Back Home Next

 

الأهوار أكبر المسطحات المائية في الشرق الأوسط

2016-02-03 10:22:36 | (صوت العراق) - ميسان - عبدالحسين بريسم

 


تعد أهوار وادي الرافدين من أكبر المسطحات المائية في الشرق الأوسط، تقع في الجزء الجنوبي من العراق بين محافظات البصرة وميسان وذي قار، وتتكون الأهوار الجنوبية من ثلاث مناطق رئيسة هي: الأهوار الشرقية المعروفة بهور الحويزة والأهوار الوسطى أو المركزية والأهوار الجنوبية المعروفة بهور الحمار، وتشغل مساحات واسعة تتراوح بين (15000 - 20000) كم² منها نحو (9000) كم² أهوار دائمية والباقي هي أهوار موسمية تغمرها مياه الفيضانات سنوياً، وأكبر هذه الأهوار هو هور الحويزة الذي يمتد من شمال شرق مدينة العمارة إلى شمال شرق البصرة ومن الأراضي الإيرانية حتى نهر دجلة غرباً، ويعرف الجزء الذي يقع في الجانب الإيراني باسم هور العظيم.

 17 بالمئة من مساحة العراق
يقول د. بشار جبار جمعة من جامعة ميسان: «تشكل مساحة الاهوار نحو 17 بالمئة من مساحة العراق، إذ تغطي المياه نحو 8 .3 مليون دونم من الأراضي العراقية منها نحو 2.3 مليون دونم تغطى بمياه الأهوار، وتعد من النماذج الفريدة بجريان المياه العذبة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة وتعد من المناطق الغنية بالغطاء الطبيعي وثروتها الحيوانية من الأسماك والطيور والجاموس، إذ كانت تقدر طاقة الأهوار من إنتاج الأسماك بنحو (60 بالمئة) من الإنتاج السمكي الكلي في العراق خلال ثمانينيات القرن الماضي، كما تمتاز الأهوار بمناخها الصالح لزراعة المحاصيل الاقتصادية فضلا عن انتشار نباتات القصب والبردي فيها التي يمكن أن تستعمل كعلف للحيوانات، كما أنها تدخل في صناعة الحصير ومادة أولية في صناعة الورق والسكر، كما تشكل الأهوار مصدر عيش لعدد كبير من سكان الأهوار الذين يمتهن بعضهم تربية الجاموس والبعض الآخر صيد السمك والطيور، فيما يمتهن آخرون صناعة «الحصير والبسط) وقسم آخر زراعة الشلب».مضيفا: «وقد عانت الأهوار خلال فترة النظام السابق من عمليات التجفيف من خلال تنفيذ العديد من المشاريع، إذ تم قطع مياه دجلة والفرات عن الأهوار؛ وذلك بشق القنوات لتصريف المياه إلى خارج الأهوار، كما أقيمت السدود الترابية لمنع تدفق المياه باتجاه الأهوار».

 تدمير نظام بيئي فريد 
ويشير الدكتور بشير الى جريمة تجفيف الأهوار بالقول: «تجفيف الأهوار كان كارثياً في شتى المجالات، مؤدياً إلى تدمير نظام بيئي فريد من نوعه، إذ إن ما تبقى من الأهوار بعد التجفيف لا يتجاوز (5.14 بالمئة) في أفضل الأحوال، وان ما تبقى من هور الحويزة الذي يعد من أكبر أهوار جنوب العراق هو (33.3 بالمئة) فقط من حجمه السابق، إذ تبلغ طاقة خزنه نحو (7) بلايين م³ ويبلغ الفاقد السنوي له بالتبخر نحو (3.2) بليون م³ وتبلغ مساحة هور الحويزة خلال ثمانينيات القرن الماضي 3580 كم² وبعد التجفيف في العام 2000 أصبحت مساحته نحو 1000 كم² وبعد عودة المياه بعد العام 2003 بلغت مساحتهُ  1600 كم².

وبدأت عمليات تجفيف الاهوار في بداية التسعينيات من القرن الماضي، ما اضطر عرب الأهوار إلى الهجرة، وفي العام 1991 تم إحراق النباتات وتلوث المياه، ما اضطر الأهالي إلى النزوح إلى جنوب غرب إيران، وتشير الإحصاءات إلى أن أعداد النازحين قد وصل إلى نحو 40000 نسمة، في حين انتشر نحو 250000 مواطن في أجزاء عديدة من العراق وذلك بسبب تبدل نوعية البيئة ولعدم وجود مصادر معيشية، فتدهور صيد الأسماك والطيور وكذلك فإن المساحات الزراعية الواسعة لزراعة الشلب قد تلاشت ولعدم وجود مصادر مياه صالحة للشرب وانعدام الخدمات التعليمية والرعاية الصحية الأولية قد زاد من هجرة السكان».

وبين أن «التلوث الذي حصل للأهوار نتيجة للاستغلال غير المنتظم لمكونات البيئة الأساسية بفعل عوامل عديدة منها: فيزيائية وكيميائية وبايولوجية فهناك ملوثات قد تصل إلى البيئة المائية بتراكيز مختلفة ولفترات مختلفة التي قد تعمل على تدهور الموارد الطبيعية المتواجدة بشكل متوازن في الطبيعة ما يعرقل الفعاليات الحيوية لجميع الكائنات الحية الذي بدوره يؤثر في حياة هذه الكائنات ويعتمد نوع التلوث على طبيعة المواد المطروحة فهناك تلوث بالعناصر الثقيلة أو بالهايدروكاربونات النفطية أو المواد ذات النشاط الإشعاعي أو بالمبيدات أو المواد العضوية أو غيرها من مصادر التلوث الأخرى».


 مميزات بيئية فريدة
اشتهرت أهوار العراق لفترة طويلة بمميزات بيئية فريدة قلما تجتمع في منطقة أخرى من العالم، فهي تعد من أبرز نطاقات الأراضي الرطبة ليس فقط في منطقة غرب آسيا بل في العالم أجمع، وفي الماضي القريب كانت هذه المنطقة تزخر بكل أشكال التنوع والثراء البيولوجي تميزها بيئة معيشية خصبة وموارد طبيعية زاخرة بالكائنات الحية من طيور نادرة وحيوانات برية ومائية فريدة ونباتات
متنوعة.

وأتاح ثراؤها الطبيعي وموقعها الجغرافي أن تكون استراحة أو نقطة عبور رئيسة لملايين الطيور المهاجرة من روسيا حتى جنوب إفريقيا، ثم انها منطقة توالد لأنواع كثيرة من أسماك الخليج، وصنّفها برنامج الأمم المتحدة للبيئة كأحد أهم مراكز التنوع الإحيائي في العالم. وتشير الدلائل إلى أن المنطقة تقع فوق ثروات نفطية هائلة لم تكتشف بعد، حتى ان البعض يعدها بئراً بترولية ضخمة تحت طبقة غضة من الماء والنبات، وتعتزم الأمم المتحدة إدراج منطقة الأهوار العراقية على لائحة التراث العالمي، وأعلن البرنامج البيئي في الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو في بيان مشترك إن الخطة التي تمولها الحكومة الإيطالية تهدف إلى حماية الأهوار والحفاظ عليها.وقال موقع الأمم المتحدة:
«إن أهوار وادي الرافدين التي تعرف بالهلال الخصيب كانت مركزا للثقافة ولتراث ثقافي فريد، والى كل هذا للمنطقة إرث تاريخي لا ينكر، فعلى أرضها كان يعيش سكان أصليون يعرفون باسم عرب الأهوار (المعدان) الذين يصنفون بأنهم من أقدم السلالات البشرية على وجه الأرض».


 مركز إنعاش الأهوار
وضع البرنامج البيئي التابع للأمم المتحدة خطة لإعادة تشجير منطقة الأهوار وتأهيلها وبدعم من صندوق العراق التابع للمنظمة الدولية، كما تم تأسيس مركز إنعاش الاهوار «RIMC” الذي مهمته دراسة وتنفيذ العديد من المشاريع وكذلك رفع الضرر الكبير الذي لحق بالطبيعة والإنسان في مناطق الأهوار خلال الأعوام السابقة، وعليه من أجل النهوض بواقع الأهوار لا بد أن يكون هناك نوع من التنسيق بين هذا المركز والجهات ذات العلاقة وبين الأكاديميين من ذوي الاختصاص للوقوف على طبيعة الظروف التي تعاني منها أهوار جنوب العراق بما فيها إجراء دراسات ومسوحات دورية شاملة للمياه والتربة خاصة بعد تعرض مساحات كبيرة من الأهوار في محافظتي البصرة وميسان إلى عمليات التلوث التي حصلت مؤخراً بسبب وصول مياه البزل من الجانب الإيراني إلى هذه الأهوار ما ينعكس ذلك سلباً على نوعية المياه والتربة وبالتالي يؤثر ذلك في طبيعة نمو وتواجد الكائنات الحية المتواجدة في هذه المناطق، ما يدفع البرنامج البيئي التابع للأمم المتحدة للتحذير من أن الأهوار قد تختفي نهائياً خلال الخمس سنوات المقبلة ما لم تتُخذ خطوات عاجلة لإنقاذها.

 تحليل جغرافي
يبين د. رياض مجيسر حسن: «تعد مناطق الأهوار من أغنى مناطق العالم من حيث تنوع الحياة المائية والبرية وهي الخزان الكبير للمياه العذبة التي يمكن الإفادة منها لمياه الشرب الذي سكنها الإنسان واعتاش على خيراتها، وقد تراوحت مساحتها على بعض التقديرات ما بين (3000 - 8000) كم² أو يزيد بقليل، وأجمع اللغويون والجغرافيون على أن كلمة الأهوار تطلق على الأراضي المنخفضة التي تغطيها المياه في جميع أيام السنة وفي مواسم معينة وتضم مناطق ضحلة وأخرى عميقة نسبياً، ينبت فيها القصب والبردي وتتوزع على أهوار شرق دجلة وأهوار ما بين نهري دجلة والفرات والأهوار الممتدة غرب نهر الفرات التي يعزى تكوينها الى عدة أسباب منها: بأن المنطقة تكونت نتيجة التواء قشرة الأرض ما أدى الى ارتفاعها وانخفاضها في البعض الآخر، وهناك من يعتقد بأن المنطقة المغمورة بالمياه الى ما قبل الألف الرابع قبل الميلاد ثم انحسر البحر».

وأضاف:

«يقدر عدد سكانها بـ(300 ألف نسمة) ويشمل هذا العدد القرى والأرياف التي تقع ضمن إقليم الأهوار في المحافظات الثلاث البصرة والناصرية والعمارة، وحرفة سكان الأهوار تتراوح بين تربية الحيوانات وزراعة بعض المحاصيل مثل الرز والقيام ببعض الصناعات الحرفية، فضلا عن صيد الأسماك والطيور، وأدى التجفيف الى ارتفاع درجات الحرارة بمعدل (5 درجات مئوية)، كما أن التجفيف أدى الى إحداث حالات مفاجئة من العواصف الرملية الهابة، كما أدى التجفيف الى تلوث مياه نهري دجلة والفرات، إذ إن الأهوار تعمل كالفلتر في تصفية المياه، أما إيجابيات بقائها فيمكن الإفادة منها في تنمية الثروة السمكية وكونها بيئة ملائمة لعيش الطيور البرية المهاجرة والداجنة التي تتكون من اصناف متعددة، ويمكن استغلال الأهوار كمناطق سياحية، خصوصا في فصل الربيع.

حيث النباتات والأزهار الخضراء بمختلف أنواعها، ومساحات المياه الشاسعة، تضاف لها طرق التنقل بالزوارق و»المشاحيف» في مواسم ارتفاع مناسيب المياه ومناخها الدافئ، فتصبح أفضل الأماكن السياحية إذا ما توفرت الأموال والإمكانات اللازمة لشق الطرق وبناء المطاعم والفنادق والجزر الوسطية في مناطق
الأهوار».منوها «بأنه يمكن الإفادة منها في تخزين طبيعي للمياه وبقاء الأهوار مغطاة بنباتات القصب والبردي والنباتات الأخرى، وبالتالي سحب كميات من ثاني أوكسيد الكربون وتوفير الاوكسجين والإسهام في بناء غلاف جوي ونظام بيئي متزن، وان الأهوار منخفضات من المياه تتأثر بالضروف الطبيعية كقوة الجريان النهري لنهري دجلة والفرات وكمية الأمطار الساقطة وعدد السدود وكذلك بالظروف السياسية في هذا البلد والبلدان المجاورة، فليس من الغرابة أن تشهد الأهوار انخفاضا في كميات المياه الواصلة وتقلص مساحاتها بل الى تجفيف أجزاء كبيرة منها».

 تجفيف لأغراض سياسية
وأوضح الدكتور حسن: «يمكن أن نسجل نوعين من التجفيف الطبيعي يحصل نتيجة انخفاض كميات المياه الواصلة الى الأهوار والتجفيف السياسي ويحصل نتيجة لأغراض سياسية معينة، إذ قام النظام المباد بتجفيف الأهوار للقضاء على قوى المعارضة له والتي كانت تتخذ من الأهوار قاعدة لها وتهجم عندما تحين الفرصة على أجهزة نظامه، إذ قام بعدة محاولات للقضاء على قوى المعارضة في الأهوار، بل قام بتكثيف الأهوار وأحيانا بتفريق القرى المجاورة للأهوار للتقليل من حجم قوى المعارضة أو قطع الإمدادات عنها، ويتخذ هذا الأسلوب في الأعوام التي ترتفع فيها مناسيب المياه».

استنتج البحث ان هناك إيجابيات في حالة بقاء الأهوار: منها تشغيل أكبر عدد ممكن من السكان، فضلا عن الثروات الطبيعية الموجودة في الأهوار، وكذلك يمكن جعل الاهوار أماكن سياحية ومخازن للمياه، وهنالك إيجابيات في حالة تجفيف الأهوار منها جعلها أماكن للزراعة وتسهيل استغلال الثروة النفطية، فضلا عن توفير المياه في أماكن أخرى أكثر أهمية».

 

 


    go to top of page Back Home Next