الإسلام وحقوق المرأة
من كتاب فيه مصادر مختلفه
بقلم
الدكتور رضا العطار
ridhaalattar@yahoo.com
ان الشواهد التاريخية والمواقف المشرفة للمرأة بدأت تغيب تدريجيا بفعل الفكر التسلطي للرجل في انحاء متفرقة من العالم ومنها عالمنا العربي الذي يهدف الى سلب شخصية المرأة
وتقزيم دورها واقناعها بأنها ضعيفة متخذا من بنيتها الجسدية دليلا ليدفعها الى احلك زوايا المجتمع فارضا عليها تصوراته الظلامية بهدف تحويلها الى ضحية.
انها عملية تزييف انتجها العقل البشري المتخلف، هذا العقل الذي ينظر الى المرأة كجسد واهن يتغافل عن حقيقتها كأنسانه وهكذا دأبت المجتمعات الجاهلة على طمس شخصية المرأة بحجة انها غير
قادرة على فرض التغيير ورسم المستقبل. لكن المرأة الجريئة تحاول بين الحين والأخر الوصول الى الخطوط الأمامية لتعلم مجتمعها بموقعها الثقافي وبمعالمها الأصيلة لتثبت للعالم بأن هذا
التصور الخاطئ ما هوالا ظلم وضلال
يعيش اليوم في عالمنا الحاضر اكثر من مليار انسان غالبيتهم من النساء دون خط الفقر لا يلقون العناية في حاجياتهم الحياتية الأساسية كالغذاء والدواء والمأوى والتعليم، يرزخون تحت ثقل
التقاليد الإجتماعية والدينية المتزمتة التي تقيد من حرياتهم الشخصية الى حد بعيد، وفي الوقت الذي تنتج المرأة ثلثي الغذاء في العالم الا ان نصيبها ليس اكثر من واحد في المئة من الثروة
الكلية.
جاء في الحديث الشريف –النساء شقائق الرجال– فدورهما واحد، وانهما شريكان في صنع مجد الإنسان فلا تقدم الإ بتظافر جهود المرأة
والرجل معا، كما ان تردي المرأة ليس هوترديا لها فحسب انما هوتردي للرجل ايضا ومن الصعب ان تجد مجتمعا يعيش الرجال فيه سعداء بينما يترك مجتمع النساء متناسيا.
فالحرية اذا هي ليست التحرر من الظلم القديم للوصول الى ظلم جديد.
كما ان الحرية ليست مجرد تحرير المرأة من العمل في الحقل وانتقالها الى العمل في المعمل انما يكمن جوهر التحرير في اعادة المرأة الى فطرتها وقيمها الإنسانية لتستعيد عزها وكرامتها حتى
تتمكن من ان تظهر حقيقة شخصيتها والتي بحضورها الفاعل يصبح بإمكان الرجل ان ينعم بحياة افضل.
ان الوصف التقليدي يقول ان المرأة تشكل نصف الرجل، لكنني اقول ان الزوجان كطائر ذوجناحين وان الطير لا يمكنه الطيران بجناح واحد، فالمراة هي منبت الوجود الإنساني وجوهر الذات البشرية
ومستودع التكوين الأدمي تزوده بأسباب البقاء والنماء والإستمرار وبالتالي فهي سحر الصيرورة وهي ليست فقرة عابرة في مشوار الحياة، فالحياة تتواصل بها وهي تتصل بالحياة على نحوناشط ومصيري
ومن هنا لا نستغرب ان تكون كلمة الأم ذات اصالة مرجعية. انها منبع التعليل والتفسير. والأم امرأة قد اكتمل أدائها الرسالي العظيم للنهوض بأعباء الحياة. لكن المهم هي هوية ومضمون هذا
النهوض بشكل عام. وفي تصوري ان عوامل نهوض المرأة تتحقق بتحريرها من اوهام النظرة الضيقة، فهي ليست مرهونة لأداء دور موقت لوظيفة معينة انما هي معادلة للنشأة الإنسانية الشاملة
وقد جاء
في الأية الكريمة :
– انا خلقناكم من ذكر وانثى لتعارفو– فهنا خير شاهد للتأكيد على تعاون الرجل والمرأة بغية تحقيق طموح الإنسان وكينونته. وبهذا فأن كل منهما يمثل مكانة توازي نظيرها وتساوي قيمتها والا
لما جاء الخطاب بهذه الصيغة المتكافئة
ان المرأة ليست معادلة موضوعية للرجل انما هي الحاضن الطبيعي له، فهي بذاتها تعوضه بلطفها وحنانها الذي يفتقده الرجل في حياته اليومية القاسية وظروف عمله المضنية.
والأية الكريمة التي
تقول –ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنواليها– خير دليل. فالمقصود هنا هوالعودة الى الذات واسترداد الزوج احساسه بالوجود، هذا الإحساس الذي يتبلد احيانا نتيجة انصهار
الزوج في عالم المادة واللهاث ورائها وبالتالي انصرافه عن واجباته تجاه زوجته، فالعودة الى الذات هوالعنوان الحقيقي للإنسان.
وهكذا فإن الأية تعالج التكافل العملي المتبادل اللازم لإستقرار الحياة الزوجية بهدف التمتع بفضائلها المبنية على دعائم مكارم الأخلاق، وبطبيعة الحال لا يمكن ان يتحقق كل ذلك الا
بالتعاون المثمر من قبل الزوجين.
فالمضمون هنا لا يعني امتيازا حقوقيا انما الزاما اخلاقيا من جانب الزوج بأن يكون واسع الصدر سموحا ودودا، وهذا الشعور عنده ينبغي ان ينبع من وعيه بأهمية الدور الخطير الذي تلعبه الزوجة
في امتداد حياته الطويلة، فهي الحاضن الحقيقي لشخصه الذي يعيد اليه هويته الإتسانية وفضله الرجولي.
انه ليس احتضانا حسيا اوبيولوجيا فحسب انما احتضان لجوهر الحياة بكل معانيها، انها تستقبله كملجئٍ روحي وعاطفي وجسدي، يشعر من خلالها بالراحة بعد التعب وبالقوة بعد الضعف وبالإصالة بعد
الضياع وبالأمن بعد الخوف، وما على الزوج الا ان يستوعب الفارق الكبير بين حالته النفسية وهويمارس عمله سواء كان داخل السوق اوفي الدائرة اوفي المصنع وبين ماهوعليه وهووسط اسرته مغمور
بالجوالروحي الزاخر بالدفئ السار الحميم.
جاء في الكتاب الحكيم – الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم
– ان القيمومة الواردة في هذا النص تؤكد واجبات الزوج ازاء زوجته، والمعنى العام ان
الزوج قيم على الزوجة بما يجب عليه من انفاق ورعاية وحرص وحماية وليس المقصود من القيمومة هوالتعسف والقهر والجبروت والتسلط. ان القيمومة في معناها هي المسؤولية بخلاف ما هوشائع في
الوسط الغير. لقد اصبح من حق المرأة ان تشتغل وتكسب وتشارك المجتمع في اغلب الأمور الحياتية، وان مسئلة ادارة الشؤون البيتية
كالطبخ والتنظيف والرضاعة امور غريزية تمارسها الزوجة طبقا لطبيعتها الإنسانية وانعكاسا لرغبتها ورضاها.
ينحصر حق الزوج على الزوجة في نقطتين اساسيتين.
الأولى حق الإستمتاع والثانية حق المساكنة، وكلا الحالتين يخضعان لضوابط اخلاقية معلومة مدونة، فالإسلام لا يجعل الإستمتاع حقا محصورا بالإرادة الذكورية فالرغبة الجنسية هي ليست خاصية
مقتصرة على طرف واحد بل انها تشمل الطرفين والمفروض على الرجل ان يراعي هذا الحق المشترك بمزيد من العناية والا
فإنه يظلم الزوجة.
فالمضاجعة الزوجية علاقة عاطفية محضة ينظر اليها بقدسية، وهي بنفس الوقت عملية مادية بكل تفاصيلها وحيثياتها فاذا تمت وفق الضوابط الأخلاقية اتخذت طابعا روحيا، حيث انها تبدأ بالمداعبة
والحس الرقيق واثارة المشاعر الصادقة وتنتهي بالكلمات الودودة، انها رغم ماديتها الملموسة الا ان الاسلوب المهذب بلورها وسمى بها، صحيح انها كانت شهوة عارمة لكنها تعطرت بعبير مفردات
غزلية فواحة اتسمت بميسم الادب الرفيع حركت الاشواق وتحولت جذوتها الى رحمه، اما اذا تجردت هذه الممارسة العاطفية من قيمها المعنوية المأطرة بصفاء التناغم والمحبة وحاول احد الطرفين
الإستحواذ على الأخر بالقوة العضلية اوبإعتبار اخر حينذاك تحولت الى انانية وافتراس وانعدم فيها منطق المشاركة وانطفئت فيها شمعة الأخلاق.
أما بخصوص حق المساكنة فهي ضرورة ملازمة
لإدامة شؤون الأسرة لكنها لا يعني الحجر البيتي القاتل لأن المرأة لم تخلق للبيت فقط انما خلقت للحياة، والحياة اوسع مفهوما من نطاق البيت
بالمعنى التقليدي لآنها تفضي على المرأة الأنوثية الحقيقية.
ومن اجل النهوض بالمرأة في المجتمع عليها ان تلتحق بالركب العالمي للحضارة الإنسانية، علما ان المرأة المشرقية كانت في بداية عهدها متحركة فاعلة تخطب وتجادل وتقاتل مطالبة بحقوقها من
خلال حواراتها العميقة مع الحكام والقضاة ولا زال التاريخ يحتفظ لها نماذجا من هذه المواقف الرائعة.
لقد وهبتنا الحياة بالعقل وجعلته اساسا في تكوين علاقاتنا مع بعضنا ولابد لهذا العقل من ان يكون حرا، وعن طريقه يصل تفكيرنا الصائب الى المعرفة، والأخيرة اما ان تكون خيرا اوشرا،
وخيرها يجعل المرأة ان تتحرر من العادات والتقاليد البالية ومن اوهام وخرافات ضارة. اقول الى متى تظل عقولنا مكبلة بأحكام الروايات الغيبية وافكار موروثة مشوشة مغلوطة، الى متى نشكومن
ضعف تفكيرنا ومن قلة انتاجنا وهزالة عطائنا ولهاثنا وراء السراب؟
ان من ابرز ملامح الإسلام استقلالية شخصية المرأة فلا اندماج ولا اندراج فالمرأة كائن مستقل تشكل ندا للجنس الأخر ورديفا له وقد جاء في سورة الأحزاب –ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقت– علما ان واوالعطف هنا تعني الإستقلالية.
كل هذه الحقوق المدنية كانت قد تقررت للمرأة المشرقية قبل اكثر من الف عام من قبل الاسلام قبل ان تتقرر لأختها الغربية لا بمقدارها ولا حتى بعضا منها،
ولم يعترف لها بهذه الحقوق الا في
الازمنة الاخيرة، ففي انكلترا وكندا وكثير من الولايات المتحدة الأمريكية مثلا لم تمنح المرأة حق التصرف بمالها دون تصديق الزوج الا في عام 1883. وفي ايطاليا لم يقرر فصل مال الزوجة عن
مال الزوج واطلاق تصرف الزوجة بمالها الخاص دون تصديق الزوج الا بعد عام 1866 (8)
نظر الإسلام الى المراة نظرة طهر واضعا اياها في المقام المرموق مكافئة الى جهودها الإنسانية واعترافا لها بتضحياتها الروحية والجسدية في سبيل تهيأة الجوالملائم لراحة زوجها وحرصها
على دفع الاذى عنه والتفاني في سبيل الحفاظ على سلامة نسله ونقائه.
لقد اكد الإسلام على اهمية المراة ومنزلتها الإجتماعية، فهي
الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر والداعية الى خير الاخرين والحريصة على مصلحة الوطن. فالمرأة صانعة ثقافة وراعية منتديات
فكرية عضوة ناشطة في المجتمع تعلم وتوجه وترشد.
فكانت سباقة في مناداتها بالعدالة الإجتماعية فلا فرق بين جنس واخر في الحقوق والواجبات، هذا هوجوهر عقيدتها.
وعلى الصعيد العالمي فقد جاء في برنامج اليونسكولحقل التطوير الإجتماعي والإقتصادي المتكافي بين الرجل والمرأة لكافة مجالات حقوق الإنسان. منها بأن الموروث في المجتمعات العربية
والإسلامية لا زال يتحدد من قبل الدين والعرف ولهذا يوجد قدر كاف من التحفظ ازاء تحقيق المساوات الكاملة للجميع، واضيف انه يجري التعامل عالميا مع قضية المرأة على ثلاثة محاور رئيسية وهي
الحقوق السياسية والحقوق المدنية وحقوق التكافي في فرص التعليم والعمل. وقد اعلن كوفي عنان امين
عام الأمم المتحدة عام 2005 في خطاب الإحتفاء بيوم المرأة العالمي مؤكدا على حقوق المرأة الكاملة وافساح المجال لها للمساهمة المتكافئة في كافة نشاطات المجتمع بما في ذلك الإسهام في وضع
القرارات وممارسة السلطات.
اما بخصوص حق المرأة في الميراث فقد جاء في سورة النساء –للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون– مثلما يأتي حق المهر ويعتبره حقا مكتسبا
مثلما ورد في سورة النساء –وأتوالنساء صدقاتهن نحلة–.
واخيرا وليس اخرا حق المرأة في اختيار الزوج توافقا مع روح التقاليد المقبولة.
لم تكن القوانين القديمة على اختلاف تاريخها
وجغرافيتها
منصفة في اعطاء المرأة حقها لا وحتى بعض حقها. ومن راجع المخطوطات القديمة وقعت عيناه على غرائب، فالمرأة في نظر الهنود والجرمان
والصينين لم تكن ذات قيمة، كان ينظر اليها على انها متاع يورث مع المال ويداول مع الأشياء. واثار هذا التعسف لا زالت باقية حتى في الزمن الحديث، ففي فرنسا مثلا ليس للمراة الحق ان تعطي
وتبيع وترهن الا برضى زوجها خطيا.
لقد غير القانون نظرته الى المرأة مرارا وتكرارا وتخبط واضعوه وتحيروا ولا يزالون فهم بين الفعل وردوده فتارة ينتبهون الى ما قاله افلاطون وتارة يرجعون الى ما سجله حمورابي قبل الاف
السنين.
قديما كانت مكانة المراة في عين الرجل الاوربي
منحدرة الى درجة اضطرت شعوبها الى عقد مؤتمر في فرنسا عام 586 ميلادية (اي قبل الإسلام بعقود)، للبحث في شؤون المرأة ومحاولة فهم شخصيتها
وتقييم وزنها الاجتماعي ليقرروا فيما اذا يجوز اعتبار المرأة
الاوربية كإنسانة كاملة الخلقة ؟ فتصوروا
فقد حرر الإسلام المرأة من النظرة الدونية التي كان الأعراب ينظرون اليها في زمن الجاهلية معتبرين اياها انحرافا وخطأ حتى كان منهم من يمارس جريمة الوئد التي نهى عنها الاسلام في سورة
التكوير: –فاذا الموودة سالت باي ذنب قتلت–.
يومذاك استوعب المتخلفون من البدوابعاد وهمهم وضلالهم، اذ لم تكن المرأة موضع خطا اوانحراف حسبما كانوا يزعمون.
واللافت للنظر ان القانون المتعلق بشؤون المرأة في المجتمعات الإنسانية قلما تبحث وتعالج
بإستقلالية، انما بسطحية وانحيازية ويكون البحث في اغلب الحالات استمرارا لتركة الماضي متأثرا
بثقل الشرائع الدينية والأعراف المحلية التي تكون في الغالب قد عفى عليها الزمن ويكون القرار عادة اما تأييدا اواستنكارا.
واني في هذا المجال اعبر عن اعجابي بالمراة التي تطالب بحقها بنفسها ولا تخاف من لومة لائم ولا تخشى في حوارها من سطوة غاشم.
تحوم الشبهات في كل الازمان حول ما جاء في حق المرأة من المفاهيم نتيجة تأويل بعض النصوص القرانية، وعلينا ان
نعترف ان عقولنا تتخبط احيانا في بؤرة الحيرة.
اني ارى شخصيا انه من الحكمة بمكان ان تترجم تلك النصوص بما يتناغم وذهنية شباب جيل الزمن، على نحويكون اكثر تماشيا وروح العصر، ليبقى الاسلام عزيزا ابد الدهر.
وبهذه المناسبة يسعدني ان اشير الى ان المرأة العراقية اكتسبت حقوق المواطنة القانونية اول مرة بعد نضال شاق وانتظار دام الوف السنين، بدات هذه الحقبة الزمنية الطويلة من عهد مملكة
العبيد (الوركاء) و(لكش –الشطرة حاليا–) 4000 ق م اي قبل نشوء الحضارة السومرية واستمرت عبر الدهور حتى سقوط الطاغية صدام عام 2003 للميلاد، رزخ الشعب الرافديني –وخاصة المراة– خلالها
تحت جور حكام دول كثيرة كان معظمهم من المستبدين الظلمة ظهروا على ارضه بدون ارادته، لكن المراة العراقية الشجاعة تمكنت اخيرا ان تحظى بالمشاركة في انتخابات عامة حرة وكريمة وتفوزعلى
نسبة مرموقة من عدد المقاعد في البرلمان العراقي وهي من اعلى النسب للدول المتقدمة في العالم.
انها كانت بحق قفزة نوعية نحوالأمام وانجاز وطني رائع ومنشود، هكذا شهدنا ولله الحمد شروق شمس الحضارة المعاصرة تسطع على ربوع عراقنا الحبيب، كانت اولى تجلياتها هبوب نسائم الحرية عليه
وهي اشهى ثمارها الحلوة.
ان لمفهوم الحرية تفسيرات متعددة فقد جاء في تعريف الحرية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن من حق الإنسان الإتيان اى عمل لا يضر بالأخرين فمن ينظر الى هذه التعريف يتبين له ان
الفارق هو في حدود التعريف. فالتعريف الإسلامي يضع الحدود بما يضمن الحرية المسؤولة في حين ان التعريف الغربي وضع الحرية بالمقدار الذي يوصلها الى الفوضى. فتعريف المذهب الفردي يقدس
الفردية ويطلق حريته دون حدود في حين يتخذ الإسلام طريقا وسطا بين الإطلاق المطلق والتوجيه.
ولوقارنا النظرية الإسلامية مع بقية النظريات الداعمة للحرية المطلقة لشاهدنا الأخيرة قد جاوزت الحدود في التصرف والممارسة مع ذلك يتهم الغربيون الإسلام بمصادرة حرية المرأة، لقد منح
الإسلام الحرية لكلا الجنسين وفي مختلف مجالات الحياة لكن هذه الحرية ليست حرية مطلقة وانما هي حرية موزونة.
لودرسنا تاريخ الحضارات القديمة لأكتشفنا بأن المرأة ما كانت يوما ما تتمتع في مجتمعها بأية نظرة انسانية كريمة سواء في عهود حمورابي اوالاغريق
اوالرومان اوعند الهنود اواليهود، انهم
كانوا يعتبرون المراة ملعونة فقد اعتقدت هذه الأقوام الجاهلة بأن المرأة هي التي اغوت بأدم وسببت له الخروج من الجنة فكان عملها هذا من صنع الشيطان.
كان التعسف في حق المرأة في معظم المجتمعات المتخلفة على اسوئه حتى الى عهد قريب، ففي الهند مثلا كان لدى بعض الطوائف المتعصبة اعرافها الموروثة تحتم على المرأة المترملة ان تحرق نفسها
عند موت زوجها، وقد استمرت هذه الممارسة المستهجنة حتى منتصف القرن التاسع عشر مدفوعة بضغوط اجتماعية ودينية سخيفة.
لكن المرأة المسلمة في بلداننا العربية لم تتعرض يوما الى مثل هذه الممارسات المفرطة في القسوة بقدر ما كان يستهان بها في مجال الإهمال والإستغلال والتهميش وتحريمها من التعليم وارضاخها
لطاعة الرجل وحجبها عن فرص العمل مما زاد اعتمادها على الرجل وفي المقابل زادت قدرة الرجل على التحكم في امرها وفرض التبعية عليها وبذلك غدت المراة الشريك الأدنى له في الحياة هذا ما
يقوله الأديب العماني صادق سليمان.
كانت اوربا في العصور الوسطى تعتبر المرأة لدى الشعوب الأسيوية والإفريقية مخلوقة بدائية، تنظر اليها نظرة استخفاف وتصنفها ضمن اطر مصلحية تجارية مقصودة في سبيل تحقيق مأربها المشبوهة
قولهم :
– من اراد الجارية للذة فليتخذها بربرية – ومن ارادها خازنة للمؤون لتكن رومية – ومن ارادها للولد فالمرجح ان تكون فارسية – اما اذا ارادها للرضاع فزنجية – ومن ارادها للخدمة فيجب ان
تكون ارمنية – لكن اذا ارادها للشدائد والحرب لزم عليه ان يتخذها تركية -...
خلقت المرأة لتكون عنصرا فاعلا
وركنا اساسيا في المجتمع الإنساني السليم وقد جاء في سورة
المؤمنون –افحسبتم انما خلقناكم عبثا–؟ فللمرأة في الحياة مهمة خطيرة لها ابعادها واهميتها
وسرها ومعناها ولم تتمكن من اداء وظيفتها تجاه المجتمع دون ان يكون لها القدر الكافي لحرية الحركة التي تتناسب ودورها الفاعل وفقا للأطر والضوابط الأخلاقية.
عموما ان المرأة الغربية تتمتع بالحرية المطلقة، لكن المفهوم الإسلامي يأطر هذه الحرية بشكل لا تأثر سلبا على الناحية الأسرية ويهدد تماسكها.
تتمنى كل امرأة في العالم ان يكون لها الحق في التمتع بحريتها الشخصية، كون ان الحرية الشخصية حق اساسي من حقوقها. لكنني اقول بعد ان عشت اكثر من اربعين عاما في العديد من الدول
الاوربية واطلعت خلالها على نمط الحياة والعلاقات العائلية فيها، لمست لمس اليد كيف ان التأثيرات السلبية على الأسرة والمجتمع تكون كارثية عندما يساء فهم الحرية المطلقة من قبل المراة
الاوربية. والمعروف ان دستور الولايات المتحدة الامريكية
(التي هي في مقدمة البلدان المتقدمة في العالم) يمنح المواطن الحرية الشخصية بنطاق غير محدود.
استذكر اني شاهدت مرة مشهدا تلفزيونيا لأطفال دون العاشرة، عثر عليهم البوليس ليلا تحت جسر احدى المدن وقد تركوا بيوت ذويهم طوعا، وعندما سئلوا عن السبب اجابوا بأن اوليائهم غير مبالين
لرعايتهم، فالأكثر الاب متغيب واما الأم فتقضي ساعات الليل في حانة الطرف.
اقول لوعلمت هذه الام ما تسبب لطفلها من صدمات نفسية ومعانات روحية بحرمانه من الجوالعائلي الحميم وما سيصدر عنه لاحقا من انحرافات سلوكية وردود افعال عدوانية تجاه المجتمع عندما يكبر
نتيجة سوء تصرفها بالحرية التي وهبها اياها قانون بلدها والتي لم تكن هي اهلا لها اصلا، لوعلمت المرأة الغربية كل هذا وسلكت سلوكا مقبولا ولم تفلت من عقال الحرية الى هذا المدى، لما ظهرت
مثل هذه الصور المأساوية على شاشات التلفزيون.
نجد في الصفوف الأولى للمدارس الأعدادية في بعض الدول الغربية طالبات عازبات حوامل.... وهن تحت رعاية القانون، حقا ان الحرية المطلقة غدت شرا مستطيرا، وهي في نظرنا خطرة على البنية
الإجتماعية، اهذه هي الحرية التي يبتغيها الغرب للمرأة الشرقية ؟؟ لايخفى انه عندما غرس نبينا محمد مفهوم الحرية في كيان المرأة غرس معها كذلك الوازع الاخلاقي الذي يحول دون تجاوز خطوطها
الحمراء.
لقد افضى الإسلام على المرأة حريات متعددة منها حرية
التعليم والعمل والتجارة وحتى حرية العمل السياسي، فليس هناك ما يمنع المرأة من ممارستها اذا كان ذلك برضى الزوجين ولا يؤثر على سعادتهما الأسرية سلبا.
يعتقد الغرب ان الإسلام يصادر حقوق المرأة ويميز بينها وبين الرجل فلا مكان للمساوات بينهما، اقول لقد تعمد المنتقدون في التلاعب بالمفاهيم والألفاظ بغية تشويه الصورة بصرف النظر عن
الحقوق والواجبات حيث يفترض ان يرعاها القانون كحالات العمرية والعضوية والنفسية بمختلف الاجناس والعادات والاعمار.
لقد تيسر في العصر الراهن امكانية عكس طبيعة الدماغ وما يحدث فيه من حراك بشكل دقيق بفضل اجهزة الكترونية حديثة، فلم يجد الباحثون فوارق نورولوجية بين دماغ الذكر ودماغ الأنثى من البشر
في ملكة الفكر والإدراك ولم يجدوا دليلا على وجود تفاوت لا من حيث الإستيعاب المعرفي ولا من حيث الأداء العملي.
يحتل الأناث والذكور في العالم نفس صفوف الدراسة لجميع مراحلها وكلاهما يحقق تحصيلا متكافئا...
حتى ان في بعض الجامعات العالمية تكون نسبة عدد الاناث فيها هي الارجح.
هذه هي الحقوق التي تتمتع بها المرأة في العصر الحديث والتي تذكرنا بالمقدار الذي يتناسب مع موضوعنا، وهناك اسئلة تراودنا وحيرة تمسك بمعصمنا في موقف المرأة امام تحديات الحياة فالويلات
والمصائب التي قاستها المرأة في الماضي كثيرة واليوم تجد نفسها امام خيارات عدة هذا يطالبها بالهمود والأخر لايريدها ان تكون رهينة الجمود وثالث يسعى ليتباهى بها عفوا بشكلها وصورتها
والرابع يناديها لتشارك في كل المجالات فهو يأبى لها القعود وخامس يبشرها بمستقبل اوفر حظا وسادس يغمرها بقصص يوهم لها انها من الدين وسابع وثامن ولايكاد العد ينتهي.
وفي الختام اناديك ايتها المراة الفاضلة واقول ان الأمر كل الأمر في جواب نسمعه منك، فالفصل بين يديك والحكم عليك لا يصدر الا منك، وما نحن في مثل هذه المواقف الا عارضون، فالله وهبك
للحياة فأختاري بنفسك ما يليق بقدراتك وحفظ كرامتك لتعيشين حياة كريمة بها تسعدين وتسرين.
المصادر
-
القرأن الكريم
-
د ساعد الجابري المشاركة السياسية للمرأة وموقف الشريعة الأسلامية –مجلة النبأ العدد(60) عام 3001
-
د-محمود عكام – المرأة في منظور اسلامي – المصدر السابق
-
حيدر البصري المرأة في ظل حقوق الأنسان الأسلامية –المصدر السابق
-
غالب الشابندر – مقدمات اساسية لنهوض المرأة المسلمة المصدر السابق
-
محمود ادم في مساهمة المرأة في التنمية الأقتصادية المصدر السابق
-
صادق جواد سليمان القضية النسؤية ابعادها ومحاورها في الوطن العربي والعالم –مجلة الحوار – واشنطن 2007 العدد 87..
Back to Home Page