Back Home Next

لمثل راس الحسين (ع) تنحني الرؤوس

موقف في جواب عن " أين هو رأس الحسين "؟

آراء الكاتب

بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي

dr-albayati50@hotmail.co.uk

http://al-muammal.blogspot.com

توطئة:

أضع هذا المقال رداً على ما كتبه " مشعل السديري" في مقاله: " أين رأس الحسين"؟ ونشرته صحيفة الشرق الاوسط – العدد/11050 بتاريخ الاربعاء 17 رمضان 1432 هـ - 17 اغسطس (آب) 2011.
فمن المؤسف ان يقوم عدد ممن يدعون حرفة الكتابة بحشر انفسهم في مواقع لا يحسنون التعامل معها من خلال القلم الذي اريد له ان يخط الحقائق ويكون معبراً عن صدقية الكلمة بدلا من الانصياع لافكار مسبقة يجهل الكاتب خفاياها فنراه يحطب بليل لافتقاره لابسط مقومات الكتابة الصحافية ناهيك عن البحث العلمي وأيضا لنكرانه للكثير من الحقائق التي اوردتها المصادر العلمية، ثم لتبنيه موقفا سلبيا من الحقيقة على الرغم من نصوع بياضها واشتهار انوارها.

الموقف الادبي:
يبتديء المدعو (مشعل السديري) بمفردات اقل ما يقال عنها انها تجافي الذوق السليم وتفتقر الى الحصافة فيقول وأنا هنا انقل نصه حرفيا:
"هنك مثل سخيف يقول: (الجنازة حامية والميت كلب)، غير ان هناك مثلا الطف يقول: (يشوفون القبة يحسبونها مزار)، وذلك كناية عن ان ليس كل قبة تحتها ضريح رجل صالح. هذا في ظني ليس مقتصرا فقط على (القبب والاضرحة) ولكنه ينسحب وينطبق ايضا على الاسماء والشخصيات كذلك".
هكذا يبتديء السديري مقالته متجاهلا انه يضرب هذا المثل وهو يتحدث عن رأس الامام الحسين عليه السلام، واذا سلمنا بانه يتبع منهجاً يرفض إمامة اهل البيت وعصمتهم بل يقف منهم موقف المعادي والشامت، فعلى الاقل كان عليه ان يذكر ان الامام الحسين (ع) سبط النبي محمد صلوات الله عليه وآله الاطهار، الذي ذكرته الايات القرآنية ونزلت فيه وفي ابيه وامه واخيه سورة الدهر في قوله تعالى:

"ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ". الدهر/8-12.


وذكره الله في آية المباهلة:

" فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندعُ ابنائنا وأبنائكم، ونسائنا ونسائكم، وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين". آل عمران/60.

 

وهو من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا:

" إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا ". الاحزاب/33.

 
وبعد ذلك فهو من قال في الرسول الخاتم :

"حسين مني وأنا من حسين، حسين سبط من الاسباط ".

وقد ذكرته مصادر التاريخ بالتبجيل والتقدير والاحترام.

 

إن افتقار الكثير من الادباء الى الحصافة ينعكس على كتاباتهم فيظهر نقصهم المعرفي وضيق ادراكهم، ففي اللغة العربية سعة من المفردات التي يمكن استعمالها حتى في الهجاء من دون الحاجة الى خدش المشاعر أو التأليب، وفي الامثال والحكم تنوع كبير، لكن السديري إما انه يكشف عن جهل كبير بقواعد اللغة وآدابها أو انه يأبى إلا التعمد في التعرض لسبط النبي الاكرم (صلوات الله عليه وآله) الامام الحسين عليه السلام باسلوب خشن ولغة تفتقر الى الادب.
أما في تعريضه بقضية القباب والاضرحة، فهل نسي السديري تلك القباب على قبور الانبياء والرسل في كل انحاء العالم وخاصة قبة الرسول الخاتم (صلوات الله عليه وآله) وهي من الشهرة بمكان للدلالة على حرمة صاحب هذا القبر واهتمام الناس به وخاصة ان القرآن الكريم يأمر باتخاذ المساجد على القبور في قضية أهل الكهف:
"وكذلك اعثرنا عليهم ليعلموا ان وعد الله حق وأن الساعة آتية لاريب فيها اذ يتنازعون أمرهم بينهم فقالوا أبنوا عليهم بنيانا ربهم اعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا". الكهف/21.
فهل يريد السديري ان يرسل عصابات الوهابية واجلافها لتهديم هذه القباب ولنبش هذه القبور وهتك حرمتها كما فعلوا بقبور البقيع وغيرها في مكة المشرفة والمدينة المنورة؟
 

موقع رأس الامام الحسين عليه السلام:

إن اهتمام الشيعة بحفظ تراث النبي الاكرم وأهل البيت عليه وعليهم افضل الصلاة والتسليم إنما نابع من وجوب صيانة كل ما يتعلق بهذا الدين الخاتم، وهم في قضية رأس الامام الحسين عليه السلام قد حسموا هذا الموقف منذ البداية حيث ان الروايات الموثقة عن الائمة عليهم السلام وهم اصحاب هذا الشأن من دون الاخرين واعلم به من سواهم توثق عودة الرؤوس مع ركب الاسارى من الشام الى العراق حيث دفنت الرؤوس مع الاجساد الطاهرة في كربلاء وأولها رأس الامام الحسين عليه السلام. وأما الروايات عن مواقع الروؤس في الشام في المسجد الاموي، وقد سبق لي ان تحققت من ذلك بصفتي كمؤرخ فان هذه المواقع انما هي تمثل الاماكن التي وضعت عليها الرؤوس عندما جيء بها وباسارى اهل البيت النبوي عليهم السلام الى الشام وبقيت الاماكن كدلالات اثرية تزار للتبرك والترحم على اصحابها.
واما موقع الراس في مصر فهو لا يخص رأس الامام الحسين عليه السلام وقد قامت دائرة المعارف الحسينية باجراء تحقيق واسع حول الامر.
كان على المسلمين ان يحفظوا تراث الرسول في مكة والمدينة المنورة، لكن مع الاسف نراهم قد ضيعوا هذا التراث ودمروا واتلفوا كل ما يتعلق بتاريخ وآثار الرسول الخاتم وأهل بيته صلوات الله عليه وآله وتراث نساء الرسول وصحابته المنتجبين. وكنا قد القينا العديد من المحاضرات والبحوث وقدمنا دراسات موثقة حول جرائم الوهابية في تدمير الاثار الاسلامية في مكة والمدينة والعراق ومصر لكشف افعال هذه الزمرة المنحرفة عن جادة الصواب.

إنه رأس الحسين ولمثله تنحني الرؤوس:
إن تهكم السديري واشباهه لا يضر الحسين عليه السلام، فهلا زرت كربلاء وغيرها من مواقع هذا الامام السبط لتجد كم من ملايين الرؤوس تنحني اكباراً واجلالاً له؟ هل قرأت عن كل اؤلئك الاباطرة والملوك والرؤساء والحكام والفلاسفة والمفكرين على مسار حركة التاريخ الذين هزت شهادة الامام الحسين قيعان نفوسهم وأثرت في طبيعة أفكارهم فوقفوا خاضعين خانعين امام عظمته وجلالة قدرة وطبيعة شهادته في مقارعة الظلم؟
لقد استطاع رأس الامام الحسين عليه السلام وهو المرفوع على رمح الطغيان الاموي ان يهز حركة التاريخ الانساني ويوقض الوجدان من رقدته حتى انحنت له رؤوس العظماء وهفت اليه النفوس، فسل التاريخ هل تجد لقاتليه قبراً أو كرامةً؟ أين معاوية ويزيد وأبن سعد واشباههم؟ فذاك قبر معاوية في الشام، تلك الشام التي حكمها عقوداً قد انكرته فلاذكر له في ارضها وقبره في عتمة الجهل، في حين ترى قبر أخت الحسين السيدة زينب عليها السلام وقبور بناته حيث تتواتر اليهم الوفود ويحج الى قبورهم الزائرين وتقام عندهم الصلوات وترفع الايدي بالدعوات.
هذا هو الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام جميعاً فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد بالظلم الاموي ويوم رفع راسه على الرمح الاموي ويوم طيف به ليكون مناراً للهدى وعلماً للتقى وسلام عليه يوم يبعث حياً وهو الحي عند الله.
 

واختم هنا بقصيدة الشاعر السوري محمد مجذوب وهو يكشف فيها سوءة معاوية ونظامه.

قصيدة الشاعر السوري محمد مجذوب

أين القصور أبا يزيد ولهوهــــــــــا

والصافنات وزهوها والســــــــؤددُ

اين الدهاء نحرت عزته علـــــــــى

أعتاب دنيا زهوهـــا لا ينفـــــــــدُ

آثرت فانيها على الـــــحق الـــــذي

هو لو علمت على الزمـــــان مخلدُ 

تلك البهارج قد مضت لسبيلهـــــــا

وبقيت وحدك عبرة تتجــــــــــــدد 

هذا ضريحك لو بصرت ببؤســــه 

لأسـال مدمعك المصير الأســـــودُ 

كتل من الترب المهين بخــــــــربةٍٍ 

سـكر الذباب بها فــــراح يعــــربدُ 

خفيت معالمها على زوارهــــــــــا 

فـكأنها في مجهــل لا يقصـــــــــــدُ 

والقبة الشماء نكس طرفهــــــــــــا 

فبكل جــزء للفنـــــــاء بهـا يـــــــدُ 

تهمي السحائب من خلال شقوقهــا 

والريح في جنبــاتهــا تتـــــــــــرددُ 

وكـذا المصلى مـظلم فـكــأنـــــــــه 

مــــذ كــان لم يجـتـز بــه متعـــــبدُ 

أأبا يـزيــد وتلك حكمــــة خــالــق 

تجــلى على قلب الـحكيم فيرشـــــدُ 

أرأيت عـاقـبة الجموح ونــــــزوة 

أودى بلــبك غــّيهــــــا الترصــــــدُ 

تـــعدوا بهــا ظلما على من حـبـــه

ديـن وبغضـته الشقاء الســــــرمـــدُ 

ورثت شمائــله بــراءة أحمـــــــــد

فيـكـاد من بـريده يـــشرق احمــــــدُ 

وغـلـوت حتى قـد جعلت زمامهــا 

ارثــــــا لكل مدمم لا يحـــــــــــمــدُ 

هـتك المحــارم واستبـاح خدورها 

ومــضـى بغـير هــواه لا يتقيـــــــدُ 

فأعادها بعـد الهــدى عصبيــــــــة 

جهـلاء تلتـهم النفوس وتفســــــــــدُ 

فكأنما الأسلام سلــعة تاجـــــــــــر

وكـأن أمـتـه لآلــك أعـــــــــــــــبــدُ 

فاسأل مــرابض كربلاء ويثـــرب

عن تـلكم النـــــار التي لا تـخــــــمدُ 

أرسلـت مـارجها فماج بــحــــــره

أمس الجــدود ولـن يجـّنبها غـــــــدُ

والـزاكـيات من الــدماء يريقـــــها 

بــاغ على حــرم النبوة مفـســــــــدُ 

والـطــاهرات فــديتهن حواســـرا 

تنثــال مـن عبـراتهن الأكـــــــــــبدُ 

والــطيبين من الصغــار كـــــأنهم 

بيض الزنابق ذيــــد عنها المـــوردُ 

تشكو الـظمـا والـــظالمـــــــــــون

أصمهم حقد أناخ على الجوانح موقدُ 

والــذائدين تبعثـرت اشلاؤهــــــم 

بــدوا فثـمة معصم وهنــــــا يـــــــدُ 

تـطأ السنابـك بالـظغاة أديـمهــــــا 

مثــــل الكتـــــاب مشى عليه الملحدُ 

فعلــى الرمــال من الأباة مضرج 

وعلـى النيــاق من الهداة مــصـــــفدُ 

وعـلــى الرمــاح بقــّية من عابــد 

كـالشمـس ضاء بـه الصـفا والمسجدُ 

ان يجهش الأثماء مــوضع قــدره 

فـلــقد دراه الـراكعـون السـّجـــــــــدُ 

أأبا يـزيد وســاء ذلـــــك عـــثـرة 

مـاذا أقول وبـاب سمعـك مــوصــــدُ 

قم وارمق النجف الشريف بنظرة 

يــرتد طرفـك وهــو بـاك أرمــــــــدُ 

تلك العـظـام أعز ربك قـدرهـــــا 

فتكـــاد لـولا خــوف ربــــك تـعـبـــدُ 

ابدا تبــاركهـا الوفــود يحـثــهــــا 

من كـل حدب شوقــها الـمـتـوقـــــــدُ 

نــازعتها الـدنيا ففزت بوردهــــا 

ثم انقضى كـالـحلم ذاك الــمـــــــوردُ 

وسعت الى الأخرى فخلد ذكرهـا 

في الخــالديـن وعــطف ربك أخــــلدُ 

أأبا يزيد لـتلك آهة مــوجـــــــــع 

أفضى الـيك بـها فـــؤاد مُـقـصـــــــدُ 

أنا لست بالــقــالي ولا أنا شـامت 

قـلب الكـريـم عن الشتامـة أبعــــــــدُ 

هي مهــجة حـرى اذاب شفـافهــا 

حزن على الاسلام لـم يـك يهمـــــــدُ 

ذكــرتهـا المــاضي فهـاج دفينهـا  

شـمـل لشعب المصـطفى متـبـــــــددُ 

فبعـثته عـتبا وان يـك قــاسيــــــا 

هو في ضـلـوعـي زفـــرة يتــــــرددُ 

لم استطع صبرا على غلوائها

أي الضلوع  على اللضى تتجلدُ

 

 Back Home Next