انتفاضة البحرين وموقف الطائفيين منها
آراء الكاتب
الدكتور عبدالخالق حسين
تمر الشعوب العربية منذ أربعة أشهر في انتفاضات شعبية عارمة ضد حكوماتها المستبدة بشكل لم يسبق له مثيل، مطالبة بحقوقها
المشروعة في العدالة والحرية والكرامة والمساواة. والشعب البحريني لم يكن استثناءً، إذ انطلقت الجماهير البحرينية بمظاهرات سلمية، اتخذت من دوار(ساحة) اللؤلؤة في المنامة العاصمة،
مكاناً لتجمعاتها وطرح مطالبها، ولكنها قوبلت بالعنف المسلح من قبل القوات الأمنية الحكومية، إضافة إلى قوات "درع الجزيرة" المؤلفة من الجيش السعودي خاصة، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى
بالمئات.
انتفاضة البحرين فضحت ازدواجية العرب، حكومات، وإعلاميين، ومؤسسات دينية، أثبتت أنها طائفية، سنة وشيعة، إلى حد النخاع.
فقد أيدت الجهات السنية انتفاضات الشعوب التي ليس فيها شيعة، ولكنها وقفت ضد انتفاضة الشعب البحريني، لأن جريمة هذا الشعب أن غالبيته من الشيعة، ذات الموقف الذي اتخذته من انتفاضة
الشعب العراقي عام 1991 ولنفس السبب رغم كره هذه الحكومات لصدام حسين ونظامه الفاشي.
فالشعب البحريني، كالشعب العراقي، يتكون من أغلبية عربية، منقسمة إلى شيعة وسنة، وهذا الانقسام مفروض عليه بحكم التاريخ
ولا مفر منه، والعائلة المالكة في البحرين من أهل السنة وهذه ليست مشكلة. ولكن المشكلة أن الشيعة في هذه المملكة الذين يشكلون أكثر من 70% من السكان، يعانون من تمييز طائفي صريح،
وانتهاك في الحقوق، حيث يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية في كافة المجالات، بل وحتى يفضل عليهم الأجانب في وظائف الدولة، ومحرم عليهم دخول القوات المسلحة. لذلك هناك احتقان لدى هذه
الشريحة من السكان منذ عشرات السنين، وصار هذا الاحتقان ينمو مع الزمن إلى أن بلغ نقطة الانفجار.
ولمواجهة الأغلبية الشيعية، عمدت السلطة إلى منح الجنسية لمواطنين عرب وأجانب من بلوش وباكستانيين وإيرانيين سنة،
كمحاولة لحفظ التوازن المذهبي والتخلص من "خطر" الأغلبية الشيعية من مواطنيها. بطبيعة الحال، لم تكن الحكومة البحرينية بحاجة إلى هذه السياسة لو أنها تخلت عن التمييز الطائفي، وعاملت
مواطنيها على قدم المساواة.
وعن شراسة قمع الانتفاضة البحرينية، نقل لنا الكاتب الأمريكي نيكولاس كرستوف، في صحيفة نيويورك تايمس، أنه شاهد جثثاً
للمحتجين وقد أطلق عليهم الرصاص من مسافات قريبة، كما وشاهد فتاة في عمر المراهقة تتلوى من الألم بسبب ضغط القيد على معصميها، وشاهد الشرطة يضربون رجال الإسعاف لأنهم كانوا يحاولون
إسعاف المصابين، كما واعتدوا على جراح بالضرب حد الإغماء في مستشفى لنفس السبب... وبعد أيام تحول الوضع إلى الأسوأ. ويضيف الكاتب أن في البحرين تمييز وتفرقة بين السنة والشيعة أشبه
بالدولة العنصرية (something like an apartheid state)
على حد تعبيره. وتلاحظ هذا التمييز في المناطق السكنية، فمن وضعها، تستطيع أن تعرف هل هذا الحي يسكنه سنة أو شيعة، فالتي يسكنها السنة هي أحياء راقية، تتمتع بأفضل الطرق والخدمات،
بينما المناطق التي يسكنها الشيعة مهملة وبائسة.(1)
المؤلم أنه حتى رجل الدين المعروف، الشيخ يوسف القرضاوي، لم يستطع إخفاء حقده الطائفي على الشعب البحريني، ففي الوقت
الذي أيد فيه جميع الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر واليمن وليبيا، كما أصدر فتوى أعلن فيها تأييده لانتفاضة الشعب الليبي ضد نظام معمر القذافي، وحتى أباح قتل القذافي، بينما تهجم على
انتفاضة الشعب البحريني ووصمها بالطائفية وأنها ضد أهل السنة، ولخدمة إيران ويجب مقاومتها بشتى الوسائل، وقال ما نصه:
«ما يحدث في البحرين ثورة طائفية لذا لا أقف إلى جانبها كما فعلت
مع باقي الثورات... «كلّ السنة ضد ّكلّ الشيعة».
نعم غالبية المحتجين
في البحرين من الشيعة وذلك لسبب واضح وبسيط، وهو أن غالبية الشعب البحريني من الشيعة. لذلك فالاضطهاد ضدهم مضاعف، ولكن في نفس الوقت هناك من السنة المشاركين في الانتفاضة والمطالبين
بالإصلاح، فالإصلاح لا يخص الشيعة وحدهم، بل يخص جميع أبناء الشعب. إن ازدواجية العرب من هذه الانتفاضات والتحولات السياسية والاجتماعية باتت مكشوفة وبلا خجل. وحتى ما حصل في جنوب
السودان من حركة انفصالية لم يحرك العرب أي ساكن ضدها. فلنتصور لو كان أهل جنوب السودان شيعة لماذا كان ردود أفعال العرب؟ وفي هذا الخصوص أجاب الكاتب السعودي،
أحمد العلي النمر، في مقال
له قائلاً بحق: "لو أن جنوب السودان شيعة... لكان الحال مختلف تماما، حيث يتحول شعب بأكمله إلى زمرة من العملاء الخونة وأحفاد «لابن العلقمي» وطابور خامس، والى غير ذلك من المصطلحات
التي أصبحت عناوين رئيسية في القاموس السياسي العربي... ولتحركت ماكنة الإعلام العربية بفضائياتها وصحفها ومواقعها على الإنترنت بأقصى درجاتها لترسخ في ذهن المتلقي العربي أن ما يجري
هناك هو من تمثيل وإخراج وسيناريو المخابرات الإيرانية، وبرعاية الحرس الثوري، وتمويل من مراجع الشيعة في قم والنجف".(2)
هذه التهم ذاتها وجهت ضد انتفاضة الشعب العراقي عام 1991، وأعيدت اليوم ضد انتفاضة الشعب البحريني. فمن منظور العرب، إذا
ما شارك في الانتفاضة العرب السنة وحدهم فهي من أجل مطالب مشروعة، أما إذا كانت غالبية المحتجين من الشيعة فهي أجندة طائفية شيعية، ومؤامرة مجوسية بتحريض إيران. فمتى يتحرر العرب من
هذه العقلية الطائفية المدمرة، ومعاملة شعوبهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات أسوة بالشعوب المتحضرة؟
الملاحظ أيضاً، أن التطرف يفضي إلى تطرف مضاد، والتطرف في التمييز العنصري والطائفي لا بد وأن يؤدي إلى التطرف في
المطالب ويفسح المجال للمتطرفين والمخربين. لا شك أن معظم المنتفضين البحرينيين معتدلون ولهم مطالب معتدلة ومشروعة وعلى رأسها تعديل الدستور لتحويل النظام إلى ملكي دستوري على غرار
ما في الأردن والمغرب، وعدم احتكار المناصب العليا في الدولة للعائلة المالكة، بل نظام يتم إشغال المناصب وفق الكفاءة والاخلاص، لا الانتماء العائلي. ولكن الإمعان في الجور فسح المجال
أمام بعض المتطرفين الشيعة في البحرين لطرح مطالب غير واقعية تدفع الأسرة الحاكمة إلى المزيد من التشدد، ومن هذه الشعارات ترديد هتافات بإسقاط النظام الملكي وإعلان الجمهورية، أو رفع
صور رموز دينية إيرانية. لا شك أن القصد من هذه الأعمال هو محاولة رجال الدين الشيعة والمتطرفين اختطاف الانتفاضة وإضفاء الصبغة الطائفية عليها. ولكن في نفس الوقت ليس مستبعداً أن
يندس رجال الأمن في صفوف المحتجين ويطرحون شعارات استفزازية من أجل تشويه سمعة الانتفاضة. إذ أفادت الأنباء عن تمكن رجال الانتفاضة الكشف عن عناصر الأمن وهم يلصقون صور السيد حسن نصر
الله، زعيم حزب الله اللبناني، في الشوارع بغية تلفيق التهمة بالشباب
الأبرياء. هذه المحاولات وغيرها يجب رصدها وفضحها.
كما ويجب التوكيد أن الملك حقق الكثير من الانجازات خلال العشر سنوات الماضية في صالح الشعب البحريني، وبالأخص الشيعة،
في خطى ثابتة نحو تحقيق دولة المواطنة تدريجياً، ومن نتائجها الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي حقق فيها الشيعة نصراً لا يستهان به، رغم أنه كان دون استحقاقهم العددي. لذلك يجب عدم
الإفراط بهذه المنجزات بطرح طلبات غير واقعية وغير قالبة للتنفيذ، يستفيد منها أعداء الانتفاضة من الطائفيين من الجانبين.
موقف الساسة العراقيين من انتفاضة البحرين
في الوقت الذي نؤكد فيه دعم أية انتفاضة شعبية من أجل مطالب مشروعة، يجب علينا عدم التدخل في الشأن الداخلي لذلك الشعب،
فأهل مكة أدرى بشعابها، لأن أي تدخل عدا الدعم المعنوي المحايد، يضر بتلك الانتفاضة.
ما دفعني لطرح هذه الحقيقة هو الموقف اللامسؤول الذي أعلنه بعض الساسة العراقيين من انتفاضة البحرين. فقد سمعنا أن هناك
من نادى بفتح باب التطوع لشباب العراق من الشيعة لنصرة أخوتهم في البحرين، أو إطلاق تصريحات استفزازية ضد دول الخليج بسبب إرسالها (قوات درع الجزيرة) لحماية السلطة في البحرين. أعتقد
أنه على السياسيين العراقيين، وبالأخص الشيعة منهم، أن يتجنبوا إطلاق مثل هذه التصريحات الاستفزازية، فهي لا تخدم الانتفاضة ولا الشيعة في البحرين، بل تضرهم بشدة، لأنها تفسح المجال
أمام تقولات الطائفيين العرب بأن الانتفاضة هي طائفية شيعية ضد أهل السنة في كل مكان، كما وتضر بالعراق نفسه. فالعراق بوضعه الحالي الهش، لا يحتاج إلى المزيد من الأعداء، فهم كثر بفضل
العقلية الطائفية السائدة في البلدان العربية، ونقص الخبرة لدى المسؤولين العراقيين. لذلك كان على السياسيين العراقيين التحفظ والحذر من إطلاق أي تصريح يخص الانتفاضة البحرينية وذلك
لحساسية الموقف، وأن يتركوا مثل هذه التصريحات لناس غير محسوبين على السلطة.
والطامة الكبرى في الموقف العراقي أيضاً، هو إعلان رئاسة البرلمان العراقي تعطيل البرلمان لعشرة أيام تضامناً مع
الانتفاضة البحرينية!!!. هذا الإجراء هو منافق وانتهازي، ودليل على جهل أو خبث الذين اتخذوه. ولحسن الحظ أدانه معظم رجال الدين الشيعة، والكتاب العراقيين الحريصين على العملية
السياسية العراقية. فالتضامن مع الشعب البحريني، أيها السادة، لا يأتي من خلال تعطيل مؤسسات الدولة وتأخير أعمالها، بل بتقديم المزيد من الخدمات للشعب. فالمعروف عن البرلمان العراقي
أنه أقل البرلمانات في العالم حرصاً على الدوام وإنجازاً للمهمات لقاء رواتب خيالية وامتيازات لا يستحقونها. فهناك المئات من القوانين التي تنتظر سنها أو تعديلها، إضافة إلى واجبات
البرلمان الأخرى في مراقبة الحكومة. كما وليس هناك شحة في العطل الرسمية والدينية وغيرها للبرلمانيين وخاصة في مواسم الحج والدينية الأخرى، لكي يستغلوا مناسبة انتفاضة البحرين ويمنحوا
أنفسهم عطلة مدفوعة الأجر من أموال الشعب، الأمر الذي عكس صورة مشوهة وأعطى انطباعاً سيئاً عن الديمقراطية العراقية.
نعم لدعم انتفاضة البحرين لتحقيق مطالبها المشروعة، ولا للمواقف الطائفية منها.
ـــــــــــــــــــــ
هوامش
1-
NICHOLAS D. KRISTOF, Bahrain
Pulls a Qaddafi, NYTimes.com
http://www.nytimes.com/2011/03/17/opinion/17kristof.html
2) أحمد العلي
النمر،
لو أن جنوب السودان شيعة
/ أحمد العلي النمر
http://summereon.net/news.php?action=view&id=7707
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
العنوان الإلكتروني للكاتب
http://www.abdulkhaliqhussein.com/
الموقع الشخصي للكاتب