حركة اخوان الصفا وتراثها الثقافي – الحلقة 1
من كتاب فيه مصادر مختلفه
بقلم الدكتور رضا العطار
ridhaalattar@yahoo.com
نشأت في العالم القديم وقبل ظهور الأسلام حضارات متعددة، بعضها كانت متعاقبة واخرى متباعدة، فكانت الحضارة
البابلية والمصرية والأغريقية والرومانية والفارسية، مثلما كانت في الشرق الأقصى حضارة الهند وحضارة الصين. وقد ازدهرت هذه الحضارات ردحا من الزمن ثم ال بها الأمر الى الضمور والزوال.
ولم يكن لها من بقية عند ظهور الأسلام غير ما صنعته من الأدوات شبه البدائية بما يتعلق بالمعيشة اليومية. اما العلوم والمعارف التي الفها حكماء اليونان فقد احتجبت عن الأنسان واندثرت
او بقيت اجزاء منها في حوزة من لا يفهمها وربما قرأها البعض وحاول دراستها وفهمها لكن هذا البعض اخفاها عن الناس او
احرقها بأسم الدين، وبذالك زالت شريعة الرومان وتراثهم بعد زوال
السيطرة الرومانية وغدت الولايات القديمة باعثة لفوضى الأوضاع واضطراب الأمور، التي كانت لاتهدأ في ناحية الا واضطرمت في ناحية اخرى. وجاء القرن السادس الميلادي وامم العالم انذاك لا
تختلف في طراز معيشتها عن اسلافهم القدماء، لكن بعد ان بزغ فجر الأسلام في الحجاز،
انتعشت الحضارات السابقة وتمكنت الأمم ان تنال فرصتها بالأنخراط في عملية التطور الأجتماعي والقدرة على تتبع المسار العام للحركة الأنسانية الجديدة.
مخطوطة لأخوان الصفا تعود للقرن الثاني عشر
اما امم الشرق الأقصى فقد حصلت على نصيبها من الحضارة الاسلامية عبر ما كان يحمله اليهم من شبه الجزيرة
العربية الرحالون العرب والتجارالمسلمون واسر علوية هاشمية منحدرة من نسل النبي محمد هاربة من ظلم العباسيين في بغداد *
فكانت الرياح الموسمية خلال اشهر سبتمبر – اكتوبر تجرف سفنهم الشراعية متجهة نحو تلك الأقطار النائية في الهند
الصينية في اسفار شاقة طويلة ليصلوا بعد شهور الى جزر الملايو وجاوه واندنوسيا والفليبين لينتهوا اخيرا في ميناء كانتون في جنوب الصين –
عزيز العظمة– كانت مهمنهم الأولى الى جانب
اهدافهم التجارية هو نشر الاسلام اينما حلوا وذهبوا، فانتشر دين محمد في تلك الربوع كانتشار النار في الهشيم، حتى بلغ تعدادهم في الوقت الحاضر مئات الملايين، لقد كان اثر الأسلام
فيمن دانوا به، معجزة لا نظير لها في تاريخ الأديان.
اما الحضارة الأوروبية في العصر الراهن فهي امتداد الى عصر النهضة، وعصر النهضة كان قد تأثر بالحضارة
الأسلامية التي انتشرت في ربوع القارة
الأوروبية ابتداء من الفرن الثامن الميلادي
وفي هذا السياق يصرح المؤرخ عباس
محمود العقاد قوله – ربما كان كشاف الأوروبيين الذين تمكنوا من الوصول الى امريكا هو نتيجة لمقدمات واحداث تاريحية تحققت وتهيأت بفضل التراث الأسلامي الذي كان له حضور فاعل في اسبانيا
العربية –
نشأت الحضارة الأسلامية في الرقعة الوسطية بين القارات اسيا وافريقيا واوروبا التي تكون منها العالم
القديم والذي كان يضم بين جناحيه بلاد السند وخراسان وفارس والعراق والشام ومصر والمغرب والجزيرة العربية وهي اوطان كثيرة عاش فيها منذ القدم اقوام متباينة في الجنس واللغة والثقافة،
وعندما استظلت هذه الأقوام بظل الأسلام جاشت فيها الحياة فاصبحت كعروق الدم في جسم الأنسان الواحد، فقد تجمعت فيه زبدة الثقافات الصينية والهندية والفارسية والمصرية واليونانية
والرومانية وبفضل حركة الترجمة الناشطة انصهرت تلك الثقافات في بودقة حضارية واحدة بعدما كانت متفرقة او
منعزلة او منسية، فأحيتها صانعة منها حضارة جديدة مشرقة ليس لها نظير على
وجه الأرض، كانت بغداد العاصمة العباسية تحتضن تلك الحضارات وتطورها بفضل وفرة مفكريها العظام من العلماء والادباء والفنانين، فقد تجلت تلك الحضارة وازدهرت حتى وصلت ذروتها في
العصر الذهبي المنشود زمن المامون، كانت بغداد انذاك مركز الاشعاع الثقافي المنير، فقد سطع نورها على ظلمة البلدان
الأوروبية ودخل جامعاتها،
كان ذلك قبل اكثر من الف عام.
وكان وراء هذا المزج الحضاري بين العناصر الأجنبية والعنصر العربي يكمن نوعا من المزج الروحي، حدث عن طريق
الولاء للدين الجديد، فسواء كانوا فرسا او هنودا او روميا او قبطيا الا انهم اصبحوا بحكم هذا الولاء الفكري مواطنين مسلمين. لقد دعى الأسلام الى تحرير الرقيق دعوة صادقة وجعله بمستوى التكفير عن ذنب كبير، وصار شانهم شان الموالي متساويين في حق المواطنة، كما وضم الأسلام بقية الأديان كاالمجوسية والصابئة والمسيحية واليهودية تحت لواء سيادة روح التسامح العقائدي وعلى اثر ذلك اندمجوا في المجتمع الكبير وتمتعوا بكل ما شرع لهم من حقوق وواجبات، فقد فتحت بينهم وبين
اهل البلاد ابواب التعاون المثمر في جميع مجالات الحياة،
كانت النتيجة دخول اعداد كبيرة منهم الى دين الأسلام والذين لم يدخلوا شعروا قبال المسلمين بضرب من الأخوة الكريمة.
لقد استطاع الأسلام بتعاليمه السمحة ان يحدث امتزاجا قوبا بين الامم التي استظلت بظل الاسلام، هذا الأمتزاج
الذي لم يبلغه بامتلاك الأرض انما بلغه بأمتلاك القلوب، كما برز ذلك للعيان في عهد الدولة الفاطمية حيث تمكنت سلطة الخلافة في القاهرة من توحيد الدول العربية في كيان واحد واقامة
امبراطورية عربية اسلامية واسعة ضمت الممالك العربية من الخليج الى المحيط في وحدة عربية كبرى،
وبذلك غدا العربي يومذاك مزهوا فخورا بحكومته التي حققت للعرب مطمح قومي
تاريخي عظيم، هذا الوطن
الذي جمعته المقومات الأساسية الثلاثة، التاريخ العتيد ولغة الضاد والدين الحنيف، هكذا تحقق الحلم المنشود على يد الشيعة الاسماعيلية قبل اكثر من الف عام، في الوقت الذي اصبح تحقيق
هذا الحلم في الوقت الحاصر امرا متعذرا .
في هذا العصر الزاهر ظهرت حركة اخوان الصفا وخلان الوفا في البصرة عام 996 م في اعقاب استيلاء البويهيين
على بغداد، وقد اختلف المؤرخون في تسمية الأخوان ومذهبهم، ذلك انهم عملوا جهدهم على تغطي حقيقة حركتهم واسمائهم، كما اختلف
المؤرخون في رسائلهم وواضعيها، فالقفطي ينسبها الى
المعتزلة واخر ينسبها الى القرطبي الأندلسي وثالث يعتقد انها تعود الى فرق اسماعيلية بزعامة احمد بن عبد الله الذي يعود نسبه الى الأمام جعفر الصادق، لكن المتتبع لتاريخهم يرى ان
الجماعة نشأت كجمعية سياسية دينية، ينشرون اراءهم العلمية الحرة في خفاء شديد خوفا من بطش العباسيين ومن رجال الدين المتعصبين. وقد دعوا الى تثقيف العقول والنفوس ونشر الثقافة الجادة
التي تجمع بين الفلسفة والعرفان ولم يقف اضطراب الأمور السياسية في عهدهم حائلا دون تقدمهم وتحقبق الاهداف.
ومن المفارقات ان الخلفاء العباسيين كانوا يتسابقون في تقريب العلماء والادباء المعتزلة اعضاء في الحركة السرية
لأخوان الصفا الى قصورهم، يغدقون عليهم العطاءات للاستفادة من
انتاجاتهم الفكرية دون ان يعلموا بحقيقتهم.
كان من مبادئ هذه الجماعة ان لا يعادوا علما او يهجروا كتابا او يتعصبوا لمذهب، فقد جمعوا العلوم كلها ونظروا في
الموجودات بأسرها، وكانت اجتماعاتهم تتم في غاية السرية لا يحضرها سوى الأعضاء الا انهم كانوا يذيعون ما يتوصلون اليه من الأبحاث وينشرونها بين الناس ليطلع عليها المثقفون حتى وصلت
رسائلهم الى بلاد الأندلس ودخلت جامعاتها فكانت تأثيراتها على ازدهار العلوم الأرضية والفلكية ملموسة.
اما اصل التسمية على حركتهم فقد اشتق من صفوة الأخوة المبنية على التعاون لبناء
مدينة فاضلة.
كانت الحركة تتكون من اربعة طبقات هي:
-
الأولى تتكون من الشباب في اعمار بين 15 الى 30 سنة ينقادون لأساتذتهم بشكل مطلق
-
الثانية تتكون من رجال في اعمار من 30 الى 40 سنة يتلقون الحكمة من حكمائهم
-
الثالثة تتكون من رجال في اعمار من 40 الى 50 سنة وهم في مرتبة الحكماء
-
والرابعة تتكون من رجال ممن تجاوزوا الخمسين سنة وهم الذين ارتقوا الى الطبقة العليا وصاروا يشهدون حقائق الأشياء،
لكن الملاحظ ان الجمعية خلت من العنصر النسائ تماما ولم نلمس تفسير لذلك - العبيدي - .
وبغض النظر عن اهدافهم السياسية والدينية نجد انهم الفوا احدى وخمسين رسالة:
-
خمسون منها في مختلف الموضوعات العلمية والفلسفية
-
ومقالة واحدة جامعة لأنواع الرسائل على طريقة الأختصار والأيجاز
-
منها 13رسالة في الرياضيات
-
و17 في الطبيعيات
-
و10 في العلوم النفسية والعقلية
-
و10 رسائل في العلوم الناموسية والألهية الشرعية
-
وواحدة جامعة لكل الرسائل.
تدل هذه الرسائل على ان اخوان الصفا قد نالوا من الرقي الفكري حظا كبيرا واقتبسوا ارائهم وعلومهم من جميع المذاهب
والديانات السماوية الثلاثة وقالوا ان الشريعة دنست بالجهالات واختلطت بالضلالات ولا سبيل الى غسلها وتطهيرها الا بالفلسفة العملية والنظرية اسموها رسائل اخوان الصفا فقد بثوها في
المكتبات ووهبوها للناس.
المصادر
1- امين طليع في الموحدون الدروز واصولهم معرض الشوف بيروت 1989
2- حسن الأمين في دائرة المعارف الأسلامية الشيعية بيروت 1989
3- ثلاثية الحلم القرمطي لمحي الدين اللاذقاني القاهرة 1993
4- بطرس البستاني في حركة اخوان الصفا
5- عبد العزيز الدوري في تاريخ العراق الأقتصادي في القرن الرابع الهجري
6- حسين مؤنس في حركة اخوان الصفا
7- عزيز العظمة في العرب والبرابرة قبرص – لندن الطبعة الأولى 1991
8- عبد الجبار العبيدي في العناصر الحضارية في فكر جماعة اخوان الصفا موقع كتابات بتاريخ 19 حزيران من عام 2008
9- علي الوردي في منطق ابن خلدون ص 162 دار كوفان لندن 1994
* راجع مقالة – دور حضرموت في نشر الاسلام في ممالك الهند الصينية لكاتبه
د. رضا العطار
الى الحلقة التالية
Back
to Home