صحيفة الاتحاد الاماراتية
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=56617
أهم احتفالية ميزّت ذكرى عاشوراء هذا العام كانت في تركيا، التي يحكمها اليوم حزب "العدالة والتنمية"
ويرأس حكومتها "أردوغان"، الذي شارك شخصياً وبشكل استثنائي لافت يحدث للمرة الأولى في تركيا، في احتفالات الشيعة والعلويين بالذكرى.
الحدث والأهمية تجاوزا الحضور الذي تميّز أيضاً بمشاركة لافتة من علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية. ويكفي مشهد لقاء الرجلين في هذا اللقاء ليكون استثنائياً
وتاريخياً، فكيف إذا توقفنا عند خطاب "أردوغان"؟
في مرحلة يعمل كثيرون على إشعال فتنة سنية – شيعية في أكثر من بلد. ويحذر صادقون في مواقع كثيرة من مخاطر هذه الفتنة ويعملون صادقين لوأدها. كما يحذر آخرون من المخاطر ذاتها لكنهم لا
يتصرفون بالطريقة المناسبة التي تبعدهم وتبعدنا جميعاً عنها. في كل الحالات الخطر الأكبر هو من وقوع هذه الفتنة. وثمة من يعمل على استغلال كل حدث وافتعال أحداث كثيرة وكبيرة للوقوع في
الفخ وتحت تأثير وفي دائرة هذا الخطر. إنه الخطر الذي يهدد الأمة كلها. وعن قصد أو غير قصد يقع علماء وفقهاء وسياسيون وإعلاميون ومتعاطو سياسة ومراهقو إعلام ومستخدمون هنا وهناك في
هذه اللعبة الخطيرة مغلّبين العواطف والمشاعر على المواقف في مواجهة المخاطر.
من تركيا خرج أردوغان أمام الناس داعية اتحاد ضد الظلم
ولدرء "الفتن التي تخيم على العالم الإسلامي". من تركيا خرج أردوغان يخاطب إخوانه في الدين وإخوانه في المواطنية، قائلاً: "في العاشر من محرم أحيي بكل مشاعري القلبية إخوتي في الدم
وأصدقائي في القلب".
إن قتل الحسين في كربلاء وحيداً وهو عطشان، وهو الذي قال عنه الرسول "من أحب حسنياً أحب الله" "والحسين قطعة مني وأنا قطعة من الحسين"، وسيبقى حملاً ثقيلاً تحمله الإنسانية". وأضاف
أردوغان: "من قلبنا وفؤادنا وعقلنا نقول كلنا، سُنّة وجعفريين وعلويين "يـا شهيد" ونقول "يا مظلوم"... "يـا حسين"!
وخاطب المجتمعين بالقول:
"إن من يسعى لجعل المناسبة مناسبة للفرقة إنما يظلم الحسين وذكراه"... إن الجميع في تركيا متساوون وليس
من عُلوية لسني على جعفري ولا جعفري على سني، ولا تركي على كردي... ولا عجمي على عربي، كلنا مواطنون من الدرجة الأولى". وأنهى كلمته بالقول: "لا نريد أن نرى الأبرياء يقتلون من جديد
في هذا العالم تحت أي ذريعة. لا نريد أن نرى كربلاءات جديدة ولا في العراق، ولا لبنان ولا باكستان ولا اليمن ولا إيران ولا أفغانستان، ولا في بغداد أو سامراء أو النجف أو الكوفة. لا
نريد أن نصدّق أن المسلم يقتل مسلماً.
إنه خطاب تاريخي من رجل يستحق أن يقال عنه أنه تاريخي في هذه المرحلة الصعبة. أردوغان يقود تركيا نحو موقع متقدم على الساحتين الإسلامية والعالمية. يتصرف بهدوء واتزان وخطوات مدروسة.
يستفيد مع إخوانه في الحزب والدولة من طاقات شعبه من جهة ومن نسبة مؤيدين عالية له، ليجري تغييرات مهمة جريئة لم يقدم عليها آخرون، كما يستفيد من المعادلات والتوازنات الإقليمية
والدولية الحالية من جهة ثانية ليعزز وضع تركيا فيها ويقدمها دولة أساسية تلعب دوراً استراتيجياً في رسم مصير المنطقة كلها، ويقدم نموذجاً عن الإسلام والمسلمين يعزّ الإسلام
والمسلمين، ويناقض ويسقط كل إدعاءات الغرب التي تحاول تكريس التلازم بين الجهل والتخلف والإسلام أو بين الإرهاب والإسلام. ها هي تركيا تواجه إسرائيل بقوة، تنحاز إلى فلسطين، وتعرف كيف
تحافظ على صورتها وموقعها ودورها دون أن يتهمها أحد باللاسامية أو بالحقد أو بالتعصّب. إنها الكرامة وليست التعصب. إنها المعرفة النابعة من الإسلام، وتركيا تقترب من أوروبا وتريد أن
تكون عضواً في الاتحاد الذي يجمع دولها وتوسّع ليضم دولاً من هنا وهناك في السنوات الأخيرة، لكنها لا تستجدي ولا تساير ولا تتنازل ولا تقاطع، ولا تحقد بل تثبت نفسها قوة فاعلة وبحضور
سياسي مهم جداً.
وتركيا تحافظ على علاقاتها مع أميركا، لكنها لا تقبل إملاءات عليها لا من داخل الحلف الأطلسي ولا من الدوائر الأميركية المباشرة. هي متمايزة بمواقفها من الملف النووي الإيراني، إلى
غزة، إلى لبنان، إلى سوريا والعراق، وغيرها من الدول، وتتعامل بمعايير ثابتة مع كل القضايا.
اليوم وأمام خطر الفتنة السنية الشيعية، أطل
"أردوغان" ليقول كلاماً في ذكرى نظر إليها أنها تخص الشيعة فتعاطى معها أنها قضية المسلمين. قضية الحق في وجه الظلم. وليدعو إلى عدم الاقتتال بين المسلمين، وإلى عدم التردد بل إلى
العمل لعدم رؤية كربلاءات متنقلة هنا وهناك في ديار الأمة المختلفة في وقت يجتمع قادة ليباركوا "خيار الشعوب"، وبالتحديد في جنوب السودان الذاهب إلى الانفصال عن الدولة الواحدة، ويعلن
قادة آخرون عجزهم أو لا مبالاتهم أو ما شابه.
كلام أردوغان في ذكرى عاشوراء، كلام زعيم وقائد إسلامي إنساني مسؤول عزز موقع ودور تركيا ويعطي صورة مشرقة عن إنسانية وأخلاقية الإسلام ومسؤولية المسلمين.
في هذه المناسبة لا يسعنا إلا أن نخاطب الرجل الذي قال عن الحسين: "يا مظلوم". "يا مقتول" "يا حسين"، بالقول:"يا طيب"، أطال الله عمرك وأعطاك المزيد وكثر الله من أمثالك، وزاد عدد
مستمعيك وعدد المؤمنين الحقيقيين برسالة الإسلام، ليعملوا على درء الفتنة التي يريدها أعداء الإسلام والإنسانية.