما عاد يجدي.
فصيانة الإنسان من الدمار اضحت مسؤولية انسانية تقع على عاتق اهل الفكر كي يسعوا الى توطيد حياة لبني البشر تتسم بطابع اللاعنف والطمأنينة والسير به نحو مصير اكمل، هذا ما يقوله توفيق
الحكيم..
يعتبر الفيلسوف الألماني نيتشه ان تسلح الدولة وبناء وزارة دفاع يكمن في طياته سوء نية لدى الأخرين فهي تتوقع
منها هجوما في يوم ما ولهذا تأخذ الحيطة للدفاع عن نفسها لكن هذه الفكرة ليست مقتصرة على جانب واحد فعندمالايطمئن الإنسان الى نوايا جاره يسعى الى اخذ الحذر
للحماية منه وعندما يضع الطرف الأول يده علي السلاح يتحرك الطرف الأخر
آلياً ويضع يده على السلاح ايضا
وهذا يعني ان الطرفين قد استعدا بنفس قوة
التهييئؤ النفسي للدخول في الحرب.
لقد غدى العالم اليوم متكون من شريحتين الأولى متقدمة متحضرة تملك العلم والمال والتكنولوجيا وتوقفت عن حل مشاكلها عن طريق الحروب وبالأخص الدول الأوربية دعونا
نقارن سياساتها العسكرية في العصور القديمة مع تلك التي تلت بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة لنستخلص منها الدرس والعبر ونورد المانيا وفرنسا كمثال واللتان خاضتا في الماضي اربعة حروب
طويلة دامية مدمرة خلال قرن واحد فقط. انهما دخلتا في تحالفات مجدية كانت مسألة نبذ الحروب في مقدمتها وكان المستشار الألماني اديناور هو اول من وضع توقيعه عليها.
اما الثانية فهي تلك الشريحة المتخلفة التي لم تفهم طبيعة العالم المتحضر بعد، فهي لاتزال تؤمن بالحروب وتكدس السلاح وتكدس، ومن المضحك ان عائدات هذه الحروب التي يخوضها الصغار تعود في
النتيجة الى جيوب الدول الصناعية الثمانية الكبرى التي تجهز لهم السلاح والملاحظ ان هذه الدول لم تقدم الدعوة لإحدى الدول الإسلامية لحضور المؤتمر العالمي الذي انعقد في كولورادو في
الولايات المتحدة الأمريكية عام 1995 لا وحتى بصفة مراقب... ألم تكن هذه الأشارة دلالة مهينة لمكانتنا في العالم.
ان هذه الحقيقة المزلزلة لم يفهمها سياسيو العالم الثالث بعد فهم يظنون ان السلاح سوف يحل مشاكلهم وهم في الواقع واهمون. يرهنون مصائر شعوبهم عند الأجنبي ويضعون اموالها تحت رحمته الذي
لا يعطيهم السلاح الفعال يساعدهم على كسب الحروب.
ان الأموال الطائلة التي تهدرها بعض بلدان العالم الثالث ذات الإقتصاد الهزيل لشراء السلاح سنويا تؤثر تأثيرا سلبيا وضارا على مستوى المعيشة و صحة وثقافة شعوبها الى درجة تكون في بعض
الأحيان غير قادرة على تجهيز تلامذة المرحلة الإبتدائية حتى بالقرطاس.
الكبار يفهمون هذه اللعبة ويتمنون لها ان تستمر الى ما شاء الله.
لقد اصاب الرئيس الأمريكي الراحل ايزنهاور عين الحقيقة حين قال - يجب ان نعلم انه ليس هناك من بديل للحوار على طاولة المفاوضات الا الإنتحار-
وفي هذا السياق استذكر قصة اللص والنجار الطريفة والمفعمة بالمعنى ففي غفلة من النجار سرق اللص باب داره حملها
على كتفه وهرب لكن النجار بقى يطارده حتى لحق به وهنا بدأ يطرق الباب مناديا افتح افتح. وهكذا
فإن المنطق غالبا لاينفع البليد في فتح
باب عقله المغلق..
اذا فاسلوب اللاعنف هو الأسلوب المفضل حيث انه لايعتمد على المراوغة والتكتيك ولا يعني ان انصار اللاعنف جبناء بل بالعكس انهم هم العقلاء انهم يخلقون الجو
الصحي للتنافس الإنساني الإيجابي ولا يبغون تحطيم الخصم والغاء ارادته بل يريدون الحفاظ على كيانه فالعالم فيه متسع للجميع ومن كان له اذنان للسمع فليسمع ويتعظ.
وختاما انقل اليكم الحوار الذي اجراه نبي الله موسى من على جبل طور مع خالقه حسبما ورد في القرأن الكريم يتشكى فيه من تصرفات فرعون حاكم مصر الذي
قال لقومه - يا أيها الملأ ما علمت لكم من اله غيري فأوقد لي يهمن على الطين فأجعل لي صرحا لعلي اطلع على اله موسى واني لأظنه من الكاذبين -(سورة القصص) فأجابه ربه – اذهب الى فرعون انه
طغى -.(سورة طه) قال موسى – ربي اشرح لي صدري ويسر امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي واشدد به ازري واشركه في امري كي نسبحك
كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا – فأجابه ربه - ان فرعون علا في الأرض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابنائهم ويستحيي نسائهم انه كان من المفسدين.
من الواضح ان مكنونات هذه الأية الكريمة لا تعكس السلوك العنفي لفرعون حاكم مصر القديمة وحده فحسب انما تعكس كذلك سلوك معظم حكام المسلمين الذين يمارسون سياسة العنف مع شعوبهم ماضيا
وحاضرا – وكان طاغية العراق في القرن الماضي اكثرهم عنفا واستهتارا و مفردات هذه الأية الصريحة تفصل جرائم جبابرة التاريخ بشكل واضح و بسيط.
-
فعبارة علوا في الأرض اي اصبحوا طغاة في الأرض
-
وعبارة جعل اهلها شيعا اي فرقوا بين ابناء الشعب
-
وعبارة يستضعف طائفة منهم اي يضطهدوا ابناء الشعب
-
وعبارة يذبح ابنائهم اي يقتل ابناء الشعب
-
وعبارة ويستحي نسائهم اي ينتهك اعراض النساء ثم يقتلهن
-
وعبارة انهم كانوا من المفسدين مفهومة
فنظام الطاغية كان احد اشد الدكتاتوريات وحشية في العالم في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية التي شملت اشعال الحروب والقتل الكيفي ودفن الأبرياء في مقابر جماعية في جنح الظلام واثارة الخوف
والفزع في نفوس المواطنين طيلة خمسه وثلاثون سنة.
وفي الأية القرأنية التالية تجد اسلوب اللاعنف في موضع الحسنات واسلوب العنف في موضع السيئات كقوله تعالى -
من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين عملوا السيئات الا ما كانوا يعملون.
المصادر
القرأن
الكريم
حيدر البصري- العنف بين الشريعة والقانون – مجاة النبأ الأعداد 67،68.لسنة 2002
سعد الأماره – العنف واللاعنف اديان ومذاهب واتجاهات – المصدر السابق
فاضل الصفار – ظاهرة العنف ولإرهاب اسبابها وعلاجها – المصدر السابق
مرتضى معاش – حركة النهضة والإصلاح اللاعنف طريقنا – المصدر السابق
سمير الكرخي – العنف، المفاهيم والمصطلحات – المصدر السابق
حيدر الجراح – التكاليف الباهضة للعنف – المصدر السابق
ميشيل هاملتون مورغان في تارخ ضائع مكتبة الكونغرس، واشنطن 2007
مقتطفات من محاضرة القاها كاتب المقال في مركز دار السلام في ولاية فرجينيا حول اثر الأسلام على الحضارة الأوربية
رأى صاحب المقال
جوزيف كامبليري –في ازمة الحضارة، ترجمة فيصل السامر بغداد 1984
طنطاوي جوهري في الشرق والغرب القسم الأول ص 438 لمؤلفه
محمد كامل الخطيب دمشق 1991
علي عرسان في المثقف العربي والمتغيرات ص 271 مكتبة الأسد دمشق 1995
Back
to Home