Back Home Next

المبدأ والعقيدة والأسلام السياسي: أين نحن منها ؟

بمناسبة فوزالاسلاميين بمصر العزيزة

آراء الكاتب

د.عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com

 

 أبتداءً نتمنى اليوم من الأعماق لفوز محمد مرسي برئاسة جمهورية مصر الثانية كل الموفقية والنجاح والتقدم بعد هذا الانتخاب الحر النزيه، وبعد ان وعد ناخبيه من المصريين بتحقيق العدالة الاجتماعية والأبتعاد عن الاسلام السياسي الخاطىء المتعارف عليه اليوم، ليعيد للاسلام والمسلمين نظرية الصراط المستقينم التي جاء بها الاسلام وفق ديمقراطية الاسلام الصحيح. وان تكون أطروحاته الفلسفية في حكم الدولة تمثل نمطاً من التفكير يغلب عليه طابع الحق والعدل دون تفريق.ان ما صدر عنه من اقوال وخطب سمعناها بآذاننا نرجو لها ان تنفذ لتكون تواصل حقيقي بين انسان وانسان، وفي خدمة الغاية المتوخاة منها، خصوصا اننا نجد مثل هذه الغاية قد سبقته عند المفكرين الصادقين من امثال علي بن ابي طالب (ع). فهل هو مستعد فعلا ليتحول الى الاسلام الجديد، أسلام الحق في القول والعمل والتطبيق؟، ويتخلى عن اسلام وعاظ السلاطين؟  دعنا ننتظر.

يقول الحق: ( ان الدين عند الله الاسلام ) ولكن عن أي اسلام تتحدث الآية الكريمة؟ اسلام محمد (ص)، أم الاسلام السياسي؟ فأسلام محمد قائم على البينات المادية واجماع أكثرية الناس في حرية الرأي والتعبير، والوحدة والتعاون بين اخوة الدين والبشرية والالتزام بالمبدأ والثبات عليه والحق والباطل، والحلال والحرام دون تقنين، لأنهما أساس الحياة الانسانية في الدين. أما اسلام  السياسيين الحاليين فهو غير ذلك، هواسلام ضياع الحقيقة وسيطرة السياسيين على مقاليد الدولة والتصرف بحق الشعب والوطن كيفما يشاؤون، لذا بقي الاسلام والمسلمين على حالهم دون تغيير

.
على الكتاب والمؤرخين ان يقدموا اليوم للانسان المسلم والعالم المعاصر نظرة جديدة للاسلام، تنطلق من مفاهيم اللغة العربية الأصيلة التي نزل بها القرآن الكريم، ويقفوا على الأرضية الفلسفية والمعرفية للعصر الحديث، ويتركوا ما جاءت به السلفية من ألغاء للعقل والتاريخ. لقد عرض القرآن الكريم فلسفة معرفية غفلها الفقهاء واصحاب التفاسير المحنطة بلغة الترادف الخاطئة، جاء بلغة المعرفة الحقة القائمة على العدل والصراط المستقيم في التشريع والاخلاق والجمال والاقتصاد والتاريخ، لذا فقد كانت القصص القرآنية صفحة بيضاء ناصعة للناظرين وليست من أساطير الأولين كما قالوا عنها  خطئاً كل المفسرين.
ان العمود الفقري للعقيدة الاسلامية هو قانون التغير (التطور) حيث تكمن عقيدة التوحيد (قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدا الخلق)، وقانون تغير الاشياء وهو المفهوم الاساسي للوجود حيث يكمن من بعده كل جديد. من هذا المنطلق علينا ان نعرف الاسلام وفقا للآية الكريمة (ان الدين عند الله الاسلام) لنصل الى وضع منهج جديد في أصول التشريع الأسلامي القائم على البينات المادية، وأجماع الأكثرية وان حرية التعبيرعن الرأي وحرية الاختيارهما اساس الحياة الانسانية في العالمين. وهذا لا يتحقق الا في ظل حكومة حرة خالية من سيطرة المصالح الشخصية وميثيولوجيا الدين

.
فأسلام المسلمين واحد، وتشريعاتهم واحده، وصلاتهم واحدة، وآذانهم واحد، وحجهم للبيت الحرام واحد، وصوم رمضان والافطار واحد. فمن اين جاؤا لنا بهذه التعددية المذهبية الغريبة التي أوقعتنا في محنة الزمن والفرقة القاتلة وجعلتنا أذلة للأخرين. ألم يقل القرآن الكريم :(ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون، سورة الانبياء 92). فمعنى ذلك ينبغي ان تكون الامة امة واحدة متآخية ومتعاونة، لا كيانات متنازعة متقاتلة. ولا يجوز لأي جماعة ان تنصرف عن هذه الوحدة لاي سبب من الاسباب، ولهذا قال الرسول (ص): (لا تجمع أمتي على ضلالة) اي ان اجماع الامة واجتماع كلمتها لا بد ان يكون خيراً. والا فلنتحول الى عقيدة اخرى تنقذنا من غرق الأفاكين.
ولو كلفت نفسك وعدت للمعاجم العربية وكتب التفسير وكتب الاصول، لوجدت نفسك امام خلط عجيب وواضح بين الشرك والكفر والاجرام، وأمام ثنائية غائمة لا تفرق بين المسلم والمؤمن، والاسلام والأيمان، وتجعل المسلمين مؤمنين والمؤمنين مسلمين والجميع اتباع محمد (ص). وهذا أكبر خطأ منهجي وقع به المفسرون والفقهاء منذ بداية التفسير للقرآن الكريم وقراءة السيرة النبوية العطرة. بينما يقول القرآن عكس ذلك كما في الآية الكريمة: (ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الاحزاب 35). ويفهم من الآية أمرين، الاول ان المسلمين والمسلمات شيء، والمؤمنين والمؤمنات شيء اخر، والثاني ان الاسلام يتقدم دائما على الايمان ويسبقه. بينما جاء التفسير معكوساً لجهلهم بالتأويل.
ولتلافي ما تنبأ به الرسول (ص) من فتنة المستقبل واستغلال سيرته لتفرق المسلمين،  قال عند دخوله مكة فاتحاً عهد الحرية كما جاءت في الدين، ومنهياً عهد الشرك والأصنام فيها: (أيها الناس لا تنقلوا عني غير القرآن حتى لا يختلط كلامي بكلام الله، (انظر الواقدي في المغازي، الطبعة الحجرية القديمة). فمن أين جاؤا لنا بألاف الاحاديث المختلقة على ما قالته نقلة الحديث الأخرين.
 

ان من يطلع على الاحاديث التي نقلها لنا صحيحي البخاري ومسلم وبحار الانوار للمجلسي يعتريه العجب وكيف نقلوا لنا كل كبيرة وصغيرة عن الرسول وحولوها الى حديث، ولا ندري من أين جاؤا بمصادر التدوين، والتدوين لم يبدأ الا في منتصف القرن الثاني للهجرة 150 للهجرة على عهد المنصور). وكل ما نقل تلاعبت فية ألسنَة المؤيدين للأمويين والعباسيين مغتصبي حقوق المسلمين في حرية ادارة الدولة وتنفيذ التشريع. وحتى السيرة النبوية التي كتبها ابن اسحاق المقرب من العهد النبوي مزقها ابن هشام لصالح الحاكمين حين كان يتصرف فيها على هواه. علينا اليوم ان ندرك ان اصرار الحاكمين على الاسلام السياسي ماهي الا نظرية خاطئة ومحرمة ليسودوا في حكم المسلمين ظلما وعدوانا ولا يهمهم من يقتل او يشرد وها ترانا اليوم اصبحنا في اخر الصف من المتخلفين .
ونعود الآن الى المبدا والعقيدة فنقول: الكل اليوم يدعي النضال والحرمان والتشريد  والمظلومية وكأن القيادة جاءت ثمنا للتضحية، لا ان التضحية تأتي ثمنا لتحقيق العدالة بين الناس والمحافظة على حقوقهم وصيانة الاوطان.
 لقد عانى الكثير من المخلصين من اعدائهم الكثير،

لكن العقيدة يهون دونها كل جهد وعناء. وهكذا عانى أهل البيت والصحابة الاخيارعبر العصور من الامويين والعباسيين وكل اعداء الحق ما عاناه جدهم، واليوم نحن علينا ان نكون مثلهم من المطبقين. نعم بحسن نية اساء الينا القدماء حين تصوروا ان كل ما قالوه لنا سيبقى قرآنا للقادمين. وهم بذلك يجهلون صيرورة الزمن في التغيير. لكن من يدعون اليوم بورثة اهل البيت العظام عليهم ان يثبتوا الصحيح فالتاريخ سجل للقادمين.
حين قامت ثورة الصين حصنت الصين جدارها ومنعت كل الاخرين من الاقتراب من الصين ولم تفتح منافذه للناس الا حينما وصلوا ما يرضيهم ويرضي شعوبهم من التقدم الحضارة والسياسة والمجتمع والناس عندهم اجمعين. حتى قال ماوتسي تونغ ان الصين للصينيين وليست لغيرهم من الاخرين وها ترى الصين اليوم الى اين وصلت في العالمين. (أنظر موسوعة ماو).
وحين قامت ثورة 17 اكتوبؤ عام 1917 فرض الاتحاد السوفياتي السور الحديدي عليه ولم يفتحه الا حينما وصل الى ما وصل اليه كل المتقدمين في الحضارة والسياسة والناس عندهم اجمعين، لكن حينما انحرفت قياداتهم عادوا الى الضعف والخسران.


واليوم نحن في العراق  عندما حصل التغيير فتحنا حدود الوطن لمن هب ودب ليسرق ويقتل دون ضمير، ألم يكن ذلك بحاجة الى تفسير؟. واليوم حين حانت ساعة الصفر وظهر التناقض بينهم، اصبح كل واحد منهم يهدد الاخر بالتجاوزات القانونية، وما دروا ان التعتيم على هذه التجاوزات كل هذا الزمن الطويل هو بحد ذاته ادانة لهم ولسجلاتهم التاريخية في حكم المواطنين يستحقون بها التجريم ان ثبت الدليل.
نقول للمسئولين اليوم: ان القرآن قد عبر عن مبادىء الحق واليقين بقوله: (قوله الحق وله الملك) فبعث فينا فكر الصادقين، وعبر فينا عن تواصل بين انسان وانسان، حين اورده في (كتاب مبين) فيه التصريف والتغيير وهو مناط التكليف الالهي وفقا لنواميس الكون التي ارتضاها لاسعاد البشر اجمعين كما قالته الفلاسفة من المبدعين. ان صيانة الثروة والعدل بين الناس واليقين من مبادىء المسلمين؟ فأين نحن منها الآن؟ نتقاتل بيننا على الخالي والمليان، فلا تدعوا المسئولية، فالمسئولية هي عظمة العدل واليقين، وانتم مسئولون عنها في التطبيق.
على الاخوة الكتاب والمثقفين ان يقللوا من كتابات القصص والخيال ويعودا لمحنة الشعب المتجه اليوم نحو الضعف العام خوفا من التبعثر والانقراض لتسود طبقة الحكام المماليك الجدد، فأين نحن اليوم من مسئولية الوطن والضمير.


نحن نمر اليوم بمرحلة القصور عن ادراك معنى التاريخ ومعنى المسئولية، حتى اصبحت الفضائيات تنقل لنا اخبارا يقصد منها الضياع والتشتيت، بعد ان اصبحت سلعة رخيصة بيد الحاكمين المتنفذين، ومن يراقب ما ينشر حول وسائل الاعلام يعتريه العجب، الهذه الدرجة انحطت اخلاق بعض الاعلامين والحاكمين. ان الاخبار التي تنشر ليست مجرد كلام يكتب في صحف مبعثرة ضعنا حتى في اسمائها المتداخلة، لا ليست كلاما يكتب بل هي تجارب تسجل، والتجارب تبقى حية بثمراتها دون ان يكون هناك شاهد عليها بالضرورة، فهل يعلمون؟
وكما يقول الشاعر العربي:

وما لزماننا عيبُ سوانا

 

نعيب زماننا والعيب فينا

 Back Home Next