ألطائفية ليست أسلاما
آراء الكاتب
الدكتور عبد اللطيف ألجبوري
موضوع الطائفية ومنذ ما يزيد على ثلاثة
عشر قرناً يبدو مشكلة مستعصية كخنجر في جسد الأمة الإسلامية. ونشهد هذه الأيام ما يُمارس من توجهات خطيرة لتمزيق هذه الأمة من خلال تغذية الطائفية. وهذه دون شك قضية كبيرة وخطيرة تساهم
في تقهقر وضع المسلمين وانكفائهم السريع.
ويقف وراء هذه المشكلة أناس ومنظمات منتفعة إن بطريق مباشر أو غير
مباشر. وعلاوة على ذلك فهناك المنتفعون ضيقو الأفق والجهلة من المتطرفين الذين يتم استخدامهم وتشجيعهم على الإمعان بتمزيق أواصر الأمة دون أن يدركوا فداحة الأخطاء التي يتسببون بها
للإسلام.
ومما يدعو للأسف فإن بيننا الكثير من المسلمين الجهلاء الذين يودون توظيف الطائفية لتحقيق مكاسب سياسية
ضيقة وفي نفس الوقت يذهبون بعيداً في تمزيق أواصر المسلمين ويشجعون على أعمال العنف ويغذون الكراهية بين شتى الفئات.
وهناك أيضاً المتطرفون الجهلة الذين يظنون أنه بإمكانهم فرض آرائهم على الآخرين بحد السيف معتقدين أن الله
تعالى قد فوضهم بأن يعمموا على غيرهم مبادءهم الإسلامية التي لا أساس لها ولا تمت للأسلام بصله فكرا كان أم منهجا.
إن "تفكيرهم الأعوج" القائل "أسلوبي ولا غيره"
يتناقض كلياً مع ما أمر الله به المؤمنين في الجزء ألثاني ألآيه 256 أن
"لا إكراه في الدين". وهذا المنحى أدى إلى المزيد من التباينات في كيان الأمة وإلى انحراف المسلمين في متاهات غير مجديه اذ يحدث ذلك كله أمام أعيننا وعلى امتداد العالم الإسلامي. وزيادة
في ألطين بله، نشهد كل يوم أعمال القتل التي يرتكبها المسلمون من الفئات المختلفة ضد بعضهم البعض دون مراعاة للجنس أو العمر.
وكل فئة منهم تظن أنها بذلك تخدم الإسلام وتشق طريقها إلى الجنة. وقد أصبح لزاماً على كل واحد منا يتحسس هذه الكارثة أن يسلط الضوء على حالة الغباء الكارثية هذه وما يحيط بها من عدم
إدراك للأمور.
مما لا شك فيه أن الناس هم أعداء ما جهلوا.
وأن كشف الغطاء عن الجهل الذي أوصلنا إلى هذه الأوضاع يعتبر الخطوة الأولى نحو إيضاح حقيقة أن الإسلام لا علاقة له بما نرى من فوضى وربما يحد من الأحقاد ويجعل المؤمنين بكافة فئاتهم
يدركون أن الطائفية لا أساس لها في الإسلام.
وكما سيظهر في هذا السياق فإنه لا وجود للطائفية في تعاليم الدين الإسلامي الأساسية كما أنها لم يرد ذكرها في القرآن الكريم أو السنة الشريفة. وقد حمّل الجهلة من المسلمين هذه المصيبة
فوق رؤوس ألمسلمين وأضحى من واجب كل مسلم فينا أن يثبت أن الإسلام لا علاقة له بهذه الحالة الشاذة.
والإسلام ومنذ بزوغ فجره كان ضد هذا الخط كما
ورد جلياً في القرآن الكريم وكما كرس حياته سيدنا محمد (ص) من خلال أقواله وأفعاله. وفي واقع الحال فإن القرآن الكريم قد حذرنا من الغرق في مستنقع الطائفية كما يظهر بكل وضوح مما يلي من
ايحاءات ينبغي فهمها على أنها نبؤات جلية عن واقعنا الحاضر كما ورد في الآيات الكريمة التالية :
وبداية وقبل كل شيء يقول تعالى في القرآن الكريم الجزء الثالث، الآية 103
"واعتصوا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا"
وفي الجزء السادس ، الآية 159
"إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما آمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون"
وكذلك في الجزء السادس ، الآية 153
"وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"
والآيتان المشار إليهما أعلاه هما اشارتا نبوة بكل ما تحملان من معاني للنبوة الصادقة عن حال المسلمين في يومنا هذا. وبالرغ من هذا فقد سار بعض المسلمين دون وعي أو إدراك وراء فئة منهم
ضالة منحرفين بذلك عن صراط الله المستقيم ومنقسمين إلى فئات عدة أو شيعا متناحره.
ومن وحي هاتين الآيتين تبدو إدانة كل أنواع الطائفية التي بسببها لا يحتمل الناس الآخرين وكل منهم يدعي أنه دون غيره الملم بتعاليم القرآن الكريم ويفترضون خطأ أنهم وحدهم الجماعة الصالحة
التي تتبع القرآن الكريم وسنة الرسول الشريفة.
وهذا هو التطرف المقيت والمؤدي الى الهلاك
وكم هو مأساوي أن تدرك أن ما أسهم في هذا الإنشقاق هو أن المسلمين
يرتكبون خطأ فادحاً عندما يقرنون الطائفة التي ينتمون إليها بالإسلام عندما يحددون ديانتهم. وهذه الغلطة الفاحشة قد عجلت بخلق هذا الشرخ بين أفراد المسلمين وغيرهم ممن تفضل تفسير
التعاليم كما تتبناها طائفة ما خلافاً للطوائف الأخرى
وبدل أن يستفيدوا من هذا التباين بالأفكار للوصول إلى حلول مناسبة لحاجاتهم فإنهم وبتزمت شديد تبنوا هذه التفسيرات دون تنكر وبسبب جهلهم
اختاروا اعتبار هذه التفسيرات في رأي أحدهم مقابل الرأي الآخر متشددة.
ونحن بهذا
الإعتبار قد نعبث بالمعتقد الأساسي لإسم الدين الذي ننتمي له جميعاً. وعليه فإننا وتحديداً مسلمون ولا غير ذلك. وهذا ما نادى به ربنا كلاً من آدم ونوح
وإبراهيم والحقيقة هي أن جميع الأنبياء مسلمون.
في الجزء السادس ، الآية 128
"ربنا واجعلتا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك"
وفي الجزء الثاني ، الآية 132
"ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا و أنتم مسلمون"
وفي الجزء الثاني ، الآية 135
" وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين"
الجزء الثاني ، الآية 136 تنص بالتحديد
"قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط وما أوتي موسى و عيسى وما أوتي النبيون من
ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون"
وما دمنا أتباع رسله من آدم إلى محمد يصبح من المنطق تبعاً لذلك أن ندعو أنفسنا مسلمين ولا شيء غير ذلك.
إن إسم دينه جل جلاله هو الإسلام و"الدين عند الله الإسلام"
وهذه هي التسمية لنبؤاته للبشرية.
إن المسلم وعن جهل منه يبث الشقاق
بين المسلمين عندما يدعو المسلم نفسه بطريقة بعيدة عن أسس الإسلام. وكذلك يعتقد كاتب هذه المقاله أن هذه الحالة تنسجم تماماً مع تعريف ألبدعه. وللتذكير فإن تعريف البدعه هو أن كل فكره
جديده تصيب أسس الإسلام تسمى بالبدعه. وعندما نتبنى أسماء نحدد فيها المذهب تاركين ألتسميه ألأساسيه ألتي أطلقها علينا رب ألعباد يكون ذلك غير مقبول ويشكل بدعة تضر بأسس الإسلام وينبغي
رفضها دون تردد. ولنتذكر أيضاً أن ألتجديد أو البدع التي لا تخلق أي مشكلة لمبادئ الإسلام تكون مقبولة وقابلة للتشجيع.
وإذا كنا نريد أن نكون صادقين في دعوتنا فإن الصراط المستقيم الواجب على المسلم اتباعه يكمن في القرآن والسنة ، فإن ذلك يكون بكل تأكيد من خلال تسمية أنفسنا بالطريقة الصحيحة نفسها التي
أسمانا بها ذوا العزة والجلاله والتي اتبعها رسولنا ألكريم. غير أننا إذا ذهبنا إلى دعوة أنفسنا بأسماء لم يستعملها نبينا في حياته ولا هي واردة في القرآن الكريم نكون بذلك ودون أدنى شك
مخطئون. وصحابة الرسول عليه السلام الذين عاشوا حياة إسلامية مثالية لم يطلقوا على أنفسهم أسماء كالتي يسمون بها مسلمو هذه الأيام أنفسهم. وبإصرارنا على تسمية أنفسنا بالإسم الوحيد
والصحيح الذي أسبغه الله تعالى علينا نكون بهذا وببساطة قد تخلصنا من تلك الآفة التي نتج عنها الإنشقاق والطائفية والتي أوصلتنا إلى هذا المستوى من الإنحدار والتأزم.
وعوضاً عن مناداة أنفسنا بأسماء نبرز فيها مذاهبنا فإنه بإمكاننا التحرر من التبعية المصطنعة لفكر مدرسة ما بحيث تكون لنا الحرية في اختيار حلول هي الأنسب لأحوالنا وحاجاتنا الخاصة مما
هو متوفر من مختلف الأفكار والتفسيرات الصادرة عن دعاة المسلمين الأتقياء.
والمسلم وبسبب جهله في أساسيات الإسلام
أو سبل تطبيقها في حياته اليومية ربما رأى حاجة إلى السعي للبحث عن إرشادات أو نصائح من الذين هم أكثر معرفة منه في ذلك الشأن من شؤون الدين وهناك العديد من الدعاة الصالحين الملمين
بالدين ممن كرسوا حياتهم في شرح وتفسير القرآن وإبداء وجهة نظرهم في أفضل سبل التطبيق.
ونحن بحاجة بصفة مستمرة في يومنا هذا وفي الأجيال القادمة إلى المزيد من الدراسات والدارسين في هذا
العالم المتسارع في ديناميكياته وتقلباته. ولتحديد ذلك فإننا ومن غير وعي منا لا نستطيع ولا يجوز لنا أن ننتسب بدون تفكير بأي مذهب أو فكر ما لمدرسة أخرى على أنها الوحيدة دون غيرها التي
تملك التفسيرات والإبراء في هذا المجال. وإن آراء تلك المدارس وتفسيراتها المرتبطة بزمن ما تختلف عن أساسيات الدين كما وردت في القرآن الكريم والسنة الشريفة. وإن الإلتحاق أو الإنتساب
يجب ألا يجر المرء إلى ولائه إلى ذلك المذهب أو الفكر
إطلاقا، بل يجب أن يكون ويبقى ولاؤنا لله عز وجل. إن التضليل غير مقبول ويقودنا إلى الهلاك كما هو واقع المجتمع
الإسلامي حالياً.
نعم! نحن بحاجة إلى ألمتضلعين في ألمدارس ألفكريه أن يعطوا وجهات نظرهم بشرح الحالات الجديده التي تواجهنا مثل علوم الفضاء وأبحاث سلالات الخلايا والبيئة وما إلى ذلك من مواضيع تواجهنا
بألحاح في هذا الزمن لإيجاد الحلول لها بما يتماشى وإطار العقيده الإسلاميه ألسمحاء.
ونحن دوماً بحاجة إلى المزيد من هذه الأفكار لأن زمننا يتغير باستمرار وهناك الجديد والرائع في كل يوم كما ورد بكل وضوح في القرآن الكريم الجزء 55 ، الآية 29
"كل يوم هو في شأن"
بل كل ساعه وكل دقيقه وكل ثانيه هنالك متغيرات جديده في حيلتنا في هذا الكون ألعظيم.
نحن نرحب بالمذاهب الإسلامية والتباينات في آرائها في
شتى المواضيع حيث تضع أمامنا الخيارات ضمن الأفكار بآفاقها البعيدة من أركان الإسلام والتي لم تكن لتخدم المسلمين وتهديهم منذ زمن الرسول إلى يومنا هذا فحسب بل وللأجيال القادمة أيضاً.
الإسلام بمعناه التسليم لمشيئة الله هي الرسالة الوحيدة لا غيرها أرسلت للبشرية من يوم آدم إلى يوم الحساب.
و سيدنا محمد قد علمنا من خلال سيرته القويمه كيف نتعامل عند أختلاف آراء المسلمين حين تنازل عن رأيه (وهو رسول الأمه) وألأخذ بالرأي ألمغاير لمكان واقعة أحد. بهذا الأسلوب يجب النظر إلى
مختلف آراء المذاهب بدلالاتها حيث أن النصائح المذهبية التي تصب في تيار الفكرالإسلامي الديناميكي المصدر يفترض فيها ألمرونه كما ويجب أن تجاري المتغيرات الزمنية على أن تنحصر دائما
بحدود الإسلام الأساسية والتي هدانا الخالق العظيم لإتباعها في صراطه المستقيم. وما دام الزمن يتغير والمذاهب تتبدل فإنه وتبعاً لذلك ومن دواعي الحاجة لا بد من أن تتماشى مختلف آراء
المذاهب مع ألزمن. وكل يوم هو يوم آخر كما ورد أعلاه في ألآيه ألكريمه. وإن اختلاف الآراء في المذاهب يقتضي بالضرورة أن يكون ذو طبيعة شورى فقط ولا ينظر إليها على أنه لا يوجد غيرها في
هذا الكون وهي بالضروره ذات صله بزمانها ومكانها.
والمسلمون أحرار في اختيار ما يناسبهم من هذه التفسيرات
المتباينة لتتلائم مع مفهومهم للإسلام كي يتمكنوا من أن يعيشوا حياة تتناسب مع مبادئهم الإسلامية مراعين المتقلبات الزمنية. ولا ننسى قوله عز وجل في الجزء 2 ألآيه 256
"لا إكراه في الدين" بعد أن بدا جلياً دون أي لبس أن معتقدات الإسلام الأساسية هي أن
تسلك حياة إسلامية صحيحة على هدى سيدنا محمد (ص) الذي كان مسلما ولم ينعت نفسه بأي صفة أخرى. إن طريق المسلمين الخاضعين لمشيئة الله هو الصراط المستقيم الذي هدانا الله إليه فدعونا نسلكه
دون غيره وكما أوعز الله لنا بذلك في الجزء ألسادس ألآيه 153. "وأن هذا صراطي مستقيما..."
وباتباع الصراط المستقيم الذي رسمه لنا رب العالمين إنما نقدم خدمة جليلة للمسلمين ولنا جميعاً. ونحن بذلك نضع الحجر الأساس للوحدة التي عناها الخالق لنا عندما دعانا إلى الإعتصام بحبله
وألا نتفرق وهكذا عندما ينادى كل منا نفسه بالمسلم ونكون بذلك قد أجهضنا الإنشقاق الذي كان السبب الرئيسي لحالة عدم الإستقرار الذي نعيشه منذ 1350 سنة. وإنه بالإشارة إلى أنفسنا
بالمسلمين فقط إنما نحمي المجتمع من هذا الإنشقاق والوهن الذي يصعب علينا تحمله.
وها قد وصلنا إلى لحظة الحقيقة في تاريخنا
ولم يعد مقبولاً الإنقياد الأعمى والذي أصبح السبب المباشر لحروب طائفية منهكة وإلى قسمة المسلمين وتخلفهم. وفيما نرى بقية العالم تتقدم نجد أنفسنا نحن المسلمون نقاتل غيرنا من المسلمين
الذين يؤدون صلواتهم في رحاب بيوت العبادة بينما يقتتلون بإسم انتماءاتهم الطائفية متهمين غيرهم ممن يتبعون مذاهب أخرى بأنهم كفرة يستحقون الموت. وعلى نحو ما فإن مرتكبو الجرائم هذه
يذهبون في تفكيرهم إلى اعتبار أن هذه الجرائم ستوصلهم إلى الجنة وكم من ذنوب وآثام ترتكب باسم الدين!!! وهذا يعبر عن جهل عميق في أصول الدين وهو في الوقت ذاته مهين.
من أهم مقومات الدين هو إرشادنا إلى
كيفية التعامل مع بعض من خلال التفاهم والتسامح. والدين لا يعطينا الحق في إصدار أحكامنا على الآخرين كأن نحدد من هم أهلٌ ليعيشوا بسلام دون أن يمسهم أي سوء ومن هم غير جديرون بهذه
الميزة. وكما تبدو الأمور الآن فإن هؤلاء الجهلة في واقع الحال يجعلون من أنفسهم كمن يؤدون دور الله سبحانه وتعالى وهو الأوحد الذي يملك الحق في الحكم على الناس فيمن تكون جهنم مأواه أو
أن يكون مصيره الجنة وليس من طبيعة عملنا أن نصدر أحكام الموت على الآخرين وننصب من أنفسنا القاضي والشرطي في الوقت نفسه وهذا ما يعرف بالحكم الإعتباطي غير المبني على القانون.
ألم يحن الأوان لنفيق من سباتنا ونرى الحقيقة ونتولى مصيرنا بأنفسنا. ربما كان هذا لا زال ممكناً فدعونا نرجع إلى المنطق ونتسامح وندرك أن المطلوب منا أن نبدو كبشر يدّعون الإسلام. إن من
واجبنا بوصفنا وكلاء الله في أرضه أن نحسّن العالم الذي نعيش فيه ونساعد على نشر الإنسجام والتسامح والسلام في هذا العالم
... وهذا كل ما يهدف من ورائه الدين ألحنيف فالدين عند ألمطاف هو ألأخلاق.
ألدكتور عبد أللطيف ألجبوري
دانفيل, كاليفرنيا
ِ30 آذار 2008
alaljibury@yahoo.com
Back to Home Page