سيكولوجية الدين
مقتبس من كتاب الموسوعة النفسية لمؤلفه عبد المنعم الحنفي
بقلم الدكتور رضا العطار
بتصرف
ridhaalattar@yahoo.com
التجربة الدينية تجربة انسانية عالمية، لا يوجد هناك شعب يخلو تراثه من الاعتقاد الديني الذي يتعامل به الناس كمسلمات، حتى ان البعض يصف الغريزة
الدينية بالفيصل بين الكائن الانساني والحيواني، وانه كلما ارتقى الانسان وجدانيا كلما كانت له اشراقات فياضة وكونية بما يرتبط بقضايا الانسان الروحية.
وعلم النفس يبحث سيكولوجية الانسان المتدين، او العابد او المؤمن، ليكشف فيه دوافع الايمان بما يلائم شخصيته وسلوكه وثقافته ومقامه الاجتماعي، وقد يكون الايمان عنده بدائي، متوجها نحو
قوى الطبيعة الخارقة، كالشمس والكواكب او كالنار والاشجار.
او ان ينتسب الى الطور التوتمي الذي يشمل روح انسان او اي كائن حي، ليستشعر فيه امانا يوفره له الشعور بالتضامن والتماسك والانتماء.
الديانة الانسانية تشمل الوعي بالمسؤلية الاجتماعية والتكافل العائلي والوطني والانساني والتي تقوم على الاخاء و التعاون وحب الاخرين، كما يدعو اليه الاسلام.
ويلعب معهد ( فوسبرغ ) دورا قيادية في دراسة اسباب الظواهر الدينية الغريبة كالردة والتحول من دين الى اخر او من مذهب الى مذهب او التحول من الكفر الى الايمان و بالعكس.
وتهتم سيكولوجية الدين بدراسة التجربة الصوفية
في مختلف الديانات، وكذلك بالوعي الديني بمعناه المحدود، قوامه الشريعة وجوانبها المعرفية، وقد يكون بمعناه الواسع، يتجلى بانفتاح عقلي ووجداني على الحياة بكاملها، ومن ذلك ميل البعض
لعبادة الاولياء الذين افضوا على البشرية خدمات اجتماعية وروحية شتى، الى جانب ذلك يحترمون العرف والتقاليد وطاعة الابوين واولي الامر.
وهناك الكثير من المجالات يمارس فيها تسييس الدين او تدين السياسة، فتستغل فيها المشاعر الدينية عند الشعب في سبيل تحقيق مآرب لأصحاب السلطة الحاكمة. وقد يمارس العنف باسم الدين، ويذكر
التاريخ الكثير من الاغتيالات الدينية والحروب، كالحروب الصليبية وحروب البوسنة مؤخرا. وقد يتسامى الدين بألغرائز والدوافع والاعتقاد بالصالحين وزيارة اضرحتهم، والتداوي بالبخور
والتعاويذ والجهاد والاستشهاد والايمان بالمعجزات والبعث والحساب، والمغزى الصحي للصوم والراحة النفسية التي تستحثها الصلاة، ومعاني الضمير والاخلاق والجنة والنار والثواب والعقاب، هذا
النشاط كله يقوم به الفقهاء من اصحاب المذاهب والنحل الدينية.
ولا يخفى ما للزخارف الدينية والدلالات النفسية
لزي رجل الدين ولحيته وسبحته وسجادته، فضلا عن وقع الالقاب الدينية، بدا من حجة الاسلام وصاحب الفضيلة الى مولانا الجليل وجناب الشيخ، من اثر في نفس الانسان. وهناك الكثير من المصطلحات
الدينية ذات ابعاد نفسية مثل: التعالي والايمان والمحبة والاخوة والفداء والوجد والوجدان والنجوى والنفس والمشاهدة والتجلي والكمال والقرب والقدرة والبصيرة والغضب والفراسة والغشية
والغيرة والغرور والعزلة والشوق والشرود والسكينة والسلوك والشكر والسر والرياء والرهبة والرؤيا ... الخ والاعتقاد الديني يحدد سلوك المتدين من خلال ممارسته للصفات المذكورة اعلاه
فمن شأن الصلاة مثلا ان ترفع بالانسان العابد من التعبد الموضوعي الى مرحلة التقوى الذاتية وهي تغني شخصيته وتتسامى بغرائزه ودوافعه وتجعله يستنير في تأمله وتفكيره في عظمة الكون ورهبته
وسر وجوده الفاني، فتتحدد امامه رؤيا نبيلة ومعان متجددة، تتجاوز عالم الماديات.
تتكون فكرة الله عند الاطفال، وهم لا يزالون في السابعة من عمرهم في صورة حدسية، وفي سن العاشرة تتحول الصورة الى توصيفية وفي سن الرابعة عشر تصبح فكرتهم بخصوص الله عينية، وقد اجرى معهد
- لوفان – للبحوث النفسية الدينية دراسات لمعرفة صورة الله في ذهن الطفل قبل ان يبلغ السابعة من العمر، وتبين ان معالم صورة ابويه تقابلها عمومية صورة الله.
يجد بعض الباحثين في علم النفس الايديولوجي تعارض الايديولوجية الدينية في مجال السلوك والحياة مع العلوم المادية في العصر الحاضر، ففي الوقت الذي تعتبر السيكولوجية علم عقلاني، يعتبر
الدين علم غيبي وله سلطة آمرة والاخذ به يقوم على الخوف من المجهول، ويختلف الناس في درجة الايمان بالدين، فالنساء اكثر من الرجال التزاما بالاوامر والنواهي والزواجر الدينية، بينما
الرجال هم اكثر تطرفا في حالة الاذعان او المروج عن الدين،
التدين يرتبط بالمستوى الثقافي، وينتشر غالبا في الطبقة
المتوسطة، وان الدين اقرب الى اصحاب الشخصية المتسلطة، ويميز الباحث ( وليام جيمس ) بين ما نسميه ديانة الاصحاء وديانة المرضى، ويفرق بين من يمارس الدين لان الدين يأمره به، لكنه ليس
مقتنع بجوهره، اما المتعبد المقتنع الذاتي، يعتبر التعاليم الدينية جزءا من كمالياته الشخصية. وهنا يمكن القول ان الاول يمثل السلوك الديني الروتيني الظاهري والثاني يمثل الخبرة
الايمانية الباطنية الصادقة.
وقد نبهت الكتابات الدينية للعالم السايكولوجي الشهير فرويد، الكثير من اوجه الشبه بين الاشكال التي تكون عليها التجربة الدينية والاغراض الوسواسية القهرية، كاشفا لنا حقيقة التربية
التميزية الاعتمادية للدين التي يمارسها الطفل تجاه امه التي يجد فيها الاله، كونها تهتم بطعامه وشرابه ونومه وصحوه وامنه وسلامته، بينما يعتمد العبد على الله في رزقه وامنه وصحته ونجاحه
وفي كل شيء.
ولقد تنبه الفلاسفة الى الدور الذي يقوم به الدين بين التوبة والعفو والرحمة وبين القصاص الواجب واخذ المذنب بالشدة وتطبيق النص، وقد يستميل البعض في الدين الى هذا الجانب او ذاك الجانب
الذي يمكن ان تكون عليه شخصية المتدين، والكثيرون يرون ان الانبياء قد جاؤا رحمة للعالمين وان في رسالاتهم شفاء لنفوسهم و اصلاحا لشؤنهم الاجتماعية والاقتصادية والروحية.
Back
to Home