Back Home Next

 الرحمن والشيطان ....مفهومان  متناقضان ؟

آراء الكاتب

د.عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com

يقول الحق :

 الرحمن علمَ القرآن   خلقَ الانسانََ  علمهُ البيان  .....والسماءُ رفعها ووضع الميزان  ألا تطغوا في الميزانِ  وأقيموا الوزن  بالقسط  ولا تخسروا  الميزان، (الرحمن).

أبتداءً نقول  ان مصطلح الرحمن، ومصطلح الشيطان وهما النقيضان اللذان يعملان في الدماغ الأنساني  "التصديق والتكذيب، أي الحقيقة والوهم" ان المعرفة الانسانية تحتم على المسلم الصحيح ان يعرفهما ويعرف الفرق بينهما لغة وأصطلاحاً .

كلمة الرحمن تعني الرقة والعطف والرأفة، وتعني الأحسان الى الأخر، وتعني القوانين الالهية في السيطرة والاستحكام،  وهو مصطلح أستحدث بنزول القرآن الكريم، لذا اعتبر القرآن القوانين المادية الموضوعية والقائمة على الثنائيات في الكون هي قوانين رحمانية مادية ملزمة في التطبيق لكونها هي التي تحفظ الحقوق والواجبات للأنسان، اي لتحقيق العدالة والاستقامة. كما في قوله تعالى : ( ولا تَلبسُوا الحقَ بالباطلِ وتكتموا الحق ,انتم تعلمون، البقرة 42). أي بعد تفريق الحق عن الباطل يجب ان لا نلبسهما معاً مرة أخرى لذا علق في نهاية الآية بقوله (وأنتم تعلمون).

  بينما كلمة الشيطان هي من المصطلحات المتشابهة التي تعني الغرابة. وهي مصطلح مادي موضوعي له وجود خارج الوعي الأنساني، لأنه يذكر ولا يرى، كما في قول الحق: (واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤون، البقرة 14. فالشياطين هنا قد تعني اشخاصاً غير ظاهرين للعيان، وقد تعني أوهاما لا تقدر الا بقدر. لكنها في الحقيقة تعني الباطل والأعوجاج.

 وورود كلمة الرحمن في بداية كل سورة تعني التذكير بقوانين الربوبية التي تدعو الى التطور  وهي قوانين رحمانية تعمل بشكل موضوعي سواءً أدركناها ام لم ندركها، لأن القدرة الآلهية أمر خارج نطاق الأدراك البشري كما في قوله: (الرحمن فأسئل به خبيرا، الفرقان 59).

ان القوانين الرحمانية التي وردت هي ( قوانين الجدل) اي وحدة الخلق وصراع المتناقضات في الشيء الواحد وجدل الأزواج في الأشياء وهي قوانين الثابت والمتحول المخزنة في الامام المبين الذي يحتوي على قوانين التصرف في ظواهر الطبيعة، وكذلك السلوك الأنساني بعد حدوثه. فورود كلمة الرحمن في القرآن تعني مفهوم القوانين التي جاء بها الخالق لتنظيم الحياة البشرية على الارض ولم ترد في مفهوم الرحمة أبداً، وهو المولد لذا قال الحق: (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون،الانبياء 26).

في العالم الرحماني لا توجد (لا معقولات)  وانما هناك عجز العقل الأنساني عن الأدراك لما لا يدرك لذا جات بصفة الصيغة المادية الصوتية مثال ذلك (الجن والملائكة) فهي موجودة وثابتة بالنص القرآني لكنها غير مدركة ولامرئية ابداً.

من هنا نستطيع ان نلمس قوانين التطور وتغير الصيرورة وقوانين الزوجية في الاشياء (مخلق وغير مخلق)  و (معرشات وغير معرشات). وهكذا ولد الكون وخلقت القوانين الربانية التي لا يجوز اختراقها بمن آمن بالله واليوم الاخر كما في قوله تعالى: (وجئتكم بآية من ربكم فأتقوا الله وأطيعون، آل عمران 59) . والطاعة هنا تكليف وواجب وليس اختيار. لذا فان قوانين القرآن هي الوجود المادي المخلوق الذي يتماشى مع التطور، من هنا نقول ان النص القرآني ثابت ومحتواها متحرك ليتوائم مع التطور الزمني للحياة، والا كيف نثبت ان القرآن صالح لكل زمان ومكان؟ .

وبأنتصار الفقهاء على عهد المتوكل العباسي (232 للهجرة) على المعتزلة  تم قصم الفكر الاسلامي العقلاني وهنا ضاع الفرق بين الكتاب والقرآن وضاع معهما العقل  واصبح النقل  اساس الاسلام لا العقل، وهي الكارثة التي حلت بالاسلام ولا نزال نعايشها الى اليوم حين حلت نظرية الجبرهي العقيدة الرسمية لعامة المسلمين التي أفقدتنا التقدم والتطور وفق معايير الأسلام الحضارية.

اما مصطلح الشيطان: فجاء للدلالة على الباطل في الفكر الأنساني وهو النقيض للرحمن تماماً الذي هو طرف الحقيقة في الوجود المادي كما في قوله تعالى: (يا أبتِ لا تعبد الشيطان ان الشيطان كان للرحمن عصيا، مريم 44). لذا فالرحمن يمثل الجانب الموضوعي الحقيقي في قوانين الوجود والشيطان يمثل الجانب الوهمي في الفكر الانساني.

فكلمة بسم الله الرحمن الرحيم هي ليست فواتح للسور كما اوردها كل المفسرين، بل هي قوانين الوجود المادية التي وردت في كل سورة قرآنية. لذا فالأستعاذة من الشيطان في قرءة القرآن المقصود بها  صد الشيطان من تحويل قراءة القوانين الآلهية الى اوهام شيطانية، وهذه هي منتهى الحكمة في مصطلح الرحمن الذي لم يدركه الفقهاء فظل معطلا في رؤوس الناس.

من هنا فأن المصطلحين الرحمن والشيطان هما اطراف العملية الجدلية في الفكر الأنساني، فالرحمن يمثل الجانب المادي الموضوعي والشيطان يمثل الجانب الوهمي في الفكر الأنساني. لذا فالأستعاذة من الشيطان الرجيم قبل قراءة القرآن تعني التصدي له لتحويل القراءة القرآنية الى قراءة مادية رحمانية وابعادها عن اي توجه شيطاني. فمن يبتعد عن تنفيذ اي قانون ضد المادية الرحمانية سواءً كان فردا او حاكما فهو في دائرة المسائلة الربانية عنه حتماً.

من هنا لابد من يتصدى للتفسير القرآني عليه ان يكون عالما باللغة والعلم مبتعدا عن الترادف اللغوي وبكل عناصر المعرفة الانسانية ليعطي للقارىء المفهوم القرآني في التطبيق، فالقرآن ما جاء ليقرأ ويجود، بل جاء ليقرأ ويفهم ومنه تستخرج القوانين الناظمة للوجود الانساني الملزمة في التطبيق. فأين نحن اليوم من السلف الذين اهملوا الزمان والمكان واغتالوا التاريخ  واسقطوا العقل.

 نعم ان القرآن هو المعجزة الخالدة لمحمد (ص) صالح لكل زمان ومكان الى يوم الدين وما ورد فيه ملزم التنفيذ كأي نص في قانون او دستور. فأين  علماء التخصص من التفسير الصحيح. وأين المنهج المدرسي الذي نريده لطلابنا الجدد املا في تغيير النظرة الحقيقة للوجود الرباني الحكيم.

ان المزيفين للحقائق والسارقين لأموال الناس والخائنين للأوطان والناكثين للعهود والحانثين للآيمان هم الذين تنطبق عليهم كلمة الشياطين،  فليس من واجبهم قيادة الشعوب والتحكم بمصائرها، وليس من واجبهم الأستئثار بعقول الناس وتخريبها وابعادهم عن حقائق الوجود وقوانينه الربانية  الملزمة في التنفيذ. وما لم تتغير الصورة الحقيقية للتأويل القرآني سنبقى خلف كل الشعوب دون حراك.

 Back Home Next