هل القرامطة كانوا مسلمين ؟ الحلقة 1
مقتبس من كتاب ثلاثي الحلم القرمطي لمؤلفه محي الدين اللاذقاني
بقلم الدكتور رضا العطار
ridhaalattar@yahoo.com
طبقا لرواية الطبري يكون تاريخ ظهورالقرامطة في الكوفة بالعراق هوعام 278 ه ومنها انتشروا في الشام واليمن حتى استقروا اخيرا
في البحرين، كان اسلامهم على مذهب الشيعة الأسماعيلية في الظاهر لكن محفزاتهم الباطنية كانت تتعارض والدين المزعوم. وبهذه الأستراتيجية جمعوا حولهم الأنصار وانتشروا في البقاع
المذكورة، واقاموا فيها الكيانات القرمطية، كان الذي في البحرين اكثرها دواما،
واتخذ نظامهم السياسي اخيرا منحا اشتراكيا.
انبثقت فكرة القرامطة بداية في ذهن عبد الله بن ميمون القداح في الاهواز من بلاد فارس زاعما انه منحدر من نسل اسماعيل بن
الامام جعفر الصادق، كان مشروعه المعلن نشر العقيدة الاسماعيلية لكن الحقيقة كانت غير ذلك، وفي سبيل جذب العامة من الناس اليه استعان بالسحر والشعوذة حينا وباظهار التقوى والنسك حين
اخر، زاعما ان دينه هو دين النور، ثم ترك موطنه وتوجه الى الكوفة برفقة
حسين الاهوازي، ينشر دعوته باثا فيها تعاليم مجوسية وفلسفية يونانية، ولم يلبث ان اختفى ابن ميمون من مسرح الاحداث، لكن صاحبه واصل نشاط سلفه في الحركة والتقى بنبطي اسمه حمدان قرمط، افضى اليه انه يدعو الى (الامام ) اسماعيل بن جعفر الصادق، وبعد كشف الوثائق والعهود اقتنع انه هو الشخص الذي يبحث عنه فسار معه الى مقر سكناه في قرية سليمه حيث عهد اليه برئاسة
الدعوة، التي اسماها حمدان الحركة القرمطية نسبة اليه.
كان حمدان ذو عينين حمراوتين، ولذا كانت كنيته في قريته -ابو عيون الحمرة- وكلمة قرمة التي تحورت فيما بعد الى قرمط
مشتقة لغويا من كلمة قرمز الفارسية وتعني اللون الأحمر، ومما يزيد من صعوبة تحديد الأطار التاريخي لحركة القرامطة اختلاطهم بتاريخ الأسماعيلية،
فقد ادعوا انهم احد فروعها مستندين الى وثائقهم السرية التي لم يطلع عليها احد.
لكن المستشرق الروسي ايفانوف المتخصص في الاسماعيليات ينكر ان تكون للقرامطة صلة بالأسماعيلية، علما ان الفاطميين في القاهرة
ذوي المذهب الأسماعيلي كانوا يبغضون القرامطة. فكانت العلاقات بين الدولة الفاطمية في مصر و دولة القرامطة في البحرين علاقات متوترة سيئة خاصة بعد غزو القرامطة لمكة المكرمة وسرقتهم
الحجر الأسود من الكعبة، والذي لم يسترد الا بعد مناشدات الدولة الفاطمية دامت 22 سنة.
كما يؤكد المؤرخ برنارد لويس ان لقرامطة البحرين طقوس دينية التي كانت تختلف تماما عن التي عند الأسماعيليين في مصر.
لقد تناثر القرامطة جغرافيا في اربعة بلدان عربية وهي العراق والشام واليمن والبحرين
فمن الكوفة انطلقت دعوتهم التي لاقت تجاوبا كبيرا من قبل قطاعات واسعة من الفلاحين بعد ان وعدوهم به من تغيير ظروفهم
الاقتصادية السيئة اذ كان الاقطاعيون يسومونهم سوء العذاب مع التقتير الشديد في الاجور، كما انضم اليهم ايضا جمع غفير من الطبقة الكادحة في المدن ممن كانوا يعيشون في بؤس مدقع. وقد
وعدهم حمدان بانه سينقلهم من حياة الشقاء الى السعادة ومن الفقر وذله الى الغنى وعزه.
وبعدما اطمأن حمدان الى نجاح دعوته، اخذ يحل لاتباعه ترك الفرائض الدينية من الصلاة والصوم والحج والجهاد، معتقدا ان الجنة
ونعيمها، مثلما جهنم وعذابه هما في الدنيا ليس الا. ولهذا انكر البعث والحساب والنشور قائلا : ان الانبياء كنوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد وكل من ادعى النبوة كانوا اصحاب مخاريق
احبوا الزعامة على العامة، فخدعوهم واستعبدوهم بشرائعهم. ورغم انكاره الصريح للدين الا ان حمدان امر ان يكتب على اعلام الدولة القرمطية البيضاء:
(ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين )
وبعد ان صلب عوده وانتشرت دعوته في سواد الكوفة اشتبك بجيش العباسيين، كانت النتيجة ان وقع قائده القرمطي – ابن ابي
قوس– اسيرا، فاقتيد الى بغداد وصلب على جسرها.
ولا بأس ان نطلع على طبيعة الحوار الذي دار بين الخليفة العباسي المقتدر والقائد القرمطي الاسير الذي يلقي الضوء على حقيقة
العقيدة القرمطية. فعندما وجهه الخليفة اليه السؤال التالي: (هل تزعمون انتم القرامطة ان روح الله والانبياء قد حلت في اجسادكم وانها ستعصمكم من الزلل ؟)، اجاب القائد العسكري
الاسير قائلا :
(يا هذا ان حلت روح الله فينا فما يضرك وان حلت روح ابليس فما ينفعك فلا تسال عما لا يعنيك).
عند هذا التاريخ يختفي اسم حمدان ويظهر اسم يحيى بن زكروية الدنداني في
الشام الذي كان له في الحركة القرمطية شان كبير، وقد
صرح عند تسنمه السلطة ان سلفه من الحكام لم يكونوا من نسل جعفر الصادق ولم يكن هدفهم المعلن نشر العقيدة الاسماعيلية بين الناس كما زعموا، انما اعلنوها خداعا وتمويها بغية جذب
الطوائف والمذاهب المسلمة الى صفوفهم.
لكن من جانب اخر ادعى زكروية ان ناقته التي يركبها مامورة من الله وان الشعب اذا اتبعها في الحروب تنزل عليه الفتح المبين.
كانت سوريا يومذاك تحكم من قبل دولة طولون، فهاجمها زكروية وتمكن من اسقاطها، لكنه عندما حاصر العاصمة دمشق، قتل على
ابوابها، فبايع اتباعه الحسين من بعده ونادوا به خليفة. الذي اعلن من مسجد مدينة حمص انه امير المؤمنين، كما انه هو المهدي المنتظر، وقد اعلن للملا ان الشامة الموجودة في وجهه،
انما هي في الحقيقة اية قرانية، لذلك لقبه الشعب بصاحب الشامة، وكان احد اقربائه واسمه عيسى المدثر، كان يزعم انه هو المقصود في سورة المدثر التي وردت في القران الكريم.
وقد زحف الخليفة الجديد الحسين الى دمشق وحما وحمص والمعرة وبعلبك يقتل ويسلب ولم يكن له في دولته من الموظفين غير جلاده.
ويحتفظ المؤرخ الطبري لهذا الطاغية برسالة يستهلها على هذا النمط:
(من المهدي المنتظرالمنصور بالله، الحاكم بامر الله، المختار من رسول الله...الخ )
والجدير بالذكر ان احد اتباعه المدعو عبيد الله المهدي قد فر منه الى شمال افريقيا الذي تمكن هناك من وضع الحجر الاساس لاقامة
الدولة الفاطمية في القاهرة بعدئذ.
وعندما تكاثرت فضائع الحسين وعمت الفوضى البلاد التجا اهل الشام سرا بالخليفة العباسي المكتفي في بغداد، فقد كتبوا اليه
يستغيثون به شاكين سوء احوالهم الذي قام الخليفة بدوره بارسال جيش جرار الى مدينة حما في سوريا فاستولى عليها وسحق حصن القرامطة فيها واسر الحسين القرمطي واقتيد ذليلا الى العراق
حيث حمل على جمل وعرض في اسواق بغداد ثم صلب على جسرها. وبه انتهى النشاط القرمطي في الشام. واذا كانت هذه الحركة قد بائت في العراق والشام باخفاق ذريع،
الا انها نجحت الى حد بعيد في ارساء حكمهم الوطيد في البحرين.
اما بشأن القرامطة في اليمن فقد ظهروا هناك بعدما خمدوا في غير مكان وانتشروا بعد ان برز بينهم
حاكم قاسي القلب قاتل سفاك يبقر البطون اسمه علي ابن الفضل الذي فرض زعامته على البلاد بقوة الحديد والنار مدعيا بالنبوة، فقد امر ان يذكر اسمه في اذان الصلاة، وتحرك عسكريا واخضع المقاطعات كلها لسيطرته
– و بعد ان دخل مدينة صنعاء فاتحا، امر بذبح خمسة الاف بنت باكر، وبعد الانتهاء من ارتكاب المجزرة الوحشبة النكراء ادعى قائلا: (ان
معشر النساء فتنة خطيرة يقفن حجر عثرة في سبيل عملياته الجهادية)
وقد سميت هذه الحادثة الاليمة في التاريخ بوقعة المشاحيط.
لكن بقى الامن مفقودا والاوضاع مضطربة لاتستقر ولا تهدا الا في عام 905 م، حيث مات هذا السفاح مسموما على يد احد الأشراف
الذي دعاه الى داره لعمل حجامة له، فوضع له السم في المبضع، هذا ما يقوله المؤرخ البريطاني نتنج.
لقد كان للعقيدة الزيدية في بلاد اليمن يومذاك من الأسباب التي مهدت الى ترويج الافكار القرمطية، خاصة في
المناطق الشمالية منها والتي لازالت بعض اجزائها مأهولة من قبل قبائل قرمطية
تمارس تقاليدها الموروثة الى يومنا هذا، وهذا ليس بمستغرب اذا ما لاحظنا ان هذه الافكار كانت قد
مدت جذورها في عمق المجتمع اليمني الى درجة اصبح من السهل على السلطة اليمنية البسارية من فرض نظامها الأشتراكي على شعب اليمن
في اواخر القرن الماضي.
اما بشأن قرامطة البحرين، فقد كان جمهورهم هناك واسعا، فقد اعلن ابو سعيد نفسه هو المؤسس والحاكم للدولة القرمطية وكان الرجل على درجة عالية من القوة والبطش بحيث تمكن من الحاق الهزيمة بجيش العباسيين. لكن بعد فترة وجيزة اغتيل على يد غلامه الصقلي في الحمام بعد ما راودته نفسه. وخلفه في
الحكم ابو طاهر سليمان. الذي قام بمهاجمة الحجاج في موسم الحج عام 317، فكانت الطامة الكبرى حيث صادف دخول جيش القرامطة الى مكة المكرمة مع يوم التروية والناس يهلون ويلبون،
فقتل منهم اكثر من عشرة الاف من زوار الحرم الشريف ورمي كثيرا منهم في بئر زمزم ، كما سرق القرامطة الحجر الاسود واخذوه الى مدينة هجر في بلادهم كما نهبوا التحف والمجوهرات النفيسة
وعاثوا فيها الفساد ، وفي هذه الاثناء كان
ابو طاهر نفسه يجلس على باب الكعبة وينادي باعلى صوته:
انا الله وبالله انا |
يخلق الخلق وافنيهم انا |
وبالرغم من ان ابو طاهر كان زنديقا، لكنه كان صليفا مدعيا نفسه امام المسلمين،
وفي الوقت الذي كان جنده اثناء الغارة يصرخون في وجوه الاهالي قائلين:
عليك ثوبان وامي عارية |
فألقي لي بثوبك ياابن الزانية |
وتجاوز عدد الثياب المنهوبة عن عشرين الف ثوب.
وعندما شاع الخبر في بغداد، عم الهياج والفزع وساد الحزن والاسى ووقع النوح والبكاء بين الاهالي وخرج النساء منشرات الشعر
مسودات الوجوه يلطمن الخدود. بعدها توقف الحج لتسعة اعوام متتالية خوفا من ان يعاود القرامطة هجماتهم.
هذا ما يرويه المؤرخ العربي شوقي ضيف.
تاريخ ابن خلدون
يقول تاريخ ابن خلدون/ الجزء الثاني/الصفحات 84 من 258 /
- ثـم سار أبو طاهر القرمطي سنة تسع عشرة إلى مكة ، وحج بالناس منصور الديلمي ، فلما كان يوم التروية نهب أبو طاهر القرمطي اموال الحجاج وفتك فيهم بالقتل حتى في المسجد والكعبة واقتلع
الحجـر الاسـود وحملـه الـى هجـر، وخـرج اليه أبو مخلب امير مكة في جماعة من الاشراف وسالوا أبو طاهر القرمطي فلم يسعفهم وقاتلوه فقتلهم، وقلع أبو طاهر القرمطي باب البيت واصعد رجلاً
يقتلع الميزاب فسقط فمات وطرح القتلى في زمزم ودفن الباقين في المسجد حيث قتلوا ولم يغسلوا ولا صلي عليهم ولا كفنوا، وقسم أبو طاهر القرمطي كسوة البيت على اصحابه ونهب بيوت اهل مكة...
-- في عام 317 هــ هاجم القرامطة مكة المكرمة وقد ذبحوا كثيرا من أهلها والوافدين عليها حتى قيل أنه قتل نحو 30 ألفا واستولوا
على جميع ما كان في البيت الحرام من المحاريب الفضة والجزع وغيره بل وجردوا البيت مما عليه من الكسوة وقد ظلوا يفعلون الأفاعيل لمدة ثمانية أيام ثم خرجوا يوم السبت لثلاث عشرة ليلة خلت
من ذي الحجة سنة 317 هــ
قال المسعودي في حديثه عن أبي طاهر القرمطي وأعماله الدامية: "ورحل منها يوم الست من هذا الشهر وعرضت له هذيل بن مدركة بن إلياس
بن مضر وهم رجالة في المضايق والشعاب والجبال وحاربوه حربا شديدا النبل والخناجر ومنعوه من المسير واشتهت عليهم الطرق فأقاموا بذلك ثلاثة أيام حائرين بين الجبال والأودية، وتخلص كثير من
النساء والرجال المأسورين واقتطعت هذيل مما كان معهم ألوفا كثيرة من الإبل والنقلة وكان ثقلته على نحو مائة ألف بعير عليها أصناف المال والأمتعة إلى أن دله عبد أسود من عبيد هذيل يقال له
زياد استأمن إليه على طريق سلكه فخرج عن المضايق وسار راجعا إلى بلده وقال النويري في ذكر الخبر: "وحاصرته هذيل فأشرف على الهلكة إلى أن عدل به دليل من الطريق المعروف إلى غيره فوصل إلى
بلده بعد ذلك في المحرم سنة ثماني عشرة وثلاثمائة قلت: وقد أراد أبو طاهر القرمطي وجنده إقتلاع الميزاب فرمتهم هذيل بالسهام من فوق جبل أبي قبيس فعندما صعد أحد القرامطة أطلقوا عليه سهما
فما أخطأ نحره ثم سقط الثاني حتى أزالتهم هذيل عن الميزاب
ومن سخرية التاريخ ان يتحول القرمطي ابو طاهر بعدئذ من قاتل حجاج بيت الله الحرام وسارق الكعبة والحجرالاسود الى حارس لطريق
الحج لقاء راتب سنوي يتقاضاه من الخليفة العباسي في بغداد. هذا ما يرويه المؤرخ الطبري
ورغم كل هذه الجرائم الشنيعة والفضائح الاخلاقية يحسبه المؤرخون صانع العصر الذهبي لدولة القرامطة فقد تمكن من فرض
سيطرته على مناطق البحرين والقطيف والأحساء ومسقط وحتى كان لهم في البصرة من يجبي لهم المكوس. وفي احدى حملاته وصل بجيشه الى مدينة الكوفة واحتلها لكنه تركها قائلا: ان اهلها
ناس غدرة ينكثون العهود، فقد ارسلوا الى الامام الحسين في الحجاز يطلبونه وعندما قدم اليهم قتلوه.
وبعد موت ابو طاهر خلفه الحسن الأعظم الذي سار بجيشه واستولى على دمشق ثم واصل سيره حتى دق ابواب القاهرة.
اما في مجال وسائل الأعلام، فقد سبق القرامطة غيرهم من الأمم في فن الأعلام الذي ساعدهم في انجاح
سياستهم العامة، فكانوا يخاطبون الناس على قدر عقولهم واستعملوا اللغة الرصينة في هذا السبيل، فما يصلح للمسلم الشيعي لا يمشي على عامة السنة وما يتقبله اليهودي ينفر منه
النصراني وهكذا، فوضعوا لكل فئة برنامج عمل خاص ودربوا دعاتهم على الحوار والجدل وزودوهم بثقافتهم القرمطية.
كان اسلوب نشر الدعوة في دولة القرامطة يتم على مراحل عدة تبدا من الأولى وهي
-
مرحلة التفريس لمعرفة مدى استعداد الشخص لقبول فكرتهم ثم تاتي
-
مرحلة التأنيس وفيها يحاول الداعي ان يجعل صاحبه يتشكك ببعض احكام الدين ثم يتبعها مرحلة التعليق وهي فترة حرجة يغدو الطالب
فيها متحيرا ثم
-
مرحلة الربط وهي ان يعقد لسانه بأيمان وعهود لا يجسر على مخالفتها ثم
-
مرحلة التدليس وفيها يلقى على المستجيب بعض التفسيرات الخاصة بالحركة القرمطية واخيرا
-
مرحلة الخلع وعندها يقتنع الطالب انه ادرك (الحقيقة).
اما عمل جهاز الدعاية في (وزارة الأعلام) فكان يتم على الشكل التالي:
-
المكالب ومهمته ايجاد افراد بغية الأنضمام للحركة القرمطية
-
المكاسر وهو المتخصص في شؤون الحوار والجدل
-
الداعي المحصور ونشاطه مقتصر على منطقة محدودة
-
الداعي المأذون ونشاطه يتوسع الى منطقة اكبر
-
الداعي المطلق ونشاطه يشمل محافظة
-
واخيرا داعي البلاغ الذي بكون بمثابة الوزير.
والجدير بالذكر ان القرامطة قد استعملوا الحمام الزاجل بأمتياز كأسرع وسائل للمواصلات.
اما بشأن الأخلاق والعادات يقول المؤرخ اللاذقي – انه كان من المطلوب من المجتمع
القرمطي ان يتخلق بأخلاقيات تتماشى والنظام السياسي الذي اوجدته اخوانية المهنة التي كانت تضم اهل الصنعة الواحدة والذين كانوا يشكلون القاعدة الأساسية للمجتمع فقد تخلوا عن التزاماتهم
القبلية والتحموا مع زملائهم في الحرفة الواحدة. مما دفع الباحث ماسينيون الى ان ينسب الى القرامطة فكرة تأسيس اولى النقابات في تاريخ البشر والتي كانت قبل اكثر من الف عام.
كان القرامطة يأكلون جميع لحوم الحيوانات المتناولة بين ايديهم، بصرف النظر عما هو المعتاد عليه، فكانوا يبتاعون لحوم القطط والكلاب والحمير والبقر والخراف في سوق المدينة،
وكان البائع يضع رأس الحيوان المذبوح الى جانب لحمه لمعرفة المشتري، وكان يؤخذ عليهم قلة اعتنائهم بالنظافة، فمنهم من لم يمس الماء جسده طيلة حياته، وهذه النزعة في المجتمع
الصحراوي معروفة، خاصة وان شحة المياه تصل احيانا الى درجة يصعب على ساكنيه ايجاد ماء الشرب.
لم تكن معاقرة الخمرة عادة معروفة في المجتمع القرمطي لا لسبب ديني او اخلاقي انما بغية الحفاظ على القوة العضلية والأنضباط العسكري لدى ابنائه.
اما العلاقة بين الحاكم والمحكوم فكانت تتصف بروح البساطة والتعاون، فقد كانت المؤهلات الشخصية مقدرة ومحترمة. على عكس ما كانت الحالة عليه في المجتمع العباسي في بغداد حيث كان
الحرفيون الفنيون يوضعون في اسفل السلم الأجتماعي، الى جانب ذلك كان المجتمع القرمطي يؤمن بالأساطير والخرافات والغيبيات وبالتنجيم
كان التقسيم الأجتماعي يتكون من اربعة طبقات اسوة بالنظام الأثيني عند اليونان ونظام حراس جمهورية افلاطون:
-
كانت الأولى تطلق على نفسها –الأخوة الأبرار– وهم جيل الشباب واعمارهم تتراوح بين 15 – 30 سنة يخضعون لتدريب عسكري صارم يتعلمون
فيه مختلف فنون القتال،
-
والثانية تدعى –الأخوة الفضلاء– اعمارهم بين 30 – 40 سنة يهيأون عادة على تسنم مناصب قيادية في الدولة،
-
وتدعى الثالثة –اصحاب الأمر والنهي– واعمارهم بين 40 – 50
-
والرابعة –بالقادة– واعمارهم تزيد على 50 سنة.
كان دعاة القرامطة في الدول المجاورة مزودين بخواتم للتعرف على بعضهم، وكان مسجد براثا في ضاحية بغداد احد الأماكن لأجتماعاتهم السرية، وفي احد ايام الجمعة وبينما كان بعضهم
مجتمعين لأداء القسم واعلان البراءة من الخليفة العباسي كونه منقوص الشرعية حسب اعتقادهم، هجم عليهم الشرطة السرية واعتقلتهم ثم هدموا المسجد في اليوم التالي.
لقد احتكرت سلطة القرامطة في البحرين الأقتصاد وملكية الأنتاج استمرارا لعصر الأقطاعات في الأمبراطورية الساسانية الفارسية القديمة وكانت سياسة الدولة القرمطية تدار يومذاك من قبل مجلس
شورى يتكون من ستة اشخاص يدعى مجلس العقدانية، تفاديا لظهور نظام حكم استبدادي وهذه الفكرة مأخوذة اصلا من ثقافة اليونان ومن التنظيم السياسي للصين القديمة، هذا ما يقوله
–مصطفى الخشاب–.
لقد تمكن الحكم القرمطي من تحقيق العدالة الأجتماعية عن طريق فرض النظام الأشتراكي. فقد بدوا برنامجهم بالشكل التالي:
-
اولا مبدأ الفطرة وهي ان يجبي من كل فرد درهم واحد
-
ثم انتقلوا الى مبدأ الهجرة وارتفع المبلغ الى دينار عملا بسورة التوبة –خذ من اموالهم صدقة–
-
ثم بمبدأ البلغة وصار المبلغ سبعة دنانير عملا بسورة البقرة –قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين–
-
ثم بمبدأ الخمس من سورة الأنفال –واعلموا ان ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه–
وبعد ان جمع حمدان قرمط، رئيس الدولة الأموال تلا عليهم من سورة ال عمران – واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف
بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا–
عند هذه المرحلة قال لشعبه لا حاجة لكم بعد اليوم في الأموال فأن الأرض بأسرها ملك لكم، فأستجابوا له دعوته ونفذوا طلبه.
وعندما امتلك كل ما اراد اقدم على الغاء الملكية الخاصة واطلق على مملكته الجمهورية العربية الأشتراكية كان ذلك قبل اكثر من الف عام فقد اصبحت وسائل الأنتاج بيد الدولة والغيت كافة انواع
الضرائب ونظموا القطاع الصناعي المتمثل في مطاحن الحبوب ومعامل الجلود وانشأوا مصارف تعاونية لمساعدة المحتاجين، فأذا افتقر انسان يضمنه المصرف حتى يتيسر حاله واذا كان مدينا لا
يطالب بأكثر من مبلغ الدين وان عملية صيانة البيوت والخدمات الأجتماعية العامة كانت بالمجان.
وقد كتب كارل ماركس عام 1853 رسالة الى صديقه مايكل انجلز يصف له فيها النظام الأشتراكي بحالته البدائية في الدولة القرمطية بهذه العبارة، هذا نصها: –انه كان المفتاح الحقيقي
للفردوس الشرقي–
لقد امتلك القرامطة العبيد من الحبشة بأعداد كبيرة بغية تشغيلهم في مزارعهم الواسعة لكنهم بشهادة التاريخ لم يقدموا على اخصائهم كما انهم كانوا لايعذبون اسراهم، فقد كان القرامطة
يتحلون بروح التسامح ولم يلجأوا الى الأساليب الخسيسة في الأنتقام من اعدائهم كما كان عليه العباسيون.
المصادر
القران الكريم
المسعودي مروج الذهب ج 4 ص 381
ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب ج 4 ص 81
يحى ابن الحسن في غاية الأماني ص 198
الطبري في تاريخ الأمم والملوك
ناصر خسرو في سفر نامة
طه حسين في ثلاثية الحلم القرمطي
ابن خلدون في العبر ص 178
الغزالي في فضائح الباطنية
كارل ماركس المجلد 28 ص
214 لسنة 1853
مصطفى الخشاب في تاريخ الفلسفة
المقيزي في المقفى الكبير
الاذقي في ثلاثية الحلم القرمطي – دمشق 1981
على كريم سعيد في اصول الضعف دمشق 1992 .
انتوني نتنج في العرب من العهد الجاهلي الى عهد جمال عبد الناصر، الطبعة الأولى 2004 القاهرة
شوقي ضيف في العصر العباسي الثاني 1982 القاهرة ص 33 وما بعدها.
Back
to Home