الاسلام والتنشئة الاجتماعية
من كتاب فيه مصادر مختلفه
بقلم
الدكتور رضا العطار
ridhaalattar@yahoo.com
تبحث الدراسات النفسية الحديثة اطر التفاعلات الاجتماعية التي تجري بين الانسان والاخرين من بني جنسه، فكل واحد منهم
يختلف عن غيره من ناحية ويشاركه في نواحي عدة. ويمكن القول ان كل انسان يشبه كل الناس ويشبه بعض الناس في نفس الوقت، لكنه يبقى متميزا في صفاته الشخصية، حيث انه ينتمي الى
جنس الانسان الذي يحمل خصائصه الانسانية العامة. فالانسان يبقى في تفاعل مستمر مع الظروف التي تحيط به فهواما ان ياخذ منها ويحتذي اثارها اويهتدي بها ويستفاد منها اومن غيرها: ففي كل
الحالات يترك فيها مقدارا من الاثر اما ان يكون سلبيا اوايجابا اي اما ان يفشل في مواجهتها اويتكيف معها طوعا او اجبارا.
ان للانسان نوعا من الصفات الشخصية الثابتة التي من خلال اساليبها واتجاهاتها تتحدد هويته، اما التغيير الذي يحصل في شخصيته هو نتيجة اكتسابه لسلوكيات مختلفة بداها منذ سن الطفولة.
هناك عدد من التعاريف ابرزها تعريف العالم النفساني مورتن برنس في كتاب اللاشعور قوله: ان الشخصية هي مجموعة الاستعدادات والنزعات والميول والغرائز والقوى البيولوجية الفطرية والموروثة
والمكتسبة، ومحصلتها هي التي تتحكم في التنشئة الأجتماعية، علينا اذا ان نلجا الى العقل السليم للاستفادة من خبراته المخزونة ليكون في مقدورنا اختيار الاسلوب الانسب والافضل
في تنشئة الطفل بعد ان نتاكد من مستوى نضوج المربي وجودة صفاته الانسانية.
اذا ما هوهذا العقل وما هي وظيفته؟
ان عقل الانسان الكامن في عضوالدماغ في الراس هو ذو طاقة فكرية خلاقة عملاقة لكنه لا يخلق الافكار انما يتقلب بينها بحثا وتنقيبا. العقل يستعمله الانسان عند الحاجة وعبر التفكير،
ويستفاد منه لغرض الوصول الى المعرفة التي يبحث عنها، فإ ما ان تكون هذه المعرفة خيرا او شرا، فان كان القرار خيرا ارتقى الانسان به وخطي مجتمعه بحياة افضل لوكان مسؤولا عن
قيادته اما اذا كان القرار شرا، تعرض الى المخاطر والاهوال. فالقرار النهائي للافعال والسلوكيات يكون في نهاية المطاف من اختصاص النفس البشرية التي لها صفاتها الخاصة بها،
منها انها تقرر ولا تقرر وانها ترغب ولا ترغب، تلتذ ولا تلتذ، تتأثر ولا تتأثر، قابلة للتطبيع والترويض، وغير قابلة للتطبيع والترويض، فهي مصدر الحب
والكراهية وهي اما ان تتصل بالعقل في الظرف الحاسم لتسترشد به اولا تتصل.
اذا فالعقل عند الانسان بمثابة السلطة التشريعية فهي التي تصدر القوانين وليس بيدها صلاحية التنفيذ. والنفس البشرية هي بمثابة السلطة التنفيذية تقوم باجراء القرارات التي يصدرها العقل
او لا تقوم باجرائها، فهي اما ان تلتزم بها وقد لا تلتزم.
فالاخلاق التي نمارسها في حياتنا اليومية منبعثة من منبع كامن في داخلنا، حسبما
يؤ كده الفيلسوف الفرنسي كنت الذي يقول ان رغبة الانسان في التزامه للاخلاق نابع من داخله، بينما الفيلسوف توماس هويس يقول عكس ذلك تماما حيث انه يعتقد ان الاخلاق مصدرها كامن
خارج كيان الانسان، فالدولة هي التي تصدر القوانين الاخلاقية وتفرضها على مواطنيها الذين يكونوا ملزمين على تطبيقها.
فالمعروف ان الانسان اجتماعي في طبعه، فهو
يبحث عن بني جنسه جسديا ونفسيا لانه يستانس به ويستوحش بفقده، بينما يخلق التباعد والتنابذ عنده سلوكية انانية افتراسية، ولهذا
كانت العلاقات الاجتماعية المتبادلة عند البشر علاقات ضرورة ملحة.
يعتبر النبي محمد المعلم المثالي في عملية التنشئة الاجتماعية خاصة بالنسبة لسكان الجزيرة العربية. فحينما جاء الرسول الى يثرب في العام الاول للهجرة اكتشف ان القبائل العربية كانت في
حالة نزاع وتناحر، خاصة قبائل الاوس والخزرج فشرع بعملية التعليم والهداية، لقد كان العرب حينذاك مثقلين بعادات وتقاليد الجاهلية، كل قبيلة كانت تنظر الى الأخرى بعين
الشك والريبة، حيث كانت تعتبرها اعداء لها، لكن النبي الكريم امرهم بان يتخذ كل مسلم فردا من قبيلة اخرى ويعتبره اخا له....فالمؤمنون في الدين اخوة
─ وبدا يلقنهم باحاديثه
التهذيبية ونصائحه الخلقية بشكل دائم ومكثف وبعدما سمعوا اقواله واستوعبوا وفهموا اطاعوه وبمرور الزمن تحرروا من وزر تقاليدهم القديمة البالية واصبحو
مجتمعا متالفا متحليا بفضائل الأخلاق،
تطبيقا لما جاء في سورة الانفال
─ولا تنازعو
فتفشلوا وتذهب ريحكم─.
فالاسلام دين عطوف يدعو الى تكوين اسرة قويمة متفاعلة مع نفسها ومتاخية مع الاخرين. فقد قال الامام علي بن ابي طالب:
عليكم بالتواصل والتبادل واياكم بالتدابر والتقاطع |
فتفاعل الشاب
مع اخوانه واخواته داخل الأسرة ذات التنشئة الإجتماعية السليمة المتسمة بالسلوك القويم يمكنه تصحيح سلوكه السلبي الذي اكتسبه من خارج نطاق اسرته.
ان التعاليم الاخلاقية تدعو
الانسان الى محبة الاخرين والتعاون معهم، فقد جاء في سورة فصلت:
ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم |
ان التنشئة الاجتماعية الصحيحة للاطفال تكمن في تعليمهم وتهذيبهم بشكل حسن يجعلهم اهلا بالانخراط في مجتمع المستقبل كاعضاء نافعين، يساهمون في حركة تغييره وازدهاره. فالتنشئة
الاجتماعية عملية مستمرة وليست مقتصرة على مرحلة الطفولة وتتم بالتعاون بين الاسرة والمدرسة، فالعائلة عش دافئ وحميم لا يحضن الجسد فحسب انما يحضن الروح كذلك، فهي تربي
الطفل وترعاه حتى يغدو مؤهلا لدخول المدرسة، فالاطفال يتعلمون من الابوين ويتربون باخلاقهما وسلوكهما فهم مرتبطون بالام غريزيا بصورة اقوى واشد من ارتباطهم بالاب فالام هي المسؤولة
عن القسط الأكبر من اعباء تربية الطفل بشهادة شاعر النيل حافظ ابراهيم
:
الام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الأعراق |
لوتاملنا قليلا لادركنا ان الدين الاسلامي قد اكد على العلاقات الحسنة الخيرة بين ابناء البشر، خذوا مثلا حقل التنشئة الاجتماعية، فمن خلاله يتحدد دور كل من الزوج والزوجة
وبقية اعضائها بعضهم تجاه البعض الاخر، فكبيرهم يعطف على صغيرهم وصغيرهم يحترم كبيرهم وهكذا وبهذا اصبح النسيج الاجتماعي صالحا ومفيدا بينما بقي دور الدين حاميا وراعيا،
وظيفته ضبط الهيكلية الاسرية السليمة.
ان علاقة الوالدين احدهما بالاخر لها اهميتها الضرورية في نسق القيم الاخلاقية علما ان توافق الوالدين مع بعضهما يحقق للابناء تربية نفسية هادئة مطمئنة، وبعكس ذلك يقود عدم
التوافق بين الزوجين الى حدوث اضطرابات نفسية خطيرة يتعرض اليها الاطفال ويؤثر سلبا على علاقاتهم الاسرية ويصيبهم الشعور بالخوف والضياع. بالاضافة الى ذلك تعتبر تلبية متطلبات الابناء من
قبل ذويهم لها تاثيرات ايجابية على سعادة الاسرة.
ان افاق التربية البيتية تمتد حتى بلوغ الطفل السادسة من العمر حيث يلتحق فيه بالمدرسة، فالاسر التي غرست في نفوس ابنائها القيم الاخلاقية العالية، لا يجد الأطفال صعوبة في
معاشرة اقرانهم داخل المجتمع وبضمنها الجو
المدرسي وهنا تجني الام المربية الصالحة اطيب الثمار واحلاها..
اما الاسر التي اتبعت في تربيتها لاطفالها انماطا غير مقبولة من التنشئة البيتية، مثل التبعية المطلقة والخضوع الكامل والإمتثال التام حينذاك يصبح الطفل في مأزق نفسي عندما يجابه
محيط المدرسة، وبعكس ذلك اذا كانت الأساليب المتبعة قائمة على التعامل بروح المبادرة والثقة المتبادلة والاعتداد بالنفس فإنها سوف تعكس سلوكا ايجابيا مقبولا تساعد الطفل على
التكييف مع محيطه الجديد دون عناء.
المعلوم ان الطفل الذي يتأثر بمكنونات اهله وبكل ما يحيط به، يؤثر لاحقا في بناء شخصيته واضعا لنفسه الأطر الحياتية الخاصة التي تنتظره في المستقبل لذلك يمكن القول ان المرء يعيش
حاضره انعكاسا لبعض ماضيه ثم يأتي دور المجتمع في صقل تلك السلوكيات سلبا اوايجابا فالأطفال الذين يتميزون بالاستقلالية نتيجة التنشئة
الصحيحة بدا من تشجيع الاباء على اداء واجباتهم
المدرسية الى اشعارهم دوما بدفىء الحنان الأسري، سوف يواجهون الحياة القادمة بشوق وبهجة وتفاؤل، اما الاطفال الذين يربون بإسلوب العنف وغياب العاطفة فسوف يكبرون متسمين بروح
اللامبالات وعدم التقيد بالسلوك العام واحترام المواعيد ناهيك عن الواجبات الوظيفية في الحياة العملية.
فالاسرة (طبقا لنظرية العالم التربوي جون ديوي) تعد من اخطر المؤسسات التربوية واعمقها اثرا في سلوك الابناء حيث يلعب الابوان الدور الاكبر في العملية التربوية وهما ينفخان في طفلهما
روح المعايير الاخلاقية السامية، كقيم الشرف والوفاء والدفاع عن الوطن والذود عن حياض العائلة.
ان الدراسات الحديثة في علم النفس والاجتماع توجه الاهتمام البالغ الى العلاقة بين تربية الاطفال واسلوب معاملة الوالدين لهم، اذ كشفت البحوث العلمية ان التعليمات التي يتلقاها
الطفل من الكبار تتاثر بنوع المعاملة واسلوبها، فلوكانت ايجابية ارتقى بها الطفل، وان كانت سلبية تسببت له اضطرابات نفسية وانحرافات سلوكية.
ان طموح الاباء المفرط في اطفالهم قد لا يتحقق، بسبب قصورهم في المقدرة اوضعفهم في الاجتهاد، فيصابون نتيجة ذلك بخيبة امل صاعقة مؤلمة.
اما الافراط في التسامح والتساهل فانه قد يسبب لدى الاطفال الشعور بعدم المسؤولية ويشجعهم على ارتكاب الخطا.
أما اسلوب العقاب الصارم من جانب الاباء فإنه يدفع بالطفل باتجاه المماطلة والكذب والتمرد والروح العدوانية..
اما اسلوب النبذ والإهمال والجفاء والتجاهل للطفل فإنه قد يسبب لديه الشعور بالحقد والجنوح وروح الانتقام وقد تتفاقم الحالة وتضطرب نفسيته الى حد قد يلجأ الى سرقة اشياء ثمينة تعود
لابويه كتعويض عما يفتقده الطفل من عطف وحنان، بالاضافة الى ذلك ينشأ عنده الشعور بالتحدي مما تحجب عنده فسحة الوداعة وروح المرح.
وفي هذا المجال ناتي على تقرير الدكتور دوبرا استاذ علم الاجتماع في جامعة جنيف في سويسرا الذي يقارن بين الحياة الاسرية الاوربية قديما والحياة الاسرية حديثا مؤكدا على العوامل النفسية
من حدب وجذب وحب وحياء، هذه الصفات الانسانية الحميدة التي كانت الدعائم الجوهرية لسعادة العائلة الاوربية قديما، اصبح غيابها في الوقت الحاضر سببا في شقاء وتفكك العائلة
الحديثة، خاصة بما يتعلق بالجانب الاخلاقي والتشريعي ويرى الباحث ان العوامل التي ساعدت على اضمحلال الروابط الاسرية هي الانانية المفرطة وخوار النفس ونقص العزيمة وضعف التربية
الدينية وتدهور التنشئة الاجتماعية التي استشرت بين افراد المجتمع في العصر الحديث، ومما زاد في تفاقم الحالة هوسلوك بعض الكتاب ذوالنزعة التجارية الذين زينوا للشباب سحر الروايات
الغرامية والمشاهد الخلاعية والصور الاباحية...ويضيف :
لقد انحدرت لغة الادب الرفيع الى ادب الخلاعة والسفالة وبين هذا وذاك
اصبح استخفاف الجيل الجديد بقداسة الامومة والابوة
صارخا وان طرائق الحياة في الوقت الحاضر جعلت الشباب يميلون لتلك التي تغذي نزعة الانانية اكثر مما تغذي العرفان بالجميل وتقدير حقوق
الاخرين. |
ان ما يعلن في ذيول الصحف اليومية من اخبار المراقص والملاهي كفيلة لافساد الشباب ودفعهم بعيدا عن الخلق القويم الذي يتمثل في صلابة السلوك وشدة المراس، حتى وصلت الامور الى منحدر
الهاوية. ومن المؤسف حقا ان نرى الرجل الذي يهوى ان تكون له عائلة محترمة ويعيش عيشة محتشمة يتعرض الى سخرية الشباب اكثر مما يتلقى منه التقدير..
اقول.. ان الاسر التي يتعاطى فيها احد الابوين اوكلاهما المخدرات قد تعصف اسرهم بمشاكل نفسية ومادية جسيمه وقد تهز تماسكها وتهدد بنيانها ويكون الطفل في مثل هذه الاحوال الضحية الأولى
فيها، ويصاب الى اضظرابات نفسية نتيجة الممارسات غير المسؤولة لذويه المتسمة بالطيش والأستبداد والقسوة التي بدورها تقود في النهاية الى تخلخل في التوازن الاسري وضعف الالتزام
الاخلاقي وحتى ينتهي في بعض الحالات الى الطلاق.
لا يخفى ما للمخدرات من تاثيرات تدميرية على صحة المتعاطي واعراضها الانسحابية التي تشمل القلق والتوتر والاكتئاب وقلة التركيز والصداع وارتجاف الاطراف واللسان طبقا لنوع وشدة المادة
وكثرة تناولها.
ان تناول المخدرات يبدأ غالبا في سن المراهقة ويتطور، ولا يخفى ما تسبب للبلاد من خسائر اقتصادية جسيمة الى جانب كونها تقلل من قدرة المدمنين على قابلية التكييف مع اعمالهم
ووظائفهم مما يؤدي الى ضعف الإنتاج خاصة في المجتمعات النامية التي هي بحاجة ماسة الى طاقات الشباب وقواهم العضلية.
اما من الناحية الامنية والاخلاقية فالمدمن يكون بطبيعته ميال الى مخالفة القوانين لأن الماده المخدره نفسها تعزز عنده هذا الميل على ارتكاب المخالفة والجريمة كالقتل والسرقة والاغتصاب
خاصة لوكان له استعداد في تكوينه النفسي علما ان المادة المخدرة تضعف عنده القدرة على الادراك والسيطرة على السلوك فلا يستطيع مثلا وفي اغلب الاحيان من كبح نواياه العدوانية بعدما يتبدد
عنده الشعور بالخوف من العقاب.
اما عن حوادث الطرق فأن الصورة ستكون
اكثر كارثية خاصة لواخذنا بنظر الاعتبار ان قسما كبيرا من السائقين في البلدان المتساهلة في استعمال الكحوليات مدمنون بحكم العادة، والمعروف ان
للمادة المخدرة عواقب وخيمة على السلامة العامة، حيث انها لا تقلل عند السائق حدة الرؤيا المطلوبة قانونا فحسب انما تقلص لديه الساحة البصرية التي تؤهل الانسان عادة من ملاحظة
جوانب الطريق الذي يسير فيه، وكذلك تشوش عليه تقدير بعد المسافات وتضطرب لديه ظاهرة التكيف للنور والظلمة خاصة لوكان يسير وقت طلوع الشمس اوفي وقت الغروب، كما يتعذر عنده
تحمل الضوء العالي الشديد في الطرقات الخارجية ليلا، مثلما تتحدد عنده المقدرة على تمييز الالوان لمصابيح تنظيم المرور وخاصة اللون الأخضر منها واخيرا وليس اخرا يتبلد عنده نشاطه
العقلي وهوشرط اساسي اصلا للجلوس وراء مقود المركبة وفي المراحل المتدنية من السياقة الطويلة تضعف لدى متعاطي المخدرات القدرة العضلية اللازمة للضغط على كابح تخفيف السرعة، فاذا
كان السائق بالصدفة مصطحبا معه افراد اسرته ويسير بسرعة عالية وتعرضت مركبته الى حادث اصطدام مروع بفعل تاثير المادة المخدرة، سيكون الهلاك المحتم من نصيب الجميع..
وللحصول على معلومات تفصيلية اقرا كتاب – عيوننا وحوادث الطرق - لمؤلفه
د. رضا العطار – من منشورات وزارة الثقافة والاعلام العراقية بغداد 1982
اما دوافع انتشار المخدرات فهي تجارية بالدرجة الاولى، حيث ترى بعض الدول في زراعتها ازدياد ثروتها الوطنية كأفغانستان وكولومبيا، كما استعملت المخدرات قديما من قبل بعض
الدول التي استهدفت من ورائها اضعاف القوى العضلية لمواطني دولة مستعمرة كما كان يحدث في الصين ابان الاحتلال البريطاني والذي انتهى في منتصف القرن الماضي بثورة التحرير عام 1947 والتي
سميت في حينها بحرب الافيون.
ينشمل الانسان بالتنشئة الاجتماعية وهو لم يزل
في رحم امه، فالجنين يستجيب الى التفاعلات الفسيولوجية التي تجري في جسم الحامل من ضربات القلب الى التقلصات العضلية لجهاز الهضم الى زيادة ضغط الدم الى الافرازات
الهورمونية.....الخ، فإن كانت الام تسرف في التدخين اوتتعاطى الكحوليات والمخدرات، وعقارات طبية محظورة، شكل كل ذلك خطرا على سلامة
الجنين.
وعندما يولد الطفل يبدا بالتعرض للانفعالات التي تصيب الام وخاصة الشعور بالخوف فالطفل عادة يقلد مخاوف ابويه مثل خوفهم من الكلاب اوالحشرات اومن الرعد والعواصف، وعندما تخاف الام
زوجها يتحول هذا الخوف تلقائيا الى الطفل الذي بدوره يبدا يخاف من ابيه وبذلك
يغدو
الاب داخل اسرته موضع نفور.
ان سلوك الأسر المتعاطية للمخدرات له تاثيراته المدمرة على صحة اطفالهم وتنال من نموهم الحركي والانفعالي والاجتماعي والمعرفي واللغوي مقادير متفاوتة.
فاذا ما تعرض الطفل اثناء اكتساب اللغة الى ظروف غير طبيعية، كتذبذب العلاقة الاسرية وتصدعها، اوكون الطفل ينحرم من رعاية الاب وحنان الام، كما يحدث في البيئات الفقيرة
سوف يكون تاثيره السلبي على تنشئته بالغا وقد يتعسر عليه تعلم اللغة في وقته المحدد ونطقها بصورة صحيحة. اما ما يحدث في المياتم والملاجى ودور اللقطاء فحدث ولا حرج حيث يكون تخلفهم
اللغوي بالغا ومن المؤسف ان يوصف نقص التطور في كلام الطفل بمصطلح التاخر، وقد تلازمه مدى الحياة واعراض هذا التخلف تشمل التلعثم والتاتاة واللجلجة وعدم وضوح النطق والقدرة على
القراءة....هذه هي الأضرار التي تصيب الاطفال نتيجة الاسباب التي ذكرت اعلاه..
وفي سياق التنشئة الاجتماعية استذكر مشهد تلفزيوني لاحدى القنوات العالمية قبل سنوات لعدد من الاطفال دون العاشرة عثر عليهم البوليس ليلا تحت احد جسور المدينة وقد هجروا اسرهم طوعا
وعندما سألهم البوليس عن السبب قالوا ان ذويهم غير مهتمين برعايتهم وبراد الاسرة خالي من الطعام فالاب مغيب غالبا والام تقضي ساعاتها في الحانة.
اقول لوعلم الاولون من الاباء ما يسببون لاطفالهم
بسبب الإهمال من صدمات نفسية ومعانات روحية لاطفالهم نتيجة حرمانهم من الجو
الاسري الحميم، ومن عطف وحنان الوالدين وما
سيصدر عنهم لاحقا عندما يكبرون من انحرافات سلوكية وردود افعال عدوانية تجاه المجتمع، لكانوا قد اولوا بعض اهتمامهم في تربية ابنائهم ولم يفلتوا من عقال مسؤوليتهم الاسرية الى هذا
المدى، لكيلا تظهر مثل هذه الصور الماساوية لاحفادهم على شاشات التلفزيون.............. نعم
ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم |
والسلام عليكم
المصادر
1- الدين والأسرة والتنشئة الأجتماعية د سعد الأماره النبأ العدد 57 – 1422
2- الدولة الأسلامية المعاصرة – حامد السعيدي – المصدر السابق
3- دور الدين في ترسيخ الديمقراطية احمد شهاب النبأ العدد 75 – 2005
4- منظومة الأخلاق واثرها الأجتماعي والحضاري احمد البدوي 61-1422
5- عالمية الأسلام ووعي الذات وانضاج الخصوصية – مصطفى السادة – العدد 58 – 1422
6- كتاب الشرق والغرب – محمد كامل الخطيب، منشورات وزارة الثقافة دمشق 1991
7- مشاهدات كاتب المقال.
Back to Home Page