Back Home NextBack

 

دور حضرموت في نشر الاسلام في ممالك الهند الصينية

مقتبس من دائرة المعارف الاسلامية الشيعية

 بقلم الدكتور رضا العطار بتصرف

ridhaalattar@yahoo.com
 

كانت القبائل العربية عاد وثمود الموغلة في القدم قد سكنت حضرموت زمن نبي الله هود الذي جاء ذكره في القران في سورة الفجر:

الم تر كيف فعل ربك بعاد ارم ذات العماد


الذي يعتقد انهما من ذرية سام بن نوح قد انقرضتا وتاريخهما مجهول والمتتبعات بشانهما متضاربة، واقدم الاخبار المتواردة عنهما تحدثنا عن حضارة السبئيين والمعينين الني ظهرتا في اعقابهما، 1300 ق م والتي لا تقل شانا عن حضارة الاشوريين والبابليين المعاصرة لها.(1)


وعرب حضرموت هم من نسل يعرب بن قحطان ولغتهم لغة سامية، تطل بلادهم على البحر العربي جنوبا و تتاخم الربع الخالي شمالا، وتمتد من وادي نبي الله هود شرقا الى اليمن السعيد غربا. (2).


go to top of page  منذ القرن الأول للهجرة يخرج المسلمون العرب من مدارج صباهم ومنابت اصولهم الى ممالك الهند الصينية اما سعيا وراء الرزق وممارسة التجارة او بحثا عن اوطان أمنة هربا من جور الحكام في وطنهم الام، كان من بينهم جمع من الاسرالعلوية الذين وجدوا في بلاد المهجر فرصتهم الذهبية في نشر العقيدة الاسلامية، بعد ان وصلوا اليها عبر اسفار محفوفة بالمخاطر والاهوال التي تفرزها ظروف البحر (3).

خرجت التيارات الاسلامية الكبرى التي حملت الاسلام الى اقطار الهند الصينية من قبل المغامرين من التجار العرب في سفن شراعية كانت تمخر عباب البحار منذ اقدم العصور مستهلة رحلتها من ميناء قاليقوط على الساحل الغربي لشبه القارة الهندية، اكبر مركز تجمع للمراكب القادمة من مواني الشرق الاوسط، كعدن في اليمن ومسقط في عمان ومكلا في حضرموت او من احد مواني خليج البصرة. حيث كانت المراكب الشراعية تبحر عادة عبر مضيق سرنديب – سري لنكا - في فصل الخريف مستفيدة من الرياح الموسمية في شهري سبتمبرو اكتوبر التي كانت تجرف هذه السفن شهورا عديدة حتى تصل بها الى جزر سومطرة وجاوا في سفر شاق طويل، بعدها تواصل سيرها الحثيث باتجاه الشمال حتى تنتهي اخر المطاف في كانتون الميناء الجنوبي للصين.(4)

لقد ثقل تاريخ حضرموت بكثرة الاحداث، وبسبب عدم توفر الدراسات الاثرية الكافية، غاب نصيبها من التدوين. رغم ذلك كله كانت فيها نوعا من الحياة البسيطة الهادئة، فبفضل الامطار الدائمية كانت اراضيها دائمة الخضرة عامرة بمزارع الخضر وبساتين الثمر، لكنها تصحرت تدريجيا بعد ان تعرضت الى الجفاف الدائم بفعل انحسار الجليد في اوربا قبل اكثر من عشرة الاف سنة(5).

لقد تظافرت الاسباب من ضائقات اقتصادية ومنازعات داخلية مما ادت الى وقوع حضرموت فريسة للاحتلال الحبشي والفارسي. مع ذلك بقي فيها بعضا من نظم اجتماعية متحضرة، ارقى من تلك التي كانت سائدة في مجتمعات القبيلة التي كان اهلوها يسكنون الخيام ويعيشون على رعي الانعام.

go to top of page  جاء الاسلام فكانت له في حضرموت نفس المئاثر التي تركها في المناطق الاخرى في مجال الحياة العقلية، فحل التوحيد محل الوثنية، والمعايير الدينية محل العصبيات القبلية الضيقة الموروثة من المفاهيم الجاهلية وانتشرت علوم اللغة العربية واتخذت اداب الجاهلية كالشعر والخطابة رونقا جديدا (6).

لم يكن تاريخ هجرة الحضارمة الى الخارج تاريخ حديث انما كانت بوادرها قد ظهرت منذ زمن الخلافة الراشدة، فقد تركوا بلادهم تحت راية الاسلام جنودا واشتركوا في حروب الروم والفرس فحضروا اليرموك والقادسية، كما كانوا ضمن الجيش الاسلامي الذي فتح مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رض) بعدها توالت هجراتهم الى اوطان بعيدة بحثا عن سبل العيش. وشواهد قبورهم التي ما زالت باقية الى الوقت الحاضر خير شاهد على ما اقول.

فسواء كان الحضارمة رحالة او تجارا او جنودا، الا انهم وبقية المهاجرين من بلاد العرب قاموا في نشر الاسلام حيثما حلوا واينما ذهبوا بصورة سلمية متسمة دعوتهم بروح الاخاء والمحبة: ونظرا لقرب المناطق الساحلية الشرقية للقارة الافريقية مثل كينيا والحبشة والصومال وزنجبار وتنجانيقا ومدغشقر الى مضيق باب المندب، فقد ابحر اليها المسلمون العلويون والتجار مهاجرين بأتجاه الغرب من ميناء عدن في اليمن.
بينما الذين هاجروا بأتجاه الشرق بدوا الابحار من ميناء مكلا في حضرموت وحلوا في الجانب الكبير من شبه القارة الهندية، وفي جزائر جنوب اسيا وسيلان و تايلند، حتى وصلوا الى اندونيسيا والملايو والصين وجزر الفلبين في المحيط الهادئ واستقروا فيها، وكان لهم في كثير من هذه الاقطار ثروة ونفوذ وسلطان.


ولما انتقل مركز الخلافة الاسلامية من دمشق الى بغداد عام 132 للهجرة وتغلبت على السلطة العباسية العناصر الفارسية والتركية, وقامت ثورات الخوارج، اصبحت حضرموت في شبه عزلة يعمها التاخر المادي والثقافي، لكن بعض الاسر تمكنت بمجهودها الخاص ان تنهض بحركة التعليم في نطاق محدود، كانت النتيجة انجاب طليعة من المتعلمين الذين تلقوا تعليمهم العالي بعدئذ في كل من القاهرة ودمشق والقدس وعدن. لقد كان سبب ركود الحركة الفكرية عندهم يعود الى عدم تعاون السلطات المحلية، مما نتج عنها موجة طاغية من الجهل والعزلة الثقافية، وقبيل الحرب العالمية الثانية بادر بعض الحضارمة في جزيرة جاوا، بلاد المهجر في ارسال صحف ومجلات الى بلادهم ساعدت نسبيا على تحطيم اسوار هذه العزلة.

 

go to top of page  جغرافيا تتكون حضرموت من وادي طويل يمتد بين ضفتين من الجبال الشاهقة. ومن زارها في القرن العشرين، راى ان سيئون كانت تقبع في وسط هذا الوادي كمدينة اختفت في مجاهل التاريخ، اما شيبان وتريم فهما مدينتان خرافيتان تقعان وسط واحات كبيرة من النخيل، تتناثر فيهما ناطحات سحاب من الطين، اما عن قرية غراف فحدث ولا حرج فهي توحي لك بالوهم وتحسك بعزلة قاتلة تنسيك الواقع الذي تعيشه، فهي تقع في لا شئ وليس فيها ما يربطك بالعالم الذي نعرفه. واذا شئت ان ترى الوادي الاخر عليك ان تطرق مسالك محفوفة بالمخاطر حتى تصل الى كهوف وبيوت طينية واطئة تبدوا وكانها واحة باهتة في فصل الجفاف، كل شئ في سيئون مصنوع من الطين، فلا حجر ولا اسمنت، كما ان هناك وادي اخر مكتظ بواحات النخيل تحيط بمدينة تريم وهي قلعة محاطة بسور من الطين وفي داخلها توجد اسوار طينية كثيرة تحيط حول بيوت الاغنياء. واحيانا يتجمهر الناس امام المدخل يطلقون الرصاص في الهواء ابتهاجا لقدوم الصيادين الذين رفعوا رؤوس الغزلان المصطادة فوق حرابهم. وعندما تتقدم اكثر الى الداخل تواجهك المقابر مصفوفة وكانها قطع اثرية داخل متحف.

ومما يثير الدهشة كثرة الماذن، ففي مدينة تريم الصغيرة وحدها كانت 365 ماذنة، فاغنياء حضرموت كانوا ينذرون ببناء ماذنة بعد موتهم – لا مستوصف ولا مدرسة – وقد اتفق ان عدد الماذن في ذلك اليوم كان مساويا مع عدد ايام السنة.

واذا دعيت الى دار احدهم من الاغنياء، دهشت لما تشاهد عنده من مظاهر الترف، فالباب الخارجية جلبت له من سنغافورة واثاث الحديقة من جزر الملايو، كل شئ باللون الاخضر وكانك في غابة استوائية، وعلى المائدة الطويلة اصطفت انواع الطعام والشراب وكانك في قصر احد سلاطين ماليزيا، كما زينت جدران الدار بنقوش فنية زاهية ذات طابع عربي انيق جميل.

اما مكلا، المدينة الساحلية فهي تعج دوما بالبشر، وقد يصادفك جنود يستقبلون المراكب الشراعية ساحبة ورائها زوارق صغيرة غارقة وقد تمزقت بفعل المد، قادمة باتجاه الساحل الذي ملئ باسماك ملونة، تركها المد قبل ان يرحل، تلتهمها السلاحف الكبيرة التي زخر بها الشاطئ.

من مكلا ابحر الحضارمة الى العالم الخارجي، ليعملوا في اوطان غير وطنهم ويجمعوا ثروات ويبنوا امجاد ويندمجوا بثقافات امم اخرى، يثبتوا فيها قدراتهم على العمل المفيد، علما ان عدد الحضارمة خارج بلدهم كان اكثر من عددهم داخل بلدهم. فالمقيم في الخارج يعيل المقيم في الداخل، فالثروة الموجودة لديهم هي ثروة المهجر. و كان الحضرمي اذا هاجر يعود الى بلاده بعد سنوات ومعه الاموال، يبني فيها ناطحات سحاب من الطين، التي كانت تعرف عندهم يومذاك بالقصور العوالي، ثم يقوم بمزاولة التجارة، فيصدر محاصيل بلاده من تمر وتبغ وحناء وبخور واحجار كريمة، ولا يحمل معه الى الخارج الا عقيدة الاسلام، ينشرها اينما حل، وبالمقابل يستورد من بلاد المهجر الحرير والتوابل وقصب السكر وبعضا من ثقافته وكثيرا من تجارب الحياة.

go to top of page  ترك العلويون، وهم الاحفاد المنحدرون من اسرة النبي الكريم، وطنهم تحت ثقل الهوان وغدر السلطان والخوف من اذى الاوغاد، بعدما تعرضوا الى اعمال الفتك والتقتيل على ايدي اعدائهم من الامويين والعباسيين، فقد كان معاوية في الشام يصلبهم على جذوع الخيل (7) بينما كان ابو جعفر العباسي يبني العلويين وهم احياء وراء جدران المنازل ليموتوا خنقا، وكأن صدور هؤلاء الحكام (المسلمين) كانت سركا من الضواري، لا لسبب سوى كون انهم لم يعترفوا بشرعية حكمهم، معتبرين انفسهم احق منهم بالخلافة الاسلامية.

كان من الطبيعي ان يبحث العلويون لانفسهم عن ملاذ امن في منافي خفية من شبه الجزيرة العربية كحضرموت، هربا من الاضطهاد، لكنهم مع ذلك كانوا خائفين، لان البلاد التي لجؤا اليها كانت هي الاخرى تحت سيطرة اعدائهم. لذا قرروا الهجرة الى اقطار بعيدة حفاظا على ارواحهم.

go to top of page  دور حضرموت في نشر الاسلام في ممالك الهند الصينية
غادر حضرموت عام 313 للهجرة جمع من المسلمين تضم عددا من الاسر العلوية،
(هاشميو النسب) برفقة اتباعهم وذويهم في سفينة شراعية متجهين الى ممالك الهند الصينية، كان من بينهم ابناء الحاج احمد بن عيسى حفيد الامام جعفر الصادق. واحمد هذا لقب بعدئذ بالمهاجر، نظرا لما قام به من نشاط وهاج في نشر عقيدة الاسلام في الاقطار التي حل فيها. وبعد ايام من المغادرة وصلت سفينتهم الى الهند، لكنهم لم يلبثوا فيها طويلا انما واصلوا رحلتهم في سفر شاق طويل حتى وصلوا الى اندونيسيا بعد خمسة شهور من الابحار فارسوا على شواطئها الغربية واستقروا (8).

تقع اندونيسيا بين المحيطين الهادي والهندي وهي مجموعة جزر تفصل اسيا عن استراليا وتعرف باسم ارخبيل الملايو وقوامها جزر كبيرة مثل سومطرة وجاوة واخرى صغيرة مثل بالي وجزر الملوك.
اما الفلبين فقد اكتشفها ماجلان عام 1521 م، وبعد عقود من هذا التاريخ ضمها الاسبان الى ممتلكاتهم، لكنهم خسروها في حربهم مع الولايات المتحدة عام 1898 م.


واذا استثنينا الفلبين فان سائر جزر الهند الصينية كانت قبيل الحرب العالمية الثانية تخضع للسيطرة الهولندية وتعرف باسم امبراطورية الهند الهولندية، و في القرن التاسع عشر اطلق عليها اسم اندونيسيا اي – جزر الهند -.
تقع اندونيسيا في المنطقة الاستوائية، كثيرة الامطار، لكن البحار المحيطة بها وكثرة الغابات ساعدت على تلطيف مناخها. وجادت الطبيعة عليها بالخيرات التي جعلتها طعمة المستعمرين. ففيها البترول والرصاص والمطاط والبن وقصب السكر والقطن والتوابل وجوز الهند والاخشاب وغير ذلك من المواد الضرورية للصناعة.
واكثر الجزر الاندونيسية ازدحاما هي جزيرة جاوه. ففيها ثلاثة اخماس السكان، وهي اكثر الجزر تقدما من الوجهة الاقتصادية والثقافية.


go to top of page  كان المسلمون التجار والدعاة الاوائل يصلون الى اندونيسيا منذ القرن الاول للهجرة قادمين من بلدان الشرق الاوسط. وكانت الملايو محطتهم الاولى. ولعل اقدم ما يوثق صحة هذه الاخبار هو ما كتبه الرحالة الايطالي مركوبولو عام 1292 م وابن بطوطة عام 1345 م.
كان المسلمون القادمون من حضرموت يقيمون في الجزر الاندونيسية فترات طويلة، يتزوجون من نسائها. وقد تاثر السكان بوضوح عقيدتهم بما فيها من المساوات بين المؤمنين وبمأخاتهم للاخرين وبعدهم عن الغايات الاستعمارية، كان ذلك سببا هاما في نشر الدعوة الاسلامية بين الاهالي. دون ان يقوم الخلفاء والسلاطين في الامبراطورية الاسلامية باي عمل ايجابي في هذا الصدد. فالاسلوب السلمي الذي سلكه المهاجرون في نشر الاسلام في اقطار الهند الصينية عبر قرون من الزمن جعلهم ان ينعموا بالحياة الدينية والاجتماعية والعقلية الى درجة حتى استطاعوا ان ينشاوا في كل من جزيرة يانج وبراك وسلنجور سلطنات اسلامية، وقد بلغت تلك السلطنات اوج ازدهارها خلال القرن السابع الميلادي، وبالرغم من انها تعرضت للاحتلال البرتغالي والهولندي والبريطاني، لكن انتهى الامر اخر المطاف الى قيام جمهورية ماليزيا عام 1967، وهي بلاد اسلامية زاهرة عاصمتها كوالالامبور ومن اجمل العواصم الاسلامية

go to top of page  يقول المؤرخ الدمشقي في كتابه – نخبة الدهر في عجائب البر والبحر – ما نصه
(وصل الى جزيرة السيلا في بحر الصين قوم من العلويين كانوا قد فروا من اضطهاد الامويين، فاستوطنوا تلك الجزيرة التي تبدل اسمها بعدئذ الى – علوية – والعلويون هؤلاء هم من انصار ال البيت الذين تفرقوا تحت كل نجم)
 

  1. ويقول المؤرخ العراقي فيصل السامر ان العامل الاساسي في تحول سكان بعض الجزر من الهند الصينية الى الاسلام يعود الى التجار ومن رافق قوافلهم البحرية من دعاة الاسلام في سبيل السعي وراء الرزق ونشر العقيدة. ويضيف قائلا : لقد قدم الى جزيرة جاوه عام 30 للهجرة رجل اسمه الشريف ملك ابراهيم المنحدر من ذرية الحسين بن علي بن ابي طالب، وعندما علم السلطان انه عربي من ذرية النبي وانه داعية الى الاسلام، اعلن العاهل اسلامه على يديه وزوجه من بنته الاميرة داراواتي.

  2. ويقول المؤرخ محمد بهجت المصري في مقالته في جريدة الاهرام القاهرية تحت عنوان ذكريات من الشرق : (ان اول اتصال اسلامي بالهند جرى خلال القرن الاول للهجرة من قبل تجار مسلمون نزلوا على السواحل الغربية لشبه القارةالهندية، ولاقوا الترحيب من قبل امرائها فسمحوا لهم ببناء المساجد واقامة شعائرهم الدينية.

  3. ويقول المؤرخ نور الدين محمد في مجلة الموسوعات عدد مارس عام 1901 م :
    (ان اولى هجرات المسلمين الى الصين التي تمت خلال القرن الاول للهجرة كانت تضم اعدادا من الاشراف العلويين الذين هربوا من ملاحقة الامويين لهم في الشام. فلما علم امبراطور الصين بامرهم اسكنهم على شواطئ نهر متاخم للحدود، وعندما اطمان انهم خاضعين لسلطانه، مد لهم يد المساعدة.

  4. كما يقول المؤرخ الاندونيسي محمد تمين ابراهيم، استاذ التاريخ الاسلامي في جامعة جاكارتا : (ان اول مملكة اسلامية قامت في اندونيسيا كانت قد تاسست من قبل شخص يلقب بلقب الشيخ، كان عربيا مسلما منحدرا من سلالة الهاشميين)

  5. كذلك تطالعنا مجلة الرابطة الاندونيسية في صفحاتها الاولى و الصادرة عام 1930 بالعنوان التالي : (لقد هاجر من حضرموت في النصف الاول من القرن الماضي الى جزيرة جاوا عشرات الالوف من الحضارمة، منهم من استوطن نهائيا ومنهم من عاد الى وطنه والباقون وافاهم الاجل).

  6. وقد اكد المستشرق الهولندي – فن دين بيرخ - على الهجرات العلوية هذه الى جزر الهند الصينية في كتابه (حضرموت والمستوطنات العربية في جزائر الهند الصينية) باللغة الفرنسية قائلا : (ان نشرالاسلام في جاوا قد تم على يد دعاة انحدروا من ذرية نبي الاسلام محمد).

  7. وجاء في محاضرة للاستاذ تمين القاها في معهد التاريخ في سومطرة: (لقد انتشر العلويون المهاجرون في كل من كامبوجيا والصين وسيام، كان بينهم شخص اسمه سيد حسين الذي حضي ابنه ابراهيم بالاقتران من اميرة اسمها – باناولاق - من اسرة جامبا فولدت له ولدين اسمواهما علي و اسحاق كانا من ابرز العناصر الناشطة في نشر عقيدة الاسلام في تلك الاصقاع).


اما في جزر الفليبين فقد استوطن فيها المسلمون ونشروا فيها الاسلام واقاموا فيها دولة استمرت حتى عام 1521 حينما هاجمهم الاسبان زمن السلطان
عبد القاهر. وبعد زوال حكم الاسبان تحولت البلاد الى السيطرة الامريكية عام 1898، وبعد مرور وقت وجيز نال الفليبيون استقلالهم، فلوا وجد الدعاة المسلمون العناية الكافية لانفتحت امامهم السبل للانتشار الواسع في جزائر المحيط الهادئ.

وجاء في كتاب (دراسات عن المسلمين وتاريخهم) لمؤلفه مجئ الشريف المطبوع في العاصمة الفليبينية مانيلا عام 1905 ما يلي (يرجع فضل نشر الدين الاسلامي في الجزر الفليبينية الىعلوي اسمه حسن بن علي من ذرية احمد المهاجر
و احمد هذا هو حفيد جعفر الصادق كما سبق ذكره
ويضيف السيد الشريف قائلا : وقد عمل هذا الشخص على نشر الاسلام بادئ الامر في جزيرة - يوايان - وعندما احيط ملك الفليبين علما بدعوة هذا العلوي، حتى دعاه اليه، طالبا منه ان يشرح لجلالته جوهر عقيدة الاسلام، وبعدما انتهى الضيف من شرحه، اعلن الملك اسلامه على يديه، وما ان شاع الخبر بين سكان جزر: ميندانا، مافيندانا، سولو، سبيو، كوتا، بارو، كمبايان، تمبارا و ليبونغانا. حتى توافد الاهالي زرافات ووحدانا على الدعاة يعتنقون الدين الجديد لملكهم برضا وسرور).
  والجدير ذكره ان القادمين كانوا يعلمون السكان المحليين القراءة والكتابة

go to top of page  لقد شهدت بلاد تايلند بين القرن الثاني والخامس عشر تدفقا اسلاميا عربيا هادرا كان فيهم بعض العلويين من ذرية احمد المهاجروقد لقوا من ملكها الاستقبال الرحب الى درجة افضى على بعضهم مراتب عليا في دولته، خاصة ما كان يتعلق بشؤون التجارة والجيش وكان تاثير العقيدة الاسلامية في المجتمع التايلندي عميقا لدرجة انه بعد اجيال كان احد سفراء تايلند في الخارج بعد نيل الاستقلال السياسي مسلما.
والطريف انه لما حضر مندوب ملك تايلند ليهنئ المسلمين بالمولد النبي ويشاركهم احتفالهم السنوي، جاء في خطابه انه يشعر بالغبطة والسرور كلما حدثته امه عن جدها الاكبر رجل الدين المسلم الشيخ احمد المهاجر (9).

يمكن القول ان عام 1150 للهجرة كان عام الهجرة الحضرمية الاخيرة التي انطلقت من الجزيرة العربية متوجهة الى اندونيسيا كان بينهم اربع علويون مغامرون هم حسين القدري وعثمان حسن ومحمد حامد ومحمد القدسي، كان هدفهم يومذلك السعي وراء العيش الكريم ليس الا، بيد ان الحظ قد حالف بعضهم واقترنوا بالاميرات بنات السلاطين في اندونيسيا. وكان مما ابهر الحكام هناك كون ان هؤلاء الغرباء كانوا من سلالة علي بن ابي طالب. وفي نظرهم كان موضوع المصاهرة معهم فخرا وشرفا لسلطانهم. وقد تطور هذا الامر بعدئذ حتى اصبح بعض ابناء المهاجرين يرتقون عرش المملكة. هكذا ظهر السلطان سياك والسلطان فونتيانك وهما في الاصل كانوا من سلالة هؤلاء الوافدين. هذا ما جاء به المؤرخ الشهير حسن الامين في موسوعته الاسلامية.
الى الحلقة القادمة

go to top of page  دور حضرموت في نشرالاسلام في ممالك الهند الصينية،
لقد تعرضت الجزائر الاندونيسية للاستعمار الهولندي اول مرة عام 1596 م، لكن من حسن الحظ كانت اهتمامات المستعمرين منصبة على المال والتجارة ليس الا، فتركوا الاسلام ينتشر على مهل، ناهيك كونهم كانوا يوجهون انظار المسلمين ونشاطهم شطر شؤونهم الدينية، حتى ان الحكومة الهولندية كانت تساهم في نفقات اقامة المساجد، ورعاية ائمتها، فكان ذلك بركة على الاسلام والمسلمين، لان المستعمر قد اتاح للسكان المحليين الفرصة الذهبية لتحقيق الوحدة الدينية، هذه الوحدة اضحت الركن الاساس والدافع الاكبر للنضال ضد الاستعمار للتحرر من نيره. وقبيل الحرب العالمية الثانية احتل اليابانيون اندونيسيا، لكنهم عندما خسروا الحرب مع الولايات المتحدة عام 1945، تركوا ما كان معهم من سلاح للاندونيسيين، فكان ذلك خير معين للوطنيين الثائرين على الظفر بالاستقلال عام 1947، واندونيسيا تعد اليوم من اعظم بلاد الاسلام من حيث المساحة وعدد السكان (
10).

وامام هذا الحدث التاريخي المثير اشعر بالزهو كلما تذكرت بان الامام جعفر الصادق الذي كان طيلة حياته يعاني من ظلم الخلفاء العباسيين في بغداد، لم يخطر بباله يوما انه سياتي زمان يصبح احفاده سلاطين دول في العديد من ممالك الهند الصينية.
فقد علق احدهم : (نحن منزون في الداخل نشطاء في الخارج)

لا يخفى انه كانت هناك بعض الاسر التي استقرت في بلاد المهجر ولن تعود الى وطنها، لكنها لم تفقد موروثها الثقافي القديم عن طريق الانصهار في المجتمع الجديد، كاسرة الشيخ الشاعر ابوبكر ال شهاب المولود في حضرموت عام 1262 للهجرة الذي هاجرالى اندونيسيا واستقر فيها لكنه حافظ على تقاليد وعاداته العربية الاسلامية رغم مرور سنوات العمر كله.

لاتزال المقبرة الاسلامية في اندونيسيا حتى في الوقت الحاضر تضم قبور اولئك المسلمين وبضمنهم العلويين القدماء من الرواد الاوائل الى جانب قبور احفادهم والتي يعتبرها السكان المحليون مراقد مقدسة اصحابها كانوا من نسل ائمة المسلمين.
  ومما يسترعي الانتباه وجود البسملة وايات من القران وعبارة (الله محمد علي) او (لافتى الا علي لا سيف الا ذو الفقار) (لا اله الا الله محمدا رسول الله علي ولي الله) منحوتة على صخرة الشاهد. كما تدل الاعداد 822، 882 المثبتة على شواهد القبور هي تواريخ وفاتهم خلال القرن التاسع الهجري. وان هناك قبر يحمل شاهده اسم عبد الله، كان قد فر من وطنه العراق قاطعا الاف الاميال البحرية ليصل الى اندونيسيا هربا من المذابح التي اجتاحت بغداد اثناء الغزو المغولي لها عام 1258 ميلادية  ومن الطريف ان اندونيسيا مسلما قد نحت في صخرة شاهد قبره قبل وفاته هذه الابيات:

يا رب ان عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بان عفوك اعظم
ان كان لا يرجوك الا محسن فمن يلوذ ويستجير المجرم

 
اما عن اخبارالصحافة في بلدان المهجر للشرق الاقصى، فقد صدرت العديد من الجرائد العربية الاسبوعية كالسلام في سنغافورة وحضرموت والرابطة في اندونيسيا. اما اليوم فقد عفى عليها الزمن ولم تبقى منها من اثر،
اما عن اخبار الادب فاقول : لقد بقى الشعر العربي في المهجر كما كان عليه في بلاد العرب بكل خصائصه التي لم تخرج عن اطار الغزل والمديح والرثاء والهجاء، لكن الشعراء هناك اضافوا اليه طابعا جديدا من شعر المهجرالذي يعكس الانفعالات العاطفية للمغترب كالشوق والحنين الذي تثيره ذكريات الوطن والتي كانت تتجسد في صورة عبرات وزفرات وتأوهات، فشاعرنا الشيخ ابوبكر مثلا ينظم قصيدة طويلة في مدح الامام علي، نلمس بين طياتها همسات الحنين، لكن هذا الحنين لم يكن الى مسقط راسه حضرموت بل الى النجف الاشرف الذي كان يعتبره موطنه الروحي قوله:

وهل لي الى ساح الغريين زورة لاستاف ريا رندها وبشامها
واني على نأي الديار وبينها وصدع الليالي شعبها واحتكامها

 
واذا كان الشاعر في القصيدة السابقة قد حن الى وطن الروح فهو في القصيدة التالية يحن الى وطن الجسد حيث يخاطب عياله قائلا:

على سلمى وان نأت الخيام

من المضنى التحية والسلام

تناشدني أترجع عن قريب

فقلت نعم وللدهر احتكام

ترى هل تجمع الايام شملي

بها او هل لفرقتنا التئام

اليها قبلتي ولها صلاتي

وحجي والتنسك والصيام


فشاعر المهجر الشرقي لا يهتم بالديار والاطلال ولا يشتاق اليها انما الى منازل العرب ومجدهم التليد معبرا لهم عن تقديره واعتزازه قوله :

مدينة سنغافورة حين تبدو

معالمها ترى السوح الرحيبا

ولم تسمع اذا ما طفت الا

حماما ساجعا او عندليبا

من ساكنيها العرب الكرام

من المجد اكتست بردا قشيبا

 

تعتبر هذه القصيدة من اثمن ما ورد في شعر المهجر الشرقي الذي يحدث الاجيال عما كان للمسلمين من الشان العظيم في تلك البلاد النائية، والظاهر ان العرب كانوا فيها من الكثرة وقوة التاثير بحيث يتحدث الشاعر عنهم كجزء بارز في تكوين سنغافورة الاجتماعي والاقتصادي، مثلما يشير الى السوح الرحيبة والسفوح الخصيبة، يحييها المطر لتظل ابدا خصيبة.

من هنا يمكن القول ان نوع البيئة للمهاجر وحالته النفسية هي التي تتحكم في موضوعات الشعر، فليس جميع شعراء المهجر كانوا على منوال الشيخ ابوبكر، انما كان هناك ايضا من يهوى ويعشق يهيم في الجمال ويتغزل، كهذا الشاعر الذي كان يناغي تقوى – حبيبته قائلا:

ست الحسان لماذا

سماك اهلك تقوى

ففيك طال انتظاري

وكادت الدار تهوى

نفسي فداك تعالي فالوصل

كله بر وتقوى

 

go to top of page  ان الابداع الفني و الثقافي الذي ظهر في ادب المهجر الشرقي قد خضع مع بالغ الاسف الى الاهمال والتعتيم. علما انه قد توفر في ذلك المحيط المنهل من الظروف الملائمة مما شجعت بعض النوابغ من المغتربين العرب من ان يبلوا بلاء حسنا في مجالات العمل الخلاق والفكر المنير، كالادب والشعر والدين، فغدوا اعلاما يشار اليهم بالبنان، كان الشاعر الفذ ابو بكر احدهم. اكثر ظني ان القصد من هذا الاهمال هو ان لاتتاح الفرصة لادب المهجر الشرقي من ان ينال قسطا كافيا مما يستحقه من عناية الدارسين في البحث والتنقيب و لئلا يكسب روادها نصيبهم من الشهرة التي حققوها عن طريق نتاجاتهم في الادب الانساني المرموق.

لقد عاد معظم الحضارمة الى وطنهم بعد اغتراب طويل، فكانوا في نظر شعبهم من ابنائه البررة كونهم لم ينسوا جذور منبتهم ولم يتنكروا فضل تربة وطنهم، بل انما كانوا معه دوما على اتصال روحي وثيق، لقد جلبوا معهم من بلد المهجر الاموال التي وفروها والخبرة التي اكتسبوها والثقافة التي تعلموها، فساهموا بشوق ونشاط في بناء بلدهم العزيز الشبه صحراوي، فانقذوه من براثن الفقر والفاقة والتخلف الحضاري، حتى ظهرت في حضرموت في العصر الحديث بوادر الحياة العصرية.

كانت الهجرات الاسلامية المتعاقبة الى ممالك الهند الصينية، هجرات جارفة حملت الاعداد الغفيرة من ابناء العروبة الى اوطان بعيدة اتسمت بيئتها بالامن والامان والتمتع بشهرة المقام، اذ فسحت تلك الممالك المجال امام القادمين ان ينموا ويتكاثروا في جو اتسم بثقافة روح التسامح لينعم الوافدون براحة البال والحياة الكريمة، حتى كونوا شعبا كاملا على كثرتهم. ومهما يكن من امر فان تلك الجماعات وبضمنهم الاسر العلوية التي حالفها الحظ ان تفلت من جور الحكام الظلمة و تتحمل معانات الطريق الطويل لنيل الملاذ في وطن الامان، بدات تذوب ملامحهم تدريجيا في مجتمعات الغربة حتى تلاشت تماما بمرور الزمن واصبحوا اخيرا في غيبة ابدية، ولم يبق ما يربط الاحفاد بجذور ابائهم واجدادهم في الوطن الام، مثلما لم يبق لهم من الماضي الا شبح الذكريات. كما حدث لاسرة الحسن في اندونيسيا التي انطوت انطواء كاملا حتى اصبحت سلالتها تحمل اسماء محلية فغدوا يعرفون بعد اجيال بال ساسترو.

ومقابل هذه الخسارة التي المت بشعوب الهلال الخصيب بفقدهم الافذاذ من ابنائها، كانت الجهود المخلصة لهؤلاء الصلحاء في نشر العقيدة الاسلامية في اقطار الهند الصينية باسلوبهم السلمي الهادي المهذب قد اعطت ثمارها، وان هذا الحدث ان دل على شيئ انما يدل على وظيفة دينية وحضارية واجتماعية كبرى، هؤلاء جميعا نسجوا في صبر طويل وعمل دؤوب نسيج ذلك العالم الاسلامي الواسع الذي شكل بعدئذ الجناح الشرقي من صميم امة الاسلام الواحدة. والجدير بالذكر ان الاسلوب الذكي في نشر العقيدة قد لاقى قبولا واستحسانا منقطع النظير لدى تلك الامم لا على الصعيد الشعبي فحسب وانما علىالصعيد الرسمي كذلك وكانهم ادركوا ان (ذلك الدين القيم) قد ولد تحت شمس التاريخ المحقق. انها كانت انجاز رائع ومشكور، اعطت نتائج باهرة منيرة، خاصة بعد ان تزايد عدد المسلمين وتضاعف، فبعد مضي قرون عدة، اضحى تعداد المسلمين في اندونيسيا وحدها يقدر بمئات الملايين، نعم انهم بنوا بعملهم المجيد هذا مجدا شامخا للنهضة الاسلامية الخالدة سجله التاريخ لهم بقلم من ذهب، حقا انها كانت ملحمة ليس لها نظير في تاريخ الاديان على الاطلاق (12).

go to top of page  المصادر:

1- جرجي زيدان العرب قبل الاسلام
2- دزيره سقال في العرب في العصر الجاهلي بيروت 1992.
3- حسن الامين في دائرة المعارف الاسلامية الشيعية ص 420 بيروت 1990.
4- عزيز العظمة في العرب والبرابرة لندن منشورات رياض الريس 1991
5- وفيق التميمي في جو الجزيرة العربية واثره في الهجرات السامية القاهرة 1944
6- جواد علي في العرب قبل الاسلام المجلد الاول بغداد 1944..
7- نتنج في العرب منذ العهد الجاهلي الى عهد جمال عبد الناصر القاهرة 2002
8- حسن الامين
9- المصدر السابق
10- حسين مؤنس في عالم الاسلام ص 98 دار النشر الزهراء الاعلام العربي القاهرة 1989
11- حسن الامين المصدر السابق
12- راي كاتب المقال
13- حيدر البصري في العنف بين الشريعة والقانون مجلة النبأ عدد 67، 68 لسنة 2002



    Back Home NextBack to Home Pagego to top of page