العقل الإبداعي العراقي بين التكفير والتفكير
آراء الكاتب
المقال كتبه طالب العسل
Just_iraq@hotmail.com
أبدع العراقيون دوماً في كل المجالات وكتب التاريخ لهم مايشهد على عبقريتهم وتحضرهم وانسايتهم ومساهمتهم في بناء حضارات كانت اساس ماحصل من تطور وبناء على
مدى العصور, اي بإختصار كان للعراق الفضل على العالم اجمع..
ولكن هل وعى او يعي العراقيون ذلك؟؟ نحن اليوم كشعب هو اقرب في الصوره الى قبائل تعيش في مجاهل افريقيه, فلم يعد يهمنا او يحرك مشاعرنا ان اجدادنا هم اصحاب الفضل في اختراع الكتابه..
فالكثير اليوم لايعرف القراءه والكتابه.. وليس يهمنا من ان اجدادنا هم من اخترع العجله.. فالمرسيدس الفارهه للمسؤول الفلاني حصيلة السحت والنهب انست صاحبها نفسه فلم يعد يرى سوى نفسه
وملايينه التي سرقها وهي تأخذ كل تفكيره فليس في عقله فسحه لغير ذلك..
اما القانون الاول الذي سنه حمورابي فليس من الأهميه في شيئ اليوم في العراق, فلكل عراقي اليوم
قانون خاص.. الم نسمع بقانون علاوي, وقانون المالكي, وقانون الطالباني, اي ان كلٌ له تفسيره الخاص بما يخدم مصلحته.. نحن في حقيقة الامر نعيش اسوأ فتره في تاريخ العراق, فنحن في صراعاتنا
على الكراسي وعلى كل شيئ فقدنا انسانيتنا, بل فقدنا القدره على التفكير او التمييز بين الصح والخطأ, فنحن نقتنع وبسهوله ان الذي فجر نفسه في منطقه شيعيه انما هو سني في وقت لم يتبق من
جسده سوى قطع صغيره متناثره لاتدل على شيئ, وكذلك حين يتم تفجير جامع او ان يُغتال امام سني تتجه الأصابع الى الشيعه وكأن الشيعه اصحاب تاريخ ارهابي وابطال اسطوريون في الإغتيال والقتل,
ولم يفكر احد ما في سبب تزامن وقت تفجير جامع في الرمادي وحسينيه في الديوانيه انه لإثارة الفتنه, فقد تكرر السيناريو منذ 2003 ولغاية الساعه.. تفجير في منطقه شيعيه وآخر في منطقه سنيه
والقليل فقط من يؤمن بإن الموضوع مفتعل وانه لإثارة الفتنه والكراهيه..
كما نجد الكتل السياسيه شيعيه وسنيه وكرديه تتهم احداها الاخرى بأنها تمارس الإرهاب ضدها, فهذه الكتله تتهم تلك بممارسة التصفيه الجسديه ضدها, وهذه الكتله تتهم تلك بانها عميله لدوله
اخرى وهكذا تتوالى الإتهامات الموثقه بالمستندات والأدله ليُذاع الخبر يوميا ونقرأه الف مره حتى تهدأ الامور ليلتقي اعضاء الكتل المتخاصمه والتي اتهم بعضها بعضا بالإرهاب والقتل وهم
يتناولون الإفطار بمناسبة شهر رمضان وهم يضحكون وقد عرفنا لاحقا على من يضحكون..
وهكذا ينشغل العراقيون كلٌ حسب اعتقاده بالجدل وتكفير الآخر حتى دون معرفتهم بابسط الحقائق, فيستنفذون طاقاتهم في مالايفيد ليثبت احدهم انه فيلسوف عصره وان علم الحديث والتفسير والكلام
من اختصاصه ليمضي الوقت عاما بعد عام والعراق يعيش اسوأ ايامه في انشغال العراقيين بالكلام.. نحن اصحاب كلام..ولذلك نحن متاخرين عن الآخرين, فلو انشغل اليابانيون بالكلام بعد هزيمتهم
امام الولايات المتحده لما اصبحت عملاقا اقتصاديا كما هي اليوم, وكذلك المانيا انشغلت بالعمل بدل الكلام بعد انتحار هتلر وهزيمتها فاصبحت اقوى دوله اوربيه اقتصاديا, وكذلك ماليزيا
واندونيسيا وبالطبع الصين والكثير من الدول التي تركت علم الكلام الذي ينهي الإنسان كطاقه خلقها الله وسلكت طريق البناء والتطور والإعمار.
ان الطاقه المستخدمه في الحقد والكراهيه هي كبيره في حقيقة الامر, فكم من عائله عراقيه شيعيه
او سنيه تجلس تتسامر ليلا مع الاهل والأقارب وهم يلوكون ماحدث ويحدث ويلقون باللائمه على الطرف الآخر, فهناك اليوم طرف آخر بينما كنا جميعا طرفا واحدا, فالطاقه التي يصرفها العراقيون في
اجترار الاحداث وتأويلها انما لو استُغلت في البناء واعادة الإعمار لكان العراق اليوم في حال آخر, فطاقة العراقي اليوم تذهب سُدى في القيل والقال, وليس يقتصر الأمر على طبقه معينه واشخاص
معينين بل هناك الكثير من المثقفين من يصرف طاقاته في مالايفيد ويخوض مع الخائضين دون ان يصل في جدله الى نتيجه ناجعه..
ان القيل والقال انما هو حجر عثره في اعادة بناء ماهدمه الإحتلال, وهو بالفعل حجر عثره في اعادة تاهيل البنى التحتيه, فهل حال العراق اليوم سوى جحيما في الصيف والشتاء, فهل فعلنا شيئا
للكهرباء سوى شتمنا الحكومه ووزير الكهرباء؟؟
وهل فعلنا شيئا لوزير التجاره وهو يسرق قوت الشعب ليبدله علفاً سوى صراخ من انتخبناهم في البرلمان مع بعضهم البعض لينتهي الأمر ببرائته على رؤوس الأشهاد... وهل فعل العراقيون شيئا حيال
حكومة المالكي المنتهيه الصلاحيه والمفعول سوى انهم انقسموا بين مؤيد ومعارض وكلٌ يفلسف الامور حسب هواه ويفسر القانون كما يحلو له, فقد اصبحنا جميعاً اساتذة في القانون... لقد اصبحنا
جميعاً حمورابي... ان طاقاتنا مهدوره في سهر الليالي وفي التحليل والتأويل والتفسير وفي تكرار ماقلناه امس لنعيده اليوم ليتم نقاش ذلك يوم غد, وهكذا حالنا كل يوم وليله فلماذا لانُبدع
كما كان اجدادنا في الماضي, وان لم يكن هناك فرصه للإبداع لظروف خاصه وخارجه عن ارادتنا, او لتواضع المستوى الثقافي والعلمي فليكن هناك فرصه للعمل والإبداع فيه وزيادة الإنتاج او حتى
استغلال الوقت في رفع المستوى التعليمي من خلال المطالعه او حتى تعلم اللغه الإنكليزيه المبسطه حتى نفهم على الأقل شتيمة الجندي الأمريكي لنا...
لقد اجهدنا انفسنا في تكفير الآخرين, فعلاوي كافر من وجهة نظر معينه, والمالكي كافر من وجهة
نظر اخرى, وهكذا ينسحب موضوع التكفير على الجميع, حتى ان هناك الكثير من العوائل التي حصل سوء فهم بين افرادها بسبب اختلاف اعتقاداتهم, ولم يستطع احدهم ان يستمع للآخر فالكل يعتقد انه
على حق بل ولايعتقد بحرية الآخرين ولابحرمة مقدساتهم حتى اصبحنا شعبا يُكَفِّر نفسه وانشغلنا في تعضيد تكفيرنا للآخرين بتقديمنا الادله والبراهين وقمنا بتفنيد ماقاله الآخرين بحقنا وقمنا
بتأويل الكلام والحديث بل وتفسير القرآن واختلقنا تفاسير جديده معاصره تلائم تفكيرنا وتكفيرنا, وجادلنا واحتججنا واختلقنا الأساطير وعممنا الأفكار فكان جهدا عظيما استنفذ كل طاقاتنا
المخزونه, فلا زالت عائشه على جملها مُتهمه, ولازالت قصة ضلع الزهراء تثير قريحة البسطاء ولازال عمر مطلوبا بسبب الستة نفر الذين اختارهم ولازالت خلافة ابي بكر فلته, ولازال القعقاع
كافرا لقتله رستم ولم يشفع قتاله الى جانب الإمام علي شيئا, بل لازال عبدة عبد الكريم قاسم يرون وجهه في القمر ولا زال انصار الملكيه يحتفلون بمقتله..
هكذا نحن..الإبداع عندنا في كل شيئ.. في حضاراتنا في تاريخنا في تطرفنا في حقدنا, فطاقاتنا المخزونه اكبر من ان تُصرف في مجال واحد, ولكننا صرفناها كلها في الحقد والكراهيه والهدم بدل من
الحب والتسامح والبناء, فكم هو رائع ان يأمن العراقي على حياته وحياة عائلته, وان يعيش دون اغتيالات وتفجيرات وارهاب.. وكم جميل ان يتم اعمار العراق ليضاهي اجمل دول العالم بما لديه من
قدرات وثروات وعقول جباره قادره على العطاء بلا حدود..
طاقاتنا مهدوره في تكفير بعضنا البعض حتى هان العراق على اهله فتجرأت الدول علينا فهاهي تركيا وسوريا تبنيان السدود لتحيل جريانها دون العراق, وهاهي المسلمه ايران تستولي على حقول النفط
العراقيه وتقطع الانهار وياليتها اكتفت بهذا فأرسلت بدل ذلك مياه المجاري وفضلات البزول حتى تعذر على اهل الجنوب خصوصا البصره شرب الماء الصالح او الزراعه فلبست بلادنا لون الصحراء بعدما
كان السواد لباسها, ولازال العراقي يجادل وبمهاره اسباب ذلك فهذا يلقي اللوم على ايران وآخر يلقي اللوم على تركيا وسوريا بل هناك من تطرف اكثر والقى باللائمه على العراقيين... ولربما هنا
ولأول مره كان العراقي في تطرفه على حق...