اضواء على الدولة الفاطمية

من كتاب فيه مصادر مختلفه

بقلم الدكتور رضا العطار

ridhaalattar@yahoo.com

تخطيط لاسم فاطمة الزهراء بنتُ الرَّسول مُحمَّد،  التي تلقَّب إسماعيليّو إفريقية باسمها

يعتقد الفاطميون انهم منحدرون من نسل السيدة فاطمة الزهراء (س) ويعتبر سعيد ابوالقاسم مؤسس الطائفة الإسماعيلية هو نفسه المؤسس للدولة الفاطمية، 

ففي سنة 909 ميلادية انتقل سعيد من مدينة السلامية الى تونس مقر الطائفة، وعندما انكشف امره، اعتقلته سلطات الأغالبة (حكام تونس انذاك) واودعوه السجن، لكن سعيد ما لبث ان تمكن من الهرب من سجنه، وبمعاونة انصاره استطاع من الإطاحة بدولة الأغالبة والإستيلاء على امبراطوريتهم بما في ذلك جزيرتي صقلية ومالطة، وغدا سعيد خليفة واماما وسمى نفسه القائم بأمر الله الفاطمي. ثم قام ببناء عاصمته قرب مدينة القيروان واسماها المهدية.

لقد بدأ الخليفة الفاطمي الأول في توسيع رقعة مملكته غربا واحتل مدينة جنوه في ايطاليا ومدن اخرى في فرنسا، كما توسع شرقا حتى وصل الى مدينة الإسكندرية في مصر، و بعدها بفترة وجيزة اكتسح دلتا النيل.

 
   وبعد موته استمر ابنه الخليفة ابو طاهر الملقب بالمنصور الفاطمي بالفتوحات حتى وصل الى المغرب العربي.

ثم جاء وريثه الخليفة الثالث المعز لدين الله الفاطمي واكمل فتوحات ابيه، فضم مصر الى امبراطوريته بقيادة قائد جيشه جوهر الصقلي الذي قام بدوره ببناء وتوسيع مدينة الفسطاس التي اطلق عليها اسم القاهرة وجعلها عاصمة الإمبراطورية الفاطمية.
لم يلق الفاطميون اثناء احتلالهم لمصر مقاومة تذكر بسبب الطبيعة المسالمة للمصريين فضلا عن انهم اعتقدوا بداية بأن الفاطميين جاؤا بغية تحريرهم من جور الإحتلال العباسي في بغداد حتى ان الكثيرين منهم اعتنقوا المذهب الإسماعيلي طوعا.
كانت مصر تحكم من قبل دولة الطولونيين ثم خلفتها دولة الأخشيدين بزعامة كافور التي قضى عليها الجيش الفاطمي. لقد جلب الفاطميون المماليك من الخارج لبناء جيشهم وتطويره اداريا وعسكريا كونهم محاربون اشداء.

   لقد بسط الفاطميون سيطرتهم على مدينتي مكة والمدينة المقدستين بعدما عجز العباسيون في بغداد الإمساك بهما. لقد قلد الفاطميون مظاهر الحضارة العباسية وتفوقوا في القوة والنفوذ على البلدان التي استظلت بظل الإسلام والتي امتدت من المحيط الأطلسي غربا الى المحيط الهندي جنوبا، كان المسلمون في بلدانهم الخاضعة للسلطة الفاطمية يرفعون ايدهم للدعاء الى الخليفة الفاطمي في مساجدهم اثناء صلا ة الجمعة.

كان الفاطميون يعتبرون خلفاء بني العباس مغتصبين للخلافة الإسلامية وكان هدفهم تقويض دولتهم، انتقاما منهم، لتنكيلهم، بأجدادهم العلويين ماضيا وحاضرا، وعلى لسان احد الشعراء الفاطميين قوله

كان الخليفة الفاطمي يتمتع بالإمامتين الدينية والدنيوية، فهو صاحب الأمر وهو صاحب الزمان وكان الفاطميون يعتقدون ان على ابن ابي طالب هو جدهم الأعلى ولذا الزموا المؤذنيين في المساجد بذكر عبارة (اللهم صلي على محمد المصطفى وسلم على امير المؤمنيين على المرتضى.) كما كان الخليفة يستهل رسائله الى ولاته بهذه العبارة (من عبد الله ووليه وخيرته ووصيه اميرالمؤمنيين نجل الإمام على افضل الوصيين الى......)

جانب من مدينة القيروان، عاصمة الأغالبة التي فتحها الفاطميّون

سنة 296هـ الموافقة لِسنة 908م وأنهوا الولاية الأغلبيَّة على إفريقية.

   كان العالم الإسلامي انذاك يمر بمرحلة سياسية عصيبة فقد تفرقت كلمة المسلمين وتمزقت بلدانهم وبدأت قوة الروم تتعاظم حتى ان امبراطورهم نقفور موقاس اظهر مطامعه في الديار المقدسة واحتلال مكة المكرمة، وكان الموقف العسكري العام انذاك يتطلب وجود دولة اسلامية قوية ذات قدرات عسكرية عالية للوقوف في وجه تلك الأخطار فكانت الدولة الفاطمية الفتية التي تصدت لها بالمرصاد، وتمكنت من ضم دول شمال افريقيا والشام وفلسطين ولبنان ومصر والجزيرة العربية في كيان عربي اسلامي موحد وبذلك حققوا الوحدة العربية الكبرى، ولم يكن بالإمكان من نيل تلك الإنتصارات الباهرة الا بفضل الإسطول الفاطمي الحديث الذي ضم اكثر من مائتين سفينة حربية تمكنت من اجبار الإفرنج بالإنسحاب شمالا تاركين البحر الأبيض المتوسط من بيروت شرقا الى المغرب العربي غربا تحت السيطرة الكاملة للدولة الفاطمية، هذا ما يذكره محمد سرور استاذ علم التاريخ في جامعة القاهرة.

خارطة توضح التحرُّكات الإسماعيليَّة في شمال أفريقيا،

والمناطق التي أُقيمت بها الدولة الفاطميَّة لاحقًا في إفريقية والمغرب.

   وقبال هذه التحولات العظيمة والإنجازات الرائعة في تحقيق الوحدة العربية المنشودة قبل اكثر من الف عام، كان العربي يومها شامخ الرأس مزهوا بوطنه الواسع الكبير بينما غدا تحقيق هذه الوحدة في العصر الراهن في حكم المتعذر.

بعد ان ارست الدولة الفاطمية دعائم السياسة العامة واطمأنت الى استقرارها وامنها اتجهت نحو العمران وبدأت ببناء المؤسسات الحكومية الفخمة وانتهت بتشجيع العلوم والأداب والفنون وحركة الترجمة بكفائة عالية.

يعلق المؤرخ محمد كامل حسين قوله لقد اضحت القاهرة زمن الفاطميين مطمح انظار العالم، فقد استطاعت الدولة الفاطمية ان تنتزع زعامة العالم العربي في المجال الثقافي، فضلا عن الجانب السياسي، فقد اهتم الفاطميون بدراسة العلوم الفلسفية في الوقت الذي كانت البلدان الإسلامية الأخرى ترمي من يشتغل في الفلسفة بالزندقة والإلحاد.

   اما في المجالات العلمية والأدبية والدينية، فقد تعددت وتشكلت حلقات الدرس في مساجد القاهرة والإسكندرية واسوان وبدؤا يستدعون العلماء من كل حدب وصوب، وكان في الأزهر الشريف اقساما لتدريس المذاهب الإسلامية ومنها المذهب الجعفري، وقد عمت سيادة روح التسامح العقائدي في ارجاء المملكة الفاطمية الى درجة دفعت بالكثير من اعلام الفكر في مختلف الدول الإسلامية الى ترك اوطانهم والهجرة الى مصر هربا من الضغوط السياسية والإضطهاد العقائدي الى جانب التخلص من محنة الفقر عندهم.

لقد رحبت الدولة الفاطمية بالوافدين من الخارج وهيأت لهم وسائل العيش الكريم واحاطتهم بالمال والجاه، نعم وحتى اغدقت عليهم الخلع والألقاب،

   لقد تفرد الفاطميون في بناء المؤسسات التعليمية وتفننوا في انشاء المكتبات العامة وجهزوها بالكتب في مختلف الثقافات وكانت مكتبة القصر تضم اكثر من نصف مليون كتاب، كما هيئوا عشرات النسخ من كل كتاب تسهيلا للبحث والتنقيب.

شُرِعَ ببناء الجامع الأزهر سنة 359 هـ،

بعد نحو سنةٍ واحدة على ضمّ مصر إلى الدولة الفاطمية.

لقد كان العامل الإساسي في تشجيع نشر الثقافة العامة بين ابناء الشعب والتحلي بروح التسامح العقائدي تجاه بقية المذاهب والأديان هي السمة المتأصلة في العقيدة الشيعية في كل زمان ومكان، ولهذا كان الإهتمام المفرط بالثقافة العامة لدى الفاطميين موضع دهشة المؤرخين.

فإذا درسنا الحياة العقلية في العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري وما بعده لاحظنا ان معظم العلماء الأعلام كانوا متأثرين بالعقائد الفاطمية فكان الكثير منهم على صلة دائمة مع اصحاب الشأن في القاهرة امثال ابن حوقل الذي كان متشيعا والفارابي الذي كان يتكلم بلسانهم وابن سينا الذي لمس فيه معاصروه النزعة الإسماعيلية وكذلك جماعة اخوان الصفا في البصرة فقد كان ميلهم الى التشيع واضحا وتعاونهم مع القاهرة امرا معروفا، وكان ابن الهيثم عالم البصرات وثيق الصلة بالدولة الفاطمية حتى عاش في كنف خلفائها، وكان ابو العلاء المعري متأثرا بعقائدهم وقد لوحظت هذه السمة في اشعاره.

خريطة توضِّح مسار الفتوحات الفاطمية، انطلاقاً من إفريقية (حالياً تونس) إلى مراكش غرباً ومصرًا

 ثم بلاد الشام والحجاز شرقًا،

وقد اصطدم الفاطميُّون خلال هذه الغزوات بالإخشيديين بمصر والقرامطة والحمدانيين بالشام والحجاز.

   وبعد ان توفي الخليفة المعز لدين الله ورثه الخليفة الرابع الملقب العزيز بالله الفاطمي وبعده تولى الحكم الخليفة الخامس الحاكم بأمر الله الفاطمي وكان عمره احد عشر سنة وقد نشأ في قصر الخلافة نشأة دينية حتى اصبح عالما واسع الإطلاع مثلما كان مهابا حاد الطباع سريع الإنفعال، (كان منظره مثل الأسد ذات نظرات مروعة لا يستطيع الإنسان صبرا عليها، وكان صوته جهيرا مخيفا. اما صفاته فكان كريم النزعة كثير العطاء عفيفا ورعا بعيدا عن مجالس اللهو والطرب، وقد بلغ من التقشف انه لم يكن يلبس الا الخشن من ثياب الصوف ولا يأكل الا النزر اليسير من الطعام).

والجدير بالذكر ان الطائفة الدرزية التي ينتشر اتباعها اليوم في سوريا ولبنان يعتبرون الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله امامهم ومؤسس عقيدتهم، لكن هذه العقيدة تغيرت عبر الألف سنة الماضية حتى غدت اركان الدين عندهم اربعة وهي
الله والعقل والنفس والكلمة
وطائفة الدروز يمقتون عبادة الأشخاص والصور لكنهم يؤمنون بتناسخ الأرواح
ويصف الشاعر ابو العلاء المعري نزعة الخيرفيهم قوله

وكان تعبير الشاعر تعبيرا واضحا يعطي الصورة الواقعية ويبين بجلاء حالة الدنيا في ذلك الزمان . ويضيف الشاعر متفائلا :

 
والجدير بالذكر ان لجنة الفتاوي في الأزهر الشريف اصدرت عام 1968 فتوى نشرت في الجزء الثاني من مجلة الضحى هذا نصها –
حيث ان طائفة الدروز ينطقون بالشهادتين ويؤمنون بالقرأن فهم مسلمون ولا يجوز لاحد ان يتهمهم بعدم الإسلام والله اعلم -. هذا ما جاء في كتاب الموحدون الدروز واصولهم لأمين طليع.

   لقد كان عصر الدولة الفاطمية عصر نعيم ورخاء، فقد تمادى الناس في اللهو والترف مما جعل الخليفة الحاكم بأمر الله يمنع عليهم شرب الخمور ودخول الحمامات بدون مئزر، كما حرم على النساء الخروج ليلا وكذلك السير وراء الجنائز.

وقد سجل التاريخ على الخليفة الفاطمي هذا انه اضطهد اليهود والنصارى وهدم معابدهم وكنائسهم منها كنيسة القيامة في فلسطين، مما حدى بالبابا اريان الثاني رئيس كنيسة كليموت الفرنسية عام 1095 ان ينادي على مسيحي اوربا ان (ينقذوا) بيت المقدس من ايدي المسلمين فكانت بداية الحروب الصليبية.

   كان الخليفة الحاكم بأمرالله شغوفا بالطواف ليلا والخروج الى الصحراء محاطا بموكب مهيب من رجال الحرس والحاشية، حيث انه كان شغوفا في رصد النجوم لكنه بدأ يقلل من عدد افراد حرسه تدريجيا الى ان انخفض الى اثنين فقط. وفي احدى الليالي ذهب الى الصحراء وتوغل في العمق ولم يعد. وقد ذهب المصريون الى تكهنات عدة فمنهم من اعتقد بأن الخليفة افترسته وحوش القفار واخرون قالوا ان الخليفة تعرض الى حادث اغتيال وغيرهم اعتقد ان الخليفة عرج الى السماء والبقية الباقية تصوروا انه غاب عن الأنظار ودخل سر الغيبة وعلمها عند الله.

لم يخلف الخليفة المفقود ولدا يرثه في الخلافة، لكن اتباعه قالوا ان احدى جارياته كانت حامل وانها انجبت ولدا اسموه الطيب، لكن هذا الولد هو الأخر دخل الستر وغاب عن الأنظار، وهكذا ظهرت دعوة جديدة سميت بالحركة الطيبية لكن اتباعها لم يتمكنوا من المكوث في مصر طويلا بعد ان خضعت لسلطة صلاح الدين الأيوبي حيث اخرجوا منها فذهبوا الى الهند واستقروا فيها نهائيا وعرفوا بعدئذ بطائفة البهرة وزعيمهم الروحي الأعلى يعتبر نفسه من سلالة الطيب ويلقب نفسه (سيدنا).

   وللبهرة سبعة فنادق كبيرة فخمة تنتشر في بعض الدول الإسلامية واحد منها موجود حاليا في كربلاء المقدسة يحمل اسم - فيض حسيني - اقيم بنائه على رقعة واسعة وسط المدينة تطل اطرافها على اربعة شوارع رئيسية مفتوحة طيلة ايام السنة، تستقبل زوار البهرة وتستضيفهم مدة اقامتهم مجانا،

وقد اتيحت لي فرصة الإطلاع على جانب من الطقوس الدينية لهذه الطائفة عندما قدم زعيمهم الروحي الأعلى السيد محمد طاهر سيف الدين الى مدينة كربلاء بصحبة المئات من اتباعه في اربعينيات القرن الماضي للمساهمة في مراسيم العزاء الحسيني الذي يقام عادة ليلة العاشر من شهر محرم من كل عام وكان موكبهم متصفا بالزي الموحد، عمامة وملابس حريرية ناصعة البياض كل كان يحمل في يده شمعة طويلة مزركشة بالورود الشمعية زاهية الألوان مرددين تراتيل دينية بصوت رخيم و لحن حزين، كان موكبهم متسما بالرهبة والخشوع لكن ابتهالاتهم الدينية اختلطت بضجيج المتهافتين من الأهالي.

   كان يتقدم الموكب كوكبة من سبعة رجال كل يحمل عمودا بقامة انسان ثقيل الوزن من الفضة وكان للعدد سبعة عندهم مغزى عقائدي مقدس فالأعمدة الستة الأولى ترمز الى اسماء الستة الأوائل من ائمة الشيعة الإثنى عشر عليهم السلام بينما العمود الفضي السابع يرمز الى اسماعيل، واسماعيل هذا هو الإبن المتوفي للإمام جعفر الصادق الذي يعتبره البهرة اماما سابعا لهم وبه يختمون عدد ائمتهم ولهذا سموا بالإسماعيلية.

   وبهذه المناسبة قدمت الدعوة الى عدد من رموز المدينه لحضور مأدبة العشاء الكبرى التي اقيمت على شرف زعيم البهرة في الفندق المذكور....وقد شاع ان معظم المدعوين احجموا عن تلبية الدعوة لإعتقادهم ان هذه الطائفة هي فرقة اسلامية ضالة وان طعامهم غير مستحب شرعا.

نعود لنواصل الحديث - لقد تولى خلافة الدولة الفاطمية بعد الخليفة المفقود وحسب التسلسل الخليفة السابع المستنصر بالله الفاطمي الذي ظهرت في زمانه صفحات داكنة من حياة الدوله فقد بدأ القحط والغلاء ينتشربشكل رهيب مترافقا مع تفشي الوباء، فقاس شعب مصر محنا والاما مروعة وقد عرفت هذه النكبة في التاريخ الوطني لمصر بالشدة العظمى، دامت سبعة سنوات، حتى ان الخليفة المستنصر خاف على ابنائه لئلا يموتوا جوعا فقام بأرسالهم الى بغداد.

وبعد وفاة الخليفة المستنصر بالله لم تنتقل الخلافة الى ولي العهد نزار الإبن الأرشد بسبب تلاعب الوزير المتنفذ (افضل الجمالي) الذي تخطى الدستور والعرف والشرع وحول الخلافة الى زوج اخته احمد المستعلي الإبن الأصغر مما احدث شرخا صارخا في العلاقة بين الأخوين تطور الى نزاع مسلح مما اضطر صاحب النص نزار الهروب تخلصا من بطش اخيه احمد الذي اغتصب الخلافة، وقد ادعى مرتزقة احمد انهم ظفروا بنزار وقتلوه، لكن نزار وانصاره تمكنوا من ترك البلاد والوصول الى سفوح جبال همدان في بلاد فارس حيث بنوا هناك قلاعا حصينة اطلقوا عليها مصطلح –الموت–
وقد عرف النزاريون بين المحليين بالحشاشين، وهذه الكلمة تعني بالإنكليزية المغتالون

   وقد نشرت الصحافة العالمية روايات يكتنفها الغموض حول اساليب نشر الدعوة الإسماعيلية عند هؤلاء القوم. كما ادعت ان اغتيال ولي العهد في سرايفو عاصمة البوسنة قد تم على يد احد اتباع هذه الطائفة مما تسبب في اشعال الحرب العالمية الأولى
لكن المؤرخ شوقي ضيف يؤكد ان هؤلاء القوم كانوا خبراء في معرفة الأعشاب الطبية لمعالجة الأمراض وقد راجت عندهم تجارة هذه البضاعة لكن اعدائهم نشروا ما يسئ الى سمعتهم وقلبوا مصطلح حشائشيين الى حشاشين.

لقد بقى اتباع نزار قابعين في قلاعهم يبثون دعوتهم الى ان ذاق ملوك الفرس ذرعا وامروهم على ترك البلاد فهاجروا الى الهند واستقروا فيها وكان زعمائهم الروحانيون يلقبون - بأغا خان -، و كان اغا خان اواسط القرن الماضي متزوجا بالممثلة الأمريكية الشهيرة ريتا هيوارت، كان يقضي لياليه الحمراء اثناء زياراته المكوكية الى اروبا في الرفيرا الفرنسية، واعتاد ان يكتب في سجل الأوتيل عبارة – اله – كأسم مهنة. وعندما ابدت الصحافة المحلية دهشتها قال (ما ذنبي ان كنت الها في عين اتباعي). لقد جرت العادة ان تهدي الطائفة الإسماعيلية الى هذا (الإله) سنويا بما يعادل وزنه الضخم ذهبا خالصا اعترافا بقدسيته واجلالا لعظمة مقامه، وقد اوصى اغا خان قبل وفاته ان يدفن في قمة اعلى جبل في منطقة اسوان في مصر العربية. ومن يذهب الى مزاره، الذي غدا اليوم من المعالم السياحية يخطف بصره من بعيد القبة الإسلامية على قبره في ذروة الجبل وعندما يدخل ضريحه يشاهد وردة حمراء نضرة موضوعة فوق مرقده، هذه الوردة تستبدل بأخرى وقت الفجر من نهار كل يوم.

   اما احمد الذي اغتصب الخلافة من اخيه نزار فقد اخرج هو الأخر مع اتباعه من مصر بعد سقوط الدولة الفاطمية والذين التجأوا الى المناطق الشرقبة للساحل الإفريقي، ومنها انتقلوا الى اليمن عبر مضيق باب المندب حيث مكثوا فيها الى حين ظهر بينهم تجار بارزون، بعدها شدوا الرحال الى الهند واستوطنوا فيها.

لقد كان للشرخ السياسي الذي احدثه الوزير الفاطمي تأثيره الخطير على اضعاف العقيدة الإسماعيلية في نفوس المصريين، فلم يمضي وقت طويل حتى اصبح الشعب المصري موزع الهوى وارتد الكثير منهم عن هذه العقيدة.

   كانت العلاقات الدبلوماسية بين الدولة الفاطمية والدولة البيزنطية في حينها علاقات حسنة وعندما اشتدت وطأة القحط في ربوع وادي النيل اثناء المحنة الكبرى فاتح الخليفة الفاطمي امبراطورها قسطنطين السابع وافهمه حاجته الى الغلال والمؤن فأستجاب العاهل الرومي لطلب الخليفة واعد المواد الغذائية بغية شحنها الى ميناء الإسكندرية في مصر لكن الإمبراطور مات قبل تنفيذ الإتفاق وخلفته على العرش الإمبراطوره ثيودور التي اشترطت لإرسال المؤون ان يمدها الخليفه الفاطمي بالجند لمحاربة السلاجقة المسلمين المتحشدين على حدود مملكتها، فأغتاظ الخليفة الفاطمي غضبا والغى الإتفاق وانقطعت العلاقات بين الدولتين وتشنجت.

   وفي عام 564 للهجرة بدأ الصليبيون يهددون مصر بالغزو وذلك في عهد الخليفة الفاطمي العاضد بالله الذي ايقن انه لا قدرة له على مقاومة الصليبين والصمود في وجه الزحف البيزنطي فلم يتردد في ان يضع خلافته وملكه وكل كيانه في ايدي قوى اسلامية يعرف عنها مطامعها ويدرك اهدافها، لذا ارتأ ان يسلمها للسلاجقة الأتراك (صلاح الدين الأيوبي) طالما يستطيعون دفع الصليبين عن مصر وبذلك اقدم على تضحية ليس لها نظير في تاريخ الحروب، فقد قام الخليفة بقص شعر نساء قصره وارفقه بكتاب قائلا نسائي يستغثن بكم لتنقذوهن من الإفرنج، وطلب من الأتراك السلجوقيين ان يأتوا ويحتلوا بلاده وبذلك وضع الخليفة الفاطمي النهاية الأليمة لدولته العظيمة.
فتقدم القائد السلجوقي صلاح الدين الأيوني على رأس جيش جرار الى مصر وحطم كيان الدولة الفاطمية، كان هدفه انتزاع العقيدة الإسماعيلية من اذهان المصريين، فقضى على الحضارة والتراث والثقافة بكل ما اوتي به من حزم وحقد دفين.

   وفي اعقاب السقوط برزت في مصر ثلاثة فرق:

الأولى بقيت محافظة على مذهبها الإسماعيلي المكتسب

والثانية رجعت الى مذهبها القديم

والثالثة انتهجت طريق الإنتهازية وبدوا يتقولبون مع الوضع السياسي الجديد بهدف نيل المناصب والأموال
لقد انقسم الشعب المصري على نفسه بين مؤيد للأيوبين وحركتهم الإنتقامية في ابادة الفاطميين وبين متمسك بعقيدته نادبا الماضي المجيد
والجدير بالذكر انه كان في ظل الدولة الفاطمية عدد كبير من الشعراء العلويين وقد حفظ التاريخ بعض قصائدهم التي تفوح منها العاطفة الفاطمية وعلى سبيل المثال يقول الشاعر ابن العباس العزازي :

ويقول ابن تواق :

وبعد ان وصلت الحياة العلمية والأدبية والفنية في الدولة الفاطمية ذروتها دمرها عساكر المحتل (صلاح الدين الأيوبي)، فقد ازالوا التراث العربي الإسلامي للدولة الفاطمية واضاعوا الأدب ولم يبق منه غير اسم الأديب كما عبثوا بالعلوم ولم يبق منها غير اسم العالم ونحن لا نتردد في اتهام الأيوبين بجناياتهم على التاريخ الأدبي والفني المصري لتعمدهم على محو التراث والحضارة فقد احرقوا الكتب النفيسة ورموها في النيل بعد ان خلع جنودهم الجلود من على الكتب والبسوها على اقدامهم، نعم لقد كان الهجوم الهمجي الأيوبي على الديار المصرية مروعا ومن يستعرض سعة الدمار والخراب التي لحقت ببغداد عند سقوط الدولة العباسية عام 1258 على ايدي المغول الوثنيين يستذكر ما اصاب القاهرة ومعالمها الحضارية من دمار وخراب على ايدي الأيوبين المسلمين قبل قرنين ونصف من هذا التاريخ.

   هكذا ضاعت كنوز العلم والمعرفة على يد صلاح الدين الأيوبي، على يد التعصب الطائفي المقيت فمنذ الساعة الأولى من دخولهم مصر بدوا في ابادة الفاطميين وتهديم مؤسساتهم الثقافية الحكومية منها والأهلية التي برقيها وازدهارها توجت الحضارة المصرية عصرها الذهبي.

لقد زالت الدولة الفاطمية من الوجود بعد ان غرست في ارض مصر حضارة انسانية متقدمة تجلت بالخصب والعطاء.

ترى في الخارطه على اليسار الدولة الفاطميه في أيام صلاح الدين الأيوبي وعلى اليمين دولة الأيوبين

   المصادر
1- انتوني نتنج في العرب منذ العهد الجاهلي الى عهد جمال عبد الناصر القاهرة 1982
2- محمد كامل حسين بحوث اسلامية شيعية بيروت
3- مصطفى شرفة الدولة الفاطمية القاهرة 1997
4- البرت حوراني تاريخ الشعوب العربية القاهرة 1997
5- امين طليع الموحدون الدروز واصولهم - معرض الشوف الدائم للكتاب بيروت الطبعة الثالثة 2001
6- مشاهدات كاتب المقال