Back Home NextBack to Subject-Page

 

 مقتطفات من الحياة الأدبية والإجتماعية في العصر العباسي

مقتبسة من كتاب العصر العباسي الاول لشوقي ضيف 

بقلم الدكتور رضا العطار بتصرف

ridhaalattar@yahoo.com


ان حديثي هذا عبارة عن عصارة دراسات مستفيضة لمعلومات تاريخية جرت احداثها في العصر العباسي الأول والثاني جمعها الأستاذ الباحث شوقي ضيف في مؤلفات عديدة، فهي بحق ثروة ثقافية غنية، تركها الأديب للأجيال لكي تنهل منها علما وادبا. وقد جاهدت مخلصا ان الخصها في صفحات معدودات واصيغها بشكل يهيئ للقارئ الكريم الأستفادة منها بيسر.


اهتم الأدباء باللغة العربية في كل من البصرة والكوفة في بداية العصر العباسي اهتماما بالغا في تجميع الفاظ اللغة واشعار العرب في العصر الجاهلي، وكان سبب هذا الأهتمام هو حاجة الأمم التي دخلت في الأسلام حديثا الى تعلم لغة القرأن الكريم خاصة بعد ما شاع اللحن على السنة الموالي، لا وحتى على ألسنة بعض العرب انفسهم بسبب اختلاطهم بالأقوام الأخرى او نشأتهم في حجور امهاتهم من الأماء والجواري اللآئ جلبن من البلدان الأجنبية، الأمر الذي ادى الى ضعف الملكة اللغوية لديهم واخذ اللحن يطغي على كلامهم.


لقد انكب علماء اللغة على جمع الألفاظ الصحيحة لكيلا تتبدد وتضيع بين طيات لغات الشعوب المستعربة، وبغية الحفاظ على مقوماتها الأساسية فقد حرصوا ان لا يأخذوا اللغة من عربي سكن المدن وانما يذهبوا بعيدا في طلبهم ويتوغلوا الى باطن الجزيرة العربية ليكتسبوها من ينابيعها الصافية حيث اللغة الفصيحة ذات السليقة السليمة فوصلوا الى مناطق نجد عند قبائل العرب، امثال قيس وتميم وبني اسد فإن هؤلاء هم الذين عنهم اكثر ما اخذ.

 
go to top of page  لم تؤخذ اللغة العربية من المناطق المتاخمة لدول الجوار كالشام مثلا لأنتشار الكتب العبرية فيها ولا من اليمن لقربها من لغة الأحباش ولامن عرب عمان لأختلاطهم بأقوام السند ولا من الجزيرة لتأثرها بلغة البيزنطيين ولا من مصر لمحاكاتها لغة الأقباط ولا من المدن القريبة لبلاد فارس.
لم تمر فترة طويلة حتى اقبل طائفة كبيرة من الأعراب الفصحاء على مدينتي الكوفة والبصرة عائدين من نجد بعدما ساهموا في ترسيخ ثوابت اللغة العربية الفصحى، كان من بينهم ثور ابن يزيد الذي اصبح فيما بعد معلم ابن المقفع في علم الفصاحة.


go to top of page  كانت البادية خلال العصر العباسي تمد المدن بفيض من الشعراء ذوي السليقة العربية الأصيلة، وقد تحول بعض هؤلاء الى معلمين يربون الناشئة على العربية الفصحى واداب الشعر القديم، في الوقت الذي كان يقابلهم في المدن شعراء لم ينشأوا في البادية لكنهم استوعبوا ملكة اللغة العربية التي تمثلت في دخائلهم فيما بعد حتى اصبحوا لا يقلون عن شعراء البادية نصاعة وبيانا.
لقد حافظ معظم الخلفاء العباسيين على لغة القرأن وحثوا اهل العلم على دراستها والتعمق في معانيها ومعرفة مكنوناتها، فكانوا لا يستوزرون الا من حذق في اللغة العربية وبرع في ادائها وادابها، وكانت مجالس الخلفاء عموما تكتظ باللغويين وعلماء الكلام من امثال الكسائي والأصمعي. وكان الشعراء يعرضون قصائدهم على الخليفة، فإن استحسنها مضوا ينشدونها، وان لم ذهبوا يصنعون غيرها.
وعلى هذا النحو سيطر اللغويون على سوق الأدب العباسي ومضوا متمسكين بقواعد الشعر القديم تمسكا شديدا، وكان اعتقادهم انه لا يجوز تفضيل شعر عصر على غيره من عصر اخر انما كان المراد هو جودة الشعر نفسه بصرف النظر عن عصره، فالجودة الفنية لا تقاس بالقدم والحداثة، ان الشعر الجيد جيد في كل زمان ومكان

 
go to top of page  وعلى هذا النحو دفع التحضر بشعراء العصر الى استحداث اسلوب جديد يعتمد على الألفاظ الواسطة بين لغة البدو الزاخرة بالكلمات الجزلة ولغة الحضر المليئة بالكلمات المبتذلة وجعلوا منه اسلوبا جديدا اشبه بعنقود من الجواهر اذ تحول الشعراء الى ما يشبه الصاغة، كل يحاول ان يثبت مهارته في صياغة وسبك الشعر من الكلمات التي يكون وقعها في السمع حسنا و تأثيرها في القلب كأثر المطر في التربة الكريمة.
وبشار ابن برد هو في طليعة من ارسى هذا الأسلوب الجديد فكان شعره انقى من الراح واصفى من الزجاج واسلس من الماء العذب، كما امتاز اسلوبه بالنصاعة والرصانة والصفاء والرونق، هذا ما يصرح به ابن المعتز.


لو استعرضنا الأحداث الأدبية خلال القرنين الثاني والثالث للهجرة لاحظنا وفرة المعلومات التي وردت الى اللغة العربية، فقد جمعت مادتها جمعا مستفيضا صنفت في مباحث متعددة، وكان اللغويون لا يذكرون صيغة لغوية فيها اشتباه. لقد استطاعوا ان يضعوا قواعد النحو العربي وضعا نهائيا ويضبطوا قواعد القوافي والأوزان الشعرية وبذلك اصبحوا قادرين ان يضعوا الأسس اللازمة لصنع المعجم العربي مثلما هو معروف عن معجم العين المنسوب الى الخليل بن احمد معلم سيبويه،

 

go to top of page  لقد كتب الجاحظ البيان والتبين الذي اتاح به للشباب ان يقفوا في غير مشقة على خصائص اللغة العربية وادابها الجمالية والموسيقية، اذ اصبح من المتيسر ان يقرؤا اشعارها من دون عناء ويتذوقوها في غير تكلف. و يحسن بنا القول ان مدينة البصرة بدأت تزدهر بسوق باديتها المعروف بالمربد الذي تحول اسمه بمرور الزمن الى مهرجان المربد. كان يجتذب اليه الشباب الطموح للقاء الفصحاء من الأعراب القادمين من البادية تمرينا لألسنتهم وصقلا لمواهبهم واغناء لمادة اللغة الزاخرة بالجودة والصفاء.

 
كان الخليفة العباسي المأمون مشجعا للثقافة، فقد حول دار خلافته الى منتدى لأساطين العلم والمعرفة وكبار البلغاء و المترجمين الذين نقلوا الى العربية العلوم اليونانية واللاتينية والهندية والفارسية وبها غدت بغداد منارا للإشعاع الفكري الساطع الذي توج عصرها الذهبي المنشود. وفي هذا الزمن ادخلت الى بغداد صناعة الورق من الصين قبل دخولها الى اروبا بقرون عديدة، فظهرت مكتبات عامة كمكتبة الحكمة في بغداد ومكتبات خاصة في كل مكان. وحينها وصف الجاحظ شغف العراقيين بالقراءة كأنقضاض الأسد على فريسته.


لقد اذكى الأسلام جذوة المعرفة في النفوس ودفعها الى التعلم دفعا قويا، وبذلك انتشرت الكتاتيب لتعليم مبادئ القراءة والكتابة، فكانت اجور المعلمين في الغالب لا تتجاوز رغيفان من الخبز، و من كان يريد اكمال تحصيله، انتقل الى حلقات الدرس داخل المساجد لينهل العلم من معين اساتذة متخصصون، فكان تأثيرهم على النهضة الحضارية كبيرا، فقد اثمرت عن ظهور بوادر ادبية باهرة واثار علمية رائعة وقصائد شعرية خالدة، افرزت نخبة من اعلام الفكر، كإبن سينا في الطب والرازي في العلوم والطبري في التاريخ والخوارزمي في الرياضيات وابن حيان في الكيمياء والكندي في الطبيعيات وابن ماسوية في علم التشريح وابن النفيس في الدورة الدموية والإدريسي في الجغرافيا وابن الهيثم البصري الذي وصفه الكاتب الأمريكي المعاصر ميشيل هاملتون مورغان بأنشتاين زمانه، فبفضل نظرياته تمكن كل من كوبرنيكوس وغالبلو ونيوتن من تحقيق اهدافهم العلمية بعد ستمائةعام من رحيله. هذا ما جاء في كتابه lost history، 2007، مكتبة الكونغرس واشنطن. 


ونتيجة لأمتزاج الثقافات دخلت الى العربية الفاظ اجنبية كالفارسية خاصة ما يتعلق بأسماء الطعام والشراب والملبس، و هندية مثل ابنوس والفلفل والببغاء، وكذلك مفردات يونانية من قبيل القيراط والأوقية والقولنج.  هذه لمحات مقتضبة عن الحياة الأدبية في العهد العباسي،

 

go to top of page  اما اذا اردنا ان نلقي نظرة سريعة على الحياة الأجتماعية، فأقول ان انتقال الخلافة الأسلامية من دمشق الى بغداد عام 132 للهجرة بعد معركة الزاب كان ايذانا بغلبة الطوابع الفارسية على المرافق العامة في المجتمع العراقي، فقد قلد العباسيون الساسانيين في عاداتهم وثقافاتهم وازيائهم وطرائق معيشتهم وحتى في محاكات عمائرهم، فقد بنى الخليفة ابو جعفرالمنصور مدينة بغداد على شاكلة طيسيفون – المدائن – دائرية، مثلما بنى قصره المعروف بقصر الذهب على طراز قصورهم، المتميزة بالدواوين الفخمة، وان اثار سامراء وغيرها لا زالت شاهدة للعيان. فقد اقتبس العباسييون عن الفرس مقومات الحضارة، وعلى رأسها نظام ادارة الدولة، والتشكيلات العسكرية وفنون الحرب بحذافيرها، وصاغوا القوانين صياغة ساسانية جعلت من الخليفة العباسي ملكا كسرويا يحكم الأمبراطورية الأسلامبة حكما استبداديا دينيا وراثيا مطلقا، يحيط نفسه بهالة كبيرة من التقديس و تحول بعض الفقهاء الى وعاظ سلاطين، ينصاعون لأهواء الحاكم ويعلنون للملآ ان الخليفة هو ظل الله في ارضه. وبذلك ظهر ابشع حكم فردي ظالم لايقيم للشعب وزنا وليس له من الأمر شيئا.


كان معظم الوزراء من الفرس، يستأثرون بشؤون الخلافة وينالون اعلى المراتب، يتسم حكمهم بطابع القهر والتعسف لا يعرف رفقا ولا لينا.


لقد اعتبر الخلفاء العباسيين انفسهم ورثة الخلافة الشرعية وزعموا ان النبي قال لعمه العباس بأن الخلافة ستكون في ولده من بعده، وبهذا الإدعاء الذي ليس له سند، بدوأ يلاحقون ابناء عمومتهم العلويين، العلويون الذين كانوا لهم العون الأكبر في اسقاط سلطة بني امية، حتى تجرؤا بالفتك بأئمتهم، كان زعيمهم الروحي موسى بن جعفر اول الضحايا.


go to top of page  لقد تجاهل العباسيون كسلفهم الأمويين دستور النبي الكريم الذي وضعه في المدينة المنورة في السنة الخامسة للهجرة الذي ضمن حقوق وواجبات الرعية في الأمة الأسلامية....ورغم كل ذلك كان يحلو للعباسيين ان يكثروا من ترديد الأية الكريمة من سورة ال عمران – قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير -


كان الخلفاء العباسيون شغوفين بالجواري، فكان لكل منهم جيشا منهن، يرفلن في ابهى الكساء والحلل، يبالغن في اناقتهن وزينتهن ويتبارين في ثياب السندس والإستبرق ويختلن في الجواهر واللؤلؤ متخذات منها تيجانا واقراطا وخلاخيل وقلائد. فكان شغف الرشيد بالعربيات وشغف المأمون بالمسيحيات اما شغف المعتصم فكان بالغلمان والجواري التركيات الذي اضطر اخيرا الى نقل مركز الخلافة الى مدينة سامراء ليجنب اهالي بغداد شرهم واذاهم.


لقد انحدر معظم الجواري من دول وثقافات مختلفة، كان تأثيرهن على المحيط العربي بالغا حتى ان قسما منهن دخلن قصر الخلافه وصار بعض الخلفاء من ابنائهن،
كان الرشيد يستكثر منهن في قصوره حتى تجاوز عددهن عن اربعة الاف جارية، كانت ضياء وخنث وسحر افضلهن عنده ولسان حاله

ملك الثلاث الأنسات عناني

وحللن من قلبي بكل مكاني

مالي تطاوعني البرية كلها

واطيعهن وهن في عصياني

ما ذاك الا ان سلطان الهوى

وبه عززن اعز من سلطاني


كان بعض الجواري يحسن نظم الغزل المثير، يكتبنه على عصائبهن وثيابهن ومناديلهن، منها هذا البيت:

اتهون الحياة بلا جنون؟

فكفوا عن ملاحقة العيون

 
وفي اخبار الخليفة المهدي ان جاريته اهدت اليه تفاحة بعد ان نقشت عليها:

هدية مني الى المهدي

تفاحة تقطف من خدي

محمرة مصفرة طيبة

كأنها من جنة الخلد

 
يروى عن الخليفة المتوكل انه رأى جاريه وقد نقشت اسمه على خدها فأعجبه ذلك وطلب ان يغنى الحدث نظما ملحنا فأنطلقت شاعرة القصر عريب تنشد:

لئن اودعت خطا من المسك خدها

فقد اودعت قلبي من الوجد اسطرا

 

كن بعض الجواري يتقن نظم الشعر وفن الغناء او الرقص معا مما كان يرفع من مستواهن الفني ويزيد من انوثتهن سحرا واغراء، فكن فتنة من فتن العصر كالجارية عريب مطربة المتوكل والجارية دنانير مطربة البرامكة.
كان العرب يستعذبون سماع قصائد ابن الجهم، ينشدونها في مجالس افراحهم منها:

الورد يضحك والأوتار تصطخب

والناى يندب اشجانا وينتحب

والراح تعرض في نور الربيع كما

 تجلى العروس عليها الدر والذهب

 
كانت اعياد المسلمين العرب تشمل عيد الفطر وعيد الأضحى فكانوا يستهلون الصباح الأول منه بصلاة العيد، يتبادلون التهاني والزيارات العائلية او يلتقون في الساحات العامة يمرحون، او يجتمعون حول المسليين من امثال ابو الشمقمق في بغداد الذي كان يضحكهم بنوادره، او يخرجون الى احضان الطبيعة لشم النسيم، فمنهم من يتهادى على صفحة مياه دجلة في زوارق جميلة يضجون بالغناء مسرورين ومنهم من يختلي بين الخمائل وظلال الشجر، وفي هذا السياق ينشد البحتري

اشرب على زهر الرياض يشوبه

زهر الخدود وزهرة الصهباء

من قدح ينسي الهموم ويبعث

الشوق الذي قد ضل في الأحشاء

 
اما المسلمون الفرس فكانوا يحتفلون بعيد المهرجان وعيد الربيع، لكن الأخير – نوروز – كان اكبر اعيادهم، يخرجون فيه مع بزوغ الشمس الى المروج الخضراء بملابس العيد الزاهية تعلو وجوههم ملامح البهجة والسرور، يتبادلون التهاني والهدايا والتهادي بالورد، كل مجموعة جلبت معها طعامها وقد تجلت عليهم مظاهر العيد بأبهى الصور.
اما الفرس المجوس فكان من عادتهم ان يحتفلوا بعيدهم بعد غروب الشمس، حيث كانوا يقضون ساعات الليل يرقصون حول لهيب النيران المشتعلة وهم فرحون مستبشرون يعلون اصواتهم بالغناء منشدين:

قد قابلتنا الكوؤس ودابرتنا النحوس واليوم هرمزد روز قد عظمته المجوس

وهرمزد هذا هو اسم اله النور على حد زعمهم -.


اما اعياد النصارى فكانت كثيرة لكن اهمها كانت عيد الميلاد و الفصح والشجرة وكانوا يزينون روؤسهم بأكاليل الورد وفي ايدهم الخوص والزيتون كما كانوا يحيطون مجالسهم بالزهور والرياحين ودفئ الشموع. وكان احتفالهم بعيد الفصح متميزا، وعندهم ان نبي الله عيسى عرج الى السماء في مثل هذا اليوم بعد صلبه بثلاثة ايام. كان اكثر مناطق العراق احتفالية هي الدير الأعلى في الموصل ودير سمالو في شرق بغداد وكان عشاق الطرب يسافرون اليها اما عن طريق الدواب او عن طريق نهر دجلة وكان المحتفلون يتبارون في زيهم و زينتهم، يشربون الأنخاب ويضجون في اغاني راقصة صاخبة حتى الصباح وهم مغتبطون، ويصف الشاعر عبد الملك هذه المشاهد قوله:

ورب يوم في سما لوتم لي

فيه السرور وغيبت احزانه

فتلاعبت بعقولنا نشواته

اوتوقدت بخدودنا نيرانه

حتى حسبت ان البساط سفينة

والدير ترقص حولنا حيطانه

 
كانت البساتين في ضواحي المدن تحتضن الحانات التي كانت تعج بالجواري والغلمان صباح مساء، تخفق لأغانيها المعازف والطنابير والدفوف وتهيئ لروادها اللهو المباح وغير المباح، ومن حولهم الشياطين، يكثر فيها حديث الفسق والصبوة الى جانب ثرثرة المجوس والزنادقة الذين كانوا يفتحون الباب على مصراعيه للتهجم على العرب والنيل من تاريخهم و ثقافتهم بل والدس على الأسلام نفسه متشامخين بحضارتهم القديمة، وكان البرامكة دوما يذكون هذه التحرشات.


وفي هذا الجو المتوتر كان الدور التاريخي للثقافة العربية المرتبط بالمضمون الحضاري الأسلامي الديني والوطني والعرقي يتعرض لخطر فقدان الهوية من الجذور.


go to top of page  فقد شكلت هذه التصورات الخاطئة ارضية خصبة في اشتداد نزعة الشعوبية التي تتعارض مع الأسلام الذي اعلن منذ اليوم الأول انه لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى، اذ ليست العروبة ولا العجمة ميزة في ذاتها تعلي من شأن صاحبها -......

 

bullet

كان الفرس قبل الأسلام مجوسا، والمجوسيه منحدرة من الدين الزرادشتي الذي ظهر 700 سنه قبل الميلاد، يعتقد بوجود الهين هما – اهورامزدا – منبع النور واصل الخير في العالم و – اهرمن – وهو رمز الظلمة ومبدأ الشر في الوجود، وعندهم النار شعار الطهر، فهم يقدسونها لكنهم لا يعبدونها،

bullet

ثم تليها المانوئية وهي الفكر المجوسي الثاني الذي ظهر 300 سنة بعد الميلاد. تحرم ذبح الحيوان لكنها تبيح الزواج من المحارم وعقيدتهم هي مزيج من الزرادشتية والنصرانية والبوذية ولها طقوس عبادية خاصة بها.

bullet

واما الفكر المجوسي الثالث فهي المزدكية، اخطر من سابقاتها لأنها تضيف الى العقيدة المجوسية نزعة الأباحية. وقد عمل الداعية الخليع شلمخان من هذه المحرمات سننا وشرائع........

 

هكذا كانت هذه المعتقدات الشاذة وبالا على الأسلام، والغريب في الأمر ان المسلمين لم ينتبهوا الى حقيقة المجوسية في بادئ الأمر واعتبروها ضربا من التعاليم السماوية. ونظروا اليها بإحترام، لذلك ظلت حية قوية حتى العصر العباسي حينما ادرك الخليفة المهدي ابعاد كفرها فأنقلب على معتنقيها بالفتك والتقتيل.


go to top of page  كثر الرقيق في العصر العباسي كثرة مفرطة. فقد انتشرت تجارته الى حد كان سوق النخاسة في بغداد يحمل اسمه. فيه مواصفات الجنسين، من كل دين ولغة ولون وعنصر تعرض تحت اعين الرجال.


كان الناس في المجتمع العباسي يعشقون الغناء، فقد اقترنت موسيقى الطرب لديهم برقة عواطفهم وخلجات نفوسهم، حتى غدت نعيمهم المفضل، تثير فيهم البهجة والسرور الى حد كانوا يستقبلون عذوبة الألحان بالدموع. ولهذا كثرت مجالس الأنس والسمر وتفشى فيها الغزل الأباحي، كان سببا لأفساد الشباب، هذا الغزل الذي لا تصان فيه كرامة المرأة والرجل معا،


ورث المجتمع العباسي من الفرس كل ما كان عندهم من ادوات لهو ومجون، فكان عشاق الخمرة يعبون منها ما يشاؤون، حتى اصبح الأدمان عليها ظاهرة عامة، ومما ساعد على انتشارها اجتهاد زمرة من الفقهاء على تجويز بعض انواعها، رغم وجود نص النهي عنها في القرأن الكريم.


كانت المغنيات في العصر العباسي يجلبن من كل حدب وصوب وكانت اموال المسلمين تنثر عليهن بإفراط شديد. يكفي ان تقوم مطربة بإحياء حفلة غنائية ترضي مزاج الخليفة حتى يأمر لها بمئة الف درهم. وقد بلغ اهتمام الخلفاء بالطرب حدا جعل هارون الرشيد يأمر مغني القصر ابراهيم الموصلي ان يختار له مئة من الأصوات الملائمة والموجودة حاليا في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني.


go to top of page  لقد اتصفت حياة الخلفاء ومن لف لفهم بالبذخ والترف الصارخ، فكان على الشعب الكادح ان يتصبب عرقا ويتجرع من غصص الحياة ما يطاق وما لا يطاق ليتهئ لهؤلاء الحكام اسباب النعيم.


يروي المؤرخ ابن طيفون انه دعي الى قصر الخلافة لحضور حفلة زفاف الخليفة المأمون على عروسته بوران، فبعد الأنتهاء من العشاء الذي كان يتكون من ثلاثمئة لونا من الطعام، قدم الى الضيوف في اواني من الذهب والفضة، وبعدما قام الخليفة واجلس عروسته على حصير منسوج من الذهب ومكلل بأبهى صنوف الجواهر، قدم اليها الف ياقوتة بعد ان اوقد لها شموع العنبر، بعد ذلك بدأ المأمون ينثر مسقول البندق على رؤوس المحتفلين. كانت كل بندقة تحوي على رقاق كتب عليه اسم قرية او جارية او فرس، فالضيف الذي يحظى بواحدة منها يذهب الى الوكيل ليتسلم حصته، فإن كان من نصيبه قرية، غدا حاملها تلك الليلة صاحب ضيعة بما فيها من الكائنات الحية وممتلكات عقار وبساتين ثمر.


go to top of page  انني اتسائل، الم يكن تحقيق العدالة الأجتماعية في مقدمة الأهداف لظهور الأسلام ؟... فإذا كان الأمر كذلك، فبأي تبرير يتغافل حكام المسلمين من تطبيق هذا الهدف ؟؟
ولعل هذه الممارسات وما رافقها من اعتصار الشعب هو السبب في كثرة الثورات على العباسيين، وايضا لعله السبب على اقبال بعض الناس للإيمان بالمهدي المنتظر يدعون الله ان يظهره ليخلصهم من بلواهم وينشر العدل بينهم.


لقد انتشر في المجتمع العباسي مظاهر التألق والتأنق في الأزياء والزيارات ومراسيم القبول واداب المائدة خاصة في الطبقات الأرستقراطية الناشئة. كما سرى بين النساء الحرائر شغف التهادي بالعطور الفواحة كعطر النرجس والياسمين والمسك والكافور، ينتعشن بطيب اريجها ويتبخترن بعبقها الزكي كما ويتمسحن بدهن الزعفران من المفرق الىالقدم، بينما اقتصر شغف العوائل في تزيين بيوتهن بالورد والرياحين، احلى دلالة لمعاني الود والوداد والهام لمشاعر الشعراء في الخصب والخيال. وعلى اثر ذلك كثرت حقول الورد في ضواحي بغداد وفي كل مكان، وفي هذا السياق يقول ابن الجهم:

لم يضحك الورد الا حين اعجبه

حسن الرياض وصوت الطائر الغرد

بدا فأبدت لنا الدنيا محاسنها

 وراحت الراح في اثوابها الجدد

قامت بجنته ريح معطرة

 تشفي القلوب من الهم والكمد


go to top of page  اما مقاييس الجمال في عين المرأة العباسية فكانت كالأتي :

الأنف كالسيف

والعين كعين الغزال

والعنق كابريق فضة

والساق كالجمار

والشعر كالعنقود


لقد شاعت في بغداد قولة السوء في الخليفة الأمين بعد ان اكتظ قصره بالغلمان، ودرأً للسمعة ارسلت اليه امه زبيده بعشرة من الجواري بعد ان البستهن ثياب الغلمان لتصرف ابنها عن سلوكه المنحرف، وبذلك ظهر اول مرة مصطلح الغلاميات في المجتمع العباسي، لعل ذلك هو السر في ان ابا نؤاس كثيرا ماكان يستعمل ضمير المذكر في شعر الغزل.


كان الأمين مغرما بالخمرة، فقد حول قصر الخلافة الى حانة ليلية على حد تعبير اهالي بغداد، حيث كان لاسبيل له الى احتسائها الا متتابعا، حتى اذا نام واستيقظ في السحر طلب الى نديمه ابي نؤاس ان يمده بالشراب ليصطحب اليوم التالي وينعم بنشوته غير مبال لحرمة دين ولا لوقار خلافة.

لقد كثرت في زمن ابي نؤاس ظاهرة التخنث عند بعض الرجال، فعندما كانت تسقط عنهم رجولتهم، يلبسون لبس النساء ويتشبهون بهن في الحركات والكلام والتزين كصبغ الشعر ووضع الحناء على الاظافر، وكان بالمقابل من يتشبه من الجواري بالغلمان لفتا للشباب.


لم يقتصر نظم الشعر في العصر العباسي على الغزل المكشوف انما كان هناك الشعر العفيف الذي بقى طاهرا تمده منابع الأدب الرصين عند شعراء نجد وكانوا يسمونه بالحب العذري المتسم بالحشمة والأدب، و هذه بعض الأبيات وردت على لسان الشاعرة العباسية عريب:

ادور في القصر لا ارى

احدا اشكو اليه ولا يكلمني

حتى كأني اتيت بمعصية

ليس لها توبة تخلصني

فمن شفيع لي الى حبيب

زارني في الرؤيا وصالحني

حتى اذا الصباح عاد لي

عاد الى هجره وقاطعني


go to top of page  يتضح للقارى الكريم ان صفحة الحياة التي كانت مثقلة بالفضائح الأخلاقية في المجتمع العباسي كانت تقابلها صفحة اخرى مضيئة بشعر الورع والتقوى ففي الوقت الذي كانت الحانات الليلية تعج بالماجنين والفجار تفوح منها رائحة المعاصي كانت مساجد بغداد عامرة بالعباد يعلوها صراخ الوعاظ في وجه الخلعاء والمنحرفين ان يخافوا الله ويزدجروا، كان الشاعر ابو العتاهية ضمن هؤلاء التقاة الذي يقول:

الهي لا تعذبني فإني

مقر بالذي قد كان مني

وما لي حيلة الا رجائي

لعفوك ان عفوت وحسن ظني

 

ويقول ناصحا

احذرالأحمق ان تصحبه انما الأحمق كالثوب العلق
كلما رقعته من جانب  زعزعته الريح يوما فأنخرق
واذا عاتبته كي يرعوي زاد شرا وتمادى في الحمق

 

وفي مكارم الأخلاق يقول صالح عبد القدوس:

المرء يجمع والزمان يفرق

ويظل يرفع والخطوب تمزق

ولأن يعادي عاقلا خير له

من ان يكون له صديق احمق

فأربأ بنفسك ان تصادق احمقا

ان الصديق على الصديق مصدق

وزن الكلام اذا نطقت فأنما

 يبدي عقول ذوي العقول المنطق

 
كما يقول:

احذرمصاحبة اللئيم فإنه

يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب

يلقاك يحلف انه بك واثق

واذا توارى عنك فهو العقرب

يعطيك من طرف اللسان حلاوة

 ويروغ عنك كما يروغ الثعلب

واحفظ لسلنك واحترس من لفظه

فالمرء يسلم بلسانه ويعطب

والسر فأكتمه ولا تنطق به

 ان الزجاجة كسرها لا يشعب

  
وفي رفعة الصداقة والصديق يقول بشار بن برد:

اذا كنت في كل الأمور معاتبا

صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فعش واحدا او صل اخاك فأنه

مفارق ذنب تارة ومجانبه

اذا انت لم تشرب مرارا على القذى

ظمئت واي الناس تصفوا مشاربه

 

وفي فضائل الأخلاق يقول ابن الجهم:

وعاقبة الصبر الجميل جميلة

وافضل اخلاق الرجال التفضل

وللخير اهل يسعدون بفعله

وللناس احوال بهم تتنقل

ولله فينا علم غيب وانه

يوفق منا من يشاء ويخذل

 

اما في الشعر الصوفي فقد برز الحلاج لكنه تطرف حتى وصل به الأمر الى ان يدعي ان روح الله حلت في كيانه لذا كان يقول – انا الله - وقد افتى مجلس القضاة للمذاهب الأسلامية في بغداد على قتله. ومن نظمه وهو يخاطب جل شأنه:

مزجت روحك في روحي كما

تمزج الخمرة في الماء الزلال

فأذا مسك شي مسني

فأذا انت انا في كل حال


وقال: 

انا من اهوى ومن اهوى انا

نحن روحان حلت بدنا

فأذا ابصرتني ابصرته

واذا ابصرته ابصرتنا


ومن جانب اخر استعر شعر المجوسية لدى بشار الذي رفع رايتها قوله:

الأرض مظلمة والنار مشرقة والنار معبودة مذ كانت النار
ابليس افضل من ابيكم ادم فتنبهو يا معشر الفجار
النار عنصره وادم طينه والطين لا يسموسمو النار
 

وبتهمة الألحاد امر الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور ان يقتل رجما

 
و في شعر التشكي يقول بشار بن برد متوجعا لفقدانه حاسة البصر:

خليلي ما بال الدجى ليس يبرح وما بال ضوء الصبح لا يتوضح
اضل الصباح المستنير طريقه؟ ام الدهر ليل كله ليس يبرح
 

 
وفي الحنين للوطن يقول ابن الجهم:

عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث ادري ولا ادري
اعدن لي الشوق القديم ولم اكن  سلوت ولكن زدن جمرا الى جمر

 

وفي محبة الوطن والذود عنه يقول العرفاني ابن الرومي قصيدته الجليلة مطلعها:

ولي وطن اليت الا ابيعه

وان لا يرى غيري له الدهر مالكا


وهذا نموذج من الشعر الشعبي للشاعر الأمي خبز ارزي الذي كان ينشد قصائده عاليا من مخبزه في البصرة فيتقاطر حوله الشباب لسماع شعره العذب قوله:

خليلي هل ابصرتما او سمعتما

بأكرم من مولى تمشى الى عبد
اتى زائرا من غير وعد وقال لي اصونك عن تعليق قلبك بالوعد
فما زال كأس الوصل بيني وبينه يدور بأفلاك السعادة والسعد
فطورا على تقبيل نرجس ناظر وطورا على تعضيض تفاحة الخد
 

 
اما في قصيدته التالية يبدي الشاعر حيرته بعدما قاده خياله الخصب الى طرفة نفسية تعذر عليه التمييز بين هلال الدجى من هلال البشر فيقول

رأيت الهلال ووجه الحبيب

فكان هلالين عند النظر

فلم ادري من حيرتي فيهما

هلال الدجى من هلال البشر

ولولا التورد في الوجنتين

وما راعني من سواد الشعر

لكنت اظن الهلال الحبيب  وكنت اظن الحبيب القمر

 

go to top of page  المصادر
كتاب العصر العباسي الأول – شوقي ضيف الجزء الأول الطبعة الثامنة القاهرة 1982
كتاب العصر العباسي الثاني – شوقي ضيف الجزء الثاني الطبعة الثانية القاهرة 1975

 

                  
Back Home Nextgo to top of page