Back Home Next

 نحن وهود والرسالة
آراء الكاتب

د.عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com

جاء نبي الله هود بعد نوح الى قومه برسالة التوحيد، فقد شهدَ عهده تعدد الآلهة عند الناس، كل أختص بفكرة او توجه معين كأله المطر، وأله الحب، وأله الغضب، وأله الحرب فحل في المجتمع ما نسميها اليوم بالفوضى الخلاقة في العبادات واليقين. وقد ذكرها الحق في قوله تعالى:

(قال قد وقع عليكم من ربكم رجسُ وغضبُ أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان فأنتظروا اني معكم من المنتظرين، الأعراف 71) .

فالتشتت مرفوض في المجتمع الواحد حتى من رب العالمين.

ان المفارقة في قصة هود ان الآلهة المصطنعة كانت للخير والشر معاً لذا قال: ( بعضُ آلهتنا)،  فكانت رسالته التوحيد خوفا من تشتت المجتمع وحصول العداوة والبغضاء بينهم، وقيل ان عصر هود هو بداية ظهور مفهوم الوحدة عندهم، لأن فرقة المجتمع وتباعده والبغضاء بينهم موت له أكيد، وهذا ما يخططه الاعداء اليوم في الوطن العربي. فهل يدرك الساسة اليوم جريمة التفريق؟ ان الذين في رأسهم السلطة لا يعرفون الا التسلط وحكم الاخرين لانهم ضعاف في انفسهم يائسين.

هكذا كانوا عبدة الآلهة المتعددة مشتتين. .
حقيقة مرفوضة عرفها الانسان منذ القدم ولا زالت في مجتمعنا سارية المفعول وهي الفرقة والشرك بمعنى العدوان على الاخرين، لأن الشرك ظلم عظيم،  يقول الحق :

(قال اني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون، هود 54)

فلم تكن رسالة هود للتوحيد فقط بل للاستغفار والتوبة والدخول في خط الاستقامة والوحدة والخلاص من التشتت والفرقة والضعف، فهل يدرك الشعب العربي وحدته الوطنية اليوم قبل ان يموت؟،  يقول الحق:

( يا قوم أستغفروا ربكم ثم توبوا أليه، هود52)

السؤال هنا هل كان النبي هود متعلما ويقرأ ويكتب؟ المصادر لم تخبرنا عنه الا ما خص الرسالة، لكن المنطق يقول ان القادة دوما فلاسفة متعلمين كما في محمد وعلي وغاندي وسوار الذهب. أذن كيف أختاره الله لرسالته اذا لم يعلم بقدرته القيادية وشخصيته المتوازنة واحترامه في قومه والله يعلم ما تخفي الصدور؟ ألم يكن هذا نقص في التفسير، فأذا كان الرسول (ص) لا يقرأ ولا يكتب على حد قول غالبية المفسرين حين فسروا الآميين بالرسول (ص) فأين هود من التعليم؟ .وهل كان أمياً ؟

أذن لماذا يختار الله الآميين،
وهل في الآميين من سر لدني لا نعرفه من الأخرين؟ أم لبيان الأعجاز؟ والأعجاز والعصمة في الرسالة الآلهية وليست في الانبياء والمرسلين، يقول الحق:

(يا ايها الرسول بلغ ما أنزل اليك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، المائدة 67)

أسئلة لو تعمقنا بها تخرجنا عن اليقين. ولكن هل نبقى نرضخ بعقولنا المتفتحة اليوم لأراء الفقهاء والمفسرين ووعاظ السلاطين؟ ونقبل منهم كل ما يقولون دون دليل،

والدليل هو الحجة عند الفلاسفة والمتعلمين؟.
لتطور الزمن قانون، هو قانون الجدلية، يقول الحق:
( كلُ شيء هالك الا وَجهَهُ). ويقول:

(ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كلِ مثل ٍ وكان الانسانُ أكثرَ شيءُ جدلا، الكهف 54)

ورسالة هود خضعت لهذا القانون هو ان الاضداد لها اله واحد لعدم استيعابهم وحدة الاضداد، لذا كانت رسالته بتوحيد الأله الواحد هو اله الخير والرحمة والاستقامة والتوبة والأستغفار ولا أكثر كما في قوله تعالى:

(يا قوم ليس بي سفاهةُ ولكني رسول رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وانا لكم ناصحُ أمين،الاعراف 67-68)

فالرسالة الآلهية كانت مقتصرة على اصلاح النفس الانسانية وابعادها عن الخطأ دون تكليف. وهي جرعة جديدة من جرع الايمان تخاطب القوم على قدر عقولهم آنذاك.

في هذا الجو الاجتماعي المبهم الزاخر بالخرافات والاقاويل تأتي رسالة هود لتكشف لهم واقعا مغايرا لواقعهم تماما. الاعوجاج تقابلة الاستقامة، الفرقة والتشتت يقابله الوحدة والتعاضد،  الكفر والالحاد يقابله الأيمان بوحدة الآله الحق. الم تكن هذه القصة عبرة للمتخاصمين اليوم في أربيل بعد ان ضيعوا الوطن والمواطنين وهم يهرولون خلف السراب، أما شبعوا من اموال السحت الحرام، أم لا زالوا يتقاتلون على الخالي والمليان، تحركهم اصابع الحاقدين شرقا وغرباً،

وكأننا عُدنا لعبدالله بن سبأ والمتخاصمين، فأين المؤرخين؟..

يبدو ان بين نوح وهود ظهر سلم التطور وقد تمثل ذلك في الاستقرار والبناء وتذليل الانعام كما في قول الحق:

(وأتقوا الله الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين، الشعراء 132-133)

لخدمة الانسان وبمرور الزمن خضع العقل للمنطق وبدأ يبتعد رويدا رويدا عن الخرافة والاصرار عليها فتحول المجتمع من الخرافة الى المعرفة.

ومع هذا التردي الفكري والعقيدي عندهم لكننا نلمس لمحات المطالبة منهم بالبينات لاثبات رسالة هود، وهذه اول مرة في تاريخ الانسانية يبدأ العقل يربط الظاهرة لبيان الدليل كما في قوله تعالى:

( قالواأجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأننا بما تعدنا ان كنت من الصادقين، الاحقاف 22).

لم يكن لدى هود من الحجج والبراهين ما تمكنه من ايضاح السؤال المحرج من قومه بأعطاء الدليل على ما يقول لهم سوى رده بالوعيد، والوعيد ليس بدليل، لان الدليل هو الحجة كما يقول العلم الحديث، وهو لا يملكها هود، يقول الحق:

( قال انما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون، الاحقاف 23).

رسالة هود كانت البداية في التكليف لم تصاحبها تعليمات ربانية للصوم او الصلاة ولا اخبار عن الساعة ولا البعث ولا الصور ولا الجنة ولا النار، وأنما فيها نذرغير مباشرة لليوم الاخر يقول الحق:

( أني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، الاعراف59)

وهنا اشارة الى انتقام الله من المعتدين الظالمين في الدنيا لا في الأخرة كما في قوله تعالى:

(فأستجبنا له فنجيناه وأهلهُ من الكرب العظيم، الانبياء 76)

والقرآن يخبرنا ان الظلم والظالمين مرفوضين رفضا مطلقا من الله والناس اجمعين، ولن يمهلهم حتى يريهم ما يعملون في دنياهم ليجعلهم أذلة وعبرة للاخرين. ولنا في صدام والقذافي وحسني مبارك وابن علي وعبدالله الصلح وكل القادمين على الطريق حكمة رب العالمين فهل يدركون؟، يقول الحق: ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، غافر 18). نعم الظالمون لاشفعاء لهم ولا هم مطاعون، بل معذبون تكرههم حتى ثيابهم،
فأين الفرعون الكبير؟

آيات نزلت دون الاشارة الى يوم الحساب او الجنة والنار. اعتقد ان هذه المفاهيم حتى لو وردت في القرآن فهناك صعوبة بالغة في أدراكها من قبلهم في ذلك الوقت المتقدم،  لذا فقد استثناها القرآن في هذه الفترة المتقدمة من عمر البشرية لتأتي في رسالات قادمة اخرى وهكذا كان.

ان مفهوم الجنة والنار والعقاب والثواب وذكر اليوم الاخر صراحة لم يرد الا في عهد نبوة شعيب، وبين هود وشعيب صالح ولوط كما في قوله تعالى:

(والى مدين أخاهم شعيباً فقال ياقوم أعبدوا الله وارجوا اليوم الأخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين، العنكبوت 36)

 ومفهوم العبادة هو تأدية الحق والعدل والاستقامة وحقوق الناس اجمعين. فالبشرية ما خلقت لتأكلها ذئاب الجائعين .

ان تعليمات السماء للارض قدمت على شكل جرعات بين فترة واخرى لامكانية الاستيعاب لمجتمع لازال في عهد النضوج الفكري وظلت تسري فيهم التعليمات حتى استكملت في عهد محمد (ص) في قول الحق (اليوم أكملت لكم دينكم....). وحين استكملت اصبحت قانونا لا يرد واجب التكليف.

ان هودا وصالحا وشعيبا ليسوا من ذرية نوح وليسوا من ذرية آدم حيث لم يأتِ ذكرهم نهائيا في ذريتي آدم ونوح كما في قول الحق:

(ان الله اصطفى آدمَ ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين، آل عمران 33)

لذا أنهم من البشر الأخرين الذين عاصروا ذرية آدم وتأنسنوا معه. فآدم ليس هو ابو البشر وانما هو ابو الأنسنة اي منه بدأ التجريد (قانون تغير الاشياء). والمكتشفات الأثرية الحديثة تثبت ان الانسان وجد منذ ملايين السنين كما في انسان النايتدرال المكتشف في الصين واماكن اخرى.
والفرق الزمني بينهم كبير.

هذه الدراسات الحديثة تدعونا الى تأويل القرآن الكريم تأويلا علميا من جديد، وأخراجه من دائرة التفسيرات القرآنية للفقهاء التي جاءت مشوشة في المعلومات العلمية، لذا قال بعضهم ان بعض الآيات لا تفسر وان الحروف في بداية بعض السور القرآنية جاءت زائدة لعجزهم عن التأويل، وكأن القرآن فيه حشوٍ لا سامح الله. وقد ذكر القرآن في سورة آل عمران آية (7)، ان التأويل من اختصاص الله والعلماء مجتمعين لا مفرقين.لصعوبة تحديد المفهوم القرآني من الأخرين. فهل نبقى نتعايش مع التفكك الفكري والتعصب المذهبي واللجوء الى مواقف فكرية او سياسية تراثية مضى عليها مئات السنين، وهل سنبقى ننتظرمن اوصلنا الى الدرك الاسفل من فقدان الحقيقة والنتيجة والحقوق. وها ترانا اليوم اصبحنا ضياعا بلا دليل،

كل الامم تقدمت الا نحن اصبحنا من المتخلفين.

ان المسلمين اليوم يعيشون ازمة فقهية حادة بحاجة الى فقه جديد، واسلام اليوم بحاجة الى مراجعة وتجديد،  ولعل هذا هو السر في المحنة الثقافية التي ما زلنا نعيشها، وعلامتها اننا متورطون في لغة بعيدة عن الواقع .. فالأسلام الحق – بالفهم الصحيح لمصطلحاته – يعيش في لغة الناس، وليس في واقعهم ..
ويالها من محنة نعايشها من عصر الامويين.

ولكن في حالة الاختراق الم نكن بحاجة الى فقه بديل؟ ومن اين لنا ونحن محاصرون ان نأتي بالبديل؟ ومن منا يستطيع ان يطرح نظرية اصيلة في المعرفة الانسانية، اطلاقا من التأويل والتفسير؟ وهو محرم الا على المفسرين مادامت السلفية التي الغت الزمان والمكان واغتالت التاريخ واسقطت العقل والانسان شاهرة سلاحها بوجة المتحضرين. ان المنطلق الفلسفي ينتج عنه بالضرورة فقه بديل.

ولكن من اين لنا البديل ؟.
ان قوانين الاسلام في المعرفة والحرية والعدل وحماية الاوطان هي قوانين المطلق، ومن المطلق تصاغ الدساتير بحكمة ودراية حتى لا يترك فيها النقص والهفوات التي تفسر لصالح المنتفعين. الدساتير الوضعية كما في الدستور البريطاني العريق والامريكي العظيم ما وضعت الا من قبل متخصصين في الفقه الدستوري عملوا فيها لسنين.
والقوانين يجب اعادة النظر فيها كل خمس سنين لمواكبة تطور الدولة والزمن وما يستجد من حالات تستدعي التغيير، وهذا هو المعمول به في دساتير المتحضرين. بينما دساتيرنا اليوم كما ترونها فيها الف علة وثغرة تعرقل التطوير، ولا زالت تطبق بأزدواجية المعايير حتى بين الفئة الواحدة من المستحقين، أهذه هي عدالة القوانين؟

والأنكى من هذا لا زلنا الى اليوم نتعامل بقوانين البعثيين.
اذا كان التطور معروفا منذ ذلك الزمن البعيد بعد ان طرحت أسئلة الدليل، فكيف يحق لنا اليوم ان نعمل بنظريات القديم في العادات والتقاليد وكل ما تركته لنا عقول الماضيين دون حجة ودليل؟، ألم يكن هذا لعجزنا عن مواجهة تحديات العصر الواحد والعشرين؟
او أبقاء القديم على قدمة خدمة للمستفيدين. ألم نكن نعيش اليوم أزمة فكرية قاتلة فرضتها علينا سياط الظالمين، أم ماذا؟ .

في قصص القرآن الكريم عضة وعبرة للناس أجمعين، فدعونا من المتفيهقين.
 

 Back Home Next