Back
to Subject-Page
حركة اخوان الصفا وتراثها الثقافي – الحلقة 2
من كتاب فيه مصادر مختلفه
بقلم الدكتور رضا العطار
ridhaalattar@yahoo.com
كان للعدد اربعة شرف الصدارة بين الأعداد عندهم،
فقد اعتقدوا ان الطبائع البشرية اربعة وهي:
الحرارة
والبرودة
والرطوبة
والجفاف –
وان عناصر الوجود اربعة وهي:
النار
والهواء
والماء
والتراب –
وان امزجة الأنسان اربعة وهي:
الدموي
والبلغمي
والصفراوي
والسوداوي –
وان فصول السنة اربعة وهي:
الربيع
والصيف
والخريف
والشتاء
وان جهات الأرض اربعة وهي:
الشمال
والشرق
والجنوب
والغرب
وان مكونات المادة اربعة وهي:
المعادن
والأنسان
والنبات
والحيوان
وان علوم الرياضيات اربعة وهي:
ارثماتيك
وجيومتريك
واسترونوميك
والموسيقى وما يتعلق بها من علوم الصوت
والنغم.
ففي القسم الأول تكلموا في الهندسة والنجوم وامتزاج
الأصوات وتنافرها وفي اصول الألحان وقوانين الموسيقى، كما تكلموا عن الطبيعة علما ان جماعة اخوان الصفا كانوا مشايعين لفلسفة ارسطو وافلاطون وكتبوا في الصورة والمكان والزمان والحركة وعن
الأنسان واللذة والألم،
اما القسم الثاني فكان يشمل الحديث عن التطور والأرتقاء.
وذكروا ان المعادن متصل اولها بالتراب واخرها بالنبات والنبات متصل اخره بأول الحيوان واخر مرتبة الحيوان متصل بأول مرتبة الأنسان،
وفي القسم الثالث تكلموا عن العقليات والنفسيات واقتصر القسم الرابع من هذه الرسائل على المذاهب والأديان وما اتصل بها من النفحات الروحية وهي محاولات لم يغفلها ابن سينا والفارابي
وغيرهما من الفلاسفة.
لقد انتشرت افكار حركة اخوان الصفا بين فرق كثيرة في العالم الأسلامي كالباطنية
والحشاشين والدروز ويذكر المؤرخ بطرس البستاني ان دعاة الحركة القرمطية في العراق بدوا يحققون اهدافهم السياسية عن طريق الثقافة بعد ما عجزوا من تحقيقها عن طريق السيف.
لقد بحث علماء حركة اخوان الصفا
في الصنائع العلمية والعملية والمهنية في مختلف اجناسها،
وفي حقل الجغرافيا ذكروا عن حالات
المناخ وتغييرات الهواء وتأثيرات النور والظلمة وعن الحروالبرد
كما كتبوا عن حركة الرياح في البحار
والقارات وعن الرعد والبرق وتكوين الثلوج وقوس قزح والشهب وذوات المذنبات.
وتكلموا في كيفية تكوين المعادن في باطن
الأرض وشرحوا وظيفة النباتات وكيفية نشوئها واختلاف انواعها واشكالها والوانها وصموغها وعروقها
كما تتناول احدى هذه الرسائل البحث عن
نركيب جسم الأنسان وفي نظرهم انه العالم الصغير وفي هيكليته البنيوية يشبه المدينة الفاضلة وعقله بمثابة الملك.
يقول الباحث العربي عبد الحليم منتصر، في اعتقادي ان حركة اخوان الصفا ما هي الا جمعية علمية هدفها جمع معارف العصر ودراستها، فتمكنوا من معالجة الموضوعات المتناولة بطرق علمية، يجمعونها
ويرتبونها ثم يخضعونها للبحث والتنقيب قبل استخلاص الحقائق منها، صحيح انهم كثيرا ما لجؤا الى الأشارات والرموز الا ان ارائهم كانت تدل على سعة في الفهم ودقة في العرض، لذا جاءت
رسائلهم عامرة بالفلسفة والرياضيات والطبيعيات، وانها تعد بحق من الأعمال العلمية الخالدة وان دراستها تحتاج الى جهد كبير من قبل رجال الأختصاص لأستخراج ما بها من كنوز ليس الى حصرها
سبيل
يقول الباحث العراقي محمد جواد رضا – لقد بلور جماعة اخوان الصفا عقيدتهم بعدما اطلعوا على نظم حياة اجتماعية افضل، ومارسوا نشاطهم الثقافي والسياسي بسرية، هدفهم تغييرمجريات التاريخ
طبقا لمعتقداتهم.
ويقول المؤرخ حسن الأمين –لقد ادرك اخوان الصفا النتائج الأيجابية للحوار بين الأفكار المتباينة واسسوا نظاما للعمل الأنتاجي المشترك الذي يعتبره الأوروبييون في العصر الحاضر اقدم مؤسسة
علمية اكادمية عرفها التاريخ العربي وان اخوان الصفا قد قرؤا حكم الهنود واعجبوا بما تضمنته من عبر وعظات وفطنوا الى معاني التعاون والتعاضد التي قادت الملك دبشيم ان يطلب الى الفيلسوف
بيديا ان يحدثه عن اخوان الصفا وكيف بدأ تواصلهم، فيقول: انهم كانوا متعاونين على عمل الخير طبقا للحكاية الهندية في كليلة ودمنة للحمامة المطوقة من قبل الجرذي والظبي والغراب وكيف انهم
استفادوا من علاقاتهم مع بعضهم التي اتصفت بالصفاء والمودة وتمكنوا من ان يتخلصوا من مرابط التهلكة.
وكان لأخوان الصفا في بغداد فرع يدار من قبل الشاعر ابو العلاء المعري وان الشاعر المتنبي وابن سينا كانوا متأثرين بأرائهم وكان الحلاج احد المبشريين بعقائدهم لكن انكشف امره للعباسيين
فقتلوه.
كان جماعة اخوان الصفا يرون ان الأنسان الذي منح العقل والفهم والهم الخير والمعرفة اولى
بالتواصل والتعاون مع بني جنسه، فهم اول من عرف العالم بقواعد الفلسفة التعاونية، لكن معظم اراء ومعتقدات الأخوان كان يكتنفها الغموض لذا جائت اعمالهم مشوبة بالغرائب ومتناظرة الى حد ما
بالتي كانت سائدة في القرون الوسطى، التي لعب الدين فيها دوره. وبالرغم من كل ذلك خلقت الحركة ثروة علمية عالية القيمة ورتبت انتاجها ترتيبا موسوعيا غاية في الدقة، وهي خلاصة لكثير مما
انتهى اليه العقل العربي من المعارف لذلك الزمان وتدل لغتها على ان العربية كانت قادرة على التعبير العلمي، فهم اول من وضع النظام الموسوعي في التأليف.
ويعتقد المؤرخ دلاسي اد لربي ان زيد ابن رقاعه كان روح هذه الحركة يعاونه كل من ابو سليمان محمد البستي وابو الحسن الزنجاني وابو احمد المهرجاني وان هذه الجماعة كان لهم مذهبا زعموا انه
يوصلهم الى رضوان الله.
يقول المؤرخ الشهير ابو حيان التوحيدي –الذي تأثر بطرائق تفكيرهم– لقد كتبت رسائل الأخوان بلغة شيقة جذابة تميزت بالتحقيق العلمي الرصين كما ان رسائلهم كانت تشمل فلسفة العدد وخواصه
وماهيته وكميته وكيفيته واعتقدوا ان علم العدد هو جذر العلوم وعنصر الحكمة وبداية المعارف.
واخيرا يعتقد عالم الأجتماع الكبير علي الوردي ان جماعة اخوان الصفا هم فريق من المفكرين لا تعرف اسماءهم او شخصياتهم على وجه اليقين. كل ما يعرف عنهم انهم
كانوا ينتمون الى الشيعة الأسماعيلية وكتبوا من الرسائل ما اعتبرها البعض اولى دائرة معارف في العالم. وقد تضمنت كثيرا من الأفكار التي لها صلة بالأمور الأجتماعية، منها ان الدولة لها
عمر تنتهي بأنتهائه. وليس هناك دولة تبقى الى الأبد. فحياتها تمر بأطوار حياة الأنسان من فتوة وكهولة وهرم. وكان الأخوان يدعون الى اتباع المنطق الأستنباطي الصوري في تعليل ظواهر
الطبيعة، اذ هم كانوا يرون ان الدول تعيش في الأرض على منوال ما تدور الأفلاك في السماء. فالزمان نصفه نهار مضئ والنصف الأخر ليل مظلم، مثلما يكون الزمان نصفه صيف حار ونصفه الاخر شتاء
بارد وهما يتداولان. وهذه الأفكار قديمة نشأت ضمن الأساطيرالشعبية لدى الكثير من الأمم التي عاشت في الماضي السحيق. كان سبب نشوئها يكمن في امل الشعوب ان تتبدل ظروف الظلم الأجتماعي التي
كانوا يعانون منها، فقد دفعهم هذا الأمل الى توقع مجيئ عهد جديد على غرار ما يعقب الليل الدامس النهار المضئ، من هذه الأسطورة نشأت فكرة المسيح لدى العبريين وفكرة المهدي المنتظر عند
المسلمين. وجاء اخوان الصفا واتخذوا هذه الفكرة شعارا لهم، فروجوا لأتباعهم وقالوا: ان دولة العدل الاجتماعي التي سوف تنقذهم، هي دولتهم، اتية لا ريب فيها.
وهنا اورد مقتطفات من ادب جماعة اخوان الصفا وخلان الوفا ليطلع القارى الكريم على اسلوب
تفكير هؤلاء النخبة في ذلك الزمان.
يقول – ان افعال النفس خمسة – التدبير والنية والأعتقاد والقول والعمل
وان التدبير هو ما بين صواب وخطأ والنية هي ما بين طيب وخبيث والأعتقاد هو ما بين صحة وفساد والقول هو ما بين صدق وكذب والعمل
هو ما بين الخير والشر.