اسباب عداء السعودية للعراق
د.عبدالخالق حسين
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
عداء النظام السعودي الوهابي للعراق ليس جديداً، بل يعود إلى أوائل القرن الثامن عشر، أي منذ نشوء الحركة الوهابية
المتطرفة الغارقة في التزمت الديني، والعداء لجميع المذاهب الإسلامية، عدا الحنبلية التي تدعي الانتماء
إليها، والتحالف المصيري بين آل سعود وآل الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مؤسس الحركة، إضافة إلى تكفيرها للأديان
الأخرى وإباحة قتلهم.
أما في عصرنا الراهن، فعداء السعودية للعراق يعود إلى ثلاثة أسباب: طائفي، وسياسي واقتصادي. وسنشرح هذه الأسباب
بإيجاز كالتالي:
أولاً، السبب الطائفي:
يدين النظام السعودي بالمذهب الوهابي الذي هو نسخة متطرفة من المذهب الحنبلي (نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل). بينما
غالبية الشعب العراقي هم شيعة، لذا فقد حكم الوهابيون بكفرهم وقتلهم.
بدأت الحركة الوهابية في الصحراء القاحلة في شبه الجزيرة العربية، وكان أتباعها من البدو القساة الغلاظ الذين تطبعوا
بطبيعة البيئة الصحراوية الحارة والجافة والفقيرة، بقسوتها، فعرفوا بالغلظة والشراسة، وتشبعوا بقيم الصحراء
المناهضة للحضارة في التعامل فيما بينهم ومع الآخرين. ونظراً لشحة موارد الصحراء، اعمتد هؤلاء في عيشهم على
الغزو، والقتل والنهب. ولما كان الإسلام لا يجيز غزو المسلمين لكسب الغنائم باسم الله ونشر الدين، ولعدم وجود
غير المسلمين في هذه المنطقة، لجأت الوهابية إلى تكفير من لا يوافقهم على تعاليمهم من المسلمين من أتباع
المذاهب الإسلامية الأخرى، وذلك لتوفير غطاء ديني لغزواتهم ونهبهم. لذا أفتى محمد بن عبدالوهاب باعتبار
العقيدة الوهابية هي وحدها العقيدة الإسلامية النقية الصحيحة وأن من واجب الوهابيين الجهاد في سبيل إحياء
التعاليم الإسلامية النقية وإعادة الإسلام إلى عهده الأول كما كان في زمن الرسول والصحابة. ولذلك بدأت بتكفير
الشيعة والإباضية أولاً، ومن ثم تكفير المذاهب الإسلامية السنية الأخرى، من أجل توفير ذريعة لغزو ديار
المسلمين من غير الوهابيين. وللإطلاع على تاريخ الوهابية وعلاقتها بالإرهاب، نشير إلى مراجعة كتاب الدكتور
أحمد صبحي منصور، الموسوم (جذور الإرهاب في العقيدة الوهابية، الرابط في نهاية المقال)1.
ومن أجل أن تنجح هذه الحركة الدينية المتزمتة في تحقيق أغراضها، عقدت الوهابية تحالفاً مع أسرة آل سعود، لقاء مصالح
متبادلة. وفي هذا الخصوص نشرت مجلة ميدل ايست مونيترMidEast
Monitor (عدد يونيو /يوليو
2007) دراسة أكاديمية للسفير الأمريكي السابق لدى كوستاريكا (كورتين وينزر) استعرض فيها "تأريخ نشأة الحركة
الوهابية ودور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مزج قوة الدولة بالعقيدة في إطار الخلافة الإسلامية، مشيرا إلى
العام 1744 م كبداية لنشوء التحالف التاريخي بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومحمد آل سعود (مؤسس الإمارة
السعودية الأولى)، والذي مكن الأخير من بسط نفوذه، مقابل دعمه لأتباع عبدالوهاب في نشر رسالتهم "لتطهير
الأرض من الكفار".
وكان أول ضحية لهم في هذا الخصوص هم شيعة العراق، حيث اتخذوا من الاختلاف المذهبي ذريعة للهجمات التي شنوها على
المدن العراقية، مثل كربلاء والنجف وسوق الشيوخ وغيرها من المدن العراقية في العهد العثماني، وأوائل عهد
الدولة العراقية الحديثة. ويقول عثمان بن بشر النجدي في كتابه "عنوان المجد في تاريخ نجد" بهذا الصدد أن ابن
سعود ارتكب مذبحة في كربلاء عام 1801 وسجل النجدي بفخر تلك المذبحة قائلا " أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها وأخذنا
أهلها فالحمد لله رب العالمين ولا نعتذر عن ذلك ونقول وللكافرين أمثالها".
واستمر هؤلاء في شن هجماتهم على العراق حتى أوائل القرن العشرين أيام تأسيس الدولة العراقية، ولكن القوات البريطانية
المتواجدة في العراق آنذاك تصدت لهم وألحقت بهم الهزائم والخسائر إلى أن أوقفتهم عند حدهم.
ويؤكد السفير وينزر في دراسته هذه الهجمات فيقول: " قام محاربو الوهابية-السعودية في عام 1801م بغزو ما يعرف اليوم
بالعراق حيث اجتاحوا مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة ونهبوها وقتلوا 4000 من أبنائها. وبعد سيطرة آل سعود
على مكة والمدينة في العشرينيات من القرن الماضي، قاموا بتدمير الأضرحة مثل مقبرة جنات البقيع التي دمرت في
عام 1925م وكانت تحوي رفات أربعة من أئمة الشيعة الاثني عشرية. (نفس المصدر).
وينقل لنا العلامة علي الوردي، أن الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس المملكة السعودية الحالية (الثالثة) كان يطمح أن
يجعل نهر الفرات الحد الفاصل بين مملكته والمملكة العراقية، ولكن السير برسي كوكس، الحاكم البريطاني في بغداد
آنذاك هو الذي رسم الحدود الحالية بين البلدين، وأرغم ابن سعود على قبولها. للتفاصيل (راجع كتاب علي الوردي،
لمحات، ج6، ص 156-160).
واستمر العداء السعودي للعراق في جميع العهود إلا في عهد صدام حسين، لأنهم وجدوا فيه الحاكم المناسب لتنفيذ رغباتهم
في تدمير العراق وشعبه، لذلك شجعوه على شن حرب على إيران، ودعموه بالمال والإعلام. وبعد سقوط حكم البعث،
قاموا بمعاقبة الشعب العراقي ثانية وعلى مختلف الجبهات، أولا، اعتبروا جميع الأموال التي منحوها لصدام
لمواصلة الحرب على إيران، وتقدر بنحو 20 مليار دولار، اعتبروها ديوناً على الشعب العراقي ليدفعها مع الأرباح
المتراكمة عليها. وثانياً، دعم منظمات الإرهاب وإرسال الإرهابيين إلى العراق لقتل العراقيين وزعزعة الحكم
فيه. وقد نقل عن الملك السعودي، عبدالله بن عبدالعزيز، قوله: أنه دفع 20 مليار دولار لصدام حسين لشن حرب على
إيران، ودفع أكثر من 80 مليار دولار لإخراج صدام من الكويت، وأنه مستعد الآن أن يدفع 200 مليار دولار لإخراج
الشيعة من السلطة في العراق. فهذا هو السبب الطائفي.
ثانياً، السبب السياسي:
غني عن القول أن النظام السعودي من ألد أعداء الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، ولكن رغم هيمنة المؤسسة الدينية
الوهابية على التعليم والتثقيف، وبسبب الثورة المعلوماتية والاتصالات والنهضة الاقتصادية، حصل تطور كبير في
وعي الشعب السعودي، فنشأت شريحة واسعة من المثقفين التنويريين الذين يطالبون بقيام نظام عصري ديمقراطي مبني
على أساس العلمانية والديمقراطية والمواطنة، بينما النظام السعودي مازال يعتبر المملكة ملكاً شخصياً للعائلة
الحاكمة. لذا فهي الدولة الوحيدة في العالم المعاصر التي تسمى باسم العائلة (المملكة السعودية). ولذلك تبذل
المملكة جهوداً استثنائية، بدعم الحركات الإسلامية المتطرفة لنشر ثقافة العنف والتطرف ومحاربة الديمقراطية في
البلاد العربية.
وبعد سقوط حكم البعث الفاشي في العراق، كان ومازال للسعودية الدور الأكبر في دعم الإرهاب القاعدي وفلول البعث باسم
الدفاع عن حقوق أهل السنة في الحكم، ومحاربة احتكار الشيعة للسلطة!! بينما السبب الحقيقي هو إفشال العملية
السياسية، ووأد الديمقراطية الناشئة في العراق، لكي لا تصل عدواها إلى السعودية والدول المجاورة الأخرى.
ثالثاً، السبب الاقتصادي
تعتبر السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وبتصاعد أسعار النفط في السنوات الأخيرة، صارت السعودية أغنى بلد
في المنطقة، إذ تصدر نحو 12 مليون برميل يومياً. والجدير بالذكر أن أمريكا وغيرها من الدول الغربية واليابان
تعتمد على النفط السعودي أكثر من أي دولة نفطية أخرى في اشباع حاجتها من النفط. ولذلك نجد هذه الدول، رغم
أنها تدعم الحركات الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، إلا إنها تغض النظر عن جرائم النظام السعودي
القروسطي الاستبدادي المطلق، وانتهاكاته السافرة لأبسط حقوق الإنسان.
ولذلك، يعمل النظام السعودي على أن لا ينافسها في هذه السوق أي منافس، وخاصة إذا كان هذا المنافس هو العراق. ولهذا
السبب جن جنون النظام السعودي عندما أعلنت حكومة السيد نوري المالكي قبل عامين أنها تسعى إلى تأهيل وتطوير
المؤسسات النفطية العراقية، ووضعت خطة عملية لزيادة الصادرات النفطية إلى 10 أو 12 مليون برميل يومياً خلال
ست سنوات. وبدأت الخطة بمنح التراخيص للشركات النفطية العالمية وفق مناقصات وعقود تعتبر قياسية لصالح العراق.
ولذلك، فليس من مصلحة النظام السعودي أن يسمحوا للعراق بتنفيذ هذه الخطة الاقتصادية التي لو سمح لها بالنجاح فلها
نتائج إيجابية رائعة منها:
أولاً، زيادة الدخل العراقي إلى أرقام قياسية غير مسبوقة، يمكن استثمارها في إعمار العراق ورفع المستوى المعيشي
للشعب العراقي بدلاً من تبذير هذه الثروات على الحروب المهلكة كما كان في عهد حكم البعث الصدامي الفاشي.
ولذلك تعمل صحافة السعودية وعملاؤها في الداخل والخارج على تأجيج الصراع بين مكونات الشعب العراقي، وقياداتها
السياسية، وإشعال الصراع بين العراق وإيران، وإلا فإن الحكومة العراقية هي عميلة لإيران، والمالكي مشروع
إيراني!!.
وثانياً، لو نجحت الحكومة العراقية في تنفيذ الخطة المرسومة في زيادة الصادرات النفطية إلى 12 مليون برميل يومياً،
فإن أمريكا ودول الوحدة الأوربية سوف تستغني عن النفط السعودي وتعتمد على النفط العراقي، وبذلك ستتخلص من دعم
مملكة الشر، وستشجع الحركات الديمقراطية في السعودية وبقية الدول الخليجية. وهذا السيناريو يشكل كابوساً
رهيباً للأسرة السعودية الحاكمة، لذا فإنها تعمل كل ما في وسعها لإفشال خطة زيادة الصادرات النفطية
العراقية.
وعليه، فلا غرابة أن يتعهد الملك السعودي بصرف 200 مليار دولار لزعزعة الوضع السياسي في العراق ومنعه من التعافي،
وذلك بصب الزيت على الفتن الطائفية والعنصرية، ودعم الكتل السياسية التي رضيت أن تكون مطية للأجانب والتضحية
بالعراق لصالح السعودية مقابل الدعم المالي والسياسي التي تتلقاها قيادات هذه الكتل المناهضة للتحالف الوطني
بقيادة المالكي، بل وتحاول حتى شراء قيادات من داخل هذا التحالف. ولذلك سخروا كل إعلامي مستعد لبيع إمكانياته
وضميره وشرفه لقاء المال السعودي، وحتى من العراقيين، للمساهمة في الحملة الإعلامية لتشويه سمعة الحكومة
المنتخبة بمختلف الوسائل وتحت شتى الذرائع، وتلفيق مختلف التهم مثل: أن رئيس الحكومة مشروع إيراني، ويريد
تشييع الشعب العراقي، وأنه دكتاتور أسوأ من صدام حسين...إلى آخره.
هذه هي أسباب عداء السعودية للعراق، فهل ستنجح السعودية في تحقيق أغراضها العدوانية بخدع العراقيين لتدمير بلادهم
وشعبهم، أم سترد سهامهم إلى نحورهم؟
إن إلحاق الفشل بالمشروع السعودي يعتمد على يقظة الشعب العراقي، وشريحة المثقفين، وحكمة القادة السياسيين في الحكومة
العراقية. فجميع الكوارث التي لحقت بالعراق سابقاً كانت بسبب مواقف تلك الحكومات العدائية من أمريكا، الدولة
العظمى في زمن الحرب الباردة وما بعدها. واليوم انتهت الحرب الباردة لصالح الغرب. وإذا كانت الدول العربية،
وبالأخص السعودية تتهالك على كسب الدعم الأمريكي لصالحها، فلماذا لا تتبنى حكومتنا هذه السياسة أيضاً، خاصة
وأن أمريكا هي التي تسعى إلى تبني علاقة حميمة مع العراق، إذ اقتضت مصلحتها اسقاط أشرس نظام همجي عرفه
العراق، وأنها هي التي تتمنى بناء علاقة استراتيجية بعيدة المدى بين البلدين ولصالح البلدين. ولذلك أهيب
بقيادة الحكومة العراقية أن لا تفوِّت الفرصة الذهبية التاريخية في بناء أفضل العلاقات مع أمريكا لكسبها إلى
جانبنا، خدمة لمصلحة شعبنا، وليذهب أعداء شعبنا إلى جهنم وبئس المصير.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
الموقع الشخصي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات علاقة بالموضوع
1- د. احمد صبحي منصور: كتاب: جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.
2- السفير الأمريكي كورتين وينزر: السعودية والوهابية
وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11
3- د. عبدالخالق حسين: السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=440