Back Home Next

الأكراد

الكاتب:   أ. د. عمر ميران*

http://www.albasrah.net/ar_articles_2005/1205/miran_231205.htm

As Received

أنا أعلم علم اليقين بأن الكثير سيتهمني بشتى أنواع التهم الجاهزة التي أصبحت من سمات هذا الزمن المريض, ولكني لا أخشى في قول كلمة الحق لومة لائم ولا غضبة جاهل وحقود.

أجد نفسي مضطراً لأدلو بدلوي في هذه الفترة المظلمة من تأريخ وطننا وبلدنا الحبيب العراق. فأنا كنت قد منعت نفسي من الإنجرار وراء ما يحدث في بلدنا ولكني أجد نفسي هنا وأنا في الثمانينات من عمري وكما قلت مضطراً بل ومن واجبي هنا أن أقول ولو جزءاً بسيطاً مما أؤمن به وأعتقده صواباً.

وأنا أعلم علم اليقين بأن الكثير سيتهمني بشتى أنواع التهم الجاهزة التي أصبحت من سمات هذا الزمن المريض, ولكني لا أخشى في قول كلمة الحق لومة لائم ولا غضبة جاهل وحقود.

سوف لن أتطرق الى موضوع تأريخي جاف كما هو الحال عندما كنت أقوم بتدريس المادة التأريخية العلمية ولكني هنا سأقوم بطرح مبسط ليتمكن الجميع من إستيعابه.

في البداية أحب أن أقول لكل العراقيين ، إن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم قادة للشعب الكردي إنما هم يمثلون أنفسهم وأتباعهم فقط وهم قلة في المجتمع الكردي ولا يمكن القياس عليهم ولكنهم وللأسف أقول, يستغلون نقطة الضعف في شعبنا ويلعبون على وتر حساس ليجنوا من وراء ذلك أرباحا سياسية خاصة تنفيذاً لرغبة أسيادهم الأمريكان.

إن الشعب الكردي كله شعب بسيط وبدائي في كل ما في الكلمة من معنى حقيقي. وهذا ينطبق على أخلاقه وتعاملاته وتراثه وتاريخه وثقافته وما الى آخره. فلو أخذنا نظرة عامة ولكن ثاقبة لتأريخ الشعب الكردي لوجدنا إنه تأريخ بسيط وسهل ولو أردنا أن نعمل عنه بحثاً تأريخياً علمياً لما تطلب ذلك أكثر من بضع صفحات. هذا ليس عيباً أو إنتقاصاً من شعبنا الكردي ولكنه حال كل الشعوب البسيطة في منطقتنا المعروفة حالياً بالشرق الأوسط.

على العكس من ذلك ما يمكن أن يقال بحق الشعوب المتحضرة والمؤثرة ببقية العالم المحيط بها والقوميات الأخرى والمجاورة لشعبنا كالفرس والعرب والأتراك وإذا إبتعدنا قليلاً كأهل الهند والصين.

المقصود هنا هو أن شعبنا الكردي لم يكن له تأثير مباشر أو غير مباشر في أو على الأقوام المجاورة له, ولا على الشعوب والأمم الأخرى في العالم, وهذه هي الصفة الأساسية الأولى للشعوب البسيطة والمنعزلة عن محيطها الخارجي المجاور. وهذا بحكم الطبيعة الجغرافية الصعبة التي يتواجد فيها الكورد. علماً إن هذه الطبيعة الجغرافية الصعبة والحصينة كانت وستكون أول الخطوط الدفاعية عن الحضارة لو كانت هناك بقايا أو معالم حضارية كالعمارة أو الثقافة أو التراث الشعبي. وليس هذا فحسب وإنما والحقيقة العلمية يجب أن تقال, فليس لدى الشعب الكردي ما يقدمه للشعوب المجاورة. علما أن معالم الحضارة الآشورية (الموجودة في نفس المنطقة) ماتزال قائمة هناك وقد حمتها الطبيعة من الزوال بحكم عدة أسباب من أهمها البعد والوعورة وصعوبة الوصول إليها من قبل الغزاة وعلى مر العصور إضافة الى أن المادة الأولية المعمولة منها هي الأحجار و ليس الطين كما في بعض الحضارات القديمة. فلم يصل الى علمنا وجود أي معلم من المعالم الحضارية للشعب الكردي (أنا أتكلم هنا الى ما قبل وصول الأسلام الى المنطقة).

إن البعض يحاول أن يقنع نفسه بحضارة كردية وهمية كانت في زمن من الأزمان وأقصد هنا الدولة الأيوبية. وهنا أقول إنها لم تكن كردية ولكنها إسلامية ولكن قادتها ومؤسسيها من الأكراد, ولكنهم عملوا كمسلمين وليس بأسم قوميتهم الكردية, وكان هذا عامل يضاف ويحسب للإسلام لأنه كان لا يفرق بين العرب وباقي القوميات الأخرى.

وهناك نقطة حساسة ومهمة وقد تثير الكثير من اللغط وهي إن هناك الكثير من العوائل بل والعشائر الكردية وذات تأثير في المجتمع الكردي، مع العلم إن هذه العشائر هي من أصل عربي ومن تلك العشائر على سبيل المثال لا الحصر (البرزنجية والطالبانية). إن هذه العشائر قد قدمت الى المنطقة لأغراض مختلفة ومنها الإرشاد والتوعية الدينية ، وبمرور الزمن أصبحت هذه العشائر كردية (إستكردت)، فلو كان الإسلام أو العرب هم كما يتم وصفهم الآن (بالعنصرية والشوفينية) فهل كانوا يسمحون بأن تستكرد قبائلهم و تتغير قوميتهم ولغتهم ؟؟؟

إما بعد أن جاء الإسلام للمنطقة وتم إدخال اللغة (الكتابة) فمن المعروف إن الأكراد لم يكن لديهم حروفاً مكتوبة ولكن لغة يتكلمون بها فقط (وهذه صفة أخرى من صفات المجتمع البدائي البسيط). هنا بدأوا بتعلم الحروف العربية وأخذوها ليكتبوا بها لغتهم وليحموا تراثهم, وهذه حسنة من حسنات المد الإسلامي للمنطقة.

وبعدها ومن هذه النقطة بدأ الشعب الكردي يتداخل مع شعوب المنطقة الأخرى وبدأ يتاثر بها (طبعاً أكثر من تأثيره فيها كما قلت لأنه مجتمع بسيط) ثم بدأ الأكراد ينطلقون نحو مناطق الأسلام بحرية ويسر بحكم إنتماءهم لنفس الأمة (الأسلامية) ولم تكن هناك من معوقات بهذا الخصوص لأن الإسلام يحرم التمييز بين القوميات. ومع هذا كله فلم نسمع أو نجد أي أثر يمكن لنا ككرد أن نقول إنه تراث حضاري كردي خالص. وإستمر هذا الحال الى يومنا هذا فيما عدا بعض قصائد شعرية تنسب لأحد الشعراء الأكراد وذلك في وقت متأخر جداً. خلاصة القول، ليس هناك طريقة شعرية متميزة، وليس هناك طراز معماري متميز، وليس هناك لغة متكاملة, وليس هناك تراث شعبي تتميز به الأقوام الكردية .... الخ.

ما أريد أن أصل إليه الآن, إنهم يريدون أن يفهموا العالم بأن الأكراد كانوا أصحاب حضارة وعلم وتراث وكل هذا غير وارد تأريخياً وليس له أي إثبات علمي. أنا هنا لا أريد أن أنتقص من شعبي أو من نفسي ولكن الباحث العلمي يجب أن يتحلى بالصدق والأمانة العلمية الدقيقة. وخوفي هنا إنهم سجعلون من الشعب الكردي شعباً كاليهود في فلسطين وسيجعلون عليهم قيادات تسير بهم نحو الهاوية وسيتم إستخدام الشعب الكري لمحاربة أعدائهم بالدرجة الأولى (أقصد أعداء اليهود والأمريكان) وكل ذلك على حساب الشعب الكردي البسيط والمغلوب على أمره. وكما قال عبدالله أوجلان: ( دولة كردية كأسرائيل مرفوضة نهائيا). ولنا أن نتصور لماذا يودع أوجلان السجن ويستقبل الأخرون في البيت الأسود .!!

وهنا سنكون نحن المتعلمون وأمثالنا المثقفون (الذين نعلم حقيقة ما يضمرون) ضد مشاريعهم الهادفة الى زعزعة المنطقة بأسرها, كما يحدث في الكيان الصهيوني الآن حيث إن البعض من اليهود هم ضد مشاريع الصهيونية العالمية وتساند الشعب الفلسطيني هناك.

وهنا أيضا أريد أن أتطرق الى نقطة مهمة أخرى وهي التسمية التي يطلقونها على المنطقة (كردستان) والتي كلما ذكرت أمامي وأنا إبن تلك المنطقة ، أشعر بالغثيان والأشمئزاز لما تحمله هذه التسمية من عنصرية بغيضة.

فلماذا يتم إختيار هذا الأسم علماً إنه يلغي الوجود الفعلي للكثير من القوميات المتواجدة هنا من الآشوريين واليزيديين والكلدان والعرب والتركمان وغيرهم ، فهل هذا هو العدل الذي يعدون به شعوبنا ؟ وهنا أريد أن أذكر مثالاً بسيطاً ، لو كان العراق إسمه دولة العراق العربي (كما هو موجود في سوريا ومصر وغيرهما) فهل كان الأكراد سيقبلون بهذه التسمية؟ أنا أجيب عنهم : لا لن نقبل .

إذن فلماذا نريد من باقي القوميات والتي تعيش معنا في نفس منطقتنا أن تقبل بما لا نقبله نحن على أنفسنا؟ (وهذا وجه آخر من أوجه الشبه مع الكيان الصهيوني الذي أنشأ دولة عنصرية قائمة على التمييز العنصري من إسمها الى أفعالها)

------
 


*
أ. د. عمر ميران / مواليد 1924 / شقلاوه/اربيل
بكالوريوس حقوق / كلية الحقوق / جامعة بغداد 1946
حاصل على شهادة الدكتوراة // 1952 / جامعة السوربون/ تخصص تاريخ شعوب الشرق الأوسط
أستاذ التاريخ / في جامعات دول مختلفة


 

 Back Home NextBack to Home Pagego to top of page